لماذا تزايد استهداف البنية التحتية لقطاع الطاقة الكهربائية في العراق؟

خاصرة رخوة:

لماذا تزايد استهداف البنية التحتية لقطاع الطاقة الكهربائية في العراق؟



يعاني العراقُ أزمةً في قطاع الطاقة الكهربائية بسبب الاضطرابات التي شهدها لأكثر من عقدين، مما زاد استهدافه عبر عمليات تخريبية للإضرار ببنيته التحتية خلال السنوات الأخيرة. وفي شهر يوليو وأغسطس 2023، تكثف استهداف ذلك القطاع مرة أخرى، الأمر الذي يحمل العديد من التكهنات بشأن دوافع ومنفذي تلك العمليات في ذلك التوقيت، سواء كان توجيه إيران رسائل لبغداد لوقف اندفاعها نحو دول الخليج، على خلفية سعيها لاستيراد الكهرباء والغاز الطبيعي المسال منها، أو بسبب نزاع داخلي يرمي إلى دفع إقليم كردستان للتعاطي بمرونة مع بغداد في قطاع الطاقة، بينما يظل غير مستبعد أن يكون داعش هو المسؤول.

فقد شهدت الفترة الماضية تنفيذ عمليات تخريبية للبنية التحتية لقطاع الطاقة الكهربائية في عدة مناطق متفرقة بالعراق، وذلك بدون تسمية لمنفذي تلك الهجمات، وهو ما أظهرته بيانات وزارة الكهرباء العراقية الصادرة خلال شهري يوليو وأغسطس 2023، لتكشف استهداف ما يلي:

1- (22 يوليو): تعرض خط نقل الطاقة الكهربائية الذي يربط خطوط الطاقة في قضاء خور الزبير مع محطة الرميلة الغازية في محافظة البصرة جنوب العراق، لإطلاقات نارية تسببت بقطعه.

2- (24 يوليو): تعرض خط نقل الطاقة الكهربائية شمال غربي بغداد، لاستهداف تخريبي بعيارات نارية بمنطقة الحماميات أدى إلى فصل الخط وخروجه عن الخدمة.

3- (28 يوليو): تعرض خطي نقل الطاقة شمال سامراء – ملا عبد الله، ودور – حويجة، لخروجهما عن الخدمة، نتيجة استهداف الأبراج الناقلة بعبوات ناسفة في ناحية الرشاد، وهو ما تسبب بضعف تجهيز الطاقة في محافظتي كركوك وصلاح الدين.

4- (2 أغسطس): تعرض خط نقل الطاقة الكهربائية الفائق الرابط بين كركوك – ديالى لعمل إرهابي تخريبي في منطقة وادي عوسج قرب سيطرة أنجانة، مما أدى إلى انفصال الخط من الجهتين.

5- (3 أغسطس): تعرض 3 خطوط لنقل الطاقة الكهربائية الضغط الفائق بين محافظتي ديالى وكركوك، وخطوط الضغط العالي الرابطة بين قضائي الدور والحويجة غرب البلاد لهجمات تخريبية.

جدير بالذكر أن الاستهداف الممنهج لقطاع الطاقة الكهربائي العراقي ليس الأول من نوعه، حيث تعرضت البنية التحتية للقطاع لعمليات تخريبية متعددة خلال السنوات الماضية، ويُشار إلى أن هناك تقديرات تُفيد بأن العراق فَقَدَ نحو 58% من قدرته على توليد الكهرباء خلال الفترة من 2011 إلى 2020 بسبب الاضطرابات (انظر شكل رقم 1).

شكل رقم (1): خسائر توليد الكهرباء في العراق بسبب الاضطرابات

خلال الفترة (2000-2020) (بالمليار كيلووات/ ساعة)

(Source: Country Analysis Executive Summary: Iraq, 28 September 2022, US Energy Information Administration)

فقد توقف استهداف قطاع الطاقة الكهربائي العراقي بعد تقلد “محمد شياع السوداني” منصب رئيس الوزراء في 27 أكتوبر 2022، علماً بأن فترة سلفه “مصطفى الكاظمي” توالت فيها عمليات استهداف خطوط الطاقة الكهربائية، وخاصة في صيفي 2021 و2022، وهو ما فاقم من أزمة الكهرباء المستفحلة أصلاً في العراق. ويشار إلى أن تلك العمليات تتركز في فصل الصيف مع ارتفاع درجات الحرارة.

تكهّنات مطروحة

إنّ عودة العمليات التخريبية للبنية التحتية لقطاع الكهرباء العراقي يطرح عدداً من التكهنات بشأن دوافع تنفيذها، وكذا الجهات المسؤولة عنها، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- توجيه رسائل إيرانية لوقف الاندفاع نحو الخليج: وقّع العراق في الفترة الماضية عدداً من الاتفاقات واتخذ عدداً من التحركات مع دول الخليج لدعم قطاع طاقتها، ولعل أبرزها إعلان الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، في 8 يونيو 2023، عن بدء تنفيذ مشروع الربط الكهربائي الخليجي بين دول مجلس التعاون والعراق لنقل طاقة تصل إلى 600 ميجاواط في المرحلة الأولى، وقد تصل قدرتها مستقبلاً إلى 1800 ميجاواط، من خلال ربط كهربائي بين الكويت وجنوب العراق (انظر شكل رقم 2). وبخلاف ذلك اتفق العراق مع السعودية في يوليو 2022 بشكل مبدئي على ربط شبكتي كهرباء البلدين، عبر مد خط كهربائي بينهما بقدرة تصل إلى 1000 ميجاواط.

شكل رقم (2): مسار خطوط الربط الكهربائي بين الكويت والعراق

يوفر الربط الكهربائي للعراق مع دول الخليج تقليص الاعتماد على إمدادات الكهرباء الإيرانية، ولا سيما مع قدرات الربط الكبيرة للخطوط سالفة الذكر، والتي ستوفر للعراق واردات كهرباء بقدرات تصل إلى 1600 ميجاواط بصفة مبدئية قد تصل إلى 2800 ميجاواط، وهي التي تتجاوز تلك المتفق على توريدها من إيران البالغة 1200 ميجاواط عبر 4 خطوط (خط “خرمشهر – البصرة”، و”كرخة – العمارة”، و”كرمنشاه – ديالى”، و”سربيل زهاب – خانقين”). ويُشار في هذا الصدد إلى تصريح وزير الطاقة الإيراني السابق “رضا أردكانيان”، في 25 أغسطس 2020، الذي ذكر أن أي بلد يتصور أن بإمكانه تصدير الكهرباء للعراق أمر عير قابل للتصديق، لأنه يعاني من أضرار الحرب وهجمات المجموعات التكفيرية. وبالتالي، عَكَسَ هذا التصريح ضمناً أن قطاع الطاقة العراقي منكشف على العمليات الإرهابية، وبالتالي فأي تعاون مع دول في هذا الشأن قد يتم عرقلته بسبب تلك العمليات.

في سياق متصل، يُرى أن توجهات دول الخليج لتصدير الكهرباء عبر العراق من خلال إقليم كردستان لتركيا، سيشكل أزمة لإيران، ولا سيما في ضوء الصراع بينها وبين الإقليم، وكذا طموح طهران لأن تكون مركزاً لنقل وتوزيع الكهرباء بين الشرق والغرب، وهو ما دلّلت عليه تصريحات لوزير الكهرباء الإيراني الأسبق “مجيد نامجو” في يونيو ٢٠١٢، بأن بلاده مستعدة لتبادل ونقل الكهرباء بين مختلف دول الجوار لتصل إلى أوروبا، وبالتالي فإنّ ضلوع دول الخليج والعراق في ذلك الأمر سيهمش من تطلعات طهران الرامية للدور نفسه.

2- عرقلة تعاون العراق مع الخارج في قطاع الغاز المسال: ولّدت صادرات الغاز المسال الإيرانية مع صادرات الكهربائية المباشرة نحو 35% من الطاقة الكهربائية في العراق في 2021 (وفق إدارة معلومات الطاقة الأمريكية)، مما يعكس مدى انكشاف بغداد على طهران، وما يؤثر على استقلالية قراراتها، الأمر الذي دفع العراق لإحياء مخطط قديم للتعاون مع قطر في صناعة واستيراد الغاز المسال، حيث وقّع البلدان في 15 يونيو 2023 مذكرة تفاهم لتزويدها بالغاز المسال، وكذا التعاون مع الشركات القطرية المتخصصة في مجال بناء محطات استقبال الغاز وإنشاء الخزانات الخاصة بذلك، وقد أشار المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية “أحمد موسى العبادي” إلى أن إمدادات الغاز القطرية قد تبلغ 1.5 مليون طن سنوياً.

إن اتجاه العراق لإنشاء بنية تحتية بمساعدة قطر لاستقبال الغاز المسال وتحويله لصورته الغازية لتوليد الكهرباء، يهدد إمدادات طهران للعراق، وبما يقلص من سيطرتها على الداخل العراقي، مما يثير الشك في توقيت استهداف قطاع الطاقة الكهربائي العراقي، ولكن بالرغم من ذلك وجّهت بغداد رسالة لإيران عبر تأكيد وزير الكهرباء العراقي” زياد علي فاضل”، في 8 أغسطس 2023، بأن الحكومة شكّلت لجنة مشتركة مع وزارتي النفط والكهرباء ستزور قطر للتباحث حول إمكان تجهيز العراق بالغاز المسال من خلال أحد الموانئ العراقية، الأمر الذي قد يواجه بردود إيرانية تتجاوز استهداف شبكات الكهرباء إلى قطاع النفط نفسه، لا سيما وأن النفط ولد نحو 70% من الكهرباء في العراق في 2019 (انظر شكل رقم 3)، إلا أنّ تلك النسبة تراجعت نظراً لزيادة اعتماد العراق على الغاز الإيراني، لكن لا يزال النفط ركناً أساسياً في توليد الكهرباء.

(Source: Energy Profile, Iraq, International Renewable Energy Agency)

شكل رقم (3): مصادر توليد الطاقة الكهربائية بالعراق في عام 2019

3-  فرض ضغوط لإخضاع إقليم كردستان: تتزامن العمليات التخريبية لشبكات الكهرباء مع البدء في مناقشة مسودة قانون النفط والغاز لإقراره، والذي تعطّل تمريره لعدة سنوات بسبب النزاعات الداخلية ولا سيما بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، حيث يوجد نزاع حول إدارة الحقول الموجودة في الإقليم. ويُشار في هذا الصدد إلى وجود بعض أطراف الإطار التنسيقي التي ترفض تقديم أي تنازلات لحكومة إقليم كردستان (وفق العديد من وسائل الإعلام)، مما يفتح المجال أمام إرسال رسائل للإقليم بأن هناك رفضاً للامتثال لتطلعاتهم بشأن إدارة قطاع طاقتهم، خاصة النفط، بمعزل عن باقي الدولة، وهو ما دلل عليه استهداف خطي أبراج (أربيل- غازية- مخمور) و(أربيل- غازية- قرة- جوخ) الواقعين ضمن الحدود الإدارية لإقليم كردستان.

وينذر ما سبق بأن محاولات استقلال أربيل بسياساتها وقراراتها قد يسفر عن فصلها عن شبكة الكهرباء العراقية، مع الأخذ في الاعتبار أن وزارة الكهرباء العراقية تتجه لربط جميع المحافظات في شبكة كهربائية موحدة باستثناء إقليم كردستان (وفق ما ذكره رئيس لجنة الكهرباء والطاقة النيابية “محمد نوري العبد ربه”)، الأمر الذي قد يزيد الضغط على الإقليم، وذلك في ظل عجز في إنتاجه للطاقة الكهربائية تُقدر بنحو 44%، حيث تبلغ الطاقة الإنتاجية لجميع المحطات بالإقليم نحو 3900 ميجاواط، بينما يبلغ الطلب على الكهرباء 7000 ميجاواط (وفق المتحدث باسم الوزارة الكهرباء في إقليم كردستان “أوميد أحمد” في يناير 2023).

 من مصلحة إقليم كردستان المرونة في التعاطي مع القانون الجديد للنفط والغاز لإقراره، وبما يضمن لها إمدادات للكهرباء خاصة لتلك المتوقع توريدها من دول الخليج العربي، مع الأخذ في الاعتبار أن محاولات الإقليم الاعتماد على تركيا في إمدادات الكهرباء قد تُواجه بأزمة قانونية جديدة أسوة بقضية التحكيم الدولي التي كسبتها بغداد بشأن صادرات النفط من إقليم كردستان لتركيا.

4- دور متوقع لتنظيم داعش في استهداف قطاع الطاقة: إن طرح قيام تنظيم داعش بعمليات تخريبية لشبكات الربط الكهربائي العراقية ليس مستبعداً، لا سيما وأن العمليات التي استهدفت قطاعه الكهربائي في فترة “مصطفى الكاظمي” كانت تتم من خلال عبوات ناسفة، ولم ينكر التنظيم تبنيه تلك العمليات، بل وصدر من بعض أفراده على مواقع التواصل الاجتماعي مسؤولية التنظيم عنها، مما دفع السلطات العراقية وقتها لتأكيد أن داعش وراء تلك العمليات. ويُشار في هذا الصدد إلى أن طريقة الاستهداف تكاد تكون واحدة، حيث تم استهداف بعض أبراج الكهرباء بعبوات ناسفة، وهو ما قد يأتي كرد فعل انتقامي عقب تزايد عمليات القبض على عناصر التنظيم خلال الفترة الماضية.

جدير بالذكر أن بياناً لخلية الإعلام الأمني العراقية ذكر أنه تم القبض على إرهابي كان يعمل فيما يسمى ولاية صلاح الدين (وفق الوكالة الوطنية العراقية للأنباء في 10 أغسطس 2023)، وأضاف أنه ضُبط معه أعتدة ومتفجرات كانت مخصصة لاستهداف أبراج نقل الطاقة الكهربائية على طريق بيجي – حديثة بمحافظة صلاح الدين، الأمر الذي يلفت إلى أن استهداف أبراج نقل الطاقة الكهربائية هو هدف سهل وله تأثيرات سلبية مباشرة وكبيرة على المجتمع العراقي، وبما يجعل أفراد داعش يقومون بتلك العمليات دون تعقيدات أو مخططات محكمة تستلزم دعماً لوجستياً ومالياً كبيراً.

تأثيرات ممتدة

في الختام، إن حدود تأثير استهداف البنية التحتية لقطاع الطاقة الكهربائي في العراق يتجاوز الإضرار بمصالح المواطنين إلى أبعاد سياسية واستراتيجية أكثر شمولاً، سواء داخلياً أو خارجياً، ليظل قطاع الكهرباء العراقي الخاصرة الرخوة التي يتم استهدافها كورقة ضغط لتحقيق مصالح وتوجيه رسائل محددة، نظراً لأن تأثيراته تنتقل بسرعة، ومعالجتها قد تتطلب وقتاً حسب نوع الضرر، وهو ما ينعكس أيضاً بالسلب على السلطات المطلوب منها تحركات استباقية سواء لمنع وقوع مثل تلك الهجمات، أو تحركات عاجلة لإصلاح الخسائر المترتبة على الهجمات، مما يضع حكومة السوداني في اختبار حقيقي قد تكون له ارتدادات على شعبيته خلال الفترة المقبلة.