كيف يُسهم الجنوب الليبي في إعادة تشكيل أولويات الأمن لدول الجوار؟

هيكلة جيوسياسية:

كيف يُسهم الجنوب الليبي في إعادة تشكيل أولويات الأمن لدول الجوار؟



أعاد اللقاء الأمني الذي انعقد في القاهرة خلال الفترة 7 – 8 فبراير الجاري بمشاركة اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5) والبعثة الأممية، بالإضافة إلى ثلاث دول مجاورة لليبيا في الجنوب (السودان، تشاد، النيجر)، تشكيل خريطة الأولويات الأمنية الخاصة بتلك الدول، انطلاقاً من الجنوب الليبي مع الشمال الغربي في السودان (إقليم دارفور)، وشمال كل من تشاد والنيجر، حيث تعاني هذه المناطق من تداعيات فوضى ضبط الحدود، وانتشار المجموعات المسلحة العابرة للحدود، وصلات هذه المجموعات بقوى خارجية تسعى إلى إعادة تشكيل خرائط النفوذ بتلك المناطق.

ويُمكن القول إن الاجتماع يعكس تشكيل آلية جديدة لدول جوار جنوب ليبيا بالإضافة إلى مصر، حيث يضم (مصر، ليبيا، السودان، تشاد، النيجر) بالإضافة إلى الأمم المتحدة، وهي آلية تختلف عن آلية دول الجوار الليبي التي تضم بالإضافة إلى تلك الدول كلاً من تونس والجزائر، وهي آلية سبق وأن عقدت عدة اجتماعات منذ العام 2014 في كل من تونس والجزائر والقاهرة، لكن من المتصور أن الآلية الجديدة تُعنى بمناطق محددة تشهد تأثيرات متبادلة لانعكاسات الأزمة الأمنية في جنوب ليبيا على تلك الدول، وهي مناطق شمال تشاد، وإقليم دارفور، وشمال النيجر.

تشكيل آلية (5+1)

كدلالة رئيسية يمكن القول إن الاجتماع يعكس تشكيل آلية جديدة لدول جوار جنوب ليبيا بالإضافة إلى مصر، حيث يضم (مصر، ليبيا، السودان، تشاد، النيجر)، بالإضافة إلى الأمم المتحدة، وهي آلية تختلف عن آلية دول الجوار الليبي التي تضم بالإضافة إلى تلك الدول كلاً من تونس والجزائر، ومن المتصور أن الآلية الجديدة تهتم بمناطق محددة تشهد تأثيرات متبادَلة لانعكاسات الأزمة الأمنية في جنوب ليبيا على تلك الدول، وهي مناطق شمال تشاد، وإقليم دارفور، وشمال النيجر.

دوافع التشكيل

1- الضغط الأمريكي على مجموعة “فاجنر”: من المتصوّر أن الولايات المتحدة تراقب هذه التطورات، وتخشى بشكل رئيسي من توسع نفوذ “فاجنر” انطلاقاً من ليبيا، وهو ما كان أحد محاور زيارة مدير الاستخبارات الأمريكية ويليام بيرنز إلى ليبيا ولقائه في الرجمة مع المشير خليفة حفتر، وأعقبه لقاء جمع بين القائم بأعمال السفير الأمريكي لدى ليبيا ونائب القوة الجوية في القيادة الأمريكية في أفريقيا “أفريكوم”. ووفق تقديرات ليبية، فإن الولايات المتحدة التي تدعم نظام تشاد، وتنفتح على السلطة الانتقالية في السودان، تخشى من مصير مالي التي أصبحت تهيمن فيها روسيا على مقاليد الأمور بعد إضعاف الدورين الأممي والفرنسي. في المقابل لذلك، تشير تقارير -على سبيل المثال- إلى أن “فاجنر” تعمل على تدريب المعارضة التشادية.

2- تصاعد المخاطر الأمنية في الجنوب الليبي: يُعاني الجنوب الليبي من توافد أعداد هائلة من العناصر المسلحة من تلك الدول، أو الفارين من النزاعات والأزمات، والذين يُعاد تجنيدهم في ليبيا، ولا تعد هذه الظاهرة حديثة، إذ غالباً ما شكل الفراغ الأمني والديمغرافي في الجنوب الليبي بيئة حاضنة لتمدد مجموعات المعارضة والمتمردين من تلك الدول. كما شكّلت الحروب الأهلية والنزاعات دافعاً لدى القوى الليبية المتصارعة على تجنيد هذه العناصر. ومع انتهاء هذه المظاهر، يتحول أغلب هؤلاء إلى الجريمة المنظمة، ولا سيما عمليات تهريب السلاح من وإلى ليبيا. كذلك فإن ملف الإرهاب ووجود تنظيم داعش في جنوب ليبيا، والتحرك في مساحة الحدود المشتركة مع دول جوارها في الجنوب، يظل أحد التحديات التي لا بد أن تؤخذ في الاعتبار في سياق هذه التطورات.

3- رسم خريطة دقيقة للمرتزقة والمقاتلين الأجانب: صحيح أن أغلب المجموعات في هذه المناطق تعود إلى دول جوار ليبيا من الجنوب التي شاركت في الاجتماع، إلا أنه من غير المعروف على وجه الدقة ما هي الأعداد الحقيقية لهذه المجموعات، وما هي طبيعة الأنشطة التي تقوم بها في المرحلة الحالية، وما هي طبيعة تطور التهديدات التي يمكن أن تُشكلها في المستقبل، وطبيعة العلاقات بين هذه المجموعات وبعضها بعضاً، حتى وإن كانت هناك تقديرات تتعلق بحجمها وتكوينها السياسي، ولا سيما بين القبائل المتداخلة حدودياً بين تشاد والسودان، إلا أن هذه التقديرات لا تعكس مستقبل دور هذه المجموعات، فالأمر لا يتعلق بليبيا فقط، بل على العكس من ذلك فإن تأثير هذه المجموعات من داخل ليبيا يتنامى باتجاه الخارج.

دلالات رئيسية

1- تشكيل آلية جيوسياسية لحدود هشة، على نحو ما سلفت الإشارة لا يتعلق الأمر فقط بجنوب ليبيا، وإنما أيضاً بدول الجوار الجنوبي، حيث لا تتعلق المسألة بمجرد وجود مقاتلين أجانب ومرتزقة، وإنما مشروعات سياسية تستهدف أنظمة تلك الدول، فوفق تقديرات غربية تمكن المتمردون التشاديون انطلاقاً من جنوب ليبيا من اغتيال الرئيس إدريس ديبي، وبأسلحة تم الحصول عليها من الساحة الليبية، وكذلك الوضع بالنظر للنيجر التي تُعتبر ممراً رئيسياً من ليبيا إلى مالي، حيث يَعْبُرُ المتمردون الطوارق بالأسلحة التي غيّرت في موازين القوى خلال السنوات الأخيرة. كما أعلنت النيجر في أكثر من مناسبة أن الوضع الأمني المتردي في جنوب ليبيا يشكل تهديداً لأمنها القومي.

2- إعادة تشكيل العلاقة بين “حفتر” وواشنطن، على خلفية رغبة الولايات المتحدة في الضغط على “فاجنر” كهدف رئيسي من هذه الاجتماعات، وبالتالي سيعيد ملف جنوب ليبيا تشكيل العلاقة مع “حفتر”، ففي السابق كانت الولايات المتحدة تعتبره حليفاً للروس، لكن من المتصور أن وجود “فاغنر” عبء على “حفتر” سياسياً، بالإضافة إلى الأعباء العسكرية، فقد أدت علاقة حفتر مع موسكو إلى حجب الدعم العسكري عنه، الأمر الذي يتوقع تغيره في ضوء العلاقة الجديدة مع الولايات المتحدة، كما يتوقع أن يكون لمتغير هذه العلاقة أيضاً تداعيات سياسية على العلاقة الأمريكية مع حفتر في المستقبل.

تحديات متعددة

1- آلية لوجستية، فوفقاً لما تمّت الإشارة إليه في مخرجات الاجتماع فإنه سيتم التنسيق بين أعضاء الآلية لتبادل المعلومات والبيانات، في حين أن حجم التحديات الأمنية التي تشهدها خريطة تلك المناطق لا تزال أكثر صعوبة من أن تعالج على هذا النحو، لكنها تظل نقطة انطلاقة في التعاون الأمني والاستخباري، حيث يتطلب الأمر رسم خريطة الفاعلين بتلك المناطق من خلال الدول المشاركة في الآلية وكيفية التعامل الأمني معها لاحقاً.

2- اعتماد الآلية الأمنية يقلل من فرص التسوية السياسية، هناك مشروع للتسوية السياسية بين مجموعات التمرد التشادية والمجلس الانتقالي برئاسة محمد إدريس ديبي عُقد في قطر العام الماضي، كما أعلنت قطر أيضاً أنها ستستضيف قريباً لقاء خاصاً بإقليم دارفور، لكن في حال تدخلت أفريكوم عسكرياً فستتضاءل فرص تلك التسويات.

3- غياب أطراف مؤثّرة في الجنوب الليبي، خاصة الجزائر ومالي، إذ من المتصور أن غياب دور هذه الأطراف سيؤثر على ظواهر ذات صلة، ولا سيما وجود “داعش” في جنوب ليبيا حيث ساعدت الجزائر في أكثر من عملية لاستهداف التنظيم، كما أن الضغط على جنوب شرق ليبيا سيدفع هذه العناصر باتجاه الحدود مع الجزائر، وهو الأمر ذاته بالنسبة لجماعة الطوارق النشطة في عملياتتهريب السلاح من ليبيا إلى مالي.

السيناريو التالي

تُشكّل الآلية الجديدة تطوراً سياسياً في العلاقة بين ليبيا وبعض دول الجوار يقوم على العامل الانتقائي في طبيعة العلاقة بين هذه الأطراف، والمصالح المشتركة التي يشكلها مسار العلاقة بين الولايات المتحدة وهذه الأطراف. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لم تكن شريكاً في الاجتماع إلا أنها أيدت مخرجات الاجتماع، بالإضافة إلى ذلك فإن الجنوب الليبي سيكون ساحة جديدة للتنافس الأمريكي الروسي بشكل رئيسي مع الدول في تلك المناطق، وبالتبعية سيكون لهذه الآلية انعكاسات على التطورات السياسية في ليبيا.