لماذا زار الرئيس الموريتاني “ولد الغزواني” الجزائر؟

تعظيم المكاسب:

لماذا زار الرئيس الموريتاني “ولد الغزواني” الجزائر؟



قام الرئيس الموريتاني “محمد ولد الشيخ الغزواني” بالتوجه إلى الجزائر في زيارة رسمية استغرقت ثلاثة أيام استجابة لدعوة نظيره الجزائري “عبدالمجيد تبون”، والتي شهدت سبل البحث في كيفية تعزيز العلاقات الثنائية بين الدولتين على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية. وتكتسب هذه الزيارة أهمية خاصة نظراً لعدة اعتبارات رئيسية، وذلك كما يلي:

أولها: أنها الزيارة الأولى للرئيس الموريتاني منذ توليه منصبه في عام 2019، وأيضاً الزيارة الأولى من نوعها لرئيس موريتاني للجزائر منذ عشر سنوات، حيث كانت آخر زيارة قام بها الرئيس السابق “محمد ولد عبدالعزيز” في عام 2011، ومنذ ذلك الوقت لم يقم أي رئيس موريتاني بزيارة الجزائر. ويرجع ذلك إلى انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، وقيام كل منهما بطرد ممثلين دبلوماسيين في كلتا الدولتين في عام 2015 على خلفية طرد نواكشوط الدبلوماسي الجزائري “بلقاسم شرواطي” حيث نشر مقالاً يتهم فيه المغرب بإغراق أراضيها بالمخدرات، وهو ما اعتبرته موريتانيا في ذلك الوقت إضراراً بعلاقاتها مع المغرب، فقامت الجزائر بعد ذلك بطرد السفير الموريتاني لديها على أساس مبدأ “المعاملة بالمثل”.

ثانيها: أن الزيارة جاءت استجابة للدعوة التي وجهها الرئيس الجزائري “تبون” لنظيره الموريتاني “الغزواني” بعد أن تم تأجيلها أكثر من مرة، منذ توجيه “تبون” دعوته للرئيس “الغزواني” بزيارة الجزائر خلال زيارة وزير الخارجية الجزائري “رمطان لعمامرة” الأخيرة للعاصمة الموريتانية نواكشوط في شهر سبتمبر الماضي، لتحقيق تقارب مع دول المنطقة قبل استضافة الجزائر فعاليات القمة العربية القادمة، ومحاولة الجزائر تكوين جبهة مع موريتانيا لمواجهة تحديات الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، واستغلال الأسواق الموريتانية للعبور إلى دول غرب إفريقيا.

ثالثها: أن الزيارة جاءت أيضاً في ظل انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب منذ شهر أغسطس الماضي، بسبب اتهام الجزائر للمغرب بتبني سياسات عدائية ضدها بهدف زعزعة استقرارها الأمني، والتأثير سلباً على الأمن القومي لها، وهو ما دفع الجزائر لاتخاذ هذا القرار وما تلاه من إجراءات أخرى بهدف الضغط على المغرب للتراجع عن سياساتها العدائية.

أهداف محددة

جاءت زيارة الرئيس الموريتاني “محمد ولد الشيخ الغزواني” في التوقيت الراهن، في محاولة لتحقيق جملة من الأهداف، وذلك كما يلي:

1- القيام بدور الوساطة: فقبل زيارة الرئيس الموريتاني للجزائر بعدة أيام قليلة، ألمح إلى إمكانية قيام بلاده بدور الوسيط بين الجانبين المغربي والجزائري لحل الخلافات السياسية القائمة بينهما، حيث تدرك موريتانيا أهمية استقرار منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا للحفاظ على المصالح المشتركة بين دول هذه المنطقة على كافة المستويات، ولا سيما الاقتصادية منها، في ظل تراجع اقتصادات هذه الدول بسبب جائحة كورونا، وتأثير ذلك سلباً على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فيها. وتعتمد موريتانيا في طرحها الخاص بالوساطة بين الجزائر والمغرب على ما يتسم به دورها من قبول لدى الدولتين، استناداً إلى العلاقات السياسية والاقتصادية المميزة معهما، وسعي موريتانيا في الوقت نفسه لتعزيز دورها الإقليمي في الشمال الإفريقي بعد أن ظلت لسنوات منشغلة بترتيب أوضاعها الداخلية؛ إلا أن قبول دورها كوسيط لتسوية الخلافات بين المغرب والجزائر سيظل رهناً بمدى قبول الجزائر لذلك الأمر، خاصة وأن الجزائر سبق لها رفض أية وساطات خارجية لإنهاء خلافاتها مع المغرب، بالإضافة إلى ما تشعر به الجزائر من انحياز موريتاني للموقف المغربي بشأن قضية الصحراء المغربية، رغم حرص نواكشوط على الوقوف على مسافة واحدة بين أطراف هذه القضية، وهو ما قد يؤثر على فرص نجاح الوساطة الموريتانية في هذا الخصوص.

2- الحفاظ على الأمن القومي ومكافحة الإرهاب: تركز موريتانيا في الوقت الحالي على ضرورة التنسيق والتعاون الأمني مع دول الجوار، ولا سيما مع الجزائر التي تشترك معها بحدود تبلغ حوالي 460 كم، بغرض الحفاظ على أمنها القومي ضد التهديدات المترتبة على تصاعد أنشطة التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة في منطقة الساحل والصحراء (مالي – النيجر – تشاد – بوركينافاسو)، بالإضافة إلى التهديدات الأمنية التي تمثلها تحركات العناصر المسلحة التابعة لجبهة البوليساريو في منطقة الكركرات الحدودية مع المغرب، الذين سبق لهم منع مرور حركة التجارة بين المغرب وموريتانيا في نوفمبر 2020، وهو ما أضر بالاقتصاد الموريتاني بشدة، وهنا قد تلعب الجزائر دوراً -بصفتها الداعم الرئيسي للبوليساريو- في حماية المصالح الموريتانية على الحدود المشتركة بينهما من خلال تفعيل دور اللجنة الأمنية المشتركة التي تم الاتفاق على تشكيلها في شهر نوفمبر الماضي، إلى جانب تفعيل الجزائر لآلية جيوش المنطقة (مقرها بتمنراست جنوب الجزائر) التي تضم معها كلاً من مالي والنيجر للتصدي للتنظيمات الإرهابية (داعش – القاعدة) في منطقة الساحل والصحراء.

3- تعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية: تناولت الزيارة كذلك سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية المشتركة بين الدولتين، حيث تسعى موريتانيا لتحسين أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية عبر عقد اتفاقيات اقتصادية متعددة مع الجزائر، وهو ما عكسه الوفد الاقتصادي الكبير المصاحب للرئيس “الغزواني” والذي ضم العديد من رجال الأعمال الموريتانيين. وفي المقابل، توفر نواكشوط بيئة استثمارية جاذبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة، وهو ما يمنح الجزائر فرصة لزيادة صادراتها لها باعتبارها سوقاً واعدة أمام المنتجات الجزائرية ومنها إلى الأسواق الإفريقية، فقد سجلت الصادرات الجزائرية لموريتانيا ارتفاعاً بلغ حوالي 9 ملايين دولار خلال عام 2020 بزيادة قدرها 100% مقارنة بعام 2019، هذا إلى جانب المشروعات الاقتصادية التي تم الاتفاق عليها من قبل، وعلى رأسها إقامة منطقة حرة بين الدولتين بعد تنفيذ طريق “تندوف – الزويرات” بطول 900 كم الذي من شأنه تسهيل دخول الجزائر لأسواق غرب إفريقيا، واعتماد آلية المعابر الحدودية لتعزيز عمليات التبادل التجاري، الأمر الذي من شأنه تسهيل انتقال الأفراد والأموال والبضائع ومن ثم تعظيم المكاسب الاقتصادية للجانبين الجزائري والموريتاني، وتسهيل معاملات موريتانيا مع كلٍّ من تونس وليبيا.

أبعاد سياسية

حملت زيارة الرئيس الموريتاني “محمد ولد الشيخ الغزواني” في طياتها عدداً من الدلالات السياسية الهامة، من أبرزها ما يلي:

1-  تقارب جزائري موريتاني: تُشير زيارة الرئيس الموريتاني “الغزواني” إلى تقارب سياسي ملحوظ مع الجزائر في الوقت الراهن، فبعد انقطاع العلاقات الدبلوماسية بينهما خلال السنوات الأخيرة، فإن التحركات الدبلوماسية الجزائرية النشطة نجحت في استقطاب الجانب الموريتاني وإعادة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، وهو ما دفع موريتانيا لمحاولة توظيف هذا التقارب السياسي لتحقيق مصالح وأهداف على المستوى الاقتصادي. وفي المقابل، تستفيد الجزائر من هذا التقارب في تعزيز نفوذها الإقليمي والقاري، وتوظيفه لتعظيم مكاسبها الاقتصادية من جهة أخرى.

2- محاولة حصار المغرب: تسعى الجزائر لمحاولة استقطاب الجانب الموريتاني لتنفيذ سياستها الساعية لحصار المملكة المغربية في ظل انقطاع العلاقات الدبلوماسية بينهما. فمنذ شهر أغسطس الماضي اتخذت الجزائر بعض الإجراءات للتأكيد على ذلك الأمر، ومنها عدم تجديد عقد مرور الغاز الجزائري عبر الأراضي المغربية باتجاه إسبانيا، وحرمان المغرب من الغاز الطبيعي الذي كانت تحصل عليه وفقاً لهذا العقد بغرض التأثير على الاقتصاد المغربي. واستكمالاً لذلك، تحاول الجزائر تطويق المغرب بتعزيز علاقاتها بموريتانيا، وتوظف أدواتها الدبلوماسية والاقتصادية لتحقيق الهدف الأكبر وهو حصار المغرب والضغط عليها بشتى الطرق، في محاولة من الجزائر لدفع المغرب لتقديم تنازلات في قضية الصحراء المغربية من جهة، والعدول عن قرارها بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل من جهة أخرى.

3- تكتل إقليمي جديد: جاءت زيارة الرئيس الموريتاني للجزائر في ظل سعي الأخيرة لتشكيل تكتل إقليمي جديد يضم المغرب وتونس وموريتانيا يقوم على تعزيز التعاون على المستويين الاقتصادي والأمني على وجه التحديد مع هذه الدول، وهو ما ظهر جلياً في الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الجزائري “تبون” لتونس، وتوقيعه معها مجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية، ومنحها قروضاً لمساعدتها على الخروج من أزمتها الاقتصادية الحالية، وأيضاً من خلال الاتفاقيات الاقتصادية التي تم توقيعها مع الجانب الموريتاني خلال زيارة “الغزواني” للجزائر، وذلك لخدمة توجهات السياسة الخارجية الجزائرية التي تهدف لتعزيز الدور الإقليمي الجزائري، وتمديد نفوذها بشكل أكبر في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا ومنها إلى باقي القارة الإفريقية. ومن الملاحظ أن هذه التوجهات الجزائرية تلقى ترحيباً وقبولاً من الجانب الموريتاني، حيث أكد الرئيس الموريتاني “الغزواني” على ضرورة إعادة تفعيل اتحاد المغرب العربي لتعزيز التعاون بين أعضائه على كافة المستويات.

4- مستجدات الأزمة الليبية: تشترك كل من الجزائر وموريتانيا في مواقف مشتركة تجاه مستجدات الأزمة الليبية الحالية، حيث يؤيد كل من الجزائر ونواكشوط أهمية تسوية الأزمة الليبية من خلال دفع مسار التسوية السياسية بين الأطراف الليبية، مع رفض التدخلات الخارجية فيها، كما تحرص كل من الجزائر وموريتانيا على ضمان أمنهما القومي ضد التهديدات الناجمة عن تواجد التنظيمات الإرهابية والعناصر المرتزقة داخل الأراضي الليبية، ولذلك سعت الدولتان إلى تفعيل القوة المشتركة لحماية حدودهما المشتركة لمنع أية محاولات لتسلل عناصر إرهابية من الداخل الليبي إلى الجزائر ومنها لموريتانيا التي تخشى من تسلل العناصر الإرهابية من شمال مالي إليها.

منافع ثلاثية

خلاصة القول، جاءت زيارة الرئيس الموريتاني للجزائر في إطار سعي موريتانيا لتعزيز علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية مع الجزائر من جهة، وسعيها كذلك إلى استعادة جزء من دورها المفقود على مستوى الشمال الإفريقي انطلاقاً من محاولة لعب دور الوساطة لحل الخلافات المغربية الجزائرية من جهة أخرى. وفي المقابل، تصبّ هذه الزيارة في مصلحة الجزائر الساعية لإنشاء تكتل إقليمي عوضاً عن اتحاد المغرب العربي لتعزيز نفوذها السياسي وتعظيم مكاسبها الاقتصادية داخل القارة الإفريقية من جهة ثالثة.