ما هي دوافع المغرب لتعزيز التعاون الأمني مع هولندا؟

تنويع الشركاء:

ما هي دوافع المغرب لتعزيز التعاون الأمني مع هولندا؟



تشهد العلاقات السياسية بين المملكة المغربية وهولندا تقارباً ملحوظاً خلال الفترة الأخيرة، ويعود ذلك إلى شهر ديسمبر الماضي عندما أعلنت الحكومة الهولندية عن وثيقة الاتفاق المُبرم مع المغرب في يوليو 2021، والتي تنص على خطة عمل تتضمن تحسين التعاون والتنسيق في مجال الهجرة. وفي 8 فبراير الجاري، كشفت وزيرة العدل والأمن الهولندية “ديلان يشيلجوز زيجيريوس” عن إجراء مشاورات ومفاوضات ثنائية مع السلطات المغربية من أجل التوقيع على معاهدة تسليم المجرمين المطلوبين بين الدولتين.

متغيرات هامة

جاء الحديث عن اتجاه المغرب لتعزيز علاقاته الأمنية مع هولندا في سياق عدد من المتغيرات السياسية والأمنية الهامة، ومن ذلك ما يلي:

1- انعقاد القمة المغربية الإسبانية، جاء ذلك عقب انعقاد القمة المغربية الإسبانية بالرباط خلال زيارة رئيس الوزراء الإسباني “بيدرو سانشيز” في مطلع شهر فبراير الجاري، وما أسفرت عنه من توقيع عدد كبير من الاتفاقيات في مجالات متعددة، على رأسها تعزيز التعاون الأمني لمكافحة الهجرة غير النظامية بين الدولتين.

2- تصاعد التوتر مع الاتحاد الأوروبي، حيث لا تزال تداعيات قرار البرلمان الأوروبي بمطالبة المغرب باحترام حقوق التعبير والرأي تؤثر سلباً على العلاقات المغربية بالاتحاد الأوروبي، ومن ذلك اتهام البرلمان المغربي للبرلمان الأوروبي بمحاولة استهداف ما أطلق عليه “التموقع الدولي والقاري للمغرب” في ظل الحملات الممنهجة من قبل البرلمان الأوروبي لاستهداف المكانة الإقليمية والدولية للبلاد.

3- رفع قدرات سلاح الجو المغربي، تزامن التوجه المغربي لتعزيز العلاقات الأمنية مع هولندا أيضاً في ظل الحديث عن تطوير أمريكي لسلاح الجو المغربي من خلال تزويد الطائرات “إف 16” بأنظمة تشويش متطورة تكنولوجياً، حيث وافق الكونجرس الأمريكي على تطوير هذه الطائرات بنظام تبادل المعلومات اللا سلكي الخاص برابط البيانات، وذلك بغرض رفع القدرات العسكرية للقوات المسلحة المغربية لمواجهة مخاطر التهديدات الأمنية بسبب توتر علاقاتها مع الجزائر الداعمة لجبهة البوليساريو التي أعلنت الكفاح المسلح ضد الاحتلال المغربي لإقليم الصحراء من جهة، وتدهور الأوضاع الأمنية في دول منطقة الساحل والصحراء من جهة أخرى.

أهداف محددة

هناك مجموعة من الأهداف التي يسعى الطرفان لتحقيقها، ومن أبرزها ما يلي:

1- الحد من الهجرة غير النظامية، تأتي المفاوضات الخاصة بتعزيز التعاون الأمني بين الدولتين في إطار المحاولات الثنائية من قبل المغرب وهولندا لتسوية قضية الهجرة غير النظامية، حيث تم تشكيل لجنة تعاون مشتركة بينهما في هذا الخصوص. وفي هذا الإطار فقد شهدت الفترة الأخيرة اتفاقاً بين السلطات الأمنية في كلتا الدولتين على استقبال المغرب على بعض المهاجرين المغاربة غير الشرعيين الذين قامت هولندا بترحيلهم بسبب إقامتهم فيها بطرق غير قانونية، ففي شهر أكتوبر الماضي أصدرت وزارة الداخلية المغربية 11 وثيقة سفر مؤقتة خاصة المواطنين المغاربة المرحلين وتم بموجبها ترحيل ثلاثة مواطنين مغاربة من هولندا، ومع موافقة المغرب على استقبال هؤلاء المُرحلين، يبرز دورها الذي تقوم به في الحد من تدفقات الهجرة غير الشرعية للدول الأوروبية، وفي هذا الإطار تسعى هولندا لإقناع المغرب باستقبال المزيد من طالبي اللجوء المرفوضين والمقيمين في هولندا.

2- تبادل المعلومات والخبرات الأمنية، حيث تسعى المغرب وهولندا من خلال تعزيز التعاون الأمني بينهما لتنظيم ودعم التعاون الثنائي في مجال الأبحاث الجنائية والتدريب الشُرطي، وكذلك تقاسم الخبرات والتجارب والمعرفة المرتبطة بالعمل الأمني، وتوظيف ذلك في تسهيل وتسريع تبادل المراسلات والاتصالات والطلبات التي يقتضيها هذا التعاون بين الطرفين، وهو ما يساعدهما على مواجهة الجريمة المنظمة والاتجار بالبشر وغسيل الأموال.

3- تفكيك شبكات الجريمة المنظمة، والتي تتضمن القضاء على تجارة المخدرات الدولية، والتي تستهدف الاقتصاديات الوطنية لكل من المغرب وهولندا، وما يتضمنه ذلك من غسيل للأموال، حيث تعاني هولندا من انتشار لعصابات الجريمة المنظمة داخل المدن الهولندية والتي تقوم بتجنيد الشباب من المهاجرين بطرق غير شرعية، وما ينتج عن ذلك من انتشار لأعمال العنف المرتبطة بتجارة المخدرات، كما ستتمكن الدولتان -وفقاً لهذه المعاهدة الأمنية- من تسليم الأشخاص المطلوبين أمنياً بعد أن يتم تقييم كل طلب على حدة بشكل فردي وفقاً للاتفاقيات الأمنية الموقّعة في هذا الشأن، وعرض ذلك الأمر للتصديق عليه داخل البرلمان.

4- تقنين عمليات تمويل المنظمات غير الحكومية، حيث تهدف المعاهدة التي تم التوقيع عليها بين المغرب وهولندا لتعزيز التعاون والتنسيق المشترك في المجال الأمني بصورة أكثر تطوراً مما هو عليه، وذلك تنفيذاً لخطة العمل المشتركة التي تم التوقيع عليها بين الدولتين في 8 يوليو 2021 لتعزيز العمل المشترك بينهما في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية. واشتمل هذا الاتفاق كذلك على تبادل المعلومات بشكل منتظم، وتحديداً فيما يتعلق بتمويل المنظمات الخيرية وغير الحكومية، مع احترام القواعد القانونية لكلتا الدولتين. وتنبع أهمية هذا الأمر في ضبط وتقنين عمليات التمويل الأجنبي، وذلك في إطار العمل على مكافحة جرائم غسيل الأموال والوقاية منها.

5- جذب الاستثمارات الهولندية في إقليم الصحراء، من شأن التعاون والتنسيق الأمني مع هولندا أن يمنح الثقة للمستثمرين الهولنديين لضخ رؤوس أموالهم في الاقتصاد المغربي، خاصة وأن الحكومة المغربية تقدم تسهيلات كبيرة في هذا الشأن، ولا سيما في قطاع الطاقة المتجددة والاقتصاد الأزرق. وفي العام الماضي، قام 120 مستثمراً هولندياً بزيارة إلى المغرب للتعرف على فرص الاستثمار الواعدة في إقليم الصحراء على وجه التحديد، حيث أبدت الرباط اهتماماً أكبر بتوظيف هذه الاستثمارات في مدينتي الداخلة والعيون الواقعتين في إقليم الصحراء المغربية، حيث تم وضع خريطة طريق لتطوير التعاون المغربي الهولندي في مجال الأمن والاقتصاد، بما في ذلك قطاع الزراعة والبحث العلمي والتعليم والصحة، خلال اللقاء الذي أعدته السفارة المغربية بهولندا في يونيو 2022، من أجل إقامة المشروعات الاقتصادية والتنموية، ومن ثم التأكيد على سيادة الدولة المغربية على الإقليم.

دلالات بارزة

يحمل اتجاه المغرب وهولندا لتعزيز التعاون الأمني بينهما مجموعةً من الدلالات الهامة، من أبرزها ما يلي:

1- تجاوز الخلافات الثنائية، يشير التقارب السياسي والأمني الحاصل في العلاقات المغربية الهولندية إلى تجاوز فترة التوتر التي أصابت العلاقات الثنائية بين الدولتين في عام 2020 بسبب اتهامات هولندا للمغرب بعدم السماح لمواطنيها بمغادرة الأراضي المغربية، وعدم الترخيص لإجراءات استثنائية. وفي المقابل، اتهمت الرباط هولندا بالتمييز ضد المواطنين حاملي الجنسية المزدوجة (المغربية والهولندية) وأنها لم تبدِ اهتماماً بهم إلا بعد تسيير 30 رحلة جوية نقلت فيها المواطنين الهولنديين الأصل، هذا إلى جانب توتر العلاقات بسبب انتقاد هولندا لاعتقال السلطات المغربية نشطاء “حراك الريف” بمدينة “الحسيمة”، وهو ما اعتبره المغرب تدخلاً في الشؤون الداخلية للبلاد.

2- تنويع شركاء المغرب، يعكس التعاون الأمني بين المغرب وهولندا استراتيجية تنويع الشركاء والحلفاء التي تتبعها الرباط، وخاصة في ظل توتر العلاقات المغربية الفرنسية في الفترة الأخيرة، وتزايد حدة التوتر بينهما على خلفية التورط الفرنسي في صياغة القرار البرلمان الأوروبي الأخير الصادر في 26 يناير الماضي لإدانة أوضاع حقوق الإنسان والحريات العامة في المغرب، وما ترتب على ذلك من غضب في الأوساط السياسية والشعبية داخل المغرب، ومطالبة البرلمان المغربي بإعادة النظر في علاقاته مع الاتحاد الأوروبي. وكما اتجه المغرب لتعزيز علاقاته مع إسبانيا، يأتي التعاون مع هولندا ليندرج في إطار سياسة تنويع الشركاء والحلفاء الأوروبيين.

3- دعم قضية الصحراء، تعكس حالة التطور الإيجابي الذي يشهده نمط العلاقات الثنائية بين الدولتين، نجاح الدبلوماسية المغربية في اكتساب الموقف الهولندي المؤيد للموقف الرسمي المغربي تجاه قضية الصحراء، وهو ما ظهر في شهر مايو 2022، عندما اتخذت هولندا موقفاً مؤيداً للمقترح المغربي الخاص بمنح إقليم الصحراء حكماً ذاتياً تحت السيادة المغربية، باعتباره مقترحاً جاداً ذا مصداقية في إطار التسوية السياسية لقضية الصحراء تحت رعاية الأمم المتحدة، وهو ما يتماشى مع ما أكد عليه العاهل المغربي الملك “محمد السادس” بأن الموقف من قضية الصحراء هو المنظار الذي يتم على أساسه إقامة العلاقات مع الدول الأجنبية.

4- محورية الدور المغربي جنوب المتوسط، تُشير الإجراءات الأمنية التي تقوم بها المغرب تجاه ظاهرة الهجرة غير الشرعية ومحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، إلى محورية الدور الذي يلعبه المغرب في هذا الخصوص بمنطقة جنوب المتوسط ذات الأهمية الاستراتيجية للدول الأوروبية التي تبدي اهتماماً بتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية مع المغرب في إطار تفعيل الإعلان المشترك بين الاتحاد الأوروبي والمغرب الصادر في يونيو 2019، والذي يتضمن تعزيز التعاون والتنسيق المشترك، ولا سيما للحفاظ على أمنهم القومي ضد موجات الهجرة غير الشرعية القادمة من المغرب. وهو ما ظهر خلال العامين الأخيرين، حيث نجحت الجهود المغربية في إحباط 63.121 محاولة هجرة غير شرعية خلال عام 2021، وحوالي 14746 محاولة هجرة غير شرعية في عام 2022، ويرجع ذلك للتعاون والتنسيق الأمني القائم بين المغرب والدول الأوروبية مثل إسبانيا. وقد عبر وزير الشؤون الخارجية الهولندي “فوبكه هويكسترا” في فبراير 2022 على جدية الشريك المغربي ومصداقيته ودوره في تحقيق الاستقرار في منطقة جنوب المتوسط والمغرب العربي، وكونه محركاً لتحقيق التنمية الاقتصادية في القارة الأفريقية.

5- جدية الشركاء الأوروبيين في تقديم المساعدات، تعكس عملية التعاون الأمني بين هولندا والمغرب، ومن قبلها إسبانيا، جدية الشركاء الأوروبيين في تقديم يد العون والمساعدات الأمنية والاقتصادية اللازمة لتعزيز القدرات الأمنية للمغرب في إطار الاستراتيجية الأوروبية لتقديم المساعدات للدول الأفريقية لتحقيق التنمية الاقتصادية بها ومن ثم التقليل من محاولات الهجرة غير الشرعية للدول الأوروبية بحثاً عن فرص أفضل لتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لهم، خاصة وأن الفترة الأخيرة شهدت تعالي الأصوات المغاربية المطالبة الدول الأوروبية بمساعدة بلادهم على القيام بهذا الدور الذي لن تستطيع الاستمرار في القيام به بشكل منفرد.

الخلاصة، يكشف السعي المغربي لتعزيز التعاون الأمني مع هولندا عن تقارب سياسي في علاقات الدولتين بعد توترها خلال السنوات الثلاث الأخيرة، كما أن هذا التعاون يعبر عن تزايد القلق المغربي والهولندي إزاء ما يعرف بتنامي المخاطر والتهديدات الأمنية العابرة للحدود الوطنية وخاصة فيما يتعلق بالأنشطة الإرهابية، كما يعبر ذلك أيضاً عن نجاح دبلوماسي مغربي في كسب الدعم الأوروبي لمواقفها السياسية وخاصة فيما يتعلق بقضية الصحراء.