لماذا تزايد الاهتمام الدولي بالصومال؟

احتواء التحديات:

لماذا تزايد الاهتمام الدولي بالصومال؟



تصاعد اهتمام العديد من المنظمات والقوى الدولية بالتطورات التي تشهدها الصومال، على المستويات المختلفة، وهو ما بدا جلياً في الزيارة التي قام بها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، في 11 أبريل الجاري، وحذر خلالها من تدهور الأوضاع في الصومال، بالتوازي مع مشاركة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في قمة ثلاثية جمعته مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، خلال زيارتها لإثيوبيا يومى 14 و15 من الشهر نفسه، على نحو يطرح تساؤلات عديدة حول عوامل وأسباب تنامي الاهتمام الدولي بالصومال في هذه المرحلة تحديداً.

تحولا لافت

اكتسبت زيارة جوتيريش للصومال في هذا التوقيت أهمية خاصة، حيث جاءت في وقت تواجه فيه الصومال العديد من التحديات الإنسانية والأمنية والغذائية، ولا سيما في ظل أزمة الجفاف التي تواجهها البلاد. وقد أشار جوتيريش إلى أن نحو 8.3 ملايين صومالي – نصف التعداد السكاني تقريباً – تلزمهم مساعدات إنسانية عاجلة، مضيفاً أنه تمت تلبية 15 بالمائة فقط من متطلبات المساعدات البالغ قيمتها 2.6 مليار دولار لهذا العام.

وقال جوتيريش للصحفيين في مقديشيو: “حينما تلوح المجاعة في الأفق، يكون هذا غير مقبول تماماً”، وحذر الأمين العام للأمم المتحدة المجتمع الدولي من أن “الصومال تقف على حافة الهاوية”، داعياً إلى ضرورة تقديم الدعم اللازم للصومال لمواجهة هذه التحديات.

وبعد ثلاثة أيام، شارك الرئيس الصومال حسن شيخ محمود في قمة ثلاثية بإثيوبيا ضمت رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني التي سبق أن التقت شيخ محمود في روما في 9 فبراير الماضي، على نحو يشير إلى اهتمام إيطالي بتعزيز التعاون مع الصومال لا سيما في المجالين الاقتصادي والأمني. وقد عرض الرئيس شيخ محمود خلال هذه القمة تطورات الأوضاع في الصومال، ونتائج الحملة العسكرية الجارية للقضاء على حركة “شباب المجاهدين” الإرهابية وطردها من المدن الصومالية.

دوافع عديدة

يمكن القول إن ثمة جملة من الدوافع التي تفسر تزايد الاهتمام الدولي بالصومال في هذا التوقيت، يتمثل أبرزها في:

1- دعم جهود مكافحة الإرهاب: تبدي العديد من المنظمات والقوى الدولية والإقليمية اهتماماً خاصاً بمتابعة تطورات المواجهة المستمرة بين الحكومة الصومالية وحركة “شباب المجاهدين” الإرهابية، والتي ترى أن مساراتها المحتملة سوف تؤثر على مصالحها وأمنها لاعتبارات عديدة ترتبط بموقع الصومال الاستراتيجي بالقرب من خطوط المواصلات العالمية في باب المندب والبحر الأحمر. وفي هذا السياق، حاولت ميلوني استثمار فرصة عقد اللقاء الثلاثي من أجل الاطلاع على تطورات المواجهة العسكرية، خاصة أن القوات الحكومية الصومالية تحظى بدعم دولي ملحوظ، لا سيما من جانب الولايات المتحدة الأمريكية التي حرصت على الإبقاء على قوات أمريكية في الصومال وشن ضربات عسكرية نوعية ضد بعض القيادات الإرهابية داخل الأخيرة.

وقد أكد الرئيس شيخ محمود، خلال قمة أديس أبابا، أن “المرحلة الأولى من عملية تحرير البلاد من الإرهاب كانت ناجحة”، مشيراً إلى اقتراب موعد شن عملية مشتركة بدعم من جانب دول الجوار، للقضاء على التنظيمات الإرهابية التي تسعى إلى زعزعة الأمن والاستقرار في الصومال وتلك الدول.

وكان لافتاً في الإطار ذاته، أن الأمين العام للأمم المتحدة أكد خلال زيارته “التضامنية” للصومال، على أن استمرار الأزمات المعيشية التي تواجهها الأخيرة تُهيِّئ مناخاً مواتياً لاستمرار نشاط التنظيمات الإرهابية، حيث قال أن “ما تواجهه الصومال من إرهاب وجفاف ناجم بجزء كبير منه عن التغيّر المناخي الذي يخلق ظروفاً مثالية لأزمة ويتطلب دعماً كبيراً من المجتمع الدولي”.

2- تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية لإيطاليا: تواصل الحكومة الإيطالية الحالية برئاسة جورجيا ميلوني تبني السياسة التي سبق أن اتبعتها الحكومات السابقة، والتي ركزت على تعزيز التعاون الاقتصادي مع دول منطقة القرن الأفريقي، مع الحرص على الربط بين الجهود التي تبذلها روما من أجل تحقيق الاستقرار في تلك المنطقة والدبلوماسية الاقتصادية التي تتبعها الأولى، وتحاول من خلالها توسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها على الساحة الدولية، خاصة في ظل المعطيات الجديدة التي فرضتها التحولات الأخيرة التي طرأت على تلك الساحة، ومنها اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية منذ 24 فبراير 2022، والتي لا يتوقع أن تصل إلى نهاية قريبة في المدى المتوسط على الأقل.

وفي هذا الإطار، أشارت ميلوني إلى اهتمامها بتشجيع الشركات الإيطالية على الاستثمار في إعادة إعمار الصومال. فيما دعا الرئيس شيخ محمود خلال زيارته لإيطاليا، في 9 فبراير الماضي، الشركات الإيطالية العملاقة إلى الحضور الفاعل في مجالات الاستثمار الغنية في بلاده. وقالت ميلوني عقب لقائها الرئيس الصومالي: “كنت أتحدث مع رئيس الصومال.. إذا قررنا الرهان على الاستقرار، فغداً سيكون هناك موضوع إعادة الإعمار، وفي الصومال لديهم مشكلة تدريب في قطاع البناء، في هذا الصدد كما نفعل هنا في إثيوبيا حيث يسير العمل بنسبة 100%، أعتقد أنه النهج الصحيح”.

3- مكافحة الهجرة غير النظامية: يحظى هذا الملف تحديداً بأهمية خاصة من جانب إيطاليا، لاعتبارات أمنية وسياسية واقتصادية عديدة، حيث تسعى الحكومة إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات لوقف موجات الهجرة غير النظامية من دول جنوب المتوسط، وهو ما يبدو جلياً في إعلان السلطات الإيطالية، في 11 أبريل الجاري، فرض حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر على الأقل، بهدف التعامل مع زيادة أعداد المهاجرين الوافدين إليها من سواحل شمال أفريقيا.

لكن روما لا تكتف بذلك، حيث أنها تسعى إلى امتلاك مزيد من الخيارات للتعامل مع التداعيات التي تفرضها هذه الظاهرة. ومن هنا، فإنها تحاول عبر توسيع نطاق تعاونها مع العديد من الدول الأفريقية مواجهة الارتدادات التي ينتجها استمرار موجات المهاجرين إليها. وفي رؤية روما، فإن أحد أسباب استمرار وتصاعد هذه الظاهرة يتعلق بتفاقم حدة الأزمات الداخلية التي تشهدها العديد من تلك الدول، بسبب استمرار الصراعات المسلحة والحروب الأهلية فضلاً عن تعثر الجهود التي تبذل من أجل الوصول إلى تسويات سياسية لتلك الأزمات.

4- تفعيل الاستجابة لمتطلبات التنمية: وهو ما يعد أحد أهداف خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2023 التي أعلنتها الأمم المتحدة لمساعدة ملايين الصوماليين على مواجهة الأزمات المعيشية التي يعانون منها. وتسعى تلك الخطة للحصول على تمويل بقيمة 2.6 مليار دولار من أجل مساعدة المتضررين من الأزمة الإنسانية، باعتبار أن ذلك يمثل أحد المداخل الأساسية للتعامل مع التحديات التي تواجهها الصومال.

خطوات جديدة

ربما تؤشر هذه الاعتبارات في مجملها إلى أن الاهتمام الدولي بدعم الصومال سوف يتزايد خلال المرحلة القادمة، ليس فقط لمنع استمرار تدهور الأوضاع المعيشية، وإنما أيضاً للحيلولة دون تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية التي سوف تحاول استغلال هذه الأوضاع سواء لتعزيز نفوذها على غرار تنظيم “داعش” الذي يتعرض لضربات قوية في المناطق الرئيسية التي سبق أن سيطر عليها، أو لمواجهة الضغوط والضربات التي تتعرض لها من قبل السلطات الصومالية والقوى الدولية المعنية بمحاربة الإرهاب، على غرار حركة “شباب المجاهدين”.