دوافع اتجاه منظمة “أوبك” لتوسيع عضويتها

تعزيز الارتباط:

دوافع اتجاه منظمة “أوبك” لتوسيع عضويتها



تشهد سوق الطاقة العالمي تطورات حادة ومتسارعة، خاصة بعد اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية. وفي هذا الإطار، تسعى منظمة “أوبك” لضم أعضاء جدد لتعزيز نفوذها، لا سيما وأن ذلك يوفر لها دعماً جديداً لحصتها من إجمالي إنتاج النفط العالمي، كما أن توسعة العضوية يأتي لمواكبة التحولات في الاقتصاد العالمي، خاصة فيما يتعلق بتعزيز دور التكتلات الإقليمية والدولية، إضافةً إلى التأكيد على أهمية وجاذبية النفط كمصدر للطاقة خلال العقود المقبلة.

فقد كشف “هيثم الغيص” أمين عام منظّمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”، على هامش اجتماعات مؤتمر “أوبك الدولي” الذي عُقد في النمسا في 5 يوليو 2023، عن تطلع المنظّمة لزيادة عدد الدول الأعضاء، وأنّه يتم التشاور مع أذربيجان وماليزيا وبروناي والمكسيك للانضمام للمنظمة بما يسهم في تقوية “أوبك”، لافتاً إلى أن المنظمة لا تستهدف انضمام عدد معين من الدول، لكن تستهدف دولاً لديها نفس التوجه الاستراتيجي حول المحافظة على أسواق النفط واستقرارها. وأضاف أن الدول سالفة الذكر متكاتفة مع المنظمة منذ عام 2017، ومرت بتحديات نوعية خلال انهيار الأسواق وجائحة كورونا في 2020 وبالتالي جميع هذه الدول لديها الهدف المشترك الذي يصب في مصلحة استقرار أسواق النفط.

جدير بالذكر أن وزراء الطاقة والنفط للدول الأعضاء في منظمة “أوبك” قد عقدوا اجتماعاً تحضيرياً لمؤتمر أوبك الدولي قبيل انعقاده، واتفقوا على مواصلة التشاور مع نظرائهم من خارج أوبك، من خلال الآليات المعمول بها، بما في ذلك اجتماعات لجنة الرقابة الوزارية المشتركة، والاجتماع الوزاري للدول من أوبك وخارجها، وذلك لدعم استقرار سوق النفط العالمية.

دوافع التحرك

يَلقى توسيع عضوية “أوبك” قبولاً لدى الدول الأعضاء بالمنظمة، وهو ما تم تأكيده من قبل وزيري الطاقة الإماراتي “سهيل المزروعي” والعراقي “حيان عبد الغني” بأن ضم دول أخرى سيؤدي إلى استقرار أسواق النفط، لا سيما مع زيادة السيطرة على إنتاجه، وفي هذا الإطار يأتي تحرك المنظمة ليعكس التالي:

1- دعم حصة “أوبك” من الإنتاج العالمي: نجحت مجموعة “أوبك+”، التي تتكون من 23 دولة (13 دولة أعضاء في “أوبك”، بالإضافة إلى 10 أعضاء آخرين)، في دعم حصة الإنتاج اليومي لمنظمة أوبك من نحو 32% من إجمالي الإنتاج العالمي لتقارب الـ50% ضمن مجموعة أوبك+ (انطر جدول 1)، وبالتالي فإن ضم أعضاء جدد سيكون له تأثير مماثل حتى لو بنسب أقل.

جدول رقم (1) حجم إنتاج النفط ضمن تكتلات النفط العالمية

خلال الفترة (2019-2023) (بالمليون برميل في اليوم)

(Source: Oil market Report, International Energy agency, 14 December 2022)

إن الالتزام الحالي لغير الأعضاء بأوبك المنضوين تحت لواء مجموعة “أوبك+” (باستثناء روسيا) قد لا يكون مستداماً، وبالتالي فانضمام بعضهم لأوبك سيعزز من الالتزام بقرارات المنظمة، كما أنه يحمل دلالة مهمة على زيادة تأثير “أوبك” في السوق العالمية للنفط. ويُشار في هذا الصدد إلى أن الدول الأربع التي يتم التشاور معها ستضيف لأوبك إمكانية السيطرة على نحو 2% إضافية من إنتاج النفط العالمي (انظر جدول رقم 2)، وبالرغم من أن تلك النسبة محدودة، إلا أن إضافة دول أخرى بخلاف الأربع المشار إليها مستقبلاً قد يسهم في تحكم “أوبك” بشكل أكبر في أسعار سوق النفط العالمية.

جدول رقم (2): حجم إنتاج النفط لأعضاء “أوبك” قبل وبعد التوسعة المستهدفة

 (Source: Oil market Report, International Energy agency, 14 December 2022)

إن إضافة الـ4 دول المشار إليها، قد يسهم في أن تبلغ حصة إنتاج أوبك من النفط يومياً من نحو 33% من إجمالي الإنتاج العالمي (وفق بيانات عام 2021)، إلى 35.85%، وقد يجعل ذلك المنظمة أكثر تماسكاً نظراً لإسهامها في التأثير بشكل أكبر في سوق النفط العالمية، خاصة في ضوء ضبابية المشهد الاقتصادي العالمي، وذلك بعدما تعرضت لعدة محاولات للتقليص من آثار قراراتها، حيث إن التخفيضات التي تقرها “أوبك+” للحفاظ على استقرار السوق تدفع دولاً أخرى لزيادة الإنتاج لتوسيع حصتها السوقية على حساب الدول التي تخفض الإنتاج.

2- مواكبة التحولات في الاقتصاد العالمي: إن محاولة توسعة عضوية “أوبك” تتماهى مع التوجهات العالمية التي تقضي بزيادة نفوذ التكتلات الإقليمية والدولية، وذلك مع احتمالية تراجع العولمة أو حتى تباطؤها بعد جائحة “كوفيد-19″، وذلك من خلال الاتجاه لتعظيم الاكتفاء الذاتي والاعتماد على سلاسل الإمداد الإقليمية في نطاقات جغرافية محدودة، ولعل اتجاه العديد من التكتلات لتوسعة عضويتها يؤكد على هذا الأمر، حيث انضمّت إيران مؤخراً لمنظمة شنغهاي للتعاون، وتسعى عدة دول للانضمام لحلف الناتو مثل السويد وذلك بعد انضمام فنلندا للحلف في أبريل 2023، وكذا ترحيب مجموعة “بريكس” بقبول أعضاء جدد خلال الفترة المقبلة، مما يعزز من دور تلك التكتلات من جهة، وكذا استفادة تلك الدول من الانضمام لتكتلات موجودة بالفعل من جهة أخرى.

على جانب آخر، فإن التطورات في سوق الطاقة العالمية دفع عديداً من الدول المصدرة والمستهلكة للطاقة إلى عقد صفقات لضمان توريد مصادر الطاقة، أو حتى الاتجاه لدعمها لزيادة إنتاجها من الطاقة مما يزيد من المعروض العالمي، ولعل نموذج المكسيك هو الأبرز في هذا السياق، حيث أعلنت شركة “إيني” الإيطالية في مارس 2023 عن اكتشاف حقل نفطي جديد باحتياطات 200 مليون برميل في حوض “سوريست” قبالة السواحل المكسيكية، وفي السياق ذاته أعلنت شركة “وودسايد” الأسترالية في يونيو 2023 موافقتها على تطوير حقل “تريون” في خليج المكسيك الذي تبلغ تكلفته الاستثمارية 7.2 مليارات دولار، متوقعة أن تكون حصة إنفاقها 4.8 مليارات دولار، والباقي ستقوم بتمويله شركة “بيمكس” المكسيكية (المملوكة للدولة).

بناء على ما سبق، يمكن القول إن ضم دول منتجة للنفط لمجموعة أوبك قد يقنن من عمليات الاستكشاف والإنتاج الجديدة للنفط، وذلك بناء على حصص إنتاج معينة ستقرها المنظمة لضمان عدم تراجع أسعاره بشكل كبير في السوق العالمية إثر زيادة المعروض منه، وبما يُعد خط الدفاع الأول لمواجهة تحركات الدول الغربية الرامية لأن تصبح أكثر تأثيراً في سوق النفط العالمية، لا سيما وأن الدول التي يجري التشاور معها للانضمام تمتلك احتياطات نفط كبيرة نسبياً ضمن صغار منتجي النفط (انظر جدول 3)، وبالتالي فإن نفطها قد يُستخدم كنوع من أنواع الاحتياطي الداعم لسوق النفط في حالة ارتفاع أسعاره.

جدول رقم (3): حجم احتياطي النفط المؤكد لأذربيجان والمكسيك وماليزيا

في نهاية 2020 (بالمليار برميل)

(Source: www.energyinst.org)

3- التأكيد على جاذبية النفط كمصدر للطاقة: إن ضم العديد من الدول لمنظمة أوبك يؤكد على أهمية مورد النفط كمصدر أولي للطاقة، وذلك في مواجهة محاولات تحييده خلال العقود المقبلة على خلفية تلويثه للبيئة، كما أن توسعة عضوية أوبك تبرز التزام المنظمة بتوفير معروض نفطي مستدام من خلال أعضائه وذلك في ضوء توقعاتها بأن يستمر الطلب على النفط في مستواه الحالي دون تراجع، بل سيرتفع ولكن بنسب بسيطة (انظر شكل رقم 1).

شكل رقم (1): توقّعات منظمة أوبك لتطور الطلب العالمي على النفط

(Source: World Oil Outlook 2045, OPEC, 2022)

تدفع الدول الغربية، ممثلة في وكالة الطاقة الدولية، لخفض استهلاك النفط وإحلاله بالطاقة المتجددة، سواء في توليد الطاقة أو للاعتماد عليه كوقود، وذلك في ضوء مخطط الاتجاه لصفر انبعاثات كربونية بحلول عام 2050. وفي هذ الإطار، ترى أنه لتحقيق ذلك الهدف يجب خفض استهلاك النفط بأكثر من النصف (انظر شكل رقم 2)، وبالتالي فإن دخول دول منتجة جديدة في منظمة الأوبك سيلفت إلى استمرار جاذبية ذلك المورد كمصدر للطاقة، مع استمرار الفعاليات المرتبطة به، بما يظهر تحركات الدول الغربية بأنها غير واقعية.

شكل رقم (2): تطور وتوقعات استهلاك النفط في مزيج الطاقة العالمي

خلال الفترة (2010-2050)


(Source: Net Zero by 2050: A Roadmap for the Global Energy Sector, International Energy Agency)

مناورات فاعلة

إن سعي أوبك لتوسيع عضويتها يخلق زخماً جديداً ليؤكد مدى ارتباط النفط بسوق الطاقة العالمية، ودوره الحيوي في دعم التنمية بكافة الأنشطة الاقتصادية، حتى لو تم ذلك عبر ضم صغار منتجي ومصدري النفط، إلا أن تحقيق ذلك الهدف يرتهن بمصالح الأعضاء الجدد المستهدفين الذين قد يتخوفون من جدوى وضع قيود على إنتاجهم مستقبلاً بسبب قرارات المنظمة، إضافة إلى الضغوط المتوقعة من قبل الدول الغربية على تلك الدول لعدم الانضمام للأوبك، والتي في حالة انضمامها سيشكل ذلك فشلاً في سياسات طاقتها، والتي استهدفت خلال الفترة الماضية تقليص دور مجموعة “أوبك+” في سوق النفط العالمية. وفي هذا الإطار فإن المناورة التي تقوم بها “أوبك” حالياً يُرجح أن يكون لها مردود على سوق الطاقة العالمية، حتى لو لم تنضم دول جديدة للمنظمة، وبما يحدث تغيرات على خريطة التفاعلات الدولية خلال الفترة المقبلة، حيث سيسفر ذلك عن استقطابات جديدة، وذلك في ضوء تباين مصالح الدول المنتجة والمستهلكة التي تسعى جاهدة لمواجهة تهديدات أمن طاقتها.