ما أبرز الملفات المطروحة على اجتماع “التحالف الدولي” بالسعودية؟

تعزيز الاستقرار:

ما أبرز الملفات المطروحة على اجتماع “التحالف الدولي” بالسعودية؟



تستضيف السعودية (8 يونيو 2023) اجتماع التحالف الدولي لمواجهة تنظيم “داعش” على مستوى الوزراء، إذ يترأس وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الاجتماع مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، بمشاركة أكثر من 30 وزير خارجية من الدول المنضمة للتحالف الدولي، إضافة إلى عشرات من كبار المسؤولين ممثلين لعدد من الدول.

وفي ضوء عدد من السياقات والتحولات على مستوى مكافحة تنظيم “داعش”، وبعض التحولات الإقليمية على مستوى سوريا على وجه الخصوص، فإنه يتوقع مناقشة اجتماع التحالف الدولي عدداً من القضايا البارزة المتعلقة بمواجهة التنظيم، في ضوء الإفادات الرسمية الأمريكية قبل بدء الاجتماع.

سياقات مهمة

بالنظر إلى اجتماع التحالف الدولي لمواجهة “داعش”، فعلى مستوى الوزراء في السعودية، يمكن الإشارة إلى عدد من السياقات المرتبطة باتجاهات عقد الاجتماعات السابقة على نفس المستوى منذ تأسيس “التحالف”، إضافة إلى تداخل أبعاد أخرى في العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة، كالتالي:

1- استضافة الاجتماع عقب تراجع حدة التوترات مع أمريكا: يأتي إعلان السعودية استضافة اجتماع “التحالف الدولي” على مستوى الوزراء لعام 2023، خلال شهر ديسمبر 2022، خلال اجتماع المديرين السياسيين للتحالف في هولندا.

ويمكن قراءة هذا الإعلان، لدلالة توقيته، في سياق الانفراجة في العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية، خاصة عقب زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمملكة في يوليو 2022، وبروز مسار للتقارب وإنهاء التوترات والملفات العالقة بين البلدين منذ وصول “بايدن” للبيت الأبيض في ولايته الأولى.

وإضافة لذلك، تقود الولايات المتحدة الأمريكية التحالف الدولي لمواجهة “داعش”، باعتبارها الطرف المؤسس لهذا التحالف عام 2014، خلال فترة الرئيس السابق باراك أوباما، وبالتالي تعد محركاً رئيسياً في مسار رسم سياسات واستراتيجيات التحالف، كما أن وزير الخارجية الأمريكي يترأس الاجتماعات على مستوى الوزراء، بجانب وزير خارجية الدولة المستضيفة، وهو ما دأبت عليه الاجتماعات منذ انطلاقها عقب تأسيس “التحالف الدولي”.

2- أبعاد متداخلة مع العلاقات الأمريكية السعودية: ورغم أن الإعلان عن استضافة السعودية لاجتماع “التحالف الدولي” تقرر منذ العام الماضي، إلا أنه لا يمكن فصلاستضافة المملكة لهذا الاجتماع، غير أن توقيت الاجتماع في ذاته يحمل أبعاداً متداخلة تتخطى حدود مواجهة “داعش”، خاصة مع زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للسعودية لمدة ثلاثة أيام، تبدأ من 6 يونيو، علماً بأن تاريخ اجتماع “التحالف الدولي” مقرر له في 8 يونيو.

ووفقاً للبرنامج المتوقع لبلينكن خلال زيارته السعودية، فإنه من المقرر لقاء مسؤولين سعوديين من دون الكشف عن لقاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أم لا، ولكن جدول الأعمال المعلن يرتبط باجتماع مع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي في 7 يونيو، قبل أن يستضيف مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان اجتماع “التحالف الدولي”.

3- اتجاه لتوسيع دائرة الدول المستضيفة لاجتماعات التحالف: يبدو أن “التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة يتجه إلى توسيع قاعدة الدول المستضيفة لاجتماعات التحالف على مستوى الوزراء خلال الفترة الماضية، خاصة وأن المغرب استضافت اجتماعاً مماثلاً خلال عام 2022، هذا بخلاف خطوات سابقة في تنويع استضافة بعض الدول لبعض اجتماعات مجموعات العمل المختلفة داخل “التحالف الدولي”.

وبالنظر إلى اجتماع “التحالف الدولي” في المغرب عام 2022، فإنه يأتي عقب عام واحد من تشكيل مجموعة التركيز الخاصة بأفريقيا التي تأسست عام 2021، برئاسة مشتركة بين الولايات المتحدة والمغرب وإيطاليا والنيجر، كما أنه الأول من نوعه داخل القارة الأفريقية منذ تأسيس التحالف عام 2014.

4- تنويع عقد الاجتماع بين آسيا وأفريقيا: في ضوء تحديد الدول التي استضافت اجتماع “التحالف الدولي” على مستوى الوزراء، فإن عام 2018 شهد تحولاً في الدول التي تستضيف مثل هذا الاجتماع، باستضافة دولة الكويت لهذا الاجتماع، فيما كانت الاجتماعات السابقة على هذا العام منذ بداية تأسيس التحالف تقتصر على الولايات المتحدة بشكل رئيسي، وبريطانيا التي استضافت فقط اجتماع عام 2015.

ولكن عادت الولايات المتحدة لاستضافة اجتماع التحالف الدولي على مستوى الوزراء عام 2019، قبل توقف الاجتماعات الحضورية خلال فترة تفشي جائحة كورونا، وكان أول اجتماع يحضره الوزراء بشكل شخصي عام 2021 في إيطاليا، وكان الاجتماع الأخير في المغرب عام 2022، بما يشي باتجاه نحو تنويع التركيز على أفريقيا وآسيا على مستوى الدول المستضيفة لاجتماعات على مستوى الوزراء.

 ورغم أنها المرة الأولى التي تستضيف فيها السعودية اجتماع “التحالف الدولي” على مستوى وزراء الدول المشاركة جميعها، إلا أنها استضافت أحد الاجتماعات على مستوى وزراء الخارجية، ولكن في حدود الدول العربية في مدينة جدة سبتمبر 2014، مع وزير الخارجية الأمريكي، بمشاركة دول مصر والعراق والأردن ولبنان وقطر والكويت والبحرين والإمارات وسلطنة عُمان، واتفقوا على مواجهة تنظيم “داعش” ووقف تدفق التمويل والمقاتلين للعراق وسوريا.

ترتيب أولويات

يمكن الإشارة إلى أبرز القضايا المحتمل التطرق لها خلال اجتماع “التحالف الدولي” على مستوى الوزراء بالسعودية، كالتالي:

1- تعزيز الاستقرار في المناطق المحررة: تتعدد أهداف “التحالف الدولي” منذ تأسيسه، والتي بلورها ضمن مجموعة من المهمات التي صاغتها الدول الأعضاء بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ويتضح أن أولى تلك المهام هي “تحقيق الاستقرار في المناطق المحررة” بالعراق وسوريا، تحت شعار “إعادة الاستقرار” في البلدين، من خلال مجموعة من الخطوات منها إعادة الأشخاص النازحين داخلياً وإطلاق صندوق تمويل الاستقرار الفوري، وتعزيز الأمن وسيادة القانون.

ورغم إعلان هزيمة “داعش” في العراق عام 2017 وسوريا عام 2019، إلا أن التنظيم أظهر قدراً من التكيف مع المتغيرات الميدانية، التي أدت لعرقلة جهود وخطط التحالف لإعادة الاستقرار، إضافة إلى تفشي جائحة كورونا. ولكن منذ مطلع العام الجاري، تشير البيانات الأمريكية الصادرة عن “القيادة المركزية”، والتي تشمل “العراق وسوريا”، إلى أن هناك تراجعاً في النشاط العملياتي لتنظيم “داعش” في الدولتين.

إذ أعلن اللواء ماثيو ماكفارلين، القائد العام لقوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب، خلال شهر أبريل الفائت، تسجيل انخفاض لنشاط “داعش” في العراق بواقع 68%، وفي سوريا بنسبة انخفاض 55%”، خلال الفترة من مطلع يناير وحتى الأسبوع الأول من أبريل الفائت، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2022، وهو ما قد يدفع التحالف إلى محاولة الإسراع في دعم جهود إعادة الاستقرار في الدولتين، خاصة في ظل تحولات إقليمية على مستوى الموقف من سوريا على وجه الخصوص، بعد التقارب العربي مع سوريا، وعودة مقعدها لجامعة الدول العربية، إضافة إلى التقارب التركي مع النظام السوري، والرغبة في إعادة اللاجئين إلى شمال سوريا مجدداً.

2- جمع مزيد من الأموال لدعم خطط “التحالف”: وانطلاقاً مع رؤية “التحالف الدولي”، فإنه من المتوقع التحرك لجمع مزيد من الأموال لمواصلة خطط التحالف ومهامه وتحديداً على مستوى إعادة الاستقرار، إذ تأمل الولايات المتحدة في هذا الخصوص، جمع مزيد من الأموال لدعم الاستقرار في العراق وسوريا، بشكل يفوق إجمالي المبالغ في اجتماع العام الماضي والمقدرة بنحو 445 مليون دولار، وفقاً لنائب المبعوث الخاص للتحالف الدولي، إيان مكاري.

مع الإشارة إلى إطلاق الولايات المتحدة مشاورات مع الشركاء في “التحالف الدولي” من أجل ضخ مزيد من الأموال، إضافة إلى تخصيص الولايات المتحدة مبالغ إضافة سيعلن عنها بلينكن خلال الاجتماع.

3- تحويل التركيز إلى نشاط “داعش” بأفريقيا: رغم محورية العراق وسوريا، إلا أن “التحالف الدولي” لن يركز بصفة أساسية على الدولتين، في ظل تراجع النشاط العملياتي إضافة إلى عدم سيطرة “داعش” على أراضٍ هناك، وفقاً لإفادة أمريكية رسمية قبل الاجتماع، مع تحويل تركيز أكبر على مكافحة التنظيم في أفريقيا، الذي يكتسب أهمية بالنسبة للتحالف، وهو ما يتضح من خلال تشكيل مجموعة التركيز الخاصة بأفريقيا عام 2021.

ولكن يأتي هذا في حين تواصل الولايات المتحدة والقوات العسكرية لدول أخرى ضمن “التحالف الدولي”، العمليات العسكرية لتحجيم نشاط تنظيم “داعش” في سوريا والعراق، وهذا ما يتضح من خلال الإفادة الرسمية لـ”القيادة المركزية” الأمريكية على موقعها الإلكتروني، التي تنشر بشكل شهري لإجمالي العمليات المنفذة في كلال الدولتين.

4- تركيز ثانوي على آسيا الوسطى: كما يبرز أن جزءاً من استراتيجية “التحالف الدولي” خلال الفترة المقبلة هي للتركيز على مكافحة “داعش” في منطقة آسيا الوسطى، ولكن بدرجة أقل من الاهتمام بنشاط التنظيم في قارة أفريقيا، وفقاً لنائب المبعوث الخاص للتحالف الدولي. وبالنظر إلى الشركاء والدول الأعضاء في “التحالف الدولي”، فإن عدداً قليلاً من دول آسيا الوسطى تشارك في “التحالف”، ولكن تشير بعض التقارير الإعلامية إلى مشاركة ممثلين لبعض الدول في آسيا باجتماع التحالف في السعودية، وسيكون التركيز على نشاط “داعش” في أفغانستان، ومنع تدفق المقاتلين.

5- دعم جهود مكافحة تمويل “داعش”: على الرغم من إشارة تقارير رسمية لمجلس الأمن إلى تراجع الاحتياطات المالية لتنظيم “داعش” عند حدود 25 إلى 50 مليون دولار تقريباً،لكن برز خلال الأعوام القليلة الفائتة اتجاه التنظيم إلى الاعتماد على شبكات تمويل عبر جمع تبرعات عابرة للحدود، بالاعتماد على تطبيقات مشفرة، لنقل الأموال وتسليمها إلى وسطاء تمهيداً لنقلها إلى أفرع التنظيم، وبعضها يخصص لتحرير عناصر التنظيم وأسرهم من مخيمات الإيواء في سوريا، وهو ما كشفت عنه حملة مداهمات في ألمانيا قبل أيام قليلة من عقد اجتماع التحالف الدولي.

ولجأ تنظيم “داعش” عبر شبكاته والموالين له إلى توظيف الألعاب الإلكترونية ومواقع “Deep web” في التواصل وتسهيل نقل الأموال، واستخدام العملات المشفرة، إضافة إلى عمليات غسيل أموال عبر تجارة شريعة لموالين للتنظيم. وتتجه الولايات المتحدة إلى فرض العقوبات على المشتبه بهم والمتورطين في عمليات تمويل “داعش”، أو توفير الدعم اللوجيستي لأفرع التنظيم، من خلال سلسلة من القرارات الصادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية.

6- إعادة عناصر “داعش” وأسرهم إلى دولهم الأصلية: من المرجح مناقشة ملف تفكيك مخيمات إيواء العناصر المشتبه بانتمائهم إلى تنظيم “داعش” وأسرهم في سوريا، إضافة إلى ترحيل عناصر التنظيم المحتجزين في السجون تحت إدارة قوات “سوريا الديمقراطية” المعروفة بـ”قسد”،وسبق أن طلب كل من “قسد” والعراق بضرورة تفكيك تلك المخيمات والسجون وعودة تلك العناصر إلى بلدانهم الأصلية، خاصة مع محاولة التنظيم تحرير عناصره من سجن غويران شمال شرقي سوريا مطلع العام الفائت.

ورغم أن هناك تحركات من الدول لاستلام العناصر من حاملي جنسياتها، إلا أنها تتسم بالبطء، خاصة مع رفض مسبق لبعض الدول الأوروبية لاستلام تلك العناصر، إلا أن ثمة انفراجة في هذا الملف خلال العام الماضي، باستلام النساء والأطفال.

مكافحة التمويل

وأخيراً، رغم أن اجتماع “التحالف الدولي” يعقد بشكل دوري كل عام على مستوى وزراء خارجية الدول المنضمة للتحالف، إلا أن العمل داخل مجموعات عمل “التحالف” يتم على مدار العام، من خلال اجتماعات على مستوى أصغر من حيث عدد المشاركين أو أقل من ناحية التمثيل للدول المنضمة للتحالف. ولكن يكتسب اجتماع “التحالف الدولي” على مستوى الوزراء، أهمية كبيرة، لإقرار استراتيجية وخطط العمل خلال الفترة المقبلة، بناء على مجموعات العمل الفنية في بعض الملفات مثل مكافحة تمويل الإرهاب.