هل يمكن أن تقوم إسرائيل بضرب المنشآت النووية الإيرانية؟

السيناريو الصعب:

هل يمكن أن تقوم إسرائيل بضرب المنشآت النووية الإيرانية؟



قام وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، ورئيس الموساد ديفيد بارنياع بزيارة الولايات المتحدة الأمريكية، خلال شهر ديسمبر الجاري، لإجراء محادثات مع المسؤولين الأمريكيين وذلك بعد سلسلة من الدعوات الإسرائيلية للإدارة الأمريكية بالانسحاب من المفاوضات مع إيران والمطالبة بفرض عقوبات أشد صرامة عليها، وطرحت إسرائيل عدة مقترحات للتعاطي مع الدور الإيراني، عبر إجراء مداولات حول كيفية الإعداد لعملية عسكرية مشتركة للجيشين، وذلك بعد تسريب الجيش الإسرائيلي للإعلام خططاً أمريكية-إسرائيلية لإجراء تدريبات عسكرية محتملة، استعداداً لضربات على مواقع نووية إيرانية في حال فشل الدبلوماسية، وتواردت في إطار ذلك معلومات تفيد بتزويد إسرائيل بأسلحة دقيقة وسرية، حيث صادقت الحكومة الإسرائيلية، في جلسة خاصة للمجلس الوزاري الأمني المصغر سابقاً، على تخصيص ميزانية بقيمة خمسة مليارات شيكل (مليار ونصف المليار دولار) يتم تحويلها خلال ميزانية العامين 2021 و2022 لتجهيز الجيش وبناء قدرة عسكرية على مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية.

ولم يتأخر الرد الإيراني على تلك التهديدات كثيراً، حيث ذكرت وسائل إعلام إيرانية يوم 11 ديسمبر الجاري أن مسؤولاً عسكرياً إيرانياً كبيراً توعد “المعتدين بدفع ثمنٍ غالٍ”، حيث ذكرت وكالة “نور” الإخبارية التابعة لأعلى جهاز أمني في إيران في تغريدة على “تويتر” نقلاً عن مسؤول عسكري لم تذكر اسمه قوله إن “إتاحة الأجواء لأن يختبر القادة العسكريون الصواريخ الإيرانية مع أهداف حقيقية ستُكَبِّد المعتدين ثمناً غالياً”. حيث تملك طهران عدداً غير معلوم من الصواريخ ذاتية الدفع القادرة على الوصول إلى أهداف كبيرة داخل إسرائيل. وبالرغم من محاولة بعض الخبراء تهدئة الوضع من خلال القول بأن الدرع المضادة للصواريخ التي تمتلكها إسرائيل ستتمكن من توفير غطاء قوي أمام أي هجوم إيراني؛ فإن تلك التهديدات الإيرانية تمثل مصدر قلق لإسرائيل، لما قد يتسبب ذلك في خسائر بشرية ومادية لا تستطيع تحملها.

تحديات عدة

هناك العديد من الدلالات التي تؤكد صعوبة تحول تلك التهديدات الإسرائيلية إلى حقيقة ملموسة، وهو ما يمكن إيضاحه فيما يلي:

1- عدم وجود دعم شامل لإسرائيل: اتخذت إيران خطوات تفضي بشكل لا لبس فيه إلى بناء سلاح نووي، بعد أن قامت بتخصيب يورانيوم بنسبة نقاء 60%، وهي نسبة لا تقل كثيراً عن نسبة 90% اللازمة لصنع القنبلة، وتتجاوز بكثير أي نسبة تستخدم في تطبيقات غير عسكرية، كما اعترفت مؤخراً بأن برنامجها النووي يحتوي على عناصر عسكرية. وبالرغم من ذلك تدرك إسرائيل عدم وجود دعم شامل لخيارها العسكري ضد إيران، مقابل بعض المواقف الغربية الداعمة لخيار التوصل إلى اتفاق.

وفي هذا السياق، يتعين التعاطي بدرجة من الحذر مع الإجراءات التي اتخذتها واشنطن خلال الشهور الماضية، والتي من بينها التصريحات الأمريكية التي أشارت إلى أن “بايدن طلب من مستشاره للأمن القومي، جيك سوليفان، مراجعة خطة البنتاغون لاتخاذ إجراء عسكري ضد إيران إذا لم تنجح الجهود الدبلوماسية”، وكذلك فرض الولايات المتحدة قيوداً على كيانات تجارية بسبب مساعدتها إيران في برنامجها العسكري، والالتفاف على العقوبات الأمريكية، حسب ما أفادت وزارة التجارة في بيان يوم 16 ديسمبر الجاري، باتخاذ إجراءات ضد كيانات من ثلاث دول هي جورجيا وماليزيا وتركيا، لأنها “تحايلت” على القوانين الأمريكية، بالمساعدة في البرامج العسكرية الإيرانية”.

حيث يمكن وصف تلك الإجراءات بأنها محاولة من جانب الولايات المتحدة لتهدئة إسرائيل، وتوجيه رسالة تهديد لإيران في الوقت ذاته لخفض مستوى شروطها في المفاوضات النووية، التي لا تزال متصلبة. فالولايات المتحدة والدول الأوروبية لا يميلان للحرب مع إيران، ويحاولان إبرام اتفاق مع مراعاة ما استجد من تطورات سياسية فيما يتعلق بدور إيران ونفوذها في المنطقة، وتطور قدراتها العسكرية والصاروخية والنووية، وكذلك القوى العسكرية الأخرى العاملة تحت مظلتها.

2- صعوبة الوصول لكافة المنشآت النووية: أظهرت إسرائيل في الفترة الأخيرة استعدادها العسكري لمواجهة الخطر الإيراني، حيث أشارت تقديرات مؤخراً إلى أن الحكومة الجديدة برئاسة نفتالي بينيت، خصصت ما يعادل 1.1 مليار جنيه إسترليني لطائرات وطائرات مسيرة وقنابل خارقة للتحصينات لمواجهة إيران إذا لزم الأمر. كما أعلنت القوات الجوية الأمريكية قبل أيام عن نجاح اختبار لقنبلة خارقة للتحصينات موجهة بالليزر، وهذا النوع من القنابل له أهمية قصوى، فهو مصمم لاختراق حواجز صلبة من النوع الذي بنته إيران حول مواقعها النووية، ولكن ترفض واشنطن حتى الآن تزويد إسرائيل بها. لذا لم تستطع إسرائيل تحقيق أهدافها بدون وجود ضوء أخضر أمريكي، فالعديد من المنشآت النووية الإيرانية مدفونة في أعماق الأرض، مما يجعلها غير قابلة للاختراق بالهجمات الجوية، ولا سيما مفاعل فوردو.

3- ضعف التعويل على الهجمات السيبرانية: قد تلجأ إسرائيل إلى استخدام الفضاء الإلكتروني، لتوجيه ضربة للمفاعلات النووية الإيرانية، كما فعلت سابقاً وأثبتت امتلاكها القوة الإلكترونية لتحقيق أهداف عسكرية كان من الصعب تحقيقها بواسطة القوة التقليدية، إلا أن هذا الخيار أيضاً لم يتم اللجوء إليه دون موافقة الولايات المتحدة، والتي سبق أن أوضحت أن تلك الخطوة قد تكون مُرضية من الناحية التكتيكية، لكنها تأتي بنتائج عكسية أكبر من الفائدة المرجوة منها، وأشار المسؤولون الأمريكيون في تحذيراتهم إلى أربع هجمات استهدفت المنشآت النووية الإيرانية منسوبة إلى إسرائيل، إلى جانب مقتل أكبر عالم نووي إيراني، وفي أعقاب تلك الهجمات التي أدت إلى توقف مصانع تخصيب اليورانيوم عن العمل ودمرت العشرات من أجهزة الطرد المركزي، أشار المسؤولون الأمريكيون إلى أن إيران “تمكنت من استئناف التخصيب في غضون أشهر، وعلى الأغلب ركبت آلات أحدث يمكنها تخصيب اليورانيوم بشكل أسرع بكثير”.

4- عدم تحمل إسرائيل تداعيات الهجوم العسكري: إذ يستدعي توجيه ضربة عسكرية لإيران مسألة تكلفة هذا الهجوم بالنسبة لإسرائيل، لأن مهاجمة تل أبيب للمنشآت النووية ربما يؤدي إلى حرب إقليمية أوسع مع وكلاء إيران في المنطقة، مما سيؤدي إلى تدهور الأوضاع الأمنية وعدم استقرار المنطقة، وهو ما لا تريده الولايات المتحدة التي تفضل تحاشي الانجرار لمواجهات عسكرية تزيد من تورطها في الشرق الأوسط.

قلق إيراني

في النهاية، يمكن القول إنه بالرغم من إدراك إيران أن الولايات المتحدة تترك الخيار العسكري كخيار أخير في قائمة خياراتها للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني، إلا أنها تبقى قلقة من احتمالات إعطائها الضوء الأخضر لإسرائيل لشن ضربات جوية وصاروخية على مواقع مفاعلاتها النووية، أيضاً لم يعد متاحاً خيار استغلالها التناقضات بين الأوروبيين والأمريكيين لكسب الوقت والمماطلة، بالإضافة إلى إدراكها مؤخراً أن أي محاولة منها لاستخدام تكتيكاتها السابقة سوف تدفع الغرب إلى التخلي عن المفاوضات، مما سيعني استمرار العقوبات، بل تعزيزها ودفع الأمريكيين والإسرائيليين إلى المزيد من التنسيق الأمني والعسكري وتوفير الذريعة لهما لاستهداف برنامجها النووي بعدة وسائل، لذا تبقى إمكانية حدوث تراجع في تبني الولايات المتحدة دعماً لإسرائيل في تهديداتها ضد إيران رهينة إبداء الأخيرة مرونة في المفاوضات.