لماذا تصاعد الجدل حول إمكانية انخراط “قسد” في الحرب الأوكرانية؟

خيارات متناقضة:

لماذا تصاعد الجدل حول إمكانية انخراط “قسد” في الحرب الأوكرانية؟



نفت مليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) الكردية السورية، في بيان لها في 8 يوليو الجاري، مشاركة عناصرها في الحرب الروسية-الأوكرانية، مؤكدة عدم صحة التقارير التي أشارت إلى إرسال مقاتلين من “قسد” لدعم أوكرانيا في الصراع ضد روسيا. وقد كان لافتاً أن الجدل الذي اتسع نطاقه حول مشاركة “قسد” في الحرب توازى مع تصاعد حدة الضغوط الروسية على “قسد”، على نحو بدا جلياً في سحب القوات الروسية بمحافظة حلب من خطوط التماس، في 5 يونيو الفائت، في خطوة مفاجئة، فرضتها التفاهمات التي توصلت إليها روسيا وتركيا، بشكل قلّص من هامش المناورة وحرية الحركة المتاحة أمام “قسد”. كما أن روسيا تدعم السياسة التي يتبناها النظام السوري في إدارة التفاعلات مع “قسد”، على نحو ترى الأخيرة أنه لا يتوافق مع حساباتها ورؤيتها للترتيبات السياسية والأمنية التي يجري العمل على إعادة صياغتها في سوريا.

أسباب عديدة

ربما يمكن القول إن حرص “قسد” على نفى هذه المشاركة يتسامح مع المعطيات الموجودة على الأرض، التي تشير إلى أن الخلافات العالقة بين روسيا و”قسد” حول التطورات الميدانية لا تعني أن الأخيرة يمكن أن ترد على ذلك بالانخراط في الحرب الروسية–الأوكرانية ضد موسكو. ومع ذلك، فإن ثمة اتجاهات عديدة ترى أن الحديث عن إمكانية مشاركة عناصر من “قسد” في الحرب الروسية–الأوكرانية لا يأتي من فراغ وإنما من اعتبارات موضوعية عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- احتمال إقدام روسيا على خطوة مماثلة: لا يعتبر الحديث عن “التشابك الملحوظ” في الملفين السوري والأوكراني جديداً، إذ سبق أن أشارت تقارير عديدة إلى أن روسيا ربما تفكر في خطوة مماثلة، عبر إرسال عناصر تدعمها في سوريا للانخراط في العمليات العسكرية في أوكرانيا. وربما يمكن القول إن هذا التوجه قد يتجدد مرة أخرى، خاصة في أعقاب التمرد الذي قامت به مجموعة “فاجنر”، في 23 يونيو الفائت، والذي فرض تداعيات مباشرة على العلاقات بينها وبين الرئاسة والقيادة العسكرية الروسية.

2- تصاعد حدة التوتر الأمريكي-الروسي: تشير الاتجاهات التي لا تستبعد احتمال انخراط “قسد” في الحرب الروسية–الأوكرانية إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية ربما تسعى إلى توسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها لإدارة الصراع مع روسيا، سواء في سوريا أو في أوكرانيا، خاصة في ظل تعمد القوات الروسية “التعرُّض” للعمليات العسكرية الأمريكية في سوريا.

وقد بدا ذلك جلياً في إعلان اللفتنانت جنرال أليكسوس جرينكويتش في بيان، في 7 يوليو الجاري، أن “الطائرات العسكرية الروسية انخرطت في سلوك غير آمن وغير مهني أثناء تفاعلها مع طائرات أمريكية مسيرة من طراز إم كيو-9″، وكانت المسيرات الأمريكية في مهمة ضد تنظيم “داعش”. ومن هنا، فإن دفع عناصر من “قسد” للانخراط في الحرب الروسية–الأوكرانية قد يكون أحد الخيارات المحتملة التي ربما تفكر فيها واشنطن، خاصة أنها حريصة على عدم الانخراط في مواجهة مباشرة مع موسكو.

3- إرباك الحسابات الروسية في سوريا: قد تسعى أوكرانيا بدورها إلى إرباك العمليات العسكرية الروسية في سوريا، كجزء من إدارة الصراع مع روسيا على أراضيها، خاصة أن أى تأثير مباشر على الوجود العسكري الروسي في سوريا سوف يفرض بشكل سريع ارتدادات مباشرة في أوكرانيا. وبالطبع، فإن ما يضفي مزيداً من الزخم على هذا الاحتمال هو أن أوكرانيا ربما تسعى إلى تحقيق الهدف نفسه في إدارة خلافاتها مع إيران التي تتهمها بأنها تقدم مزيداً من الدعم العسكري إلى روسيا لمساعدتها على مواصلة عملياتها العسكرية في أوكرانيا.  

وقد كان لافتاً أن الاتهامات التي وجهتها وسائل الإعلام الروسية لأوكرانيا بالسعى إلى توظيف قوات “قسد” لمهاجمة أهداف روسية في سوريا، ارتبطت بتوجه “قسد” نحو افتتاح عدد من المراكز التدريبية في ريفي محافظتي دير الزور والحسكة، لتدريب الملتحقين بهذه المعسكرات على مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وهو ما اعتبرت الاتجاهات السابقة أنه ربما يكون مقدمة لانخراط هؤلاء في مواجهات مختلفة عن تلك التي يشهدها الصراع السوري.

4- توظيف تداعيات تمرد “فاجنر”: تراقب كل الأطراف المعنية بتطورات الصراع في سوريا وأوكرانيا، الارتدادات التي سوف يفرضها تمرد مجموعة “فاجنر” ضد الجيش الروسي في 23 يونيو الفائت. فرغم نجاح روسيا في احتواء التمرد سريعاً، بمساعدة بيلاروسيا، إلا أن ذلك لا ينفي أنه سيكون لهذا التمرد تأثير سلبي ومباشر على الحضور الروسي في مناطق النفوذ، وخاصة سوريا، التي تمارس فيها المجموعة دوراً لا يمكن تجاهله.

ومع احتمال حدوث اضطراب في تحركات قوات “فاجنر” داخل الأراضي السورية، أو على الأقل تجميد عملياتها لمصلحة الجيش الروسي، فإن ذلك قد يمثل، بحسب العديد من المراقبين، فرصة للقوى المناوئة لروسيا، من أجل تعزيز مساحات التفاهم والتنسيق مع “قسد”، لإرباك العمليات العسكرية الروسية في سوريا، على نحو سوف ينعكس مباشرة على التطورات الميدانية في أوكرانيا.

5- مخاوف كييف من تراجع الدعم الغربي: ربما يكون إقدام أوكرانيا على محاولة توسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها في ملفات أخرى للتعامل مع التطورات الميدانية والسياسية التي فرضتها الحرب مع روسيا مرتبطاً بمخاوفها من تراجع الدعم الغربي. فقد تزايدت هذه المخاوف مؤخراً، وتحديداً بعد الرسائل التي وجهتها إليها بعض الدول الغربية قبيل انعقاد قمة حلف “الناتو” في ليتوانيا في 11 و12 يوليو الجاري، حيث قال الرئيس الأمريكي جو بايدن أن “أوكرانيا غير مستعدة الآن للانضمام لحلف “الناتو”، وإن من الحكمة تأجيل نقاش ذلك لما بعد انتهاء الحرب”، مضيفاً أن “انضمام أوكرانيا للناتو الآن سيجعل الحلف في حالة حرب مباشرة مع روسيا”. وبحسب تقارير عديدة، فإن فشل أوكرانيا في استقطاب الدعم الغربي لضمها إلى “الناتو” أثار تساؤلات عديدة حول مدى إمكانية تخلي الدول الغربية عن دعمها في الحرب ضد روسيا، والعودة إلى خيار التفاهمات مع الأخيرة.

دلالات مختلفة

يطرح هذا الجدل الذي تصاعد حول مدى إمكانية انخراط “قسد” في الحرب الروسية–الأوكرانية، رغم نفى الأخيرة له، دلالات عديدة، يتمثل أهمها في أن الحديث عن التقارب بين أوكرنيا و”قسد” يرتبط، في جانب منه، بحالة السيولة في أنماط التفاعلات التي تشهدها الساحة السورية، ومخاوف “قسد” من الارتدادات السلبية للتقارب التركي-السوري برعاية روسية على مشروع الإدارة الذاتية الكردية في مناطق شرق الفرات. كما أنه يشير أيضاً إلى أن الحرب الروسية–الأوكرانية لن تنته قريباً رغم كل الجهود التي تبذل من أجل الوصول إلى تسوية لها، على نحو سوف يدفع كل الأطراف المعنية بها والمنخرطة فيها إلى البحث عن مزيد من الخيارات للتعامل معها، إن لم يكن لتحقيق مكاسب استراتيجية عبرها، فعلى الأقل لتجنب تداعياتها السلبية المختلفة.