“القمة العربية في الجزائر.. التحديات والفرص”

جلسة استماع

“القمة العربية في الجزائر.. التحديات والفرص”



نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 2 فبراير 2022، جلسة استماع بعنوان “القمة العربية في الجزائر.. التحديات والفرص”، واستضاف المركز السفير هاني خلاف، مساعد وزير الخارجية الأسبق، ومندوب مصر الدائم لدى جامعة الدول العربية الأسبق (كمتحدث رئيسي في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والدكتور محمد عباس ناجي، والأستاذ أحمد عليبة، والدكتور أحمد أمل والأستاذ عمرو عبدالعاطي، والدكتور حمدي بشير، والأستاذ كرم سعيد، والأستاذ محمد الفقي.

تأجيل محتمل

تحدث السفير هاني خلاف، حول ضبابية الموقف بشأن انعقاد القمة العربية المقبلة بالجزائر في موعدها، خاصة مع ما يتردد حيال الاتجاه للتأجيل، في ظل عدم إصدار أي موقف رسمي. وخلافاً لقمتي (2020 و2021)، يرى خلاف أن التأجيل هذه المرة إذا حدث فربما لن يكون بسبب تفشي جائحة كورونا، ولكن لاعتبارات أخرى، تتعلق بشكل أساسي بموضوعات خلافية حادة بين كثير من الأطراف العربية، في ظل ما تشهده المنطقة من تطورات على أكثر من مستوى، وتغيرات في المشهد السياسي والأولويات في العديد من الدول العربية الأعضاء بالجامعة.

ورهن فرص انعقاد القمة في ضوء عدد من المحددات، منها الاتفاق على المخرجات، إذ يبلغ متوسط عدد البنود المدرجة على جداول أعمال القمم السابقة من 20 إلى 23 بنداً، إضافة إلى أن انعقاد القمة يتوقف على المستويات التحضيرية في التوصل إلى مشروع محدد لجدول الأعمال ومدى التوافق المسبق على صياغة القرارات، وأخيراً اهتمام الدول المضيفة للقمة بمشاركة أكبر عدد من الملوك والرؤساء، خاصة مع ترجيح عدم قبول الجزائر لعقد القمة من خلال “الفيديو كونفرانس”.

تغيرات جوهرية

يرسم خلاف بعض المتغيرات التي شهدتها الدول الأعضاء في الجامعة العربية، وتحديداً في ظل عدم انعقاد القمة لعامي (2020-2021)، كالتالي:

1- تزايد الأزمات الداخلية للدولة الوطنية العربية: هناك بعض الدول العربية التي تشهد تحولات داخلية، مثل الوضع في لبنان، من ناحية استمرار تعثر مشاورات تشكيل الحكومة، مع انسحاب سعد الحريري من الحياة السياسية، بما يؤدي إلى إطالة أمد تشكيل الحكومة لدرجة تشل العمل المؤسسي، مع عدم التغافل عن دور حزب الله كمقيد للحكومة واللبنانيين أنفسهم، ويضاف لذلك انهيار النظام المصرفي اللبناني وتدهور الليرة. وفي السودان، هناك استمرار للمظاهرات الشعبية، إضافة إلى تجدد مشكلات الحدود مع الجانب الإثيوبي بسبب فشل ترسيم الحدود بين الدولتين. كما أنّ تونس تشهد “انقلاباً مدنياً” للرئيس قيس سعيد، وتعطيل المؤسسات التشريعية والسياسية، وانفراده بمعظم السلطات، وانقسام الدول العربية بين داعم ومعارض لهذه الإجراءات. فالأوضاع الداخلية العربية تمثل بيئة ضاغطة على الدول للتفكير في مسألة الرهان على عقد جامعة الدول العربية ملتقاها السنوي الدوري.

2- صعود التهديدات الحادة للمليشيات المسلحة: ثمة ملاحظة رئيسية تتعلق بتصاعد تهديد المليشيات المسلحة، كان آخرها هجمات صاروخية مباشرة من جانب العناصر الحوثية لاستهداف المواقع الاستراتيجية الإماراتية الحساسة، فضلاً عن استهداف المملكة العربية السعودية. كما أن الحوثيين يُشكلون تهديداً داخل اليمن، عبر محاصرة مأرب الغنية بالنفط والغاز وسط محاولات لاستمالة زعماء القبائل، وإذا سقطت مأرب فقد يؤدي هذا إلى اهتزاز شرعية الرئيس اليمني، ويسهم في نقلة مالية كبيرة للحوثيين من عوائد بيع النفط. ولعل ذلك يفرض على القمة العربية، في حال انعقادها، التفكير في التعامل مع المليشيات المسلحة في المنطقة العربية.

3- تعقّد تسوية الصراعات العربية الممتدة: وهو ما ينطبق جلياً على الحالة الليبية. إذ يثير تأجيل الانتخابات الليبية علامات استفهام كثيرة، خاصة مع عدم توضيح أسباب ذلك، على وقع مشهد سياسي معقد في ضوء كثرة المرشحين للرئاسة، وعلى الأخص دخول سيف الإسلام القذافي على الخط، إضافةً إلى تأثيرات صراع الأطراف الخارجية على النفوذ في ليبيا، وما يتصل بذلك من استمرار وجود قوات أجنبية ومرتزقة أجانب ومليشيات مسلحة، ولكن ثمة حساسية كبيرة في تعاطي الجامعة العربية مع الأزمة الليبية، ولذلك يجب إصدار بيان يُقدم نصائح مع ترك القرار للشعب الليبي، دون أن يكون هناك نوع من فرض الوصاية.

4- خلاف في التعاطي مع الأزمة السورية: السمة المميزة للتعاطي مع الملف السوري، هي وجود خلاف بين الدول الأعضاء حيال رفع تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية. فهناك دول ترغب في عودة آنية لسوريا وأخرى ترفض هذه الخطوة، وإذا استمر الخلاف دون حلحلة للموقف فيمكن أن يظل الأمر عالقاً لفترة، ولكن -في المقابل- يمكن تحقيق هذه المعادلة من خلال ربط رفع تعليق العضوية بمدى استجابة النظام السوري للإصلاحات السياسية والإنسانية، ويمكن النص على ذلك في مشروع القرار الخاص بسوريا.

وهنا، يجب الأخذ في الاعتبار قانون قيصر الأمريكي المخصص لفرض عقوبات على النظام السوري وكل من يدعمه، ولا يجب التسرع والوقوع تحت طائلة هذا القانون، ولكن يبدو أن ثمة اتجاهاً إلى اعتبار وجود بشار الأسد أفضل من الوجود الإيراني بعد تقديم الدعم العسكري والمالي للنظام السوري، وهكذا الحال بدعم روسيا، إضافة إلى تدخلات تركيا العسكرية في شمال شرق سوريا. ويمكن النظر بشكل إيجابي للنظام السوري في بعض الملفات، منها مواجهة “داعش والقاعدة”، وتراجع التدخل في الشأن اللبناني، إضافة إلى إجراء انتخابات رئاسية. وهنا فإن الأسلوب الأمثل للتعامل مع الأزمة السورية يمكن أن يكون عبر البرلمان العربي وليس الحكومات العربية.

5- تراجع في أولوية القضية الفلسطينية: هناك أزمة في تعاطي الجامعة العربية مع القضية الفلسطينية، من حيث تنويع منهجية المعالجة والقضايا المطروحة، في ظل التعنت الإسرائيلي بعدم إجراء أي مشاورات تفاوضية لحل الأزمة، ولكن ثمة متغيرات منها أحداث الشيخ جراح، والتضامن بين الفلسطينيين في الضفة وغزة حيال ممارسات إسرائيل، إضافة إلى ضربات إسرائيلية للمرة الرابعة على غزة خلال 10 سنوات.

6- مساعي بعض الدول العربية لممارسة أدوار إقليمية: على الرغم من التحديات أمام الجزائر، ومنها الانشغال بمواجهة حركات التطرف والإرهاب على أراضيها والتهديدات في دول الجوار مثل مالي وليبيا، إلا أن هناك مساعي لممارسة دور إقليمي عبر بعض التحركات على المستوى العربي، عبر السعي لتحقيق مصالحة بين الفصائل الفلسطينية، إضافة إلى حديث وزير الخارجية الجزائري عن الاهتمام بتطوير العمل داخل الجامعة العربية، ولكن هذا دون توضيح المقصود على وجه التحديد.

7- التهدئة في السياسات الخارجية للقوى العربية: هناك بعد متصاعد في التوجهات إلى التهدئة في المنطقة، فمثلاً ثمة تقارب عراقي سعودي متدرج، وما يترتب على ذلك من إعلان بغداد الاستعداد لرعاية حوار سعودي إيراني، خاصة أن العراق يحتاج إلى دعم عربي واسع في إعادة البناء والإعمار في المناطق التي كانت تحت سيطرة “داعش”، وهذه التوجهات في العراق مدفوعة بتحول الأداء الحكومي من المنطلقات المذهبية الضيقة إلى المنطلقات الوطنية الأكثر شمولاً رغم استمرار الحشد الشعبي في المشهد، ولكن من دون إغفال تكرار أعمال العنف لاستهداف قيادات الدولة، ومنها محاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي. فضلاً عن اتجاه التهدئة في سياسات خارجية عربية وتركية، لاعتبارات مختلفة، داخلية وخارجية.

تعديلات محورية

يضع السفير هاني خلاف، بعض التعديلات التي يجب إدخالها إلى القمم العربية المقبلة، كالتالي:

1– شمولية الرؤى والمواقف: أهمية الجمع بين الاعتبارات السياسية والاقتصادية والقانونية والإنسانية عند تشكيل السياسات والمواقف، وتحديد المدى المسموح به للتداخل بين المؤثرات الأجنبية والاعتبارات الوطنية والمحلية عند تحليل المواقف وردود الفعل، إضافةً إلى معرفة تأثير الفارق بين مبدأ الإجماع ومبدأ التوافق ومبدأ التصويت بالأغلبية على فاعلية النتائج والقرارات.

2– تنظيم أدوار المجتمع المدني: هناك حاجة مهمة لتنظيم أدوار مؤسسات المجتمع المدني في مختلف الأنشطة العربية المقبلة، وتفعيل دور تلك المؤسسات، إضافةً إلى ضرورة بحث كيفية صياغة القرارات المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات العامة في قرارات القمة العربية، مع عدم الإخلال بمبدأ السيادة والاستقلال الوطني.

3- تحقيق قدر من التكامل في بنية العمل العربي: لا بد من تحقيق التكامل بين دور الأمانة العامة والأمين العام للجامعة من ناحية، وأدوار الدول الأعضاء من ناحية أخرى، مع الاهتمام بوضع معايير اختيار المبعوثين العرب إلى مواقع الأزمات في المنطقة، وأهمية تحديد الأدوار الموكَلَة لكل منهم بكل دقة، والتنسيق الكامل مع مبعوثي الأمم المتحدة.

4– تحديد أولوية تحقيق الإصلاح أم تسوية النزاعات: علينا أن نحدد أيهما أسبق في الأهمية: إصلاح واستكمال المؤسسات في الجامعة العربية أم تسوية النزاعات وتصفية الأجواء بين أعضاء الجامعة؟ خاصة في ظل تفاقم الأزمات البينية بين الدول، وعدم قدرة الجامعة على التخفيف من حدتها.

النواة التكاملية

وأخيراً، يرى السفير هاني خلاف، أن إصلاح جامعة الدول العربية لا يجب أن يقتصر على حدود الطلب والدفع بذلك، ولكن يجب أن يتعدى إلى كونه رغبة، وهو ما لا يراه متوفراً، في ضوء رؤية بعض الدول أن الجامعة تكلفة أكثر منها فائدة، والاتجاه إلى العمل في دوائر عربية أضيق في إطار من المرحلية، بحيث يبدأ الإصلاح من خلال عدد محدود من الدول في مجال بعينه. كما أن تفعيل دور الجامعة يرتبط بطبيعة شخصية الأمين العام، ومدى القبول العربي له، وهو ما ينعكس على تخفيض حدة الأزمات البينية وتسوية النزاعات، إضافة إلى عوامل أخرى ترتبط باختيار مبعوثي الأمين العام لتسوية الأزمات بدقة ووفق مهام محددة.