لماذا تسعى إيران إلى زيادة قوات الشرطة؟

مواجهة التهديدات:

لماذا تسعى إيران إلى زيادة قوات الشرطة؟



ربما يكون من أهم تداعيات اندلاع الاحتجاجات الأخيرة في إيران هو تعزيز قدرة جهاز وقوات الشرطة، خاصة في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في أن النظام يتوقع اندلاع مزيد من الاحتجاجات خلال المرحلة القادمة، فضلاً عن تعزيز القدرة على ضبط الحدود السائلة مع بعض دول الجوار، مثل العراق وأفغانستان، إلى جانب المشاركة في احتواء الاختراقات الأمنية الخارجية وتهديدات التنظيمات الإرهابية، مع فرض مزيد من القيود على أقطاب وكوادر المعارضة الداخلية.

صحيفة “انتخاب” (الاختيار) نقلاً عن قائد القوات الخاصة بالشرطة: نحتاج لمضاعفة طاقتنا في عام 1402 (العام الإيراني) لمواجهة 400 بؤرة من الاحتجاجات

أبدى قادة النظام الإيراني اهتماماً خاصاً في الآونة الأخيرة بتعزيز قدرة جهاز وقوات الشرطة على القيام بمهامها، خاصة بعد تراجع حدة الاحتجاجات التي اندلعت في إيران منذ منتصف سبتمبر الماضي. وفي هذا السياق، قال قائد القوات الخاصة في الشرطة الإيرانية حسن كرمي، في 25 مارس الماضي، إنه من الضروري مضاعفة عدد قوات الشرطة في العام الإيراني الجديد الذي بدأ في 21 من الشهر نفسه من أجل مواجهة احتمال اندلاع احتجاجات في 400 بؤرة. وجاء ذلك بعد نحو أقل من ثلاثة شهور على التغييرات الهيكلية التي أجراها المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي على قيادة الشرطة، حيث قام، في 4 يناير الماضي، بإعفاء قائد الشرطة حسين أشتري من منصبه وتعيين قائد شرطة طهران السابق أحمد رضا رادان خلفاً له.

وقد أشارت تقارير عديدة إلى أن إيران تعاني من تراجع مراكز ونقاط الشرطة التي يصل عددها إلى 3 آلاف مركز ونقطة شرطة على مستوى الدولة، في الوقت الذي يجب أن تصل فيه إلى 5 آلاف، في حين أن هناك 2.7 ضابط شرطة لكل ألف مواطن، وهو متوسط منخفض، وفقاً لهذه التقارير، حيث يجب أن يصل إلى 5 ضباط لكل ألف مواطن.

صحيفة “همشهري” (المواطن): عجز بمقدار ألفي مركز ونقطة شرطة.. يوجد أقل من 3 ضباط شرطة لكل ألف موطن

دوافع عديدة

يمكن تفسير اتجاه النظام إلى تدعيم قوات الشرطة خلال المرحلة القادمة في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- الاستعداد لتجدد الاحتجاجات الداخلية: رغم أن النظام استطاع في النهاية احتواء الاحتجاجات التي اندلعت في منتصف سبتمبر الماضي اعتراضاً على وفاة الفتاة الكردية العشرينية مهسا أميني، إلا أن ذلك لا ينفي أن محفزات تجدد الاحتجاجات ما زالت قائمة بقوة. إذ لم يستجب النظام لأي دعوات انطلقت في هذه الاحتجاجات، كما أن التصريحات التي يدلي بها مسؤولوه، وعلى رأسهم المرشد الأعلى علي خامنئي، تشير إلى أن النظام ما زال يتبنى نهجاً متشدداً إزاء مطالب المحتجين، حيث ما زال خامنئي مصراً على ربط الاحتجاجات بوجود أجندة خارجية تدعم قوى مناوئة للنظام الإيراني، وتسعى لتقويض دعائمه عبر نشر الفوضى داخل إيران. ومن هنا، فإن النظام يحاول الاستعداد مبكراً لتجدد الاحتجاجات خلال الفترة القادمة، خاصة مع استمرار الأزمة الاقتصادية دون تراجع حدتها في الفترة الماضية.

2- تزايد تهديدات التنظيمات الإرهابية: كان لافتاً أن النظام الإيراني اعتمد في الفترة الماضية على الأجهزة الأمنية التابعة للحرس الثوري في مواجهة التهديدات التي تتصاعد على الساحة الداخلية؛ إلا أن انشغال هذه الأجهزة في مساعي احتواء الاحتجاجات الأخيرة كان له دور في تهيئة المجال أمام التنظيمات الإرهابية لتقوم بتنفيذ عمليات إرهابية في الداخل، على غرار العملية التي وقعت في مدينة شيراز، في 26 أكتوبر الماضي، وتحديداً في ضريح شاه ‌چراغ، والتي أدت إلى مقتل 15 وإصابة 40 شخصاً، وأعلن تنظيم “داعش” مسؤوليته عنها. ومن هنا، فإن النظام الإيراني ومع عدم استبعاده تجدد الاحتجاجات مرة أخرى خلال العام الجديد، يحاول أيضاً توجيه ضربات استباقية للتنظيمات الإرهابية لتقليص قدرتها على تنفيذ عمليات مماثلة في الفترة المقبلة.

3- تأمين الحدود السائلة مع دول الجوار: يبدو أن النظام في إيران سوف يتجه إلى اتخاذ مزيدٍ من الإجراءات الكفيلة بتأمين الحدود السائلة مع دول الجوار، خاصة الدول التي تتصاعد فيها حدة عدم الاستقرار على المستويين السياسي والأمني، ولا سيما العراق وأفغانستان. إذ كان لافتاً أن النظام اتهم بعض جماعات المعارضة الكردية المسلحة الموجودة في مناطق شمال العراق، مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني وحركة “كومله”، بالمسؤولية عن تأجيج الاحتجاجات الداخلية ونقل أسلحة إلى المحتجين داخل إيران، فضلاً عن تسهيل مهام أجهزة استخبارات أجنبية –وتحديداً جهاز الموساد الإسرائيلي– لاختراق الحدود الإيرانية وتنفيذ عمليات استهداف للمنشآت النووية والعسكرية. وبالتوازي مع ذلك، تقوم بعض الجماعات المسلحة التي تنتمي إلى قومية البلوش، الموجودة على الحدود مع أفغانستان وباكستان، على غرار جماعة “جيش العدل”، باستخدام الحدود مع الدولتين لتنفيذ عمليات داخل إيران لاستهداف عناصر حرس الحدود والحرس الثوري.

4- المشاركة في منع الاختراقات الخارجية: تعرضت أجهزة الأمن والاستخبارات الإيرانية في الفترة الماضية لانتقادات وضغوط داخلية قوية بسبب إخفاقها في منع الاختراقات الخارجية التي تفاقمت حدتها في عام 2022 تحديداً، بعد تنفيذ عمليات استخباراتية استهدفت خلالها بعض المنشآت العسكرية مثل منشأة أصفهان، في 28 يناير الماضي، وبعض القادة البارزين في الحرس الثوري على غرار العقيد حسن صياد خدايي الذي قُتل أمام منزله بطهران، في 22 مايو الماضي.

ورغم أن الدور الأبرز في منع الاختراقات الأمنية والاستخباراتية يقع على عاتق أجهزة الاستخبارات التابعة للحرس الثوري، فإن ذلك لا ينفي أن النظام يسعى إلى تعزيز قدرات جهاز الشرطة من أجل المشاركة في منع هذه الاختراقات، خاصة أن ذلك سوف يسمح للأجهزة التابعة للحرس الثوري بحصر دورها في تقليص أي فرصة لتكرار هذه الاختراقات خلال المرحلة القادمة، حيث إن انخراطها في محاولات احتواء الاحتجاجات كان له دور في تشتيت قدراتها وإرباك خططها للتعامل مع هذه الظاهرة. وبمعنى أدق، فإن دورها في منع هذه الظاهرة سوف يكون غير مباشر عبر منح الفرصة للأجهزة التابعة للحرس من أجل القيام بالمهام الرئيسية المنوط بها.

5- مراقبة وتقييد تحركات رموز “المعارضة الداخلية”: ويقصد هنا بالمعارضة الداخلية رموز تيار الإصلاحيين الذين يتهمهم النظام بـ”الخيانة” و”العمالة للخارج”، وقيادة ما يسمى بـ”تيار الفتنة”، وهي الاتهامات التي تُوجَّه لهذا التيار منذ اندلاع ما يسمى بـ”الحركة الخضراء” في عام 2009 احتجاجاً على فوز الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية. ويتعرض أقطاب هذا التيار بالفعل لقيود شديدة، حيث يخضع مير حسين موسوي ومهدي كروبي –المرشحان اللذان خسرا الانتخابات أمام أحمدي نجاد- للإقامة الجبرية منذ فبراير 2011، فيما لا يظهر الرئيس الأسبق محمد خاتمي في المجال العام إلا في حالة مشاركته في الاستحقاقات الانتخابية المختلفة.

وقد بدأ النظام يتبنى نهجاً أكثر تشدداً في التعامل مع أقطاب هذا التيار في مرحلة ما بعد اندلاع الاحتجاجات الأخيرة. ورغم أن هؤلاء القيادات حرصوا على عدم المشاركة بشكل مباشر فيها، إلا أن ذلك لم يمنع النظام من اتهامهم بمحاولة استغلالها لدفع النظام إلى إجراء تغييرات في بنيته الهيكلية، على الأقل فيما يتعلق بالسلطات الواسعة التي يمنحها الدستور للمرشد الأعلى للجمهورية.

ومن هنا، فإن تعزيز قدرات جهاز الشرطة من الممكن أن يساعد النظام في فرض قيود أشد على قادة وكوادر هذا التيار خلال المرحلة القادمة، خاصة في ظل التقارب الملحوظ في رؤاهم مع بعض القيادات السابقة في تيار المحافظين الأصوليين، على غرار نائب رئيس مجلس الشورى السابق علي مطهري الذي يوجه باستمرار انتقادات قوية للسلطات الإيرانية بسبب آليات تعاملها مع المحتجين والإجراءات التي تتخذها الحكومة لاحتواء تداعيات الأزمة الاقتصادية.

نهج متشدد

تمثل الدعوة لزيادة قوات الشرطة مؤشراً جديداً على أن النظام الإيراني ما زال مصراً على التمسك بمقاربته المتشددة في التعامل مع القضايا التي تصاعد تأثيرها على الساحة الداخلية خلال المرحلة الماضية، وهو ما يبدو جلياً في إصراره في الوقت نفسه على فرض قيود وقواعد صارمة في ارتداء الحجاب، رغم ما فرضته أزمة وفاة الفتاة الكردية مهسا أميني، بسبب اتهامها بعدم الالتزام بهذه القواعد، من تداعيات سلبية عديدة على الساحة الداخلية في الأشهر السبعة الماضية.