لماذا تصاعد نشاط تنظيم داعش في السودان؟

سياقات محفزة:

لماذا تصاعد نشاط تنظيم داعش في السودان؟



أعلنت السلطات الأمنية السودانية، في 28 سبتمبر 2021، عن إلقاء القبض على إحدى الخلايا الإرهابية التابعة لتنظيم داعش، والمكونة من 15 شخصاً من جنسيات مختلفة (تم إلقاء القبض على 11 منهم، فيما تمكن أربعة آخرون من الفرار)، وذلك بإحدى البنايات في ضاحية “جبرة” (بأحياء جبرة مربعي ١٨ و١٤- والأزهري مربع ١٤) جنوب العاصمة الخرطوم، وأسفرت العملية عن القبض على عناصر هذه الخلية، كما تم القبض بمدينة بورتسودان على زعيمها ويدعى “محمود” وهو مصري الجنسية، وأيضاً مقتل خمسة (ضابطين، و3 ضباط صف) من أفراد الشرطة السودانية وإصابة عدد آخرين.

مؤشرات هامة

يوجد عدد من المؤشرات الهامة التي تكشف عن تصاعد أنشطة تنظيمي داعش والقاعدة في البلاد، ومن أبرزها ما يلي:

1- إعلان السلطات الأمنية والمخابراتية السودانية منذ مطلع العام الجاري عن تمكّنها من القبض على عدد من الخلايا الإرهابية النائمة في مناطق متفرقة من العاصمة الخرطوم، كان من بين عناصرها أشخاص يحملون جنسيات أخرى غير السودانية، وبحوزتهم مخططات ومتفجرات لشن بعض العمليات الإرهابية داخل السودان.

2- الكشف عن إحدى الخلايا الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي في شهر يونيو الماضي، وكانت هذه الخلية مكونة من 9 أشخاص (4 سودانيين، 5 من جنسيات أخرى).

3- الكشف عن إحدى الخلايا النائمة التابعة لتنظيم داعش الإرهابي في منطقة “صوامع الغلال” بولاية القضارف الواقعة شرقي البلاد، وذلك بعد أن رصدت السلطات الأمنية في فبراير الماضي قيام عدد من العناصر النشطة على مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بنشر مقاطع فيديو يرفعون فيه علم داعش، وإعلانهم عزمهم إنشاء إمارة جديدة تحت إمرة وولاية زعيم واحد لكل دول العالم.

بيئة حاضنة

يشير الكشف عن هذه الخلية الإرهابية إلى اهتمام تنظيم داعش الإرهابي باتخاذ السودان نقطة انطلاق له للتخطيط لشن وارتكاب عمليات إرهابية جديدة، سواء داخل السودان أو في دول الجوار. وفي هذا الإطار، يمكن تفسير تصاعد نشاط تنظيم داعش في البلاد من خلال مجموعة من العوامل التي تساعد على ذلك، ومن أهمها ما يلي:

1- تزايد السيولة الأمنية المشجعة لنشاط العصابات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، تعاني البلاد من حالة سيولة أمنية هائلة، فخلال الشهرين الأخيرين ازدادت حدة الاشتباكات القبلية والعرقية في عدد من الولايات السودانية، وخاصة في شرق البلاد وفي إقليم دارفور، وأيضاً في العاصمة الخرطوم التي شهدت تصاعداً لأنشطة بعض العصابات المسلحة، وذلك قبل أن تقوم السلطات الأمنية بفرض سيطرتها، وتعزيز تواجدها الأمني، وفرض سيادة الدولة على كافة المناطق التي تعرضت لعمليات النهب والسرقة للممتلكات العامة والخاصة وترويع المدنيين، هذا إلى جانب انتشار الأسلحة في أيدي المواطنين والقبائل بصورة واسعة، وقد شجعت حالة السيولة الأمنية العناصر الموالية لتنظيم داعش وتشكيل خلية تابعة له تؤمن بأفكاره وتوجهاته الأيديولوجية داخل العاصمة الخرطوم.

2- توافر البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية الحاضنة، فالمجتمع السوداني الحالي منذ عهد الرئيس المعزول “عمر البشير” يمثل بيئة خصبة لتنامي التيارات السلفية والجهادية المسلحة، وترك ذلك أثراً ممتداً تَمثّل في أن أصبح المجتمع السوداني بتفاعلاته المجتمعية الحالية يوفر البيئة الحاضنة الدافعة بالشباب وبعض أفراد المجتمع السوداني للانضمام لبعض التنظيمات الإرهابية وخاصة داعش، حيث وفرت البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية أيضاً داخل البلاد المناخ الملائم لعمل تنظيم داعش، والذي يعتمد على جذب العناصر الجديدة إلى صفوفه معتمداً على تقديم الإغراءات المالية والسلاح، مع توظيف الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية لنشر الأفكار المتطرفة والأفكار الدينية المغلوطة لتجديد صفوف التنظيم، ومن ثم تكوين خلايا نائمة داخل المجتمع والاعتماد عليها في الوقت المناسب لشن عمليات إرهابية جديدة.

3- التنسيق مع فرعي تنظيم الإخوان المسلمين في مصر والسودان، ومن أسباب تصاعد تنظيم داعش في البلاد القيام بالتنسيق مع تنظيم الإخوان المسلمين المصنف إرهابياً في مصر، والمعزول سياسياً في السودان، حيث تم الكشف عن تورط بعض العناصر المنتمية لتنظيم الإخوان المسلمين الهاربين من مصر إلى السودان، من بينهم فتاة كان تنظيم الإخوان المسلمين في مصر يدعي أنها مختطفة قسرياً، بالإضافة إلى زعيم الخلية الإرهابية وهو مصري أيضاً، الأمر الذي دفع السلطات المصرية إلى مطالبة السلطات السودانية بتسليمها هذين العنصرين.

4- توظيف مواقع التواصل الاجتماعي لتجنيد عناصر جديدة، اعتمد تنظيم داعش خلال الفترة الأخيرة على نشر أفكاره وجذب عناصر جديدة لصفوفه، من خلال توظيف مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر بعد أن اضطر التنظيم لتغيير استراتيجيته في التأثير والانتشار، الأمر الذي ساعده على اختراق المجتمع السوداني إلكترونياً، وتمكين العناصر الموالية من التواصل مع بعضهم بعضاً لمعرفة التوجيهات والتعليمات الخاصة بإعادة ترتيب الصفوف والتجنيد والتدريب والانتشار مرة أخرى، ويتم ذلك عبر استقطاب الشباب وخاصة طلبة الجامعات الذين يتم تجنيدهم وإرسالهم إلى معسكرات التدريب الواقعة على الحدود السودانية مع بعض دول الجوار.

5- البحث عن قاعدة انطلاق جديدة لتدريب العناصر المسلحة، لطالما فكر قادة تنظيم داعش في اتخاذ السودان دولة ترانزيت” لتدريب عناصرها المسلحة في معسكرات كان قد أعدها “البشير” لإيواء العناصر المنتمية لتنظيم القاعدة الإرهابي، واتخاذ أراضيها بعد ذلك كنقطة وقاعدة انطلاق جديدة بعد مظاهر وصور التضييق التي تعرض لها التنظيم في سوريا والعراق، وبعد ذلك التضييق على بعض قادة تنظيم الإخوان المسلمين الذين كانوا يتخذون من تركيا ملجأ لهم، وكانوا على صلات قوية بتنظيم داعش. وعلى خلفية التوجه التركي للتصالح مع مصر، وإعادة العلاقات الدبلوماسية معها؛ وجد التنظيم في السودان بيئة مهيأة لاختراقها واتخاذها قاعدة للانطلاق منها للتأكيد على صمود وبقاء التنظيم. وفي عهد الرئيس المعزول “عمر البشير” قدم للعناصر الإرهابية الدعم اللوجيستي والمادي باستضافة عناصر القاعدة وزعيمها السابق “أسامة بن لادن” وعدد آخر من قيادات التنظيم خلال فترة التسعينيات.

6- اتساع الحدود الجغرافية غير المسيطر عليها، حيث تلعب العوامل الجغرافية عاملاً هاماً يساعد التنظيمات الإرهابية على التسلل إلى الداخل السوداني، وخاصة مع بعض دول الجوار مثل ليبيا التي تستضيف بداخلها العديد من التنظيمات والجماعات الإرهابية المسلحة، واستغلال بعض عصابات الجريمة المنظمة العاملة في تهريب السلاح والبشر والمخدرات لهذه الحدود من أجل ممارسة أنشطتها الإجرامية، ومن ثم تسهيل دخول العناصر الإرهابية إلى الداخل السوداني. وخلال الفترة الأخيرة نجحت القوات المسلحة السودانية بالاشتراك مع نظيرتها التشادية في منع تدفق وتسلل بعض العناصر الإرهابية، والتصدي لأنشطة تهريب السلاح والبشر عبر الحدود المشتركة بين السودان وليبيا وتشاد.

7- تخطيط عناصر من النظام السابق للعودة إلى الحكم مرة أخرى، لا يمكن الحديث عن تصاعد نشاط تنظيم داعش في البلاد بمعزل عن مخططات أنصار النظام السابق من قيادات حزب المؤتمر الوطني (المنحل) وتنظيم الحركة الإسلامية، بشأن العودة للحكم مرة أخرى، فالكشف عن هذه الخلية الإرهابية في التوقيت الحالي بعد أسبوع تقريباً من محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة على السلطة الانتقالية بالسودان يعكس محاولات أنصار الرئيس المعزول “البشير” لتوظيف ورقة التنظيمات الإرهابية للضغط على النظام السياسي الانتقالي الحالي بهدف التأكيد على عدم قدرة الحكومة الانتقالية الحالية على مواجهة مخاطر هذه التنظيمات الإرهابية، وأن الحل يكمن في عودة الإسلاميين للحكم مرة أخرى لتجنيب البلاد المخاطر والتهديدات الأمنية المترتبة على تصاعد أنشطة هذه التنظيمات الإرهابية.

سيناريوهان محتملان

وفقاً لتلك المعطيات الراهنة، توجد بعض السيناريوهات المحتملة بشأن تصاعد أنشطة تنظيم داعش الإرهابي في السودان خلال الفترة القادمة، وذلك على النحو التالي:

السيناريو الأول: دور متصاعد، ويرجح هذا السيناريو أن تشهد الفترة المقبلة تصاعداً ملحوظاً لنشاط تنظيم داعش الإرهابي في البلاد، ويستند هذا السيناريو إلى بعض العوامل وعلى رأسها الكشف المتكرر عن الخلايا النائمة التابعة لتنظيمي القاعدة وداعش داخل الولايات السودانية المختلفة منذ مطلع العام الجاري، واهتمام تنظيم داعش بالانتشار داخل البلاد منذ إسقاط نظام الإنقاذ السابق، وأيضاً انشغال شركاء الحكم الانتقالي (مجلس السيادة الوطني – الحكومة الانتقالية – مجلس الوزراء..) بالخلافات المتصاعدة حالياً بين المكونين العسكري والمدني داخل مؤسسات الحكم الانتقالي، بالإضافة إلى تزايد احتمالات تسلل بعض العناصر الإرهابية التابعة لداعش من دول الساحل والصحراء وليبيا إلى إقليم دارفور غرب السودان وتأثير ذلك سلباً على الانتباه للمسائل الأمنية وحماية الأمن القومي للبلاد ضد المخاطر والتهديدات الأمنية المتزايدة نتيجة لذلك، بالإضافة إلى دور تنظيم الحركة الإسلامية في إثارة الاضطرابات الأمنية وتوظيف ورقة التنظيمات الإرهابية لمساعدتهم على العودة للسلطة مرة أخرى.

السيناريو الثاني: نشاط محدود، ويرجح هذا السيناريو أن يستمر نشاط تنظيم داعش الإرهابي في البلاد ولكن بشكل محدود، ويرجح هذا السيناريو أن تُسهم الملاحقات الأمنية والمخابراتية للعناصر الإرهابية التابعة لتنظيمي داعش والقاعدة، والدليل على ذلك عدد الخلايا النائمة التي تم الكشف عنها منذ مطلع العام الجاري، غير أن استمرار حالة السيولة الأمنية قد تمنح هذه التنظيمات الإرهابية الظهور بين حين وآخر مستغلين اللحظات المناسبة لذلك.

مخاطر متزايدة

خلاصة القول، تكشف المعطيات الراهنة عن حجم الخطر الذي تمثله الخلايا الإرهابية النائمة التي يتم الكشف عنها بين حين وآخر داخل البلاد، الأمر الذي يرجح أن تجدد الخرطوم طلبها الخاص بالانضمام إلى مجموعة دول الساحل والصحراء (تشاد – النيجر – مالي – موريتانيا – بوركينافاسو) كعضو مراقب بهدف تعزيز التعاون معها لمواجهة الإرهاب، وكذلك تفعيل الاتفاق الأمني الرباعي مع ليبيا وتشاد والنيجر لنفس الغرض، مع عدم استبعاد أن يتم الكشف عن مزيد من الخلايا الإرهابية النائمة داخل البلاد خلال الفترة القادمة، الأمر الذي يفرض على الحكومة الانتقالية اتخاذ المزيد من الإجراءات الأمنية لحماية الأمن القومي للبلاد ضد هذه المخاطر الأمنية المتزايدة.