ما دوافع التعديل الحكومي المحتمل في المغرب؟

تخفيف التوتر:

ما دوافع التعديل الحكومي المحتمل في المغرب؟



كشفت مجلة “جون أفريك”، الناطقة بالفرنسية، خلال النصف الثاني من أغسطس الجاري، عن قرب تغيير وزاري في الحكومة المغربية التي يرأسها عزيز أخنوش. ولأن المجلة الفرنسية مُقربة من صناع القرار في المغرب، فقد لاقى خبر التعديل الحكومي الوشيك اهتماماً من السياسيين ووسائل الإعلام المغربية؛ خاصة أن المجلة ذكرت أن التعديل تم الاتفاق عليه، في 5 أغسطس، بين رئيس الحكومة وفؤاد عالي الهمة، مستشار الملك محمد السادس، والزعيم السابق لحزب الأصالة والمعاصرة.

وأوضحت “جون أفريك”، مستندة إلى مصادر مطلعة، أن التعديل الحكومي سيتم الإعلان عنه قبل نهاية أغسطس الجاري، وأن هذا التعديل سيشمل خروج وزيرين من الحكومة ينتميان إلى حزب الأصالة والمعاصرة، هما وزير التعليم العالي عبداللطيف ميراوي، ووزير العدل عبداللطيف وهبي.

سجالات سياسية

اللافت أن حزب الأصالة والمعاصرة يأتي ضمن ائتلاف حكومي مكون من أحزاب ثلاثة؛ حيث أسفرت نتائج الانتخابات العامة التي شهدها المغرب، في سبتمبر الماضي، عن فوز أحزاب “التجمع الوطني للأحرار” الذي يتزعمه رئيس الحكومة “أخنوش”، والأصالة والمعاصرة، إضافة إلى “حزب الاستقلال” أقدم تشكيل حزبي تاريخي في المغرب، بالمراتب الثلاث الأولى على التوالي، لتشكل بعدها الائتلاف الحكومي.

اللافت أيضاً أن الخبر الذي أوردته “جون أفريك”، بشأن تعديل محتمل قد يطال الحكومة التي لم تكمل عامها الأول بعد، قد أثار جدلاً واسعاً في الساحة السياسية في المغرب؛ فهناك من ينظر إلى الخبر على أنه حقيقة، وهناك من يعتبر ذلك مجرد تكهنات تفتقر إلى أساس موضوعي.

وقد ساهم ذلك في عدد من السجالات السياسية، أهمها ما يلي:

1- المستفيد من التعديل الحكومي: بالطبع، فإن مطلب التعديل الحكومي تنادي به -في الأساس- أحزاب المعارضة، طمعاً في أن تشكل بديلاً عن الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي. ورغم ذلك، جرى السجال السياسي حول التعديل المرتقب، في إطار اتجاهات ثلاثة.

الأول: اتجاه غير مؤطر مؤسساتياً، لكنه ينشط بشكل كثيف داخل وسائل التواصل الاجتماعي، يطالب برحيل رئيس الحكومة، مبرراً ذلك بالأداء الباهت لحكومته. والثاني: تمثله الأطراف السياسية المشاركة في الحكومة، حيث يعتبر أن الحكومة تحتاج إلى المدة الكافية، التي يمكن محاسبتها على كيفية الأداء خلالها. ثم هناك اتجاه ثالث، يستند إلى خطاب “التكتيك والاستراتيجية” السياسية، تمثله الأطراف المنتمية لأحزاب المعارضة التي تنتقد الأداء الحكومي طمعاً في أخذ أماكن لها في التشكيل الحكومي في حال إجراء التعديل.

2- إمكانية إعفاء الوزيرين: من بين ما أثاره خبر “جون أفريك”، هو الجدل الكبير بشأن احتمال إعفاء وزير العدل، والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة عبداللطيف وهبي، بالإضافة إلى إعفاء مماثل قد يطال زميله في الحزب وزير التعليم العالي والبحث العلمي عبداللطيف ميراوي.

وبحسب وسائل إعلام مغربية، مثل “العمق المغربي” و”الاستقلال”، فإنه لا يمكن إعفاء وزير العدل عبداللطيف وهبي لأكثر من سبب؛ منها: أن وهبي لم يأت ما يستوجب الإعفاء، ومنها أن كون الأصالة والمعاصرة هو الحزب الثاني في الائتلاف الحكومي فهو وحده سبب كفيل لأن يجعل أمينه العام بعيداً عن الإعفاء في أي تعديل محتمل.

3- وراثة الحكومة لتركة سلبية: رغم ما يعتبره البعض من فشل حكومة أخنوش في الالتزام بوعودها في خلق انتعاش اقتصادي والاهتمام بالمجال الاجتماعي، ورغم ما يراه الكثيرون من ضرورة رحيل الحكومة ورئيسها؛ إلا أن هناك من يعتبر أن الحكومة وجدت أمامها حصيلة اقتصادية واجتماعية سلبية جداً من مخلفات حكومتي حزب “العدالة والتنمية”، التي شرعنت فوضى الأسعار، من خلال قانون حرية الأسعار والمنافسة وإلغاء نظام المقاصة ودعم المحروقات، وتركتها لفوضى السوق والثقل الضريبي، وهي الأزمة التي تعمّقت جراء تداعيات جائحة كورونا.

4- مدى صدقية الخبر ذاته: المثير للتأمل هو مدى التصادم الإعلامي حول مدى صحة الخبر الذي ذكرته “جون أفريك”. فمن جهة، تناولت وسائل إعلامية الخبر بكونه يتحلى بالصدقية، ومن ثمّ تناولته بالتحليل والحوارات مع شخصيات سياسية واقتصادية مغربية، في حين كانت هناك وسائل إعلامية أخرى (مثل: “المراكشية” و”مغرب تايمز” و”آشكاين”) قد تناولت الخبر بشكل مختلف، ووصفته بأنه عارٍ تماماً عن الصحة.

عوامل اقتصادية

رغم ما أثاره خبر التعديل الحكومي المحتمل والمرتقب من سجالات سياسية وجدل واسع على الساحة المغربية؛ إلا أن الخبر نفسه ساهم في تزايد المطالبة برحيل رئيس الحكومة من منظور ارتباك الأداء الحكومي، وغياب الأثر السياسي لمعظم القرارات التي اتخذتها الحكومة منذ تنصيبها، بعد موافقة البرلمان عليها، في 13 أكتوبر الماضي.

ويرى الكثير من المغاربة أن التعديل أصبح واجباً، وضرورة ملحة، وذلك اعتماداً على عدد من العوامل الاقتصادية، أهمها ما يلي:

1- ارتفاع التضخم وانخفاض نسبة النمو: يتجه الاقتصاد المغربي نحو التراجع، خلال العام الجاري، مقارنة مع ما كان متوقعاً، بسبب انخفاض أداء القطاع الزراعي الذي يعتمد عليه المغرب اعتماداً واضحاً، حيث يشكل ما نسبته 14 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، نتيجة جفاف هو الأسوأ منذ سنوات، فضلاً عن الأزمة الأوكرانية وتداعياتها. وكان المغرب يأمل في تحقيق نمو بمعدل 3.2 بالمائة هذا العام، لكن “الظروف الخارجية المفاجئة والتحولات المناخية غير المستقرة، أربكت هذه الفرضية”، بحسب تصريحات رئيس الحكومة أمام البرلمان، في أواخر مايو الماضي.

وفي نهاية شهر أبريل الماضي، بلغ معدل التضخم، جراء تداعيات الأزمة، 4.1 بالمائة. وبحسب البنك المركزي المغربي، في بيان له عقب الاجتماع ربع السنوي لمجلس إدارته، 22 مارس الماضي، فمن المتوقع أن يقفز معدل التضخم إلى 4.7 بالمئة. وبالتالي، فمن المتوقع أيضاً استمرار ارتفاع الأسعار عموماً هذا العام، بمعدلات تفوق المتوسط المسجل خلال العقد الأخير، بحسب تقديرات المعهد المغربي لتحليل السياسات.

2- غضب الشارع وفقدان الحكومة لثقة المواطن: فشلت الحكومة المغربية، خلال الأشهر الماضية، في كسب ثقة المواطن بعدما بدا له أن الأزمة الاقتصادية تتجه نحو الأسوأ. فالحكومة جاءت بالكثير من الوعود إلى المغاربة، خاصة تلك المتعلقة بالقدرة الشرائية والأجور، لكن قطار أخنوش، كما يرى النائب البرلماني عن حزب “الاتحاد الاشتراكي” (المعارض)، خدوج السلاسي، لم يبرح مكانه طوال الأشهر الماضية، وبذلك فوتت على نفسها الفرصة في كسب ثقة المواطنين، وتوفير شروط الإصلاح الاقتصادي.

والملاحظ هو تنامي غضب الشارع المغربي على أسلوب إدارة الحكومة للأزمة الاقتصادية التي يعانيها المغرب، حيث الزيادات الكبيرة في الأسعار، وانقباض حجم القدرة الشرائية في ظل موجة الجفاف، وتداعيات كل من جائحة كورونا، وما تلاها من تأثيرات اقتصادية للحرب الروسية الأوكرانية.

3- تخفيف الاحتقان وإشكالية السلم المجتمعي: أكدت المنظمة الديمقراطية للشغل، الذراع النقابي لحزب الأصالة والمعاصرة المشارك في الائتلاف الحكومي بالمغرب، في تقرير لها، في مارس الماضي، أن “الوضعية الاقتصادية ازدادت سوءاً خلال السنة المنصرمة”، مشيرةً إلى أن “الانعكاسات الوخيمة لهذه الوضعية أصبحت ظاهرة في كل مجالات الاقتصاد الوطني، وكذا في الوضع الاجتماعي للمواطن المغربي”.

وذكَّرت النقابة، في هذا الإطار، بدراسة حديثة لبنك المغرب، التي أشارت إلى ارتفاع معدل الفقر، وارتفاع مؤشر البطالة، خاصة في صفوف الشباب. واستدلت الدراسة بتقارير وزارة المالية التي أفادت بأن 4.5 ملايين من المغاربة يجدون صعوبة في تأمين خبزهم، وأن نسبة الفقر انتقلت من 17.1 بالمائة عام 2019، إلى 17.87 بالمائة عام 2020 (لم يصدر إحصاء 2021 بعد).

ولعل هذا ما يفسر تزايد الاحتقان بشكل يهدد السلم المجتمعي؛ بل ويفسر كيف اندلعت تظاهرات حاشدة في عدة مدن مغربية، في منتصف فبراير الماضي، ضد غلاء الأسعار، مطالبة برحيل رئيس الحكومة، ورافعة شعارات تطالب بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وهي الشعارات نفسها التي رفعتها حركة 20 فبراير إبان ما عُرف بـ”الربيع العربي” في عام 2011.

تحديات ضاغطة

في هذا السياق، يبدو بوضوح أن ثمة تحديات ضاغطة، اقتصادية واجتماعية، وراء تصاعد المطالبات برحيل رئيس الحكومة، بما يستدعي تخفيف التوتر المجتمعي في خضم تنامي الغضب الشعبي جراء الغلاء وتأثير الجفاف، من خلال استبدال عدد من الوزراء.

صحيح أن الاحتقان الحالي بالمغرب لم يصل بعد إلى درجة تتطلب تغيير الحكومة، وأن الحديث عن نهاية الحكومة الحالية سابق لأوانه، على الأقل من منظور أن ارتفاع الأسعار لم يكن يوماً سبباً في سقوط حكومات مغربية؛ إلا أنه يبقى من الصحيح أيضاً أن تخفيف التوتر الناتج عن الاحتقان الاجتماعي، يتطلب التهدئة، وأن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، مضافاً إليها السجالات السياسية، تقتضي بالفعل إجراء تعديل حكومي.