ماذا يعكس اتفاق توريد الكهرباء الجزائرية لليبيا؟

مكاسب مشتركة:

ماذا يعكس اتفاق توريد الكهرباء الجزائرية لليبيا؟



عقد “عبد الحميد محمد المنفوخ” مدير عام الشركة العامة للكهرباء الليبية “جيكول” اجتماعاً مع “مراد عجال” مدير عام مجمع “سونلغاز” الجزائري (في 27 ديسمبر 2022 بالجزائر)، لبحث سبل التعاون المشترك بين البلدين، مما أسفر عن الاتفاق على توريد الطاقة الكهربائية لليبيا، وصيانة وتشغيل المحطات والشبكات الكهربائية، وصيانة المعدات وتصنيع قطع الغيار، وكذلك تكوين وتدريب الفرق الفنية الليبية. وفي هذا السياق، أشار بيان لشركة “سونلغاز” إلى أن الاتفاق يأتي تنفيذاً لتوجيهات السلطات العليا في البلدين، بهدف تعزيز العلاقات الثنائية في قطاع الكهرباء.

يُذكر أن تلك التحركات تأتي استكمالاً لمباحثات سابقة، حيث قام وفد من شركة “جيكول” الليبية ببحث آفاق التعاون مع وزير الطاقة الجزائري “محمد عرقاب” في مايو 2022، حيث تم بحث سبل التعاون بين الشركة الليبية ومجمع “سونلغاز”، وكذا خطوات دعم الشركة الليبية في إنتاج الكهرباء وصيانة شبكات نقل التيار وتأسيسها.

دوافع التحرك

يعكس التحرك الجزائري – الليبي لتعزيز التعاون في قطاع الكهرباء العديد من الدلالات، وذلك على النحو التالي:

1- إيجاد أسواق بديلة لتصدير الكهرباء الجزائرية: تسعى الجزائر لضمان حصص في أسواق دول جوارها، بعد عدم تلقي ردود فعل إيجابية من الاتحاد الأوروبي على إعلان وزير الطاقة الجزائري “محمد عرقاب” رغبة بلاده في تصدير الكهرباء لأوروبا (في 18 ديسمبر 2022)، وكذا عدم وجود خطوات عملية بعد اقتراح الرئيس “عبد المجيد تبون” أثناء زيارته لإيطاليا في مايو 2022 بمد كابل بحري بين البلدين لتصدير الكهرباء للدول الأوروبية، علماً بأن مشاريع الربط الكهربائي بين الجزائر وإيطاليا تمت دراستها منذ 2004 ولم تترجم على أرض الواقع.

ولكن في المقابل أعطت المفوضية الأوروبية الضوء الأخضر لتنفيذ مشروع الربط الكهربائي بين إيطاليا وتونس (انظر الشكل رقم 1) في 8 ديسمبر 2022، وذلك عبر الموافقة على تمويل الخط بـ307 ملايين يورو من إجمالي تكلفة الخط البالغة 850 مليون يورو، كما أن المغرب يعمل على تدشين خطين جديدين لنقل الكهرباء إلى أوروبا عبر إسبانيا والبرتغال، ليصبح عدد خطوط الربط الكهربائي مع أوروبا 4 خطوط (وفق تصريحات وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة في المغرب “ليلى بنعلي” في نوفمبر 2022).

شكل رقم (1): خريطة مقترح كابل الكهرباء بين الجزائر وتونس

(Source: www.tunur.tn)

يُرى أن الموقف الأوروبي من الجزائر يستند إلى التالي:

عدم رغبة دول أوروبا في تركيز واردات إمدادات طاقتها من الجزائر لعدم زيادة الانكشاف عليها، وذلك في ضوء اعتماد أوروبا بشكل كبير على صادرات الجزائر من الغاز الطبيعي، حيث بلغت نسبة إسهام الغاز الجزائري في واردات أوروبا منه في النصف الأول من عام 2022 نحو 10.7%، بينما تسهم كل من الولايات المتحدة وقطر ونيجيريا بنسبة 25.7% (وفق بيانات مجلس الاتحاد الأوروبي).

موقف السياسة الخارجية الجزائرية المتعارض مع التوجهات الأوروبية، مثل موقفها من أسبانيا من جهة، وتقاربها مع روسيا من جهة أخرى.

عدم تشجيع الاتحاد الأوروبي الاعتماد على الكهرباء المولدة من الطاقة الأحفورية وفق رؤيتها لدعم الانتقال للطاقة المتجددة، حيث أفادت بعض التقديرات بأن 97% من إنتاج الكهرباء في الجزائر يتم عبر الغاز الطبيعي (ورقة تم تقديمها في المؤتمر الدولي حول تطبيقات الطاقة الذي عُقد خلال الفترة 1-10 ديسمبر 2020)، لذلك اتجه الاتحاد الأوروبي إلى كل من المغرب وتونس، لا سيما وأن من المقرر أن يتم تصدير الكهرباء المولدة من مصادر الطاقة المتجددة بالدولتين.

2- تعزيز الربط الكهربائي مع دول أفريقيا: تهتمّ الجزائر بتعزيز دورها في القارة الأفريقية، وذلك عبر مشاريع التعاون الاستراتيجية التي تعزز من الوجود الجزائري في القارة، وفي هذا السياق اتجهت إلى ليبيا التي تواجه أزمة في توليد الكهرباء، وبالتالي لا يستبعد طرحها اتفاقات مماثلة مع دول الساحل بهدف ربط مصالح تلك الدول بقطاع طاقتها، وفي مرحلة مقبلة استحداث شبكة ربط إقليمية للكهرباء بين تلك الدول، لتصبح الجزائر مركزاً إقليمياً لنقل وتصدير الكهرباء، لا سيما وأن تلك الدول تواجه أزمة في قطاع الكهرباء (انظر الجدول رقم 1).

جدول رقم (1): نسبة حصول المواطنين في دول الساحل على الكهرباء في عام 2020

(Source: world Bank)

يتطلب الربط الكهربائي بين الجزائر ودول الساحل تمويلاً ضخماً، وكذا تأمين كابلات الكهرباء التي تصل شبكات تلك الدول، إلا أن الطموح الجزائري وفوائضها المالية التي تحققت جراء عائداتها من تصدير إمدادات الطاقة قد تؤهلها مستقبلاً لتحقيق طموحها، وذلك بدعم من المؤسسات الإقليمية والدولية المعنية بتعزيز التنمية في الدول الأفريقية الفقيرة، أخذاً في الاعتبار أن هناك بالفعل مشاريع ربط بري (مثل مشروع الطريق العابر للصحراء) مع تلك الدول بهدف تنصيب الجزائر نفسها بوابة أوروبا لتلك الدول، وبما يعكس اهتمام الجزائر بالدول الواقعة في جنوبها والتي من خلالها قد تصبح لها ريادة إقليمية بتلك المنطقة مستقبلاً.

3- زيادة التواجد في قطاع الطاقة الليبي: تسعى الجزائر لتصدير فائضها من الكهرباء الذي يصل لنحو 8 آلاف ميجاواط حالياً، أخذاً في الاعتبار أن الجزائر تنتج أكثر من 25 ألف ميجاواط، تستهلك منها 17 ألف ميجاواط في أوقات الذروة (وفق وزير الطاقة الجزائري في 18 ديسمبر 2022)، كما تستهدف إنتاج 45 ألف ميجاواط بحلول عام 2035 (وفق تصريح لـ”مراد عجال” في نوفمبر 2022)، وفي هذا السياق قد تصبح ليبيا سوقاً واعدة لاستيراد الكهرباء من الجزائر في ضوء التراجع المطرد لذلك القطاع منذ عام 2000 (انظر الشكل رقم 2).

شكل (2): تطور نسبة حصول السكان في ليبيا على الكهرباء خلال الفترة (2000-2020)

(Source: world Bank)

يكشف الشكل السابق أن نسبة حصول السكان في ليبيا على الكهرباء تراجعت من 99.8% في عام 2000 إلى 67% في 2018، ثم بدأت في الارتفاع مرة أخرى لتصل إلى 69.7% في عام 2020. وفي هذا السياق، يُرجح أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من التعاون بين الغرب الليبي والجزائر من أجل تعزيز قطاع الكهرباء، خاصة وأن غرب ليبيا تكمن أزمته في عجز الإنتاج بسبب تخارج بعض المحطات عن الخدمة، وكذا عدم استكمال تنفيذ بعض مشاريع محطات الكهرباء بسبب الوضع الأمني، وبالتالي هناك تركيز مرحلياً على استيراد الكهرباء من الجزائر (مثل استيراد الكهرباء عبر تونس كما تم الاتفاق في 2021)، ودعم قطاع الكهرباء الليبي عبر المعدات اللازمة لذلك، ودلل على ذلك تحويل شركة “سونلغاز” في يوليو 2021 ثمانية توربينات (في إطار عقد تأجير) لدعم  توليد الكهرباء في محطة طرابلس، وقد يتم إعادة إحياء مشروع مد كابل كهربائي بين ليبيا والجزائر الذي اقُترح في 2017 لضمان استدامة التيار الكهربائي في غرب ليبيا.

ويعزز التعاون في قطاع الكهرباء من فرص توسيع التعاون في قطاع الطاقة بين البلدين، ولا سيما في الحقول المشتركة بينهما وتحديداً في حوض “غدامس” الليبي الذي تتداخل أجزاء منه في الأراضي الجزائرية والتونسية (انظر شكل رقم 3)، وذلك في ضوء توقيع شركة “سوناطراك” الجزائرية ومؤسسة النفط الليبية في فبراير 2022 مذكرة تفاهم تعود بموجبها الشركة الجزائرية لاستكمال التزاماتها التعاقدية السابقة وتطوير الحقول المكتشفة في ليبيا، وتعزيز التعاون في مجال النفط والغاز. وفي هذا السياق، قد تشهد الفترة المقبلة اتفاقاً جزائرياً ليبياً تونسياً لاستغلال موارد الحقول المشتركة بينهم، وتعد تلك خطوة مهمة في إطار تعزيز التعاون المشترك في قطاع الطاقة بالمنطقة المغاربية.

شكل رقم (3): خريطة أحواض النفط الليبية

 (المصدر: الصفحة الرسمية لشركة راس لانوف لتصنيع النفط والغاز على الفيسبوك)

مكاسب مشتركة

في الختام، تتعدد المكاسب التي ستحققها كل من الجزائر وليبيا من تعاونهما في قطاع الكهرباء الليبي. فعلى المستوى الاقتصادي ستستفيد الجزائر من إيرادات صادرات الكهرباء، بينما ستُسهم تلك الصادرات في تعزيز أمن الطاقة الليبي، وعلى المستويين السياسي والاستراتيجي قد يرقى التعاون في قطاع الطاقة من محورية دور الجزائر في محيطها الإقليمي خاصة إذا ما أصبحت مركزاً إقليمياً لنقل وتوزيع الكهرباء،  بينما سيتعزز موقف حكومة الوحدة الوطنية الليبية (المنتهية ولايتها) في الغرب في حالة نجاحها في القضاء على أزمة الكهرباء، ويعكس تحرك الجزائر في ذلك التوقيت رغبتها في تعزيز تنافسيتها الإقليمية في قطاع الطاقة في ضوء التطورات التي تشهدها المنطقة والعالم المرتبطة بذلك القطاع، ومما يرجح تكثيف تحركاتها مستقبلاً لاستغلال قدراتها المتزايدة في قطاع الطاقة الذي أصبح من ركائز السياسة الخارجية للعديد من الدول.