كيف يوظّف تنظيم “القاعدة” حرق المصحف لاستهداف الغرب؟

بناء الشبكات:

كيف يوظّف تنظيم “القاعدة” حرق المصحف لاستهداف الغرب؟



يسعى تنظيم “القاعدة” لتوظيف وقائع حرق المصحف في السويد والدنمارك خلال شهري يونيو ويوليو الفائتين، في إطلاق موجة عنف تحت اسم “نصرة للقرآن”، في إطار ما أسماه “الثأر والانتقام”، من خلال بيان تحريضي جاء في 3 صفحات، اشتمل على دعوات صريحة للعنف في السويد والدنمارك، وتوجيه أفرع التنظيم إلى تفجير مقر سفارات الدولتين في مختلف الدول، واستهداف الدبلوماسيين. وكان لافتاً أن التنظيم دعا المسلمين المقيمين في الدول الغربية، سواء أوروبا أو خارجها، إلى تشكيل خلايا صغيرة تضم 3 عناصر، لتنفيذ عمليات إرهابية، ويعكس رغبة التنظيم في إعادة بناء شبكاته في الغرب، بما يمثل تهديداً للدول الغربية، حال استجابة بعض العناصر في الغرب، وأوروبا تحديداً، لدعوات التنظيم وتنفيذ عمليات إرهابية.

دعا تنظيم “القاعدة” عبر ما يُعرف بـ”القيادة العامة”، إلى تنفيذ عمليات إرهابية، في بيان نشرته حسابات موالية للتنظيم (13 أغسطس 2023)، تحت دعاوى “الانتقام والثأر”، رداً على حرق المصحف في دولتي السويد والدنمارك.

ويحمل البيان تحريضاً صريحاً على تنفيذ عمليات إرهابية على أكثر من اتجاه، سواء في الغرب، أو استهداف مصالح السويد والدنمارك في مختلف الدول، مع تقديم بعض التوجيهات العامة في هذا السياق، ضمن موجة عنف تحت اسم “نصرة للقرآن”.

ملاحظات رئيسية

بالنظر إلى بيان “القيادة المركزية” لتنظيم “القاعدة”، إضافة إلى البيانات السابقة الصادرة عن الجهة ذاتها، يمكن تحديد بعض الملاحظات العامة، كالتالي:

1- مأزق الفراغ القيادي عقب مقتل الظواهري: يأتي بيان “القيادة العامة” لتنظيم “القاعدة”، ضمن سلسلة بيانات التنظيم للتفاعل مع بعض الأحداث التي تخص المسلمين،مع تجاهلالإشارة إلى مصير زعيم التنظيم أيمن الظواهري، رغم مرور أكثر من عام على إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن، خلال مطلع شهر أغسطس 2022، مقتل “الظواهري” في قصف أمريكي بطائرة من دون طيار، بالعاصمة الأفغانية “كابول”، نهاية يوليو 2022.

ومع تعدد البيانات التي أصدرتها “القيادة العامة”، التي تمثل “القيادة المركزية” للتنظيم، رغم أنها لا تصدر بتوقيع زعيم التنظيم، بما وفر غطاء للتنظيم باستمرار إصدار البيانات دون عوائق.

وفي حين تشير بعض الإشارات الصادرة عن التنظيم، إلى احتمالات مقتل الظواهري، إلا أنها لم تصل إلى مرحلة التأكيد أو النفي الرسمي، بما يعكس وجود أزمة على مستوى “القيادة المركزية” لملء الفراغ القيادي على مستوى زعيم التنظيم.

2- انخراط متزايد ممنهج وإطلاق دعوات للعنف: يلاحظ عند مقارنة البيان الأخير للتنظيم للتعاطي مع أزمة حرق نسخ من المصحف في دولتي السويد والدنمارك، ببيانات سابقة للتنظيم؛ وجود رغبة داخل “القيادة المركزية” للانخراط المتزايد مع عددٍ من القضايا والأزمات التي تخص المسلمين، لأبعاد دعائية، وإظهار عدم التأثر بمقتل الظواهري، حال صحة الرواية الأمريكية، وإبراز النشاط الإعلامي على مستوى “القيادة المركزية”.

ولكن اللافت أنّ “القيادة المركزية” للتنظيم، بدا أنها تتجه إلى محاولة إطلاق دعوات لممارسة العنف، في خضم التفاعل مع القضايا المثارة، مثل التوجيه بالتحريض على العنف في أثيوبيا، في بيان صادر خلال شهر مايو الفائت، رداً على أزمة هدم بعض المساجد هناك، في إطار مخطط عمراني جديد، مما أسفر عن خروج مظاهرات لعدد من المسلمين، وأعقبها اشتباكات وحالات عنف.

3- أزمة في التواصل على مستوى “القيادة المركزية”: رغم تفاعل “القيادة المركزية” لتنظيم “القاعدة” مع قضية حرق نسخ من المصحف في السويد والدنمارك، إلا أن ثمة علامة استفهام تتعلق بتوقيت كتابة البيان خلال شهر يوليو الفائت، وتوقيت نشره عبر منصات وحسابات موالية للتنظيم في منتصف شهر أغسطس الجاري، أي إن الفارق الزمني يقارب أسبوعين على الأقل. وبشكل عام، يُرجح أن كتابة البيان كان عقب يوم 21 يوليو الفائت، وهو اليوم نفسه الذي شهد إحراق نسخة من المصحف في الدنمارك.

وهنا، نحن أمام ملاحظتين رئيسيتين، أولاً: أن الفارق الزمني بين واقعتي حرق نسخ من المصحف في السويد 29 يونيو الفائت، والدنمارك 21 يوليو الفائت، يمتد لنحو 3 أسابيع. ومع عدم إصدار بيان إلا عقب واقعة الدنمارك، فهذا يشير إلى عدم الانخراط السريع، وما يتصل بذلك من احتمالات ضعف التواصل ومتابعة الأحداث بطريقة آنية لدى القيادات على مستوى “القيادة المركزية”.

أما ثانياً: قد يرتبط التأخر في التعاطي مع حرق نسخة من المصحف في السويد باعتبارها الأسبق من واقعة الدنمارك، كما أنها ليست المرة الأولى لحرق نسخة في السويد خلال عام 2023، بما يحمله البيان من توجيهات على أكثر من مستوى للتحريض على موجة عنف، وإصدار بعض التوجيهات لأفرع التنظيم، بما يستدعي تمرير هذه التوجيهات عبر قيادات التنظيم.

ويبدو أن التنظيم يواجه ضعفاً في بنية التواصل داخل “القيادة العامة”، بما يشير إلى استمرار عوائق التواصل، والرغبة في عدم التعرض للانكشاف، خاصة أن استهداف الظواهري جاء عقب تتابع نشر إصدارات متتابعة له، عقب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وسيطرة حركة “طالبان” على الحكم.

نسق تحريضي

اعتمد تنظيم “القاعدة” على عدد من الأسس في بنية خطابه التحريضي، التي أشار إليها في بيانه، انطلاقاً من وقائع حرق نسخ من المصحف في السويد والدنمارك، وأبرزها:

1- تصدير خطاب المظلومية والمؤامرة على الإسلام: ركّز التنظيم في البيان على محاولة تصدير خطاب المؤامرة على الإسلام والمسلمين من قبل الدول الغربية،واعتبار أن حرق نسخ من المصحف ليس حوادث فردية، وإنما في إطار الرد على “انتشار الإسلام في الدول الأوروبية”.

وحاول التنظيم الإمعان في تصدير خطاب في أكثر من موضع خلال البيان الذي جاء في ثلاث صفحات، من خلال استخدام بعض العبارات والمفردات التي تخدم بنية خطاب المظلومية والمؤامرة على الإسلام، إذ زعم أنحرق نسخ من المصحف، يأتي في سياق الكراهية والحقد الصليبي المتجذر على أقدس المقدسات الإسلامية.. وأنه مع انتصار الإسلام في مواطن كثيرة (…) شعر صانع القرار الصهيو صليبي بعدم كفاية الوسائل العسكرية الخشنة، فأصبحت الإساءة إلى المقدسات سلاحاً…”.

وربط البيان وقائع حرق نسخ من المصحف بالحكومات الغربية، وادعى أن “أمة الإسلام تواجه اليوم اصطفافاً وبروزاً حربياً يقوم به الصليبيون المباشرون لحرق المصحف، ويصطف خلفهم أباطرة الحملة الصليبية بجيوشهم وعتادهم”.

2- تعدد مستويات الخطاب للمسلمين وبالأخص في الغرب: يتضح من خلال تحليل بيان التنظيم الاعتماد على مستويين من الخطاب، لجهة المستهدف منها، الأول: يتسم بالعمومية لمخاطبة عموم المسلمين في كل الدول، وتحديداً في الجزء الأول منه، وهذا يبرز من خلال استخدام “أمتنا الغالية” أو “أيها المسلمون”.

والثاني: الانتقال من العمومية إلى مخاطبة المسلمين المقيمين في الدول الغربية، ووصفهم بـ”أبطال الإسلام في الغرب، وحماة الإيمان”، ودعوتهم للرد على أي محاولات للإساءة للمقدسات الإسلامية، أما الثالث: كان موجهاً للمسلمين المقيمين في أوروبا فقط، وتحديداً السويد والدنمارك، وحملهم مسؤولية الثأر لحرق نسخ من المصحف.

3- الترويج للعنف مقابل مزاعم عدم جدوى الاستنكار: استند تنظيم “القاعدة” في بنية خطابه التحريضي على الترويج لعدم جدوى وسائل الاعتراض واستنكار وقائع حرق نسخ من المصحف، سواء من خلال المظاهرات الغاضبة، وبيانات التنديد الصادرة عن حكومات البلاد المسلمة لهذه الوقائع، باعتبارها “مشجعاً للأعداء على التمادي في الإساءة إلى المقدسات”، وفقاً لبيان التنظيم الإرهابي.

كما حاول التنظيم الترويج لمزاعم عدم جدوى المظاهرات والاستنكار وضرورة انتهاج العنف رداً على تلك الوقائع، بالإشارة إلى تكرارها، وتحديداً عقب نشر مجلة “شارل إبدو” رسوماً مسيئة للرسول محمد، ولذلك يدفع بيان التنظيم إلى ادعاءات أنّ “الأمة كلها مطالبة بالنصرة لكتاب ربها.. انتصار يتعدى في مداه مجرد الإدانات والمظاهرات والاستنكارات”.

4- التركيز على صياغة تكييف فقهي للعنف: اهتم البيان بتخصيص جزء من بيانه، لصياغة تكيف فقهي لاستخدام العنف في مواجهة حرق نسخ من المصحف،وفقاً لرؤية التنظيم، في ضوء قاعدتين؛ الأولى: معاقبة مرتكبي تلك الوقائع، بالزعم بأن: “الإساءات المتكررة تعد في تكييف الفقه الإسلامي من أشد صنوف المحاربة لله، التي يلزم كل مسلم السعي لإلحاق أقسى العقوبات بمرتكبها”.

والثانية: عدم اقتصار العقاب على المنفذين، ولكن يمتد إلى الدول، بالادعاء أن “الإساءات المتكررة متعمدة وتحظى بحماية دستورية وتغطية إعلامية”.

وانطلاقاً مع مزاعم التنظيم في التكيف الفقهي لحرق المصحف، فإنه يعتبر أن على “كل قادر من المسلمين وجوباً عينياً أن يستنفر طاقاته لمحاربة ومعاقبة هؤلاء المعتدين لمنعهم من مجرد التفكر في ارتكابها”.

5- إزالة التمايز بين التنظيم والكيانات الإسلامية: كان لافتاً في ثنايا بيان تنظيم “القاعدة”، محاولة التأكيد على أن التنظيم جزء من “الأمة الإسلامية”، وهو أحد الكيانات المهتمة بقضايا المسلمين، لمواجهة الرؤية الراسخة بأن التنظيم “إرهابي” ويعمل وفقاً لأجندات خاصة به، من خلال الإشادة بغضبة المسلمين.

كما برز ثناء التنظيم على موقف “الأزهر الشريف” من وقائع حرق المصحف في أوروبا، ويمكن فهم ذلك في سياق محاولة الزعم بأن الطرح الذي يقدمه مشروع، وهو موقف مختلف الكيانات الإسلامية، إضافة إلى محاولة إضفاء مسحة “وسطية” الأزهر على التنظيم، وأن موقف التنظيم ليس متشدداً.

تهديد متعدد

حدّد التنظيم الآليات التي يدعو للتحرك من خلالها من أجل موجة العنف التي أطلق عليها “نصرة للقرآن”، في ضوء الطرف المقصود من الخطاب في البيان، إضافة إلى التكيف الفقهي الذي صاغه، كما سبقت الإشارة:

1- الدعوة لتشكيل خلايا إرهابية في الغرب: دعا تنظيم “القاعدة” المسلمين في الدول الغربية بشكل عام، إلى تشكيل خلايا تضم 3 أفراد، في سياق إطلاق ما وصفه التنظيم بـ”النفير العام” لانطلاقة كبرى لعمليات جهادية.

اللافت أن التنظيم وجه هذه الدعوة للمسلمين في كل الدول الغربية، بما يعكس رغبة لدى التنظيم في تشكيل خلايا عديدة، دون وجود ترابط بينها، منعاً لكشفها من قبل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في الدول الغربية، التي تشدد من الإجراءات لمواجهة التهديدات الأمنية للتنظيمات الإرهابية خلال السنوات الفائتة، بعد موجة عنف ارتبطت بصعود تنظيم “داعش”.

2- الدعوة لعمليات داخل السويد والدنمارك: وسعى التنظيم إلى تحريض المسلمين المقيمين في السويد والدنمارك على وجه الخصوص، وفي سائر الدول الأوروبية بشكل عام، لتنفيذ عمليات إرهابية في الدولتين، عقب حرق نسخ من المصحف.

وحمل التنظيم المسلمين في الدولتين مسؤولية “الثأر والانتقام” لحرق المصحف، من توجيه الخطاب لهم بالزعم بأن “فريضة الثأر تعلقت في ذمتكم”.

3-  توجيه الأفرع لاستهداف مصالح السويد والدنمارك: وبعيداً عن الدعوات التي أطلقها التنظيم لاستهداف الغرب، وتحديداً السويد والدنمارك، فإن “القيادة العامة” لـ”القاعدة”، أصدرت توجيهات لأفرع التنظيم، باستهداف مصالح السويد والدنمارك في الدول التي تنشط فيها، من خلال التأكيد على أهمية أن تكون معركتهم الرئيسية “معركة القرآن”.كما وجه التنظيم إلى تفجير وحرق سفارات الدولتين في كل دول العالم، واستهداف الدبلوماسيين.

تحول لافت

يتضح من خلال بيان “القيادة العامة” لتنظيم “القاعدة”، للتحريض والدعوة للعنف، رداً على حرق المصحف في السويد والدنمارك، أن التنظيم يسعى إلى إعادة بناء شبكاته في الغرب مجدداً خلال الفترة المقبلة، ومحاولة التشبيك المستقبلي معها حال نجاح تشكيل تلك الخلايا، لتوظيفهم لصالح التنظيم في عمليات إرهابية في الغرب، سواء في أوروبا أو خارجها.

واللافت أن التنظيم دعا إلى تشكيل خلايا صغيرة الحجم، تتضمن 3 عناصر فقط، ولم يدعُ إلى تنفيذ الذئاب المنفردة لعمليات إرهابية في الغرب، بما يعكس وجود تحولات في توجهات التنظيم، خاصة مع تركيز التنظيم على القضايا المحلية في نطاق نشاط أفرعه المختلفة، وتراجع استهداف الغرب، بغض النظر عن نجاح تشكيل تلك الخلايا، واحتمالات التشبيك بينها وبين التنظيم أو أحد أفرعه.