كيف واجهت المغرب محاولات الهجرة غير النظامية عبر “مليلية”؟

مداخل متكاملة:

كيف واجهت المغرب محاولات الهجرة غير النظامية عبر “مليلية”؟



أثار حادث محاولة اختراق السياج الحديدي الفاصل بين مدينة الناظور المغربية ومدينة “مليلية” المحتلة الواقعة تحت سيطرة إسبانيا، الحديث حول الإجراءات التي تتبعها المغرب لمواجهة تدفقات الهجرة غير النظامية، إذ تنوعت الإجراءات بين تأمين ومراقبة الحدود المشتركة، واتباع سياسة العودة الطوعية، وإصدار تشريعات قانونية لمكافحة الاتجار بالبشر، وتعزيز القدرات العسكرية لتأمين الحدود المشتركة، والتنسيق الأمني والمعلوماتي مع إسبانيا والدول الأوروبية للحد من موجات الهجرة غير النظامية وحماية أمنها القومي، ولا سيما في ظل التقارب الحاصل بين الرباط ومدريد، ووجود احتمالات لتورط الجزائر في الحادث الأخير للتأثير على الأمن القومي المغربي والإسباني.

خلال حديثه مع صحيفة “إلباييس” الإسبانية، صرح رئيس الوزراء الإسباني “بيدرو سانشيز”، في 5 يوليو الجاري، بأنه يتعين على بلاده والاتحاد الأوروبي تقديم كل الدعم والتضامن للحكومة المغربية في حربها ضد شبكات الهجرة غير النظامية، وأنه ينبغي الاعتراف بالجهود التي قامت بها المملكة المغربية في هذا الخصوص.

إجراءات مغربية

جاءت هذه التصريحات عقب مرور أسبوع تقريباً على حادث محاولة الآلاف (2000 شخص تقريباً) من المهاجرين السريين المنحدرين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء (دارفور بالسودان، تشاد، مالي..)، في 24 يونيو الماضي، اقتحام السياج الحديدي الفاصل بين إقليم “الناظور” المغربي ومدينة “مليلية” الواقعة على الحدود المغربية الإسبانية، وما أسفر عنه ذلك من مقتل عدد من المهاجرين (حوالي 23 حالة وفاة)، وإصابة 60 من الحرس المدني، الذين لا يزال بعضهم في مرحلة التعافي، وأيضاً إصابة أكثر من 140 من القوات المغربية. وفي محاولة مغربية لعدم تكرار هذا الحادث، فقد اتخذت السلطات الأمنية عدداً من الإجراءات، من أبرزها ما يلي:

1- تشديد فرق الحراسة الأمنية ومراقبة الحدود المشتركة، مع الجانب الإسباني وخاصة عند مدينتي “سبتة” و”مليلية” في محاولة لمنع تكرار الحادث الذي شهدته هذه المنطقة وأسفر عن مقتل وإصابة العشرات من المهاجرين وقوات مكافحة الهجرة غير النظامية. وفي هذا الإطار، تخصص الحكومة المغربية ميزانية قدرها حوالي نصف مليار يورو سنوياً وذلك بغرض حماية 3500 كم بحراً و3400 كم من الحدود البرية، وقد ساهمت هذه الإجراءات الأمنية في تفكيك 1300 شبكة لتهريب البشر عبر الطرق غير النظامية خلال السنوات الخمس الأخيرة فقط (منها 256 شبكة في عام 2021، و100 شبكة حتى شهر مايو 2022)، وقد نجحت الاستراتيجية المغربية في إجهاض أكثر من 360 ألف محاولة للهجرة غير الشرعية حلال الفترة 2017 وحتى عام 2021.

2- إجراء تحقيقات عاجلة للوقوف على الجهات المتورطة في هذا الحادث، حيث كشفت التحقيقات الأولية عن تورط عدد من عصابات الجريمة المنظمة وتهريب البشر التي يطلق عليها “مافيات الهجرة غير الشرعية” في تحريض الراغبين في الهجرة بطرق غير مشروعة إلى الجانب الإسباني باستخدام السلاح، وهو ما ظهر في الهجوم العنيف الذي شهده السياج الحدودي عند مدينة “مليلية” عند الحدود المغربية الإسبانية، وأسفر عن وقوع العشرات من الضحايا، حيث كان المهاجرون غير الشرعيين مسلحين بالحجارة والهراوات والأدوات الحادة لمواجهة السلطات الأمنية المكلفة بمراقبة الشريط الحدودي بين المغرب وإسبانيا.

3- التنسيق مع إسبانيا في إدارة الملف الخاص بمكافحة تدفقات الهجرة غير الشرعية عبر الحدود المشتركة، فقد عبر رئيس الوزراء الإسباني، في 26 يونيو الماضي، عن الشراكة الاستراتيجية بين بلاده والمغرب في مجال مواجهة الهجرة غير النظامية ومكافحة الإرهاب. كما عبر عن هذه الشراكة الاستراتيجية والتعاون الأمني بين الدولتين في هذا الخصوص أيضاً “خوسي لويس إسكريفا” وزير الإدماج والأمن الاجتماعي والهجرة الإسباني، والذي أطلق تصريحات أكد فيها أن المغرب يواجه وضعاً معقداً للغاية في مواجهة “مافيات الهجرة غير الشرعية”، وهو ما يدفع إسبانيا للتعاون مع المغرب في محاولة التحكم في تدفقات الهجرة، خاصة وأن المغرب يعاني من تداعيات الوضع الصعب في بعض بلدان إفريقيا جنوب الصحراء التي تعاني من الحرب والمجاعة، وهو ما يستدعي تكثيف التعاون مع المغرب من أجل وقف معاناتها بسبب الهجرة غير الشرعية. وفي هذا الإطار، تطالب المغرب بزيادة المشاركة الأوروبية في تكاليف مكافحة الهجرة غير الشرعية داخل المغرب، إذ لا تتعدى تلك المشاركة 15 مليون يورو فقط سنوياً، وهو ما يتطلب من الدول الأوروبية التعاون مع المغرب في إطار شراكة استراتيجية حقيقية.

4- تبني سياسة العودة الطوعية للفئات الهشة من المهاجرين، حيث أطلقت برامج مساعدة على العودة الطوعية، وأصبحت سياسة العودة الطوعية الآن “نموذجاً” مرجعياً للتعاون جنوب – جنوب. وقد نجحت هذه السياسة في تنظيم 3500 عودة طوعية للأجانب في وضع غير قانوني بالمغرب إلى بلدانهم الأصلية، بما في ذلك 2300 عودة طوعية بشراكة مع المنظمة الدولية للهجرة، إلى جانب إحباط 49 محاولة تسلل إلى سبتة ومليلية، 47 منها بمليلية خلال عام 2021، كما ساهمت هذه السياسة في تنظيم 1080 عودة طوعية لفائدة مهاجرين في وضعية غير قانونية بالمغرب نحو بلدانهم الأصلية (600 منها بشراكة مع المنظمة الدولية للهجرة).

5- تسوية أوضاع اللاجئين والمهاجرين، تبنّت الرباط كذلك سياسة خاصة بتسوية وضعية اللاجئين الذين يوجدون بالمغرب في وضعية غير نظامية على مرحلتين، كانت الأولى في عام 2014، ثم المرحلة الثانية في عام 2016، وقد تمت تسوية وضعية حوالي 50 ألف مهاجر ومهاجرة وطالبي اللجوء، وذلك من خلال تقنين أوضاع اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، عبر إصدار قانون يتعلق بـ”الاتّجار بالبشر وحماية الضحايا” وذلك في إطار العلاقة بين الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر التي تقوم بها شبكات عابرة للحدود والدول.

6- تأمين حلف الناتو لسبتة ومليلية، دفعت الأحداث الأخيرة في مليلية أعضاء حلف شمال الأطلنطي “الناتو” إلى التفكير في توسيع تحالفه العسكري ليشمل مدينتي “سبتة” و”مليلية” المحتلتين، وذلك من خلال تفعيل المادة السادسة من المعاهدة الخاصة بتأسيس الحلف والتي تنص على حماية دول “الناتو” من أي عدوان خارجي أو هجوم مسلح قد يشمل أحد أطراف التحالف بأوروبا، أو أمريكا الشمالية، أو منطقة تركيا، أو إحدى الجزر الخاضعة لمنطقة سيادة أحد الأطراف في منطقة شمال الأطلسي، وساعد على ذلك محاولة “إدواردو دي كاسترو” -رئيس الحكومة المحلية في مدينة “مليلية” المحتلة- استغلال حادث اقتحام المهاجرين الأفارقة غير النظاميين للمعبر الحدودي للترويج من جديد لمقترح ضم “سبتة” و”مليلية” لحلف شمال الأطلسي، وذلك بغرض التصدي لموجات الهجرة غير النظامية، وتماشى ذلك أيضاً مع مطالبة حزب “فوكس” الإسباني بوضع المدينتين تحت مظلة الناتو لحمايتهما من أية اعتداءات خارجية؛ إلا أن هذا المطلب لم توافق عليه بعد الحكومة الإسبانية حتى الآن.

7- تعزيز قدرات القوات المسلحة المغربية، وخاصة القوات الجوية، حيث تم الإعلان، في مطلع شهر يوليو الجاري، عن استعداد الرباط للحصول على طائرات أباتشي AH 64 E أمريكية الصنع بتكلفة تقدر بحوالي 11،3  مليون دولار، وتتسم هذه الطائرات بامتلاك قدرات متطورة، حيث يوجد بها نظام داخلي مأهول يتكون من أحدث أنظمة الاتصال والملاحة وأجهزة الاستشعار، والقدرة على الاتصال مع طائرات مسيرة بدون طيار، لاستهداف مواقع محددة بدقة عالية، وهو ما يمكن توظيفه في مراقبة الحدود المشتركة مع الجانب الإسباني لمنع تدفقات الهجرة غير الشرعية.

دلالات هامة

تحمل الإجراءات التي اتخذتها المملكة المغربية، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي مع إسبانيا، عدداً من الدلالات السياسية الهامة، من أبرزها ما يلي:

1- تدشين شراكة استراتيجية بين الرباط ومدريد، جاء حادث محاولة اقتحام السياج الحديدي لمدينة “مليلية” ليؤكد على التقارب السياسي الملحوظ بين الرباط ومدريد خلال الفترة الأخيرة، فعقب هذا الحادث مباشرة تم انعقاد المجموعة المشتركة الدائمة المغربية الإسبانية حول الهجرة، وتم الاتفاق على تبادل المعلومات وتعزيز آليات التنسيق المشترك لإيقاف نشاط شبكات الاتجار في المهاجرين، وذلك في إطار التقارب الراهن بين الرباط ومدريد في مرحلة ما بعد تغير الموقف الإسباني تجاه قضية الصحراء وتأييده المقترح المغربي بشأن منح الإقليم حكماً ذاتياً تحت السيادة المغربية، وإعلان المغرب وإسبانيا الاتجاه نحو ترسيم الحدود البحرية بينهما في شهر مايو الماضي، في إطار إعادة تطبيع العلاقات المغربية الإسبانية بعد تجاوز كل منهما الخلافات التي كانت مُثارة بينهما خلال السنوات الماضية بسبب الموقف الإسباني تجاه جبهة البوليساريو. وقد اتضح هذا التقارب بشكل أكبر خلال الحادث الأخير، وفي تصريحات المسؤولين الإسبان الذين طالبوا بتقديم المزيد من الدعم والتضامن للمملكة المغربية لمساعدتها على مواجهة الهجرة غير النظامية.

2- احتمالات تورط الجزائر في اختراق الحدود المشتركة للمغرب وإسبانيا، أثارت محاولة اقتحام المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين للحدود المشتركة بين المغرب وإسبانيا، التساؤلات حول احتمالات تورط بعض الدول والجهات الخارجية في هذا الحادث، وخاصة الجزائر على خلفية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، ثم مع إسبانيا. ومرجع هذه الاتهامات إلى أن مسار انتقال المهاجرين غير الشرعيين يمر عبر الجزائر قادمين من ليبيا وتشاد والسودان، ثم من الجزائر إلى المغرب، وهو ما أثار بعض الأصوات المغربية بشأن مدى إمكانية تورط الجزائر في هذا الحادث الذي تمّ بشكل منظم ومرتب بشكل يثير الشكوك حول الجهة التي وقفت وراء تنظيمه بهذا الشكل الممنهج والمنظم، وذلك في محاولة جزائرية للضغط على كل من المغرب وإسبانيا بسبب موقفهما من قضية الصحراء المغربية، وبالتالي تهديد الأمن القومي المغربي ومصالحها الاستراتيجية.

3- تصاعد أنشطة عصابات تهريب البشر، يُشير حادث محاولة اقتحام السياج الحدودي عند “مليلية” إلى تصاعد نشاط العصابات المتخصصة في تهريب البشر والتي تنتشر في الصحراء الجزائرية القريبة من منطقة الساحل والصحراء التي تعاني من انتشار التنظيمات الإرهابية التي تستغل المناطق الحدودية الممتدة لتهريب الراغبين في الهجرة بطرق غير مشروعة إلى إسبانيا والدول الأوروبية عبر الأراضي المغربية، كما تقوم هذه العصابات بدفع عمولات مالية لبعض الأشخاص لعرقلة السلطات الأمنية المغربية خلال تنفيذ عمليات تهريب المهاجرين غير النظاميين.

4- امتلاك ورقة ضغط ضد إسبانيا والدول الأوروبية، قد تستخدمها الرباط في أي وقت، وذلك بهدف تعزيز موقف الدولة المغربية في مواجهة الدول الأوروبية استناداً إلى مبدأ “الندية” والاحترام المتبادل في التعاملات اليومية بين الدولتين، وما يؤكد على ذلك أن السلطات المغربية لم تتدخل من قبل عندما حاول بعض المواطنين الدخول لمدينتي “سبتة” و”مليلية” قبل عدة سنوات للضغط على الجانب الإسباني لترسيم الحدود وتعديل موقفه تجاه قضية الصحراء، وقد نجحت هذه السياسة -إلى حد ما- في التأثير على مدريد، وبالتالي تظل إشكالية المهاجرين غير النظاميين ورقة ضغط في يد الحكومة المغربية لتعظيم مكاسبها الاقتصادية والسياسية على حد سواء.

5- تعزيز الأبعاد القانونية للمواجهات الأمنية، كشف المراقبون في المغرب وإسبانيا أن تدخل السلطات الأمنية المغربية تم وفقاً لاتفاقيات ومواثيق حقوق الإنسان الدولية وبشكل قانوني في إطار التزام المغرب بتطبيق القوانين الخاصة باللجوء والهجرة، وهو ما يُضفي شرعية على التدخلات التي قامت بها قوات الشرطة وحرس الحدود المغربية لمنع تدفقات الهجرة غير النظامية للجانب الإسباني.

تعاون متعدد الأطراف

خلاصة القول، تكشف الإجراءات المشار إليها إلى الاهتمام المغربي المتزايد بالحد من تدفقات الهجرة غير النظامية عبر كافة الإجراءات الأمنية والقانونية والمعلوماتية والاجتماعية أيضاً. وفي هذا الإطار، ترجح المعطيات الراهنة أن تشهد الفترة القادمة مزيداً من التعاون متعدد الأطراف بين المغرب وإسبانيا والاتحاد الأوروبي، ومحاولة إشراك الدول الأفريقية جنوب الصحراء باعتبارها الدول المصدرة للمهاجرين غير الشرعيين، مع إمكانية توقيع اتفاقيات أمنية لتعزيز التعاون الأمني بين هذه الأطراف جميعاً لوقف تدفقات الهجرة غير الشرعية، أو على أقل تقدير الحد منها خلال الفترة القادمة.