لماذا أحدث مؤتمر أربيل ضجة في العراق؟

العوامل الستة:

لماذا أحدث مؤتمر أربيل ضجة في العراق؟



أحدث مؤتمر “السلام والاسترداد” الذي أُقيم في أربيل بكردستان العراق، والذي دعا خلاله المشاركون الحكومة الاتحادية إلى الانفتاح على إسرائيل وإقامة سلام معها، ضجة كبيرة في الأوساط الرسمية وغير الرسمية العراقية. وتسابقت تلك الأوساط على اختلافها لإدانة هذا المؤتمر والدعوات الصادرة عنه.

مظاهر كاشفة

من هذا المنطلق، يمكن استعراض أبرز ردود الفعل علي المؤتمر في الداخل العراقي، على المستويين الرسمي وغير الرسمي، وذلك من خلال ما يلي:

1- رفض الرئاسات الثلاث للمؤتمر: رفضت الحكومة العراقية هذا الاجتماع، واعتبرت أنه غير قانوني ولا يمثل إرادة الشعب العراقي، ودعت الرئاسة العراقية إلى “الابتعاد عن الترويج لمفاهيم مرفوضة وطنياً وقانونياً، وتمس مشاعر العراقيين، في الوقت الذي يجب أن نستعد فيه لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة تدعم المسار الوطني في العراق، وتعيد لجميع العراقيين حياة حرة كريمة”. كما دعا رئيس البرلمان العراقي “محمد الحلبوسي” لاتخاذ إجراءات قانونية صارمة بحق المشاركين فيه.

2- نفي حكومة كردستان علمها بالمؤتمر: أصدرت رئاسة إقليم كردستان العراق بياناً قالت خلاله: “لا علم لنا بالاجتماع ومضامين مواضيعه، وأن ما صدر عنه ليس تعبيراً عن رأي أو سياسة أو موقف الإقليم”. وشدد البيان على أن الإقليم ملتزم بالسياسة الخارجية للحكومة الاتحادية.

3- تحركات قضائية ضد بعض المشاركين: أصدر مجلس القضاء الأعلى مذكرة قبض بحق شخصيات شاركت في المؤتمر. وأعلنت وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية إحالةَ موظفة للتحقيق بعد مشاركتها في المؤتمر. كما أعلن “فلاح حسن الندا”، نجل شيخ عشيرة بو ناصر، مقاضاة رئيس صحوات العراق “وسام الحردان” الذي قرأ بيان الانفتاح على إسرائيل.

4- تهديدات وإدانات من قوى شيعية: دعا زعيم التيار الصدري “مقتدى الصدر” أربيلَ إلى منع مثل هذه الاجتماعات، مهدداً بإجراءات أخرى حال تكرار ذلك الأمر. كما دعا تحالف الفتح إلى ملاحقة المشاركين في المؤتمر، وإنزال أقسى العقوبات بحقهم لمساسهم بثوابت الشعب العراقي في دعم القضية الفلسطينية.

اتجاهات مفسرة

تنطلق حالة الضجة التي أُحيطت بمؤتمر “السلام والاسترداد” ودعوات المشاركين فيه للانفتاح على إسرائيل من خلال عدة عوامل، يمكن استعراضها عبر ما يلي:

1- مغازلة الناخبين قبيل الانتخابات المبكرة: لا يمكن فصل حالة الزخم التي أُحيطت بمؤتمر أربيل عن الانتخابات المبكرة المقررة في 10 أكتوبر المقبل، حيث سعت معظم الأطراف التي عارضت المؤتمر وانتقدت مخرجاته إلى توظيف هذا الأمر لتعزيز مكانتها لدى الرأي العام العراقي قبيل الانتخابات، على اعتبار أن اللعب على وتر دعم الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني وقضيته سيكون له أثر إيجابي لدى الجمهور، بشكل قد ينعكس إيجاباً على أداء بعض القوى السياسية في الانتخابات.

2- المشاركة الواسعة لشخصيات عربية وعشائرية: كان أغلبية الحضور والمتحدثين في المؤتمر شخصيات عربية وعشائرية وسنية من خارج إقليم كردستان، وهو سبب رئيسي في إثارة حالة الغضب لدى البعض من المؤتمر. وكان من أبرز الشخصيات التي شاركت في المؤتمر “وسام الحردان”، وهو رئيس صحوات العراق منذ عام 2013.

حيث كتب “الحردان” مقالاً في صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، يوم 24 سبتمبر الجاري، داعياً إلى “إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل، وإرساء سياسة جديدة للتنمية والازدهار المتبادلين”، مندداً بالقوانين العراقية التي تجرم إقامة علاقات مع إسرائيل. كما شارك في المؤتمر “ريسان الحلبوسي” بصفته شيخ عشيرة البومطر من الأنبار، وقد اعتبر خلال مشاركته في المؤتمر أن “التطبيع مع إسرائيل أصبح من الضروريات”. جدير بالذكر أنه في ضوء حالة الرفض العام في العراق للمؤتمر، حرصت بعض الشخصيات العشائرية التي شاركت فيه على التنصل منه، زاعمين أنه تم التغرير بهم وتضليلهم من قبل المنظمين بشأن غرض المؤتمر.

3- حضور مسؤولين حكوميين حاليين للمؤتمر: استاء الكثيرون في الأوساط العراقية من مشاركة بعض المسؤولين الحاليين للمؤتمر بصفتهم الوظيفية، وينطبق هذا الأمر على “سحر الطائي” التي قدمت نفسها خلال المشاركة في مؤتمر أربيل باعتبارها مديرة الأبحاث بوزارة الثقافة والسياحة والآثار ببغداد. وقالت “الطائي” في كلمة لها خلال المؤتمر، إنه “بات من الضروري للسلام في المنطقة، الاعتراف بإسرائيل كدولة صديقة”، مشيرة إلى أن العراق “لن يتخلى عن الجميع، لن يتخلى عن الإسرائيلي كما لن يتخلى عن الفلسطيني”.

وكشفت “الطائي” خلال إلقائها البيان الختامي للمؤتمر عن تأسيس عدة لجان لتحقيق أهداف المؤتمر، منها: لجنة عمل لإعادة الربط مع الجالية اليهودية العراقية، ولجنة للتجارة والاستثمار، بالإضافة إلى لجنة خاصة بالشراكة والإصلاح التشريعيين بهدف إلغاء القوانين المناهضة للتطبيع. ويُشار -في هذا الصدد- إلى أن وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية، التي أقرت بانتماء “الطائي” إلى موظفيها، قررت تشكيل لجنة للتحقيق في مشاركتها بمؤتمر أربيل، مشيرة إلى أنها “لا تملك أي صفة تخولها للتحدث باسم الوزارة”. وأدانت الوزارة تصرفات “الطائي” التي وصفتها بأنها “لا تنم عن شعورٍ بالمسؤولية”.

4- دعم جنرالات سابقين لدعوات الانفتاح: شكّلت مشاركة بعض الجنرالات السابقين بالجيش العراقي في مؤتمر أربيل ودعم دعواته للانفتاح على إسرائيل صدمة لدى البعض في الشارع العراقي، الذين رأوا أن هذا الأمر يمكن أن يؤثر سلباً على عقيدة الجيش العراقي، الذي شارك في الحروب العربية السابقة ضد إسرائيل. ويأتي على رأس الجنرالات السابقين الذين شاركوا في المؤتمر “عامر الجبوري”، الذي شارك في عام 1989 في محاولة انقلاب فاشلة ضد الرئيس العراقي “صدام حسين”.

يُذكر أن “الجبوري” دعا خلال المؤتمر لتحويل اتفاقيات أبراهام إلى “مظلة تنضوي تحت لوائها دول المنطقة لبناء تحالف إقليمي يتسم بالقوة، بما يتفق مع روح العصر لمواجهة مختلف التحديات”. كما دعا إلى جعل إسرائيل “جزءاً لا يتجزأ من بانوراما منطقة الشرق الأوسط”. ومن بين المشاركين في المؤتمر كذلك الضابط العراقي السابق “سعد العاني”، الذي اعتبر خلال كلمته في المؤتمر أن استمرار الخصومة مع إسرائيل يضر بالعراق ويدمره.

5- إطلاق بعض المشاركين رسائل مضادة لإيران: من الواضح أن التصريحات التي أطلقها بعض المشاركين في مؤتمر أربيل ضد النفوذ الإيراني في العراق كانت سبباً رئيسياً في حالة الغضب التي عبرت عنها القوى العراقية القريبة من إيران. ويدلل على ذلك تصريحات “مثال الألوسي” عضو البرلمان العراقي السابق ومؤسس حزب الأمة العراقية، الذي دعا في تصريحات له، عقب مشاركته في مؤتمر أربيل، إلى إقامة علاقات متوازنة بين العراق وإسرائيل، معتبراً أن “الوقت قد حان للعراق لاتخاذ قراراته الخاصة، وأنه يجب على البلاد ممارسة سيادتها خالية من هيمنة المليشيات وإيران”.

6- تنظيم المؤتمر من قبل مركز أبحاث أمريكي: تم تنظيم مؤتمر أربيل من قبل “مركز اتصالات السلام”، الذي يتخذ من نيويورك مقراً له، والذي أسسه الخبير الأمريكي من أصل يهودي عراقي “جوزيف برود”. ويقول هذا المركز إن هدفه الرئيسي ينصب حول تعزيز التواصل بين العرب والإسرائيليين، وحماية الناشطين الداعمين للانفتاح على إسرائيل، واحتواء معاداة إسرائيل في الخطابات الإعلامية والدينية والتعليمية في الشرق الأوسط. ولا شك أن مسألة تنظيم المؤتمر من قبل مؤسسة أمريكية أعطى دفعة إضافية للقوى الشيعية، وتحديداً القريبة من إيران، لتصعيد هجومها ضد هذا المؤتمر.

في المجمل، من الواضح أن حالة الجدل التي أُحيطت بمؤتمر أربيل ودعوات المشاركين فيه للانفتاح على إسرائيل تبدو طبيعية في ضوء حرص العديد من الأطراف العراقية، اكتساب الرأي العام العراقي قبل الانتخابات المقبلة المقرر عقدها في 10 أكتوبر القادم.