دوافع الأردن لتأسيس “مدينة صناعية مشتركة” مع العراق

رافعة اقتصادية:

دوافع الأردن لتأسيس “مدينة صناعية مشتركة” مع العراق



يحاول الأردن تفعيل الاتفاق الذي تم التوقيع عليه منذ ثلاث سنوات مع العراق لإنشاء مدينة صناعية ومنطقة حرة ولوجستية لتطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين. وتُمثّل المدينة الصناعية المشتركة، في حال إنشائها، بالنسبة إلى الأردن، رافعة اقتصادية، ليس فقط من أجل تنمية مناطق شرق الأردن وغرب العراق، ولكن أيضاً بغية توفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، على جانبي الحدود بينهما؛ هذا بالإضافة إلى محاولة جذب الاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية، فضلاً عن تفعيل دور القطاعات المرافقة، مثل النقل والخدمات.

في محاولة التأكيد على أهمية تطبيق الاتفاقيات الاقتصادية بين البلدين، بعيداً عن التجاذبات السياسية الداخلية، جاءت زيارة رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي إلى الأردن، في 13 يونيو الجاري، والذي أشار إلى حرص العراق بمختلف أطيافه السياسية على تعزيز أواصر التعاون، الاقتصادي والبرلماني، مع الأردن.

ويبدو أن الأزمة السياسية في العراق، المتمثلة في استقالة نواب الكتلة الصدرية من مجلس النواب، قد انعكست سلباً على الأردن، الذي يخشى من أن تؤدي هذه التعقيدات السياسية على الساحة العراقية إلى تعطيل مصالحه الاقتصادية مع بغداد، وأبرزها اتفاقيات مهمة جرى توقيعها منذ نحو أعوام ثلاثة، لكنها تواجه بتباطؤ متعمد من قبل بعض التيارات السياسية العراقية المحسوبة على إيران.

تعاون مستمر

خلال المؤتمر الصحفي الذي جمع رئيس مجلس النواب الأردني عبد الكريم الدغمي، ونظيره العراقي محمد الحلبوسي، أطلق الأخير وعوداً لحث السلطة التنفيذية في بلاده على تنفيذ المشاريع المتفق عليها مع الأردن، التي تشكل “طوق نجاة” للاقتصاد الأردني. كما تحدث الدغمي عن التكامل الاقتصادي بين البلدين، من خلال تنفيذ المدينة الاقتصادية المشتركة، ومشروع أنبوب النفط “العقبة–البصرة”، إضافة إلى النقل البري المشترك عبر التذكرة الموحدة، والربط الكهربائي المشترك، ومشاريع المقاولات والإنشاءات.

ومنذ عام 2019، تمّ الاتفاق بين الأردن والعراق على إنشاء مدينة صناعية وتجارية مشتركة، تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين. وجاء هذا الاتفاق نتيجة قمة عُقدت بين رئيس الوزراء الأردني السابق عمر الرزاز، ونظيره العراقي الأسبق عادل عبد المهدي، قرب الحدود المشتركة بين البلدين. وقد تم تخصيص قطعة الأرض اللازمة للمشروع من الجانبين، بمساحة تبلغ 10 آلاف دونم من كل طرف، لغايات المشروع.

ولم يكن الاتفاق على إنشاء المدينة الصناعية المشتركة هو الاتفاق الوحيد بين البلدين؛ إذ اقتربت عمان من بغداد بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، ضمن ما بات يُعرف إعلامياً بمشروع “الشام الجديد”.

ومن أجل تفعيل إنشاء المدينة المشتركة، وبحسب إعلان مشترك لوزيرى الصناعة والتجارة والتموين الأردني يوسف الشمالي، والصناعة والمعادن العراقي منهل عزيز الخباز، عقب ترأسهما اجتماعاً غير عادي للجمعية العمومية للشركة الأردنية-العراقية للصناعة، المملوكة “مناصفة” لحكومتى البلدين، والمكلّفة بتنفيذ المشروع؛ فإن الجمعية اتخذت عدة قرارات للبدء بالخطوات العملية لتنفيذ مشروع المدينة الصناعية المشتركة بين الأردن والعراق.

ووفقاً للإعلان المشترك، وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقده الوزيران، في 18 مايو الفائت، تم الإعلان عن آخر التطورات المتعلقة بمشروع المدينة، المزمع إقامتها على الحدود بين البلدين. كما تمت الموافقة من قبل الجمعية، على طرح عطاء لتحديد جهة استشارية لإعداد الوثائق التي تحتاجها عملية استقطاب “مُطورين” للمشروع؛ إضافة إلى الاتفاق على آليات عمليات تمويل المشروع، والشروط المرجعية اللازمة له، فضلاً عن “استملاك الأراضي” الخاصة به.

أهداف اقتصادية

بحسب الإعلان المشترك أيضاً، فإن إنشاء المنطقة الصناعية المشتركة بين الأردن والعراق على حدود “طرابيل – الكرامة”، كمشروع استراتيجي، هو فرصة لبناء تكامل اقتصادي بين البلدين في العديد من المجالات، خاصة الصناعية منها. وتتمثل أهم الأهداف الاقتصادية لهذا المشروع في:

1- إنشاء صناعات غير تقليدية: ستتيح المدينة بعد إنجازها الفرصة لاستفادة المنتجات والصناعات التي سيتم استحداثها داخلها من إعفاءات ومزايا موجودة لدى كل من الأردن والعراق؛ وهو ما يعني أن المدينة سوف تسهم في التنمية الاقتصادية المنشودة في البلدين.

2- تنمية مناطق شرق الأردن وغرب العراق: لا سيما الصفاوي والرويشيد والجفر، ومحافظة الأنبار، من خلال تحسين البنية التحتية للمنطقة؛ بما يؤكد أن المشروع سيحقق العديد من الفوائد الاقتصادية والاجتماعية للبلدين.

3- توفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة: وذلك على جانبى الحدود الأردنية-العراقية، المباشرة في المدينة، وغير المباشرة من خلال وظائف مساندة للصناعات خارج المدينة؛ إضافة إلى تعزيز أسطول النقل وتجارة التجزئة والصيانة ومحطات الوقود، على طول الطريق المؤدي إلى المدينة؛ فضلاً عن تنشيط الحركة في ميناء العقبة الأردني.

4- استقطاب الاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية: خاصة في ضوء المزايا والحوافز والامتيازات التي ستمنح للمدينة؛ حيث أن المنتجات والصناعات المنتجة فيها، سوف تستفيد من إعفاءات ومزايا اتفاقيات التجارة الحرة، التي وقعها الأردن مع دول العالم.

5- دخول أسواق يتجاوز سكانها المليار نسمة: وهو ما أكد عليه وزير الصناعة والتجارة والتموين الأردني يوسف الشمالي الذي قال أن المدينة توفر فرصة لدخول أسواق يتجاوز عدد سكانها المليار نسمة، عبر قدرة شرائية كبيرة دون أى قيود فنية أو جمركية؛ بما فيها أسواق الأردن والعراق، كون المنتجات المصنعة في المدينة ستأخذ صفة “المنشأ المشترك”.

مناكفات إيرانية

كشفت هيئة المناطق الحرة خلال الأيام القليلة الماضية، عن أسباب تأخر إنشاء المنطقة الصناعية المشتركة بين الأردن والعراق، فيما قدمت مقترحاً لعقد اتفاقية ثنائية بين البلدين، من الممكن أن تنضم لها مصر. وفي تصريح لوكالة الأنباء العراقية “واع”، في 14 يونيو الجاري، أكد مدير هيئة المناطق الحرة منذر عبد الأمير أسد أن “هناك جهوداً حثيثة تبذل من الجانبين الأردني والعراقي لإقامة المدينة الاقتصادية المشتركة، التي تقع على الحدود بين البلدين”؛ مشيراً إلى أن الهدف هو “تشجيع الاقتصاد بين البلدين، وقد يدخل على الخط الجانب المصري، كشريك في التوجهات الاقتصادية الجديدة”.

وبخصوص العوائق التي تُعرقل إتمام إنشاء المدينة الصناعية المشتركة، أوضح عبد الأمير أن بعض المعوقات فني يتعلق بتخصيص الأرض من الجانب العراقي، فضلاً عن العقبات المالية التي تتعلق بالتخصيصات المالية لإعداد الدراسات والمخططات المتعلقة بالمشروع، إضافة إلى العوائق القانونية أيضاً، كون المشروع تجربة جديدة في إنشاء منطقة مشتركة بين دولتين، ولا يوجد غطاء قانوني لها.

ورغم مرور ثلاث سنوات على توقيع اتفاق إنشاء المدينة الصناعية بين رئيسى وزراء البلدين السابقين، ورغم وجود هذه العوائق طوال هذه السنوات؛ إلا أنها لم تكن العوائق الوحيدة، بخصوص المشروع؛ ولكن كانت هناك عوائق ناتجة عن المناكفات الإيرانية بخصوص مشروع “الشام الجديد”.

فقد رأت طهران في هذا المشروع تهديداً لنفوذها في العراق؛ لذلك حاولت جاهدة، عبر المكونات السياسية التي تمثلها وتدين لها بالولاء في البرلمان العراقي، إجهاض أى مشاريع قد تنبثق من التعاون الأردني-العراقي.

وعطلت إيران الكثير من الاتفاقيات المهمة بين البلدين (الأردن والعراق) كمشروع الربط الكهربائي، وتزويد العراق للأردن بالنفط. والملاحظ أن التباطؤ هو السمة البارزة التي ترافق تنفيذ ما تم الاتفاق عليه من اتفاقيات بين البلدين، بسبب تحفظات قوى سياسية عراقية حليفة لطهران؛ وخصوصاً حيال مشروع أنبوب النفط “العقبة–البصرة”، باعتباره تهديداً مباشراً لإيران، التي وجدت نفسها أمام خطر الاستغناء عن شراء الغاز والنفط منها.

نواة تكامل

خلاصة القول، إن الأردن، عبر إنشاء المدينة الصناعية المشتركة مع العراق، يحاول الدفع بالعوامل المحفزة لاقتصاده، من أجل توفير الفرصة لبناء تكامل اقتصادي بين البلدين في العديد من المجالات، خاصة الصناعية منها. هذا الطموح الاقتصادي في إنشاء المدينة، وفرصة التكامل مع العراق في المجالات الصناعية، يتوازى مع المحاولات الحكومية لتحسين الاقتصاد ومعالجة الفقر والبطالة، التي وصلت إلى مستويات قياسية؛ وهى المحاولات التي دفعت إلى إطلاق الأردن، في أوائل يونيو الجاري، رؤية “تحديث الاقتصاد 2033″، التي تقوم على ثلاث مراحل زمنية تشمل 366 مبادرة، وتستهدف توفير مليون فرصة عمل، خلال السنوات العشر القادمة.

وهكذا، يحاول الأردن تفعيل المحفزات الاقتصادية، سواء من خلال رؤية التحديث هذه، أو عبر إقامة منطقة تنموية مشتركة على جانبى الحدود بينه وبين العراق، تتضمن مدينة صناعية ومنطقة حرة ولوجستية، لتفعيل وتطوير التعاون الاقتصادي مع العراق؛ ومحاولة جذب الاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية، لتوفير فرص العمل، بالإضافة إلى تنشيط دور القطاعات المرافقة، مثل النقل والخدمات.