لماذا تتصاعد فرص مصادقة تركيا على انضمام السويد للناتو؟

مساحات تفاهم:

لماذا تتصاعد فرص مصادقة تركيا على انضمام السويد للناتو؟



تواصل السويد جهودها لإقناع تركيا بالمصادقة على عضويتها بالناتو، وهنايمكن فهم الإجراءات والتشريعات القانونية التي أقرتها السويد خلال الفترة الماضية، والتي استهدفت محاصرة التنظيمات والكيانات التي تصنفها تركيا إرهابية، بالإضافة إلى تسليم أحد المطلوبين الداعمين لحزب العمال الكردستاني لتركيا في سابقة هي الأولى من نوعها. ولذلك، مع تصاعد التحديات التي تواجه تركيا خلال المرحلة المقبلة، وبخاصة تراجع مؤشرات الاقتصاد، ناهيك عن إبداء تركيا ترحيباً بالإجراءات السويدية الأخيرة؛ يتوقع موافقة تركيا على عضوية السويد خلال قمة الحلف المقرر لها يوليو المقبل فيليتوانيا.

فقد اتخذت السويد خلال الأيام الماضية سلسلة من الإجراءات لحل القضايا الخلافية التي تمنع تركيا من المصادقة على عضويتها بحلف الناتو، وبخاصة على صعيد محاصرة الكيانات الكردية التي تنشط في السويد، وتصنفها تركيا إرهابية، بالإضافة إلى ترحيب رئيس الوزراء السويدي “أولف كريسترسون” بإعادة انتخاب أردوغان، حيث قال إن “أمننا المشترك يمثل أولوية للمستقبل”.

وتسبب اعتراض تركيا في عرقلة لحاق السويد بالناتو، إذ إن منح عضوية الحلف لدولة جديدة يتطلب موافقة كافة الدول الأعضاء، ولذلك أبدت استكهولم بعد فوز أردوغان بالاقتراع الرئاسي في 28 مايو الماضي استعدادها للحوار مع تركيا، ومعالجة الملفات العالقة بينهما، وذلك في مؤشر على أن فوز الرئيس أردوغان بالعملية الانتخابية وبقاءه في صدارة السلطة خمس سنوات قادمة بات يفرض على السويد تبني مقاربة جديدة مع أنقرة.

اعتبارات متنوعة

ثمة العديد من التطورات التي تكشف عن تصاعد مساحات التفاهم بين أنقرة واستكهولم خلال المرحلة المقبلة، وتؤشر إلى إمكانية مصادقة تركيا على طلب عضوية السويد للحاق بالحلف الأطلسي، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:

1- تبني السويد تشريعات جديدة لمكافحة التطرف والإرهاب: دخلت التشريعات القانونية التي أقرها البرلمان السويدي في 4 مايو الماضي، وتضمنت حظر الأنشطة المرتبطة بالجماعات المتطرفة، حيز التنفيذ مطلع يونيو الجاري. ولم تكن هذه الخطوة هي الأولى، ففي نوفمبر الماضي عدلت السويد دستورها للسماح بمحاصرة الكيانات الإرهابية، لأنه كان يتعارض مع القوانين السويدية المتعلقة بحرية تكوين الجماعات. وتضمّن التعديل فرض إجراءات مغلظة بشأن مكافحة الجماعات المسلحة، ويجرم الانخراط في منظمة إرهابية.

بالتوازي مع ذلك، تعهدت السويد بتصعيد عملياتها لمكافحة الإرهاب، بما في ذلك ضد حزب العمال الكردستاني، حيث أكدت على المضي قدماً بحظر أنشطة العمال الكردستاني وأي منظمات أو هيئات مرتبطة به أو تعمل كواجهة له، بما في ذلك الدعاية وجمع الأموال وتجنيد الأنصار، وأية خطوات أخرى التزمت بها مع أنقرة بموجب الاتفاقيةالثلاثية التي وقعتها السويد وفنلندا وتركيا في يونيو 2022.

وقد أبدت تركيا ترحيباً لافتاً بالتحولات القانونية والسياسية التي أقرتها السويد بشأن محاصرة الكيانات التي تصفها تركيا إرهابية، وبخاصة حزب العمال الكردستاني، وجماعة “خدمة”. وكان المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين قبل توليه رئاسة الاستخبارات، قد أثنى على الإجراءات السويدية، وأشار في تصريحات له في مايو الماضي، إلى أنّ تركيا تُخطّط لعقد اجتماع ثلاثي يضمّ تركيا والسويد وفنلندا في يونيو الجاري، حول مسار انضمام استكهولم إلى حلف “الناتو”.

2- تلبية السويد طلبات هيئة الصناعات الدفاعية التركية: في سياق متصل،عززت السويد من خطواتها العملية بشأن عملية إنهاء حظر الأسلحة الذي فرضته الحكومة السويدية على تركيا في أكتوبر 2019 على خلفية العملية العسكرية التي أطلقها الجيش التركي ضد وحدات حماية الشعب الكردية شمال سوريا. ويبدو أن تركيا تُبدي حرصاً لافتاً على استعادة وتطوير علاقاتها العسكرية مع السويد، إذ إن الأخيرة متطورة جداً في مجال التكنولوجيا العسكرية، وبالتالي فإنّ التعاون العسكري مع استكهولم قد يعزز القدرات العسكرية لتركيا، ويسمح لها بتلبية جانب من وارداتها من المكونات التي تحتاجها هيئة الصناعات الدفاعية التركية.

3- تسليم مطلوبين داعمين لحزب العمال الكردستاني لتركيا: في سابقة هي الأولى من نوعها، وافقت السويد في 12 يونيو الجاري على تسليم تركيا أحد الداعمين لحزب العمال الكردستاني الذي تعدّه أنقرة منظمة إرهابية. وجاء القرار بعد موافقة المحكمة العليا السويدية على تسليمه. وتجدر الإشارة إلى أن هذا القرار يلبي أحد الشروط التي وضعتها أنقرة للتصديق على عضوية السويد بالناتو.

4- منع حرق المصحف ومحاصرة التظاهرات المناهضة لتركيا: كانت تركيا من الدول التي عبرت عن غضبها بعد قيام ناشط يميني متطرف في يناير الماضي بحرق نسخة من القرآن الكريم قرب السفارة التركية في استكهولم، حيث ألغت زيارة كانت مقررة لوزير الدفاع السويدي إلى أنقرة. كما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 24 يناير الماضي: “إن السويد لا ينبغي أن تتوقع دعم تركيا لملف انضمامها إلى الناتوبعد حرق نسخة القرآن الكريم”. وأضاف: “من الواضح أن أولئك الذين تسببوا في مثل هذا العمل المشين أمام سفارة بلادنا، لم يعد بإمكانهم توقع أي إحسان منا فيما يتعلق بطلبهم”.

بيد أن السويد اتجهت مؤخراً إلى محاصرة هذه الأفعال، حيث رفضت الشرطة السويدية في فبراير الماضي منح ترخيص بتنظيم تجمع حاشد قرب السفارة التركية بالسويد، خشية إثارة غضب تركيا من جهة، ومن جهة أخرى تحذير وكالة الأمن الداخلي السويدية من التداعيات السلبية للتظاهرات المناهضة لتركيا وعمليات حرق المصحف على موقف أنقرة من عضوية السويد بالناتو.

5- ليونة المواقف الغربية بعد فوز أردوغان بانتخابات الرئاسة: أبدت العديد من القوى الغربية بعد فوز الرئيس أردوغان في الانتخابات ليونة تجاه الملفات الشائكة مع تركيا، وفي الصدارة منها الولايات المتحدة، حيث أبدى الرئيس بايدن في 31 مايو الماضي دعمه لحصول تركيا على طائرات F16 المقاتلة، بينما أكد وزير خارجيته أنتوني بلينكن أن بلاده لا تربط بيع المقاتلات لأنقرة بمسألة انضمام السويد إلى حلف “الناتو”. كما حثت العديد من الدول الأعضاء في الناتو حكومة السويد على ضرورة اتخاذ خطوات مهمة لمعالجة اعتراضات أنقرة على طلب انضمامها.

تأمين المكاسب

على الرغم من فوز أردوغان بالمنصب الرئاسي لمدة خمس سنوات جديدة، إلا أن ثمة العديد من التحديات التي تفرض على تركيا تهدئة التوتر مع الغرب، وفي الصدارة منها استمرار حدة الأزمة الاقتصادية، والتراجع الحادث في سعر الليرة. وتمثل الاستثمارات الغربية أولوية مهمة للاقتصاد التركي، بالإضافة إلى تحول تركيا إلى واجهة للعديد من الشركات الأوروبية والأمريكية التي أغلقت مقراتها في روسيا على خلفية الحرب الأوكرانية.

في هذا السياق، ربما توافق تركيا على المصادقة على عضوية السويد بالناتو خلال قمة الأطلسي التي ستعقد في مطلع يوليو القادم في مدينة فيلنيوس Vilnius في ليتوانيا، بغية الحصول على صفقة تُساهم في تأمين مصالحها مع الدول الغربية الأعضاء في الناتو، وأهمها فتح الباب رسمياً أمام لحاق تركيا بالاتحاد الأوروبي، وتسريع مفاوضات حصول تركيا على الطراز المتطور من طائرات إف 16، فضلاً عن تعزيز التعاون مع واشنطن في مشاريع تطوير الجيش التركي. وفي هذا الإطار، ليس من المستبعد موافقة تركيا على مسألة انضمام السويد للناتو خلال قمة الحلف المقبلة، وذلك لضمان تأمين دعم دول الحلف للاقتصاد التركي الذي لا يزال بحاجة إلى مزيد من الاستثمارات الأجنبية للقفز على الإشكاليات التي يعانيها.

ارتدادات عكسية

ختاماً، يمكن القول إنه برغم مطالبة تركيا للسويد بمزيد من الإجراءات الإدارية بشأن محاصرة منظمة غولن وعناصر الكردستاني، لكن من المتوقع أن تصادق تركيا على عضوية السويد خلال قمة الحلف المقبلة في ليتوانيا، بعدما قطعت السويد شوطاً معتبراً بشأنتسوية القضايا الشائكة مع تركيا، وأهمها محاصرة حزب العمال الكردستاني. كما تبدو تركيا بعد فوز أردوغان، وفي ظل تراجع مؤشرات الاقتصاد، بحاجة إلى تفادي الضغوط الغربية عليها. لذلك ليس من المرجّح أن تتخذ تركيا مواقف متشددة حيال لحاق السويد بعضوية الناتو لحماية مصالحها، وكذلك عدم استثارة غضب دول الناتو، وبخاصة واشنطن، وهو ما قد يفرز ارتدادات عكسية على تركيا.