لماذا تشتري المغرب طائرات “بيرقدار بي ٢” التركية؟

أهداف متعددة:

لماذا تشتري المغرب طائرات “بيرقدار بي ٢” التركية؟



تواصل المملكة المغربية تطوير وتحديث قدرات قواتها المسلحة لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة التي تواجهها. وفي هذا الإطار، أشارت بعض الصحف المغربية، في 25 ديسمبر 2021، إلى قرب حصول الرباط على 13 طائرة مسيرة بدون طيار من طراز “بيرقدار تي بي 2” التي تصنعها شركة Baykar التركية، بقيادة “سلجوق بيرقدار” (صهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان)، كما تعتزم القوات المسلحة المغربية الحصول على أنظمة كهروضوئية من كندا “westcam” المستخدمة في طائرات “بيرقدار تي بي 2” بما يضمن الاستفادة القصوى من كافة إمكانيات هذه الطائرة في عمليات المراقبة والاستكشاف واستهداف المواقع على بعد 8 كم والطيران لمدة 25 ساعة متواصلة.

يمكن تفسير عقد المغرب لصفقات الحصول على الطائرات التركية بدون طيار، في إطار مجموعة من العوامل، التي يُمكن إيضاح أهمّها في الآتي:

استراتيجيات جديدة

1- رفع القدرات العسكرية للقوات الجوية المغربية: فامتلاك هذه الطائرات يسهم بشكل مباشر في رفع وتعزيز القدرات العسكرية للقوات الجوية المغربية، وهو ما يسهم بدوره في وضع خطط واستراتيجيات عسكرية جديدة اعتماداً على هذه النوعية من الأسلحة والمعدات العسكرية التي تساعد بشكل كبير في حسم العديد من المواجهات العسكرية المباشرة. وفي هذا الإطار، فقد عقدت الرباط صفقة مع شركة “بايكار” التركية بقيمة 70 مليون دولار في شهر أبريل الماضي للحصول على 13 طائرة مسيرة “بيرقدار تي بي 2″، وفي منتصف شهر سبتمبر الماضي حصلت على الدفعة الأولى من هذه الطائرات، مع تلقّي بعض العسكريين المغاربة برامج تدريبية داخل تركيا على استخدام هذه الطائرات.

وشملت هذه الدفعة الحصول على أربع محطات أرضية للقيادة، ونظام محاكاة للتكوين على قيادة الدرونات، وتثبيت مركز عمليات للدرونات، بالإضافة إلى نظام رقمي لتتبع وتخزين المعلومات للقوات المسلحة الملكية. وتحرص الرباط على اقتناء هذا النوع من الطائرات نظراً لما أثبتته من كفاءة عملية خلال الصراع المسلح حول منطقة “ناغورنو كاراباخ” بين أذربيجان وأرمينيا، حيث ساعدت تلك الطائرة أذربيجان في ترجيح كفتها في مواجهة القوات الأرمينية، وسوف تساعد الطائرات التركية الصنع إلى جانب الطائرات دون طيار (من طراز هاروب وهي طائرات “انتحارية” بدون طيار) التي ستحصل عليها الرباط من إسرائيل ضمن صفقة أسلحة بقيمة 22 مليون دولار، في تعزيز القدرات الجوية المغربية بشكل كبير خلال الفترة القادمة.

مراقبة حدودية

2- مواجهة الأعمال العدائية لعناصر جبهة البوليساريو: رغم نفي المسؤولين المغاربة استخدامَ الطائرات بدون طيار في شن أي هجوم استهدف بعض قادة جبهة البوليساريو في إقليم الصحراء (مقتل “عداح البندير” قائد درك البوليساريو في أبريل الماضي بغارة جوية)؛ إلا أن تعزيز القدرات العسكرية للمغرب من شأنه منح الرباط أفضلية في مواجهة الأعمال العدائية التي تشنها بعض العناصر المسلحة التابعة لجبهة البوليساريو بين حين وآخر على المناطق الحدودية المشتركة بين المغرب وموريتانيا، وتحديداً في معبر الكركرات الحدودي البري.

وبالتالي، فإن توظيف الطائرات بدون طيار يمنح الرباط أفضلية في مراقبة الشريط الحدودي مع دول الجوار، ومراقبة تحركات العناصر التابعة لجبهة البوليساريو، وحماية المصالح الاقتصادية التي تقوم الحكومة المغربية بتنفيذها في إقليم الصحراء ضد أية محاولات تخريبية من قبل البوليساريو المدعومة من الجزائر التي تعد طرفاً رئيسياً في قضية الصحراء، وهو ما أكدته واشنطن في البيان الصادر عن البيت الأبيض في 25 ديسمبر الجاري بأن الجزائر والمغرب الأطراف الرئيسية في هذه القضية، وهو ما يؤكد على الاعتراف الأمريكي بمحورية دور الجزائر الداعم مادياً وسياسياً للبوليساريو، وفي الوقت نفسه يدحض الادعاءات الجزائرية بأنها ليست طرفاً فيها، ويدفعها للجلوس على مائدة المفاوضات لتسوية هذه القضية.

قوة ردع

3- تزايد سباق التسلح مع الجزائر: سوف تسمح هذه الطائرات بدون طيار للمغرب بالاستفادة من أداة متطورة يمكن أن تحدث فرقاً في نزاع مسلح محتمل، وخاصة مع الجزائر التي أعلنت في شهر سبتمبر الماضي عزمها الحصول على 24 طائرة مسيرة متطورة من الصين تعرف باسم “وينغ لونغ 2″، حيث ستحصل على بعضها في ظرف شهور قليلة والباقي خلال عام 2022، ومن المتوقع أن تستخدم الجزائر هذه الطائرات بعد أن أتاح دستورها لجيشها إمكانية المشاركة في عمليات حفظ السلام تحت مظلة الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، وبالتالي فإن تطوير السلاح الجوي المغربي يندرج في إطار التنافس على تمديد النفوذ داخل القارة الإفريقية مع الجزائر.

ومن جهة أخرى، يساعد تطوير القدرات العسكرية للمغرب في تكوين قوة ردع لمواجهة السياسات العدائية الجزائرية، وخاصة بعد قطع الأخيرة علاقاتها الدبلوماسية مع الأولى في أغسطس الماضي، وإعلان الجزائر في شهر سبتمبر الماضي إغلاق مجالها الجوي أمام حركة الملاحة الجوية التجارية والعسكرية المغربية، واتهام الجزائر للمغرب في شهر نوفمبر الماضي بقتل ثلاثة من سائقي الشاحنات بسلاح متطور (دون أن تحدد نوعه أو مكان هذه الضربة)، وما تبع ذلك من قرارات جزائرية على رأسها عدم تجديد العقد الخاص بنقل الغاز الجزائري عبر الأراضي المغربية إلى أوروبا؛ ومن ثم فإن حصول المغرب على الطائرات التركية سوف يمنحها أفضلية في حالة اندلاع مواجهات عسكرية ضد الجزائر، خاصة وأن هذه الطائرات لها قدرة كبيرة في استهداف الدفاعات الجوية، إلا أن ذلك سوف يدفع في اتجاه مزيدٍ من التنافس للحصول على الأسلحة والمعدات العسكرية لإثبات قدرة كل طرف على التفوق العسكري على الآخر، بما يزيد من حدة عدم الاستقرار السياسي والأمني في منطقة المغرب العربي.

مخاطر الإرهاب

4- تعزيز النفوذ على المستوى الإفريقي: إذ تشكل الطائرات بدون طيار أهمية متزايدة في إفريقيا، خاصة وأن دولاً إفريقية كثيرة أصبحت تبدي اهتماماً كبيراً نحو امتلاك هذه الطائرات مثل أنجولا وإثيوبيا والنيجر ونيجيريا ورواندا، وكذلك الدول التي تواجه مخاطر التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء كما هو الوضع في مالي، وبالتالي فإن امتلاك هذه الطائرات من شأنه رفع القدرات العسكرية للجيش المغربي بشكل يساعده على صد أية مخاطر أو تهديدات محتملة قادمة من التنظيمات الإرهابية في دول الساحل والصحراء، وهو ما يؤدي بدوره لزيادة الثقل السياسي والعسكري للمملكة المغربية، ومن ثم تعزيز الدور وتمديد النفوذ المغربي داخل القارة الإفريقية.

شراكة الناتو

5- تعزيز الشراكة مع حلف الناتو: تهدف المغرب كذلك من امتلاك الطائرات التركية بدون طيار إلى تعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع حلف شمال الأطلنطي (الناتو) من خلال المشاركة في بعض العمليات العسكرية، كمواجهة بعض الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية في منطقة شمال إفريقيا والمغرب العربي دون الحاجة إلى إرسال العناصر البشرية المسلحة إلى مناطق تمركز هذه الجماعات أو التنظيمات الإرهابية، وذلك تجنباً لأية خسائر في العنصر البشري، ويُساعد على ذلك العمل الذي تقوم به الحكومة المغربية على بناء وتطوير أسطول كبير من الطائرات الحربية والطائرات بدون طيار المخصصة للاستخدام في جبهات القتال المختلفة بما يزيد من تعاونها العملياتي مع القوى الغربية.

تفوق نوعي

خلاصة القول، يكشف حجم الصفقات التي أبرمتها المغرب مع تركيا للحصول على الطائرات المسيرة من طراز “بيرقدار تي بي 2” عن عدة أمور رئيسية هامة؛ أولها الإصرار المغربي على تطوير منظومتها العسكرية ولا سيما الجوية لتحقيق تفوق نوعي في مجال التسلح، وبما يزيد من ثقلها السياسي في منطقة شمال إفريقيا والمغرب العربي بشكل رئيسي، وذلك بسبب تزايد المخاوف من التهديدات الجزائرية، واحتمالات تنفيذ جبهة البوليساريو أية عمليات عدائية ضد المصالح الاقتصادية للمغرب في إقليم الصحراء. كما تكشف هذه الصفقات عن سياسة خارجية تركية تقوم بتوظيف أدواتها العسكرية لتعزيز وتمديد نفوذها في القارة الإفريقية بصفة عامة، ومنطقة الشمال الإفريقي بصفة خاصة. وفي هذا الإطار، فإن المعطيات الراهنة ترجح تزايد حدة سباق التسلح في منطقة المغرب العربي، وخاصة بين الجزائر والمغرب خلال الفترة القادمة، في إطار محاولة كل دولة منهما إثبات تفوقها على الأخرى عبر اكتساب المزيد من الأدوات لحسم التنافس السياسي بينهما.