لماذا تضغط واشنطن على أوروبا لتصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية؟

تعزيز الحصار:

لماذا تضغط واشنطن على أوروبا لتصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية؟



يسعى الكونجرس الأمريكي عبر مطالبة أوروبا بإدراج الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، إلى تحقيق أهداف عديدة، أهمها وضع إيران أمام خيارات محدودة، وعرقلة جهود الإدارة الأمريكية للوصول إلى صفقة جديدة، والرد على الدعم الإيراني لروسيا في الحرب الأوكرانية، واستباق تخفيف القيود المفروضة على إيران في الاتفاق النووي.

صحيفة “دنياى اقتصاد” (عالم الاقتصاد): رسالة من 130 عضواً في الكونجرس الأمريكي للاتحاد الأوروبي من أجل اتخاذ خطوة تصعيدية ضد الحرس الثوري

ما زالت الولايات المتحدة الأمريكية حريصة في الفترة الحالية على تأكيد تمسكها بموقفها من المفاوضات النووية مع إيران، حيث ترى أن الأخيرة ما زالت تماطل ولم تقدم على تغيير موقفها من المفاوضات بشكل أدى في النهاية إلى تعثرها. وفي هذا السياق، تحاول واشنطن بالتوازي مع التمسك بموقفها ممارسة ضغوط على الدول الأوروبية من أجل تبني سياسة أكثر تشدداً تجاه إيران خلال المرحلة القادمة، على نحو بدا جلياً في الرسالة التي وجهها 130 نائباً في الكونجرس الأمريكي -من الحزبين الديمقراطي والجمهوري- إلى مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، في 11 أبريل الجاري، يطالبونه فيها بتفعيل التوصية التي أصدرها البرلمان الأوروبية، في 18 يناير الماضي، بإدراج الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، وهي التوصية التي رفض الاتحاد الأوروبي تحويلها إلى خطوات تنفيذية بحجة ضرورة ارتباط ذلك بحكم قضائي من إحدى المحاكم الأوروبية.

أسباب عديدة

يمكن تفسير هذا التوجه الأمريكي نحو الضغط على أوروبا من أجل إدراج الحرس الثوري كمنظمة إرهابية في ضوء الدوافع التالية:

1- فرض خيارات محدودة أمام إيران في مواجهة الضغوط الدولية: ترى واشنطن أن عزوف الاتحاد الأوروبي حتى الآن عن اتخاذ قرار بتصنيف “الباسدران” كمنظمة إرهابية، يوفر خيارات أوسع أمام إيران للتعامل مع الضغوط التي تتعرض لها على الساحة الدولية، وبالتالي يدفعها إلى التمسك بشكل أكبر بسياستها الحالية التي أدت، وفقاً للرؤية الأمريكية، إلى تعثر المفاوضات التي أُجريت على مدى أكثر من عام وتوقفت في أغسطس الماضي، عندما رفضت إيران المقترحات التي طرحها مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، والتي كان من الممكن أن تساعد في تهيئة المجال أمام الوصول إلى تسوية لأزمة الاتفاق النووي.

2- وضع عقبات جديدة أمام الصفقة المحتملة بين واشنطن وطهران: يبدي كثير من نواب الكونجرس الأمريكي تحفظات عديدة إزاء السياسة التي تتبناها إدارة الرئيس جو بايدن تجاه إيران بشكل عام، التي اعتبروا أنها ساهمت في دفع إيران إلى تطوير برنامَجَيْها النووي والصاروخي وتوسيع نطاق حضورها على المستوى الإقليمي. ومن هنا فإنهم يحاولون عبر هذه الخطوة وضع عقبات جديدة يمكن أن تؤدي إلى وقف الجهود التي تبذل من أجل تجديد المفاوضات أو تعزيز فرص الوصول إلى صفقة جديدة تنقذ الاتفاق النووي الحالي.

إذ إن تصنيف الحرس الثوري أوروبياً كمنظمة إرهابية سوف يدفع إيران إلى تبني خطوات تصعيدية مقابلة، على غرار ما حذرت منه عقب صدور توصية البرلمان الأوروبي، وبالتالي يضع الإدارة الأمريكية في موقف لا تستطيع من خلاله التحرك من أجل إنقاذ المفاوضات مع إيران، بشكل يمكن أن يعصف بكل الجهود التي تُبذل في هذا الصدد.

ويعود ذلك في المقام الأول إلى أن القسم الأكبر من أعضاء الكونجرس باتوا يرون أنه سواء تم التوصل إلى اتفاق نووي جديد أو فشلت المفاوضات نهائياً، فإن ذلك لن يقلص من حجم الأزمة التي تسبب فيها وصول الأنشطة النووية الإيرانية إلى هذا المستوى الذي باتت عليه في المرحلة الحالية. فقد نجحت إيران، رغم كل العقبات والضغوط التي تعرضت لها، في تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، التي أنتجت منها كمية تتجاوز 86 كيلو جراماً. كما أن عمليات التخصيب أدت إلى تراكم كمية من اليورانيوم المخصب بنسبة 83.7%، على نحو يساهم في اقتراب إيران بشكل كبير من مرحلة امتلاك القدرة على إنتاج القنبلة النووية.

3- الرد على استمرار الدعم الإيراني لروسيا في العمليات العسكرية بأوكرانيا: رغم كل الضغوط التي تعرضت لها إيران في الفترة الماضية من أجل وقف تقديم دعم عسكري إلى روسيا لمساعدتها في إدارة العمليات العسكرية في أوكرانيا، إلا أن إيران ما زالت حريصة على المضي قدماً في هذا الدعم، على نحو بدا جلياً فيما كشفت عنه تقارير عديدة، في بداية فبراير الماضي، من أن إيران وروسيا تخططان لبناء مصنع لإنتاج الطائرات من دون طيار داخل روسيا، وهي محور الدعم الذي تقدمه إيران إلى الأخيرة. ويكتسب هذا الدعم اهتماماً خاصاً من جانب الدول الغربية، التي ترى أنه يمثل أحد الأسباب التي تساعد موسكو في مواصلة العمليات العسكرية في ظل الضغوط والعقوبات القوية التي تفرضها هذه الدول عليها، بالتوازي مع الدعم العسكري النوعي الذي باتت تقدمه إلى أوكرانيا لتمكينها من مواجهة العمليات العسكرية الروسية.

وفي رؤية أعضاء الكونجرس الأمريكي الذين وجهوا الرسالة إلى بوريل، فإن العقوبات التي فرضت على إيران من جانب الدول الغربية بعد تقديمها الدعم العسكري إلى روسيا لم تفلح في دفعها إلى وقف أو على الأقل تقليص هذا الدعم، بشكل يفرض على الدول الغربية ضرورة البحث عن آليات أخرى لممارسة ضغوط أقوى على إيران، وهو ما يرى هؤلاء الأعضاء أنه يتوافق مع إدراج الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، حيث ثبت أن هذه الخطوة التي سبق أن اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في 8 أبريل 2019، كان لها تأثير قوي على إيران، ولا سيما على المستوى الاقتصادي، في ظل النفوذ الواسع الذي يمتلكه الحرس الثوري على الساحة الداخلية الإيرانية، حيث كان هذا التصنيف سبباً رئيسياً في خروج الاستثمارات الأجنبية من إيران، بعد أن سارعت العديد من الشركات الأجنبية الكبرى، مثل توتال، إلى الخروج من السوق الإيرانية، خشية التعرض لعقوبات أمريكية، بسبب الانخراط في تعاملات مع بعض الشركات التي كان من الممكن أن يثبت فيما بعد أنها تابعة للحرس الثوري.

4- استباق تخفيف القيود المفروضة على إيران في الاتفاق النووي: رغم أن الاتفاق النووي الحالي ما يزال يواجه أزمة مستحكمة قد تؤدي إلى انهياره في النهاية، إلا أن بعض البنود التي يتضمنها ما زالت سارية المفعول، وخاصة فيما يتعلق بالقيود المفروضة على إيران والتي تُرفع على مديات زمنية مختلفة. وفي هذا السياق، من المتوقع أن يُرفع قيد مهم عن إيران في 18 أكتوبر القادم، وهو القيد الخاص بعدم إجراء أنشطة خاصة بتطوير الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية.

ورغم أن إيران لم تلتزم بهذا البند من الأساس بدليل أنها أجرت تجارب عديدة على هذه النوعية من الصواريخ في السنوات الماضية، إلا أن إزالة هذا القيد قد يدفع إيران إلى تطويرها بشكل كبير، على نحو سوف يؤدي إلى تفاقم حجم التهديدات التي توجهها إلى المصالح الأمريكية، فضلاً عن أنه قد يوفر دافعاً آخر لإيران لتعزيز دعمها العسكري إلى روسيا، في المستقبل، عبر مدها بالصواريخ، إلى جانب المسيرات، وهو تحول استراتيجي سوف تكون له ارتدادات واسعة، سواء على صعيد الحرب في أوكرانيا، أو على صعيد العلاقات بين إيران والدول الغربية.

اتجاهٌ موازٍ

رغم أنّ هذه الخطوات التي يتخذها الكونجرس الأمريكي قد تبدو للوهلة الأولى غير متوافقة مع سياسة الإدارة الأمريكية تجاه العلاقات مع إيران، إلا أن ذلك لا ينفي أن الإدارة قد تحاول استغلالها بما يعزز مقاربتها إزاء إيران. إذ إن ذلك يتيح لها فرصة “التحدث بأكثر من لسان” مع إيران، وهي السياسة نفسها التي تتقنها إيران في إدارة علاقاتها مع الدول الغربية، وبالتالي قد يساعد ذلك في توسيع هامش الخيارات المتاحة أمام الإدارة الأمريكية.

ففي الوقت الذي ما زالت فيه الإدارة حريصة على الاحتفاظ بقنوات اتصال خاصة بالمفاوضات النووية، ربما مع إيران نفسها، فإنها قد تحاول استثمار هذا التوجه المتشدد من جانب الكونجرس لممارسة ضغوط أقوى على الأخيرة من أجل تبني سياسة أكثر مرونة ربما تسمح في المستقبل بالوصول إلى صفقة، خاصة أن وقف التطور الكبير في الأنشطة النووية الإيرانية أصبح يكتسب الأولوية حالياً في الرؤية الأمريكية، بعد أن أكدت إيران قدرتها على الوصول إلى مرحلة امتلاك القدرة على مراكمة المواد اللازمة لإنتاج القنبلة النووية، على نحو يعني أن السياسة الأمريكية تجاه إيران سوف تتسم بالازدواجية خلال المرحلة القادمة، في ظل تقاطع الرؤى بين الكونجرس والبيت الأبيض، واتساع نطاق الخلافات بين واشنطن وطهران.