تأثير عودة إريتريا إلى “إيجاد” على علاقاتها مع دول الجوار

تدوير الزوايا:

تأثير عودة إريتريا إلى “إيجاد” على علاقاتها مع دول الجوار



قام الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، في 9 فبراير الجاري، بزيارة إلى كينيا، حيث أعلن عقب مباحثاته مع الرئيس الكيني ويليام روتو، عودة بلاده إلى الهيئة الحكومية الدولية لتنمية شرق أفريقيا “إيجاد”. وقد أبدت السودان- التي تتولى حالياً رئاسة المنظمة- تأييدها لهذه الخطوة، حيث اعتبرت أنها “ستعزز السلم والاستقرار في المنطقة، وستدفع بجهود التكامل الإقليمي الذي يمثل أحد الأهداف الرئيسية للمنظمة”، وهو الأمر الذي يطرح تساؤلات عديدة حول دلالات الإعلان عن هذه الخطوة في هذا التوقيت وأهدافها وتأثيرها على العلاقات بين إريتريا ودول تلك المنطقة.

توقيت لافت

يمكن القول إن هذه الخطوة التي اتخذتها إريتريا بالعودة إلى منظمة “إيجاد”- بعد أن كانت قد جمدت عضويتها فيها منذ عام 2007 نتيجة خلافات إقليمية عديدة مع بعض دولها- تأتي في سياق تطورات ومتغيرات فرضت تأثيرات مباشرة على التفاعلات التي تجري في تلك المنطقة، ويتمثل أبرزها في:

1- التحولات الجيوسياسية في المنطقة: يبدو أن ثمة تغييراً في السياسة التي تتبناها إريتريا تجاه إثيوبيا تحديداً، فبعد أن انسحبت من المنظمة عام 2007، اعتراضاً على وجود القوات الإثيوبية في الصومال، فإنها بدأت في تحسين علاقاتها مع أديس أبابا منذ وصول رئيس الوزراء آبي أحمد إلى السلطة في 27 مارس 2018. وتوازى ذلك أيضاً مع تطور علاقاتها مع الصومال منذ وصول الرئيس حسن شيخ محمود إلى منصبه في 15 مايو 2022. ولا ينفصل ذلك بالطبع عن سعى إريتريا إلى توسيع نطاق التنسيق مع الدولتين، خاصة فيما يتعلق بدعم الصومال في حربها ضد حركة “شباب المجاهدين” الإرهابية. وقد بدا ذلك جلياً في قيام إريتريا بتدريب نحو 5000 جندي صومالي منذ عام 2019 على مواجهة الحركة، حيث بدأت عودة أول فوج من هؤلاء الجنود إلى الصومال في 21 ديسمبر 2022.

2- استمرار التحركات الدبلوماسية الكينية: سعت كينيا خلال المرحلة الماضية إلى تعزيز جهودها الدبلوماسية من أجل إعادة إريتريا إلى منظمة “إيجاد”، وهو ما يرتبط بالتوجهات التي يتبناها الرئيس الكيني ويليام روتو، والتي يحاول من خلالها دعم قدرة بلاده على الاضطلاع بدور محوري في قيادة المنظمة، وتوسيع نطاق الحضور الكيني في المنطقة بشكل عام. وفي رؤيته، فإن عدم مشاركة إريتريا في المنظمة تخصم من تلك الجهود وتضع مزيداً من العقبات أمام تحقيق أهداف المنظمة. وقد انعكست هذه التحركات الدبلوماسية في توصل كينيا والسودان، في 11 يناير 2023، إلى اتفاق للإسراع في استئناف العلاقات المصرفية والتعامل المباشر بين البنوك بهدف تسهيل حركة التجارة والاستثمار بين الدولتين، وذلك خلال الزيارة التي قام بها نائب رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى نيروبي.

3- تصاعد التنافس الأمريكي-الروسي في أفريقيا: وهو ما يمثل أحد انعكاسات الحرب الروسية على أوكرنيا، حيث قام وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بزيارة إريتريا، في 26 يناير 2023، في إطار الجولات التي قام بها داخل القارة الأفريقية خلال الفترة الأخيرة، والتي تهدف من خلالها روسيا إلى تعزيز حضورها على المستوى الأفريقي وتقليص حدة الضغوط التي تفرضها العقوبات الغربية عليها. ويبدو أن إريتريا تحاول في هذا الصدد استغلال اهتمام موسكو بتعزيز العلاقات الثنائية معها من أجل توسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها في ظل استمرار الضغوط الأمريكية عليها، بسبب اتهامها بالانخرط في الصراع العسكري بين إثيوبيا وجبهة تحرير تيجراى.

4- تراجع الصراع المسلح في إقليم تيجراى: جاءت تلك الخطوة التي اتخذتها إريتريا بعد شهور من نجاح الجهود التي بذلتها بعض الدول الأفريقية للوصول إلى تسوية بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيجراى، وهو ما تحقق في 2 نوفمبر 2022، بالإعلان عن توقيع اتفاق لوقف الأعمال العدائية بين الطرفين. وربما تسعى إريتريا في هذا السياق إلى استغلال هذا التطور من أجل تعزيز حضورها في المنطقة، فضلاً عن تقليص حدة الضغوط التي تتعرض لها من جانب الولايات المتحدة الأمريكية بسبب انخراطها في هذا الملف تحديداً.  

دوافع رئيسية

على ضوء ذلك، يبدو أن ثمة اعتبارات عديدة دفعت إريتريا إلى اتخاذ هذه الخطوة في هذا التوقيت بالتحديد، يمكن تناولها على النحو التالي:

1- تأسيس تحالفات جديدة بالمنطقة: تسعى إريتريا إلى إعادة صياغة تحالفاتها من جديد، وهو ما يعود في المقام الأول إلى أنها تحاول تجنب استبعادها من أية ترتيبات أمنية قد يجري العمل على صياغتها في المنطقة خلال المرحلة القادمة، خاصة في ظل التحولات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، لا سيما بعد تراجع حدة الصراع العسكري بين إثيوبيا وجبهة تحرير تيجراى، وتزايد الاهتمام الإقليمي والدولي بدعم الجهود التي تبذلها الحكومة الصومالية لمواجهة حركة “شباب المجاهدين”.

وكان لافتاً في هذا السياق، أن زيارة أفورقي إلى كينيا جاءت بعد أيام قليلة من القمة الإقليمية التي عقدت في العاصمة الصومالية مقديشو، في 2 فبراير 2023، بمشاركة الصومال وإثيوبيا وجيبوتي وكينيا، والتي اتفقت فيها الدول الأربعة على القيام بعملية مشتركة لتحرير ما تبقى من الأراضي الصومالية من قبضة الإرهاب.

2- توسيع هامش المناورة السياسية: يبدو أن إريتريا تحاول عبر تلك الخطوة توسيع حرية الحركة وهامش المناورة المتاح أمامها للتعامل مع الضغوط التي تتعرض لها على المستويين الإقليمي والدولي. وربما تهدف من خلال ذلك إلى امتلاك مزيد من أوراق الضغط في مواجهة قوى إقليمية ودولية محددة، خاصة في ظل استمرار وجودها العسكري في إقليم تيجراى. وكان لافتاً أن أفورقي قال خلال لقاءه نظيره الكيني ويليام روتو: “لا تأخذوا إريتريا ذريعة لمشاكل إثيوبيا أو بقية المنطقة ولا تحاولوا جرنا إليها. إنها سراب للذين يريدون إخراج أي عملية سلام عن مسارها”.

3- تعزيز الدور في بعض الملفات: أبدت إريتريا رغبتها في ممارسة دور بارز في بعض الملفات، مثل ملف شرق السودان، ويبدو أنها تسعى في هذا الصدد إلى استغلال استعادة عضويتها في المنظمة من أجل دعم قدرتها على الانخراط في الجهود التي تبذل في هذا الملف. ورغم أن السودان أبدت ترحيبها بالخطوة التي اتخذتها إريتريا، فإنها لا تخفي قلقها من الأهداف التي تسعى الأخيرة إلى تحقيقها عبر ذلك، حيث سبق أن رفضت، في 5 أغسطس 2022، استضافة السلطات الإريترية مؤتمراً لأطراف أهلية وسياسية سودانية، يهدف إلى بحث الأزمة في شرق البلاد.

سياسات متغيرة

مع ذلك، فإن استعادة إريتريا عضويتها في منظمة “إيجاد” لا توحي بأن التوتر الذي شاب العلاقات بينها وبين بعض دول المنطقة سوف يتراجع. إذ أن التحولات التي تشهدها الساحتان الدولية والإقليمية خلال الفترة الماضية باتت تفرض متغيرات جديدة سوف يكون لها دور في إعادة صياغة أنماط التفاعلات التي تجري بين دول تلك المنطقة، على نحو يكشف أن ثمة تحديات عديدة ما زالت تقلص من قدرة تلك المنظمة على القيام بدورها خلال المرحلة القادمة.