أهداف الجولة الأفريقية للملك محمد السادس

حضور متجدد:

أهداف الجولة الأفريقية للملك محمد السادس



اتجهت المغرب في المرحلة الماضية نحو تطوير علاقاتها مع الدول الأفريقية، وتعزيز دورها على مستوى القارة التي باتت تحظى باهتمام خاص من جانبها. وقد ساهمت متغيرات عديدة في استمرار حضور القارة على قمة أولويات السياسة الخارجية المغربية، يأتي في مقدمتها تنامي نشاط بعض التنظيمات الإرهابية وشبكات الجريمة المنظمة في أفريقيا، بالإضافة إلى تراجع النفوذ الغربي، لا سيما الفرنسي، في القارة، فضلاً عن رغبة الرباط في محاصرة تحركات خصومها الإقليميين في جوارها الأفريقي، إلى جانب السعى لممارسة دور أكبر على مستوى القارة بما يُعزز من المكانة الدولية للمغرب.

وفي هذا السياق، تأتي الجولة التي يقوم بها العاهل المغربي الملك محمد السادس، والتي بدأت في 15 فبراير الجاري، وتشمل كلاً من الجابون والسنغال. ورغم أن تطوير العلاقات الثنائية مع الدولتين كان هو العنوان الأبرز في تلك الجولة، إلا أن ثمة أهدافاً محددة سعت المغرب إلى تحقيقها، من بينها استقطاب الدعم الأفريقي للسياسة المغربية إزاء بعض القضايا، وفي الصدارة منها قضية الصحراء، إلى جانب استثمار الاهتمام الغربي بتعزيز العلاقات مع الدول الأفريقية كأحد انعكاسات الحرب الروسية-الأوكرانية.

تحركات مستمرة

تشير الجولة الأفريقية التي يقوم بها الملك محمد السادس إلى أحد التحولات الرئيسية في السياسة الخارجية المغربية، والذي يتمثل في استعادة الحضور المغربي على الساحة الأفريقية، على نحو يبدو واضحاً في تعدد الزيارات التي يقوم بها العاهل المغربي، بهدف تطوير العلاقات الثنائية في المجالات المختلفة، وفتح مجالات أوسع للاستثمارات. ووفقاً لتقديرات عديدة، فإن الزيارات التي قام بها العاهل المغربي إلى دول أفريقية وصلت على مدى عشرين عاماً إلى نحو 50 زيارة، تضمنت التوقيع على عدد كبير من اتفاقيات ومذكرات التعاون مع تلك الدول.

وكان لافتاً في هذا الإطار، أن المغرب اهتمت بتعزيز دورها الإنمائي والإنساني على المستوى الأفريقي، خاصة في ظل المتغيرات العديدة التي طرأت على الساحة الدولية خلال الفترة الماضية، على غرار انتشار فيروس “كوفيد-19” واندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية. فخلال زيارته للجابون، قدمت المغرب كمية كبيرة من الأسمدة لمساعدة المزارعين في الجابون على مواجهة تداعيات أزمة الغذاء العالمية. كما وفرت المغرب تمويلاً لمشروعين في السنغال، يتعلق أولهما ببناء قرية الصيادين في العاصمة داكار، ويتمثل ثانيهما في تأسيس مركز للتكوين المهني في منطقة ديامنياديو التي تبعد 30 كم عن العاصمة السنغالية. كما حرصت المغرب على تقديم مساعدات إنسانية لعدد كبير من الدول الأفريقية خلال انتشار فيروس “كوفيد-19” الذي فرض أزمات عديدة في تلك الدول.

دوافع رئيسية

يمكن القول إن ثمة اعتبارات عديدة تدفع المغرب إلى تطوير علاقاتها مع الدول الأفريقية، كما تعبر عنها الجولة الأفريقية الحالية للملك محمد السادس، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- تعزيز المكانة الإقليمية للرباط في القارة الأفريقية: لا تنفصل جولة الملك محمد السادس عن الجهود التي تبذلها المغرب من أجل تعزيز حضورها الإقليمي وتثبيت مكانتها على مستوى القارة الأفريقية، حيث تستخدم في هذا السياق آليات عديدة منها المنح والمساعدات والمشاريع الإنمائية. ومن دون شك، فإن ذلك يرتبط بدوره بتصاعد مكانة القارة على المستوى الدولي، في ظل التداعيات الجديدة التي فرضتها الحرب الروسية-الأوكرانية، والتي دفعت قوى دولية عديدة إلى إبداء اهتمام أكبر بتعزيز العلاقات الثنائية مع دول القارة.

2- استقطاب التأييد للسياسة المغربية إزاء قضية الصحراء: يسعى الملك محمد السادس خلال جولته إلى استقطاب دعم الدول الأفريقية للسياسة التي تتبناها المغرب تجاه قضية الصحراء، حيث تحاول الرباط استثمار حضورها على مستوى القارة من أجل محاصرة جبهة البوليساريو أفريقياً وممارسة ضغوط أقوى عليها، خاصة أن الأخيرة تمكنت، في بعض الفترات، من تحقيق حضور لافت، على نحو بدا جلياً في مؤشرات عديدة مثل تسلم الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، في 30 سبتمبر 2022، رسالة من زعيم الجبهة سلمها مبعوثه الخاص عمر منصور. وقد كان لافتاً أن الدولتين اللتين يقوم العاهل المغربي بزيارتهما اتخذتا خطوات داعمة للسياسة المغربية إزاء قضية الصحراء، على غرار السنغال، التي افتتحت، في 5 أبريل 2021، قنصلية لها في مدينة الداخلة المغربية.

3- موازنة النفوذ الإقليمي للجزائر: تدرك المغرب أن الجزائر نجحت في تعزيز دورها الإقليمي على مستوى القارة الأفريقية خلال المرحلة الماضية، على نحو اعتبرت أنه كان سبباً في تمكين جبهة البوليساريو من تحقيق هذا الحضور في القارة. ومن هنا، يمكن القول إنها تهدف من خلال تعزيز علاقاتها مع الدول الأفريقية إلى موازنة النفوذ الإقليمي للجزائر، والذي تسعى الأخيرة بدورها إلى استغلاله في إطار التعامل مع تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية. وقد تمثلت آخر مؤشرات الاهتمام الجزائري بتعزيز الحضور على المستوى الأفريقي في القرار الذي اتخذته الجزائر، عشية انعقاد القمة السادسة والثلاثين لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، في 18 فبراير الجاري، بضخ مليار دولار من أجل تمويل مشروعات تنموية في القارة، وذلك عبر الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية التي تم تأسيسها في عام 2020.

4- دعم التعاون في مكافحة الإرهاب: تبدي الرباط مخاوف عديدة من تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية في دول الجوار الأفريقي، لا سيما دول منطقة الساحل والصحراء. ومن هنا، فإنها تسعى عبر رفع مستوى التعاون الأمني مع الدول الأفريقية إلى مواجهة أية محاولات من جانب تلك التنظيمات لاختراق الحدود أو استهداف المصالح المغربية خلال المرحلة القادمة. وقد بدا اهتمام المغرب بهذا الملف تحديداً جلياً في الاجتماع الأمني الذي استضافته، في 13 مايو الماضي، وشاركت فيه 15 دولة أفريقية و37 دولة أوروبية و7 دول آسيوية ودولتين من أمريكا الشمالية و13 دولة عربية، إضافة إلى دولتين بصفة مراقب، واستهدف إجراء مباحثات حول سبل مواجهة تلك التنظيمات وتقليص قدرتها على تنفيذ عمليات إرهابية داخل تلك الدول.

5- استثمار التحولات الجيوسياسية المستمرة: تتابع المغرب بدقة التحولات الجيوسياسية المستمرة التي طرأت على الساحة الأفريقية، سواء فيما يتعلق بتراجع الدور الفرنسي، بعد تصاعد الخلافات بين فرنسا والعديد من دول منطقة الساحل والصحراء، أو ما يتصل بتصاعد حدة الصراع بين القوى الدولية على تعزيز الحضور في القارة الأفريقية، لا سيما بين الصين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية. وانطلاقاً من ذلك، يبدو أن المغرب تحاول عبر مواصلة زيارة كبار مسئوليها إلى الدول الأفريقية توظيف هذه التحولات لتوسيع نطاق حضورها في القضايا الأفريقية المختلفة خلال المرحلة القادمة.

مرحلة جديدة

يمكن القول إن الجولة التي يقوم بها الملك محمد السادس قد تكون بداية لمرحلة جديدة من النشاط الدبلوماسي المغربي على الساحة الأفريقية، التي باتت تكتسب اهتماماً دولياً وإقليمياً خاصاً نابعاً من اعتبارات عديدة، من بينها تزايد موقع ومكانة بعض دولها، في ظل تصاعد أهمية ملف الطاقة على الصعيد الدولي، فضلاً عن استمرار محاولات التنظيمات الإرهابية توسيع نطاق انتشارها في بعض الدول الأفريقية التي تواجه أزمات معيشية واقتصادية وأمنية عديدة، على نحو قد يفرض تهديدات مباشرة لأمن العديد من القوى الأفريقية والدولية في آنٍ واحد.