هل يتمكن مجلس السيادة من حل مشكلة شرق السودان خلال 15 يوماً؟

صراع الزمن:

هل يتمكن مجلس السيادة من حل مشكلة شرق السودان خلال 15 يوماً؟



أعلن “المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة” الذي يقود الاحتجاجات في شرق السودان منذ ثلاثة أشهر، موافقته على تمديد مهلة الإغلاق الكامل للإقليم لمدة خمسة عشر يوماً تبدأ من 5 ديسمبر 2021، وذلك عقب الاجتماع الطارئ الذي عقده المجلس مع “اللجنة العليا” التي شكلها مجلس السيادة الانتقالي لمعالجة الأزمة برئاسة نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول “محـمد حمدان دقلو” وتضم في عضويتها بعض الشخصيات السياسية ومن أبرزهم عضوي مجلس السيادة الانتقالي “محمد أبو القاسم برطم”، و”الطاهر أبوبكر حجر” رئيس “تجمع قوى تحرير السودان” في دارفور، وذلك بعد انتهاء المهلة الزمنية التي منحها مجلس نظارات البجا للمجلس السيادي للنظر في حل أزمة شرق السودان، وانتهت في 4 ديسمبر الجاري، ومن المقرر أن تتوصل اللجنة العليا خلال الخمسة عشر يوماً القادمة لحلول ترضي كافة أطراف الأزمة.

مطالب محددة

تصاعدت أزمة إقليم شرق السودان في 17 سبتمبر الماضي، عندما أعلن ناظر البجا “محمد الأمين ترك” (من قبائل “الهدندوة”) بقيادة أعمال الاحتجاجات وإغلاق شرق السودان من خلال العصيان المدني حيث تم إغلاق الموانئ البحرية والطرق الرابطة بين العاصمة الخرطوم وشرق السودان، ورفع المحتجون عدة مطالب رئيسية، تمثلت في الآتي:

1- إنهاء التهميش وتحقيق التنمية الاقتصادية لمناطق الشرق.

2- إلغاء مسار الشرق الذي يتضمنه اتفاق جوبا للسلام الموقع بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية في أكتوبر الماضي، وإعلان منبر تفاوضي مع التنسيقية العليا لكيانات شرق السودان وهي تمثل الولايات الثلاث (القضارف – كسلا – البحر الأحمر).

3- إعفاء الحكومة الانتقالية بقيادة “عبدالله حمدوك” وإبدالها بحكومة كفاءات وطنية مستقلة حسب الوثيقة الدستورية، لأنها أصبحت محاصصات حزبية والدعوة لأن يحكم الجيش البلاد، وتشكيل مجلس عسكري يدير البلاد لفترة انتقالية تعقبها انتخابات.

4- حل لجنة إزالة التمكين واستبدالها بمفوضية مكافحة الفساد.

وعقب أحداث 25 أكتوبر الماضي وقيام المكون العسكري بحل الحكومة الانتقالية وحل لجنة إزالة التمكين، هدأت الاحتجاجات بشكل نسبي في إقليم الشرق خاصة وأن المؤسسة العسكرية قد استجابت لمطلبين أساسيين، ومع ذلك أعلن مجلس نظارات البجا منح المؤسسة العسكرية مهلة زمنية لمدة شهر من أجل حل هذه الأزمة والاستجابة لباقي المطالب وخاصة فيما يتعلق بإلغاء مسار الشرق في اتفاق جوبا للسلام الموقع في أكتوبر 2020، ما دفع المكون العسكري لتشكيل لجنة عليا برئاسة “الجنرال حميدتي” للتفاوض مع مجلس قبائل البجا، في محاولة لحلحة الأزمة، إلا أن هذه اللجنة لم تتمكن من ذلك حتى الآن، وطالبت بمنحها مهلة جديدة، الأمر الذي يعكس القوة التي تتمتع بها قبائل البجا في الضغط على القيادة التي تدير شئون البلاد، ودفعهم نحو الاستجابة لمطالبهم المشار إليها.

التهميش المتعدد

يمكن تفسير تمسك المجلس الأعلى لنظارات البجا بمطالبهم المرفوعة وعدم تقديم تنازلات لحل الأزمة المثارة في إقليم الشرق السوداني، من خلال مجموعة من العوامل التي أدت إلى ذلك، ومن أبرزها ما يلي:

1- الاعتراض على مسار الشرق، يعترض المجلس الأعلى لنظارات البجا على مسار الشرق الذي تضمنه اتفاق جوبا النهائي للسلام، ومرجع هذا الرفض إلى أنهم يروجون لهذا المسار بوصفه مسار لاجئين، وأيضاً بسبب مشاركة ممثلين عن ولايات الشرق ينتمون لقبائل “بني عامر” و”العبابدة” والإدعاء بأنهم لا ينتمون لقبائل البجا وكان ذلك سبب اعتراض الناظر “ترك” على تعيين والي كسلا السابق “صالح عمار” قبل أن تتم إقالته لتهدئة الاحتجاجات هناك، رغم أن قومية البجا تضم في مكوناتها قبائل بني عامر والعبابدة والحباب والهدندوة، وبالتالي فإنهم يطالبون بإعادة صياغة مسار الشرق باختيار ممثلين عن الشرق من خلال منبر تفاوضي جديد.

2- المعاناة من إشكالية التنمية غير المتوازنة، يعاني إقليم الشرق السوداني من غياب للمشروعات التنموية والاستثمارات التي تساعد أهل الشرق على الحصول على فرص عمل حقيقية تسهم في تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، ولذلك يطالب مجلس نظارات البجا بتنفيذ مقررات مؤتمر “السلام والتنمية والعدالة” الذي عقد بمدينة “سنكات” في أكتوبر 2020، وطالبوا خلال هذا المؤتمر بتخصيص نسبة 70% من موارد الإقليم لتنميته اقتصادياً وتحسين مستوى الخدمات لمواطني الإقليم، وهي مطالب صعب تحقيقها في ظل ما تعانيه البلاد من أزمة اقتصادية متفاقمة بسبب نقص الموارد وتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتوقف المساعدات الاقتصادية بسبب الاحداث الأخيرة التي شهدتها السوداني، وذلك رغم الحديث عن اتجاه المجتمع الدولي لمواصلة دعمه السياسي والاقتصادي للخرطوم، إلا أن ذلك سيتأخر لحين تشكيل حكومة مدنية جديدة برئاسة “حمدوك”.

3- المطالبة بالمشاركة في الحكم، يطمح التحالف الذي تم الإعلان عنه في أكتوبر 2020 بين كيانات “كسلا” و”القضارف” و”البحر الأحمر” من خلال هيئة تنسيقية عليا مشتركة بين مكونات الولايات الثلاث، في المشاركة في العملية السياسية من خلال الحصول على مناصب قيادية في الدولة على كافة المستويات ومنها تعيين حكام للولايات الثلاث من قومية البجا.

سيناريوهان محتملان

في إطار المعطيات الراهنة، وفي سياق سياسة الشد والجذب بين المجلس الأعلى لقبائل البجا والمجلس السيادي الانتقالي، فإن هناك بعض السيناريوهات المحتملة بشأن قدرة مجلس السيادة على حل هذه الأزمة خلال المهلة الزمنية الجديدة، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

السيناريو الأول: حل الأزمة، ويرجح هذا السيناريو أن تتوصل اللجنة العليا بقيادة الفريق “حمدان دقلو” لحلول وسط تلقى قبولاً لدى قبائل نظارات البجا التي تصر على إلغاء مسار الشرق من اتفاق السلام النهائي، ويستند هذا الترجيح إلى المرونة التي يبديها مجلس نظارات البجا بقبول تمديد المهلة الزمنية لحل الأزمة، وفي هذه الحالة قد تتوصل اللجنة لحل وسط يتمثل في توسيع مشاركة الرافضين لمسار الشرق في منبر تفاوضي جديد، أو أن يتم إلغائه ولكن شريطة أن يتم ذلك بالتراضي مع الأطراف التي وقعت عليه في اتفاق السلام، وتقديم وعود بتحقيق التنمية الاقتصادية في ولايات إقليم الشرق، بما يسهم في تهدئة الاحتجاجات هناك.

كما أن مجلس السيادة الانتقالي يدرك جيداً أهمية عدم إغلاق الإقليم بالكامل بما في ذلك إغلاق الموانئ البحرية التي تعتمد عليها البلاد في حركة الصادرات والواردات، حيث تقدر الخسائر اليومية جراء هذا الإغلاق حوالي 30 مليون دولار (وفق خبراء الاقتصاد السوداني) بسبب توقف نشاط الصادرات والواردات، بالإضافة إلى النقص المتزايد للسلع وكذلك النقد الأجنبي، وهو ما قد يدفع اللجنة العليا لسرعة الاستجابة لمطالب نظارات البجا وحل الأزمة بشكل يحافظ على سيادة الدولة ومصالحها الاقتصادية مع القوى الإقليمية والدولية التي أصبحت تشكك في إمكانية التعاملات الاقتصادية والتجارية مع السودان بسبب الإغلاق المتكرر للموانئ البحرية وخاصة ميناء بورتسودان.

السيناريو الثاني: استمرار التصعيد، ويستند هذا السيناريو إلى انتهاء المهلة الزمنية المحددة بخمسة عشر يوماً (تنتهي في 20 ديسمبر الجاري) دون التوصل لحلول فاعلة للأزمة، وهو ما يرجح تنفيذ التهديدات التي تم الإعلان عنها ولاسيما الإغلاق التام لإقليم الشرق، وما سيترتب على ذلك من تداعيات كارثية على كافة المستويات ولاسيما الاقتصادية منها، وذلك استناداً إلى ما يلي:

أ- رفض أطراف الجبهة الثورية داخل المجلس السيادي، والموقعة على اتفاق جوبا للسلام، إلغاء مسار الشرق وتتمسك بتوسيع المسار ليشمل الرافضين، وهو ما يتعارض مع مطالب البجا، أو أن يتم إلغائه بموافقة الموقعين عليه، إلا أن الموقعين على المسار يرفضون رفضاً قاطعاً المساس به أو إلغائه.

ب- فشل الوساطات المحلية والخارجية السابقة في حل أزمة إقليم الشرق، وعدم قدرة وساطة جنوب السودان برئاسة ” توت قلواك” الحالية في حل هذه الأزمة.

ج- عدم قدرة رئيس اللجنة العليا الفريق “حميدتي” على إقناع مجلس نظارات البجا بالتخلي عن مطالبهم بإلغاء مسار الشرق، في ظل الخطاب السياسي الذي يروج له المجلس بأن مسار الشرق هو مسار لاجئين لحشد أنصارهم لمواصلة الاحتجاجات، لحين تحقيق أهداف أكبر تتمثل في تمكن قبائل البجا من فرض سيطرتهم على كافة ولايات إقليم الشرق بما يحقق طموحات أعضاء مجلس نظارات البجا السياسية بتولي المناصب العليا وخاصة لحكم مدن شرق السودان.

فرص محدودة

خلاصة القول ترجح المعطيات الراهنة، محدودية فرص نجاح اللجنة العليا في التوصل لحلول ترضي كافة أطراف إقليم الشرق، خاصة وأن مجلس البجا يصر على إلغاء مسار الشرق، في حين ترفض القوى الموقعة عليه إلغائه، وفي حالة عدم قبول الأطراف بالحل الخاص بتوسيع مسار الشرق ليضم الرافضين، فستزداد الأزمة تعقيداً، مع عدم استبعاد مواصلة مجلس البجا ضغوطه وتنفيذ الإغلاق التام للإقليم، والتهديد بالإنفصال عن باقي الدولة السودانية، وقد يكون ذلك على المدى البعيد، مستغلاً ضعف النظام السياسي الانتقالي لحل الأزمة.