هل يتصاعد نشاط تنظيم القاعدة في السودان؟

تهديدات محتملة:

هل يتصاعد نشاط تنظيم القاعدة في السودان؟



في ظل ما تشهده السودان من أوضاع سياسية وأمنية واقتصادية غير مستقرة، ظهرت دعوات بعض قادة تنظيم القاعدة في سوريا لتشكيل جماعات جهادية مسلحة لتنفيذ عمليات إرهابية داخل السودان، وركزت هذه الدعوات على استهداف الجيش السوداني تحديداً من خلال الدعوة لتنفيذ عمليات إرهابية تستهدف القضاء على القدرات الاقتصادية للجيش، وتنفيذ عمليات إرهابية داخل العاصمة الخرطوم وخارجها. وجاءت هذه الدعوات بالتزامن مع بعض الإجراءات التي اتخذها الجيش السوداني خلال الفترة الأخيرة، ومنها إطلاق سراح أحد قادة تنظيم القاعدة، وتشكيل قوة عسكرية لمكافحة الإرهاب، والتنسيق مع الاتحاد الإفريقي وواشنطن لمساعدة الخرطوم على مواجهة المخاطر الإرهابية. وفي هذا الإطار، تتزايد احتمالات تصاعد نشاط القاعدة في البلاد خلال الفترة القادمة، إلا أن ذلك يواجهه الاستعدادات الأمنية التي تتخذها القوات المسلحة السودانية لمنع ذلك، ونجاح قوات مكافحة الإرهاب في الكشف عن خلايا إرهابية تابعة للقاعدة وداعش خلال الأشهر الستة الأخيرة، بما يحد من فرص الاستجابة لدعوات القاعدة للانتشار في السودان، ومع ذلك لا يمكن استبعاد قدرة القاعدة على تهديد الأمن القومي للسودان.

أعلن القيادي في تنظيم “حراس الدين” التابع لتنظيم القاعدة بسوريا والملقب بـ”أبو حذيفة السوداني”، في مطلع شهر فبراير الجاري، عن تطلع التنظيم لتمديد نفوذه داخل السودان، حيث قام بتأليف كتاب له تحت عنوان “الأمير المنسي” دعا فيه صراحة لتشكيل خلايا جهادية وكتائب وتشكيلات عسكرية وتأسيس جبهة قتال داخل السودان خلال الفترة القادمة، وتركزت دعوة “أبو حذيفة” على دعوة أنصار التنظيم داخل السودان لشن عمليات إرهابية بنظام حرب العصابات، مع التركيز على تنفيذ عمليات عسكرية داخل العاصمة الخرطوم وباقي الولايات السودانية.

أهداف محددة

حملت رسالة “أبو حذيفة السوداني” لتشكيل خلايا إرهابية مسلحة داخل العاصمة الخرطوم وخارجها، أهدافاً محددة، وهي كما يلي:

 1- إضعاف القوات المسلحة داخل السودان، وذلك من خلال استهداف المؤسسات الاقتصادية التابعة للجيش السوداني والتي تمثل ركيزة أساسية يعتمد عليها الاقتصاد السوداني في الوقت الحالي، وقد أثار ذلك خلافاً كبيراً بين الجيش ورئيس الوزراء المستقيل “عبدالله حمدوك” عندما طالب الأخير بإخضاع الشركات الاقتصادية التي يسيطر عليها الجيش للرقابة الحكومية، في حين رفض قائد الجيش الفريق “عبدالفتاح البرهان” ذلك.

2- استهداف الأجهزة والمؤسسات الأمنية وعلى رأسها جهاز المخابرات العامة وإدارة مكافحة الإرهاب التابعة له.

3- تنفيذ عمليات عسكرية داخل العاصمة الخرطوم، وتشكيل خلايا عسكرية خارجها لتمثل قواعد خلفية للدعم والإمداد.

سياق مضطرب

تزامنت دعوة “أبو حذيفة السوداني” لتشكيل تشكيلات عسكرية تابعة لتنظيم القاعدة داخل السودان، في سياق عدد من التطورات السياسية والأمنية الهامة، من أبرزها ما يلي:

1- إفراج السلطات السودانية عن أحد قادة تنظيم القاعدة ويدعى “محمد سليمان النافع” الملقب بـ”أبو مصعب السوداني” الذي كان متهماً بتنفيذ تفجيرات وأعمال إرهابية من بينها ضلوعه في إسقاط طائرة “البلاك هوك” الأمريكية في الصومال، حيث كان “أبو مصعب السوداني” وقتها من العناصر المقاتلة في صفوف حركة “شباب المجاهدين”، وألقت المخابرات الأمريكية القبض على “أبو مصعب السوداني” بواسطة جمال الفضل في كينيا، بعد خروجه وقتذاك من الخرطوم ووصوله للعاصمة الكينية نيروبي، لتعتقله المخابرات الأمريكية، وتعمل على ترحيله لواشنطن التي قضى 10 أعوام في سجونها، ويعد هذا القيادي مصدراً هاماً لكشف شبكات القاعدة وأذرعها في كل من الصومال وكينيا، وتم الإفراج عنه تنفيذاً لقرار مجلس الأمن والدفاع السوداني برئاسة الفريق “عبدالفتاح البرهان”.

2- إعلان مجلس الأمن والدفاع السوداني برئاسة الفريق أول ركن “عبدالفتاح البرهان” في شهر يناير الماضي تشكيل قوة عسكرية بغرض مكافحة الإرهاب داخل البلاد، وذلك بعد الاطلاع على تقارير الأجهزة الأمنية حول الفوضى الأمنية التي تشهدها البلاد منذ شهر اكتوبر الماضي.

3- إعلان الفريق أول ركن “محمد حمدان دقلو” (الجنرال حميدتي) عن وجود تهديدات أمنية ناتجة عن وجود عناصر إرهابية تتسم بالخطورة، وإشارته إلى إمكانية تنفيذ هذه العناصر عدداً من العمليات الإرهابية داخل البلاد، ومطالبته الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية بمساعدة الخرطوم في مواجهة هذه المخاطر الأمنية.

4- زيارة وفد من منظمة أجهزة الأمن والمخابرات الإفريقية للعاصمة السودانية الخرطوم في يناير الماضي، وهي منظمة معنية بمكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود التي تهدد دول القارة الإفريقية، واجتماع هذا الوفد مع قادة الجيش السوداني للبحث في إمكانية مساعدة النظام الانتقالي على مواجهة التهديدات الإرهابية.

5- اتجاه الإدارة الأمريكية لتعيين “جون جودفري” سفيراً لها بالخرطوم، وهو القائم الحالي بأعمال منسق مكافحة الإرهاب والمبعوث الخاص للتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب (تحديداً تنظيم داعش) بوزارة الخارجية الأمريكية، وفي ذلك مؤشر هام على الاهتمام الأمريكي بتعيين سفير له خبرات في مجال مكافحة الإرهاب، في ظل التهديدات التي يتعرض لها السودان من قبل التنظيمات الإرهابية خلال الفترة الأخيرة.

عوامل محفزة

توجد جملة من الأسباب التي تمثل دافعاً لتنظيم القاعدة لتمديد نفوذه وتصعيد نشاطه داخل السودان، ومن أبرزها ما يلي: 

1- عدم الاستقرار السياسي الممتد: يعاني السودان من اضطراب سياسي متصاعد منذ الانقلاب العسكري على السلطة الانتقالية في 25 أكتوبر الماضي، عندما أطاح الجيش بالحكومة الانتقالية السابقة برئاسة “عبدالله حمدوك” الذي قدم استقالته قبل شهر، وما ترتب على ذلك من تزايد حدة الخلافات بين المكونين العسكري والمدني، في ظل إصرار الجيش على ترؤسه السلطة حتى نهاية المرحلة الانتقالية، وفي المقابل رفض القوى السياسية والمدنية للحوار أو المشاركة مع المكون العسكري في السلطة وكذلك عدم الاعتراف بشرعية سلطة الانقلاب الحالية، والخلاف الحالي بين الجيش الذي يرغب في إجراء انتخابات برلمانية بحلول شهر يوليو 2023، بينما طرحت قوى الحرية والتغيير مبادرة تضمنت المطالبة بفترة انتقالية لمدة عامين وفقاً لترتيبات دستورية جديدة، وفي الوقت نفسه عدم قدرة المبادرات الدولية (مبادرة الأمم المتحدة – الاتحاد الإفريقي – الجهود الأمريكية) على تسوية الأزمة السياسية الراهنة.

 2- اضطراب الأوضاع الأمنية: حيث يعاني السودان منذ شهر أكتوبر الماضي من تدهور الأوضاع الأمنية داخل الولايات السودانية، وخاصة شرق البلاد وفي إقليم دارفور الذي يشهد تصاعداً متكرراً للاشتباكات القبلية المسلحة، والحديث عن تورط بعض الأطراف الخارجية في تمويل القبائل بالسلاح والمعدات العسكرية، في ظل غياب الدعم الحكومي للحركات الموقعة على الاتفاق النهائي للسلام، وعجز السلطات الانتقالية عن فرض سيادة وهيبة الدولة بإلزام الأطراف المتصارعة باتفاقات الحل والتسوية الموقع عليها بين هذه الأطراف.

3- تراجع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية: حيث يبرز اهتمام تنظيم القاعدة بتنفيذ عمليات إرهابية داخل السودان، في ظل ما تمر به البلاد من أوضاع اقتصادية واجتماعية متفاقمة بسبب تداعيات جائحة كورونا، وأيضاً بسبب الانقلاب العسكري على السلطة وما ترتب عليه من تعليق الولايات المتحدة مساعداتها الاقتصادية المقررة للسودان بحوالي 700 مليون دولار، وإحجام المؤسسات الدولية عن تقديم قروض أو مساعدات بسبب عدم تسليم السلطة لحكومة مدنية، وهو ما يسهم في تردي الأوضاع المعيشية للمواطنين، وخاصة فئة الشباب الذين يصبحون هدفاً سهلاً أمام بعض التنظيمات الإرهابية لاستقطابهم وتجنيدهم، حيث توظف هذه التنظيمات تلك الأوضاع المتردية لإقناع الشباب بضرورة التخلص من النظام السياسي القائم وتنفيذ عمليات إرهابية ضد مؤسسات الدولة والمسؤولين لتغيير هذه الأوضاع بقوة السلاح.

4- توفر البيئة الأيديولوجية الحاضنة: حيث يوجد في السودان العديد من الجماعات الإسلامية ذات التوجهات الفكرية والأيديولوجية المختلفة، وتمتع بعض هذه الجماعات بالقدرة على التأثير في توجهات المجتمع السوداني، ومن بين هذه الجماعات التيار السلفي، وتنظيم الحركة الإسلامية والطرق الصوفية، ولهذه الجماعات تنظيمات فرعية متعددة قد يتبنى بعضها أفكاراً وتوجهات تتسم بالتطرف، والبعض الآخر قد تتسق توجهات أيديولوجية مع ما يتبناه تنظيم القاعدة من أفكار متطرفة تحرض على العنف والإرهاب، ومن ثم تقدم هذه التنظيمات بيئة خصبة يسهل اختراقها من قبل التنظيمات الإرهابية الساعية لتمديد نفوذها داخل البلاد.

5- التنافس مع داعش على تمديد النفوذ في السودان: فخلال الشهور الستة الأخيرة كشفت السلطات الأمنية وقوات مكافحة الإرهاب عن عدد من الخلايا الإرهابية الموالية لتنظيم داعش النائمة داخل السودان، وأيضاً بعض العناصر التابعة لتنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي، وهو ما دفع تنظيم القاعدة لمحاولة تمديد نفوذه داخل السودان استغلالاً للأوضاع السياسية والأمنية غير المستقرة حالياً والتي ازدادت سوءاً منذ شهر أكتوبر الماضي. وفي ظل التنافس بين تنظيمي داعش والقاعدة على تمديد النفوذ في دول القارة الإفريقية، يأتي اهتمام تنظيم القاعدة باتخاذ السودان نقطة انطلاق جديدة له.

سيناريوهات محتملة

في ظل المعطيات الراهنة المرتبطة باحتمالات تصاعد نشاط تنظيم القاعدة في السودان خلال الفترة القادمة، توجد بعض السيناريوهات المحتملة في هذا الخصوص، وذلك كما يلي:

السيناريو الأول: تصعيد محتمل، يرجح هذا السيناريو أن تشهد الفترة المقبلة قيام بعض العناصر المنتمية لتنظيم القاعدة داخل السودان بالاستجابة لدعوات “أبو حذيفة السوداني”، خاصة وأن الدعوة لتشكيل خلايا جهادية في السودان جاءت من أبرز قادة تنظيم “حراس الدين”، وهو أحد أهم فروع تنظيم القاعدة في سوريا، والحديث عن عودة المقاتلين السودانيين في صفوف داعش من سوريا إلى بلادهم، وكذلك بعض الإرهابيين الذين تم الإفراج عنهم مؤخراً في السودان وعلى رأسهم “أبو مصعب” الذي قد يستعين به قادة تنظيم القاعدة في الخارج لإحياء نشاطه داخل البلاد مرة أخرى خلال الفترة القادمة، هذا إلى جانب انشغال المكون العسكري بخلافاته مع القوى السياسية حول السلطة.

السيناريو الثاني: عدم الاستجابة لتنظيم القاعدة، يُرجّح هذا السيناريو ألا تلقى دعوة “أبو حذيفة السوداني” استجابة داخل السودان، وذلك استناداً إلى يقظة الجيش السوداني للدعوات التحريضية التي يطلقها تنظيما داعش والقاعدة لتصعيد نشاطهما داخل البلاد، وهو ما دفع الجيش لتشكيل قوة خاصة لمكافحة الإرهاب، والتنسيق الأمني مع واشنطن في هذا الخصوص تجنباً لوقوع أية عمليات إرهابية داخل البلاد، ويعزز ذلك نجاح السلطات الأمنية خلال الشهور الماضية في التصدي لبعض العناصر الإرهابية المنتمية لتنظيم القاعدة في شهر يونيو الماضي، وكذلك تفكيك عدد من الخلايا الإرهابية التابعة لتنظيم داعش الإرهابي والقيام بتفكيكها، الأمر الذي يحد من فرص نجاح القاعدة في تنفيذ دعوة “أبو حذيفة” على النحو المشار إليه.

معضلة الفوضى

خلاصة القول، تكشف دعوة بعض قادة تنظيم القاعدة عن حالة الفوضى السياسية والأمنية التي صار يعاني منها السودان بشكل يدفع التنظيمات الإرهابية لمحاولة استغلال تلك الأوضاع غير المستقرة لتمديد نفوذها لإثبات قدرتها على البقاء والقدرة على التأثير. ورغم تشكيل قوة عسكرية لمكافحة الإرهاب في السودان، إلا أنه لا يمكن استبعاد قدرة التنظيم على اختراق الداخل السوداني، وأن يصبح مصدراً لتهديد الأمن القومي السوداني خلال الفترة المقبلة.