ما هي الإجراءات التي يتخذها الجيش لتسوية الأزمة السياسية في السودان؟

سياسات احتوائية:

ما هي الإجراءات التي يتخذها الجيش لتسوية الأزمة السياسية في السودان؟



دعا رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن “عبدالفتاح البرهان”، في 15 أبريل 2022، إلى إجراء حوار وطني موسع يشمل كافة القوى السياسية الفاعلة في البلاد، وذلك بغرض تسوية الأزمة السياسية الراهنة، كما أعلن “البرهان” استعداده للتنحي عن منصبه في حالة تحقق التوافق بين القوى السياسية.

إجراءات متعددة

جاءت دعوة الفريق “البرهان” لإجراء حوار وطني، عقب مرور ستة أشهر على الإجراءات التي اتخذها الجيش السوداني تحت عنوان “تصحيح مسار الثورة” في 25 أكتوبر الماضي، وما تبعها من إجراءات لم تنجح في تحقيق الاستقرار المنشود، وهو ما دفعه لاتخاذ مجموعة من الإجراءات التي يهدف من خلالها لإنجاح تجربة الانتقال الديمقراطي في البلاد، ومن ذلك ما يلي:

1- الإفراج عن المعتقلين السياسيين: حيث أعلن الفريق “البرهان” عزمه إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين المقدر عددهم بحوالي 200 شخص، كبادرة منه لإثبات رغبته في إخراج البلاد من أزمتها السياسية الحالية، وذلك ضمن قرارات إطلاق سراح المعتقلين الذين تم الإفراج عنهم مؤخراً والتي بدأها بإطلاق سراح بعض المشاركين في التظاهرات السلمية، والإفراج عن بعض قيادات حزب المؤتمر الوطني المنحل وعلى رأسهم “إبراهيم غندور” (رئيس الحزب) وعدد من قيادات الحزب الآخرين، وكذلك بعض العسكريين الذين تم الإفراج عنهم وعلى رأسهم اللواء “أنس عمر” بعد تبرئتهم من الاتهامات التي كانت موجهة إليهم.

2- إجراء حوار وطني موسع: جاءت تصريحات الفريق “البرهان” بشأن عزمه مناقشة مسألة إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ضمن إجراءات تهيئة الأجواء الداخلية في البلاد لإجراء حوار موسع. وأكد على هذا التوجه تصريحات نائب رئيس مجلس السيادة السوداني “محمد حمدان دقلو” (الجنرال حميدتي) التي أيد فيها حاجة البلاد لمثل هذا الحوار الوطني باعتباره مبدأ أساسياً لتجاوز الوضع الراهن غير المستقر، وفي الوقت نفسه نفى “حميدتي” وجود معتقلين سياسيين في السجون، وأن الموجودين هم على ذمة قضايا وينبغي استكمال الإجراءات وفقاً للقانون بشكل تتحقق معه العدالة وتنفيذ حكم القانون، مع احترام استقلالية القضاء وعدم التدخل في عمل القضاء، وأن ما يتم هو تسريع الحسم في هذه القضايا.

3- إعادة النظر في حالة الطوارئ: خلال خطابه الأخير في 15 أبريل الجاري، صرح الفريق “عبدالفتاح البرهان” بتوجيه الأجهزة المختصة لمراجعة حالة الطوارئ المفروضة في كافة الولايات السودانية منذ ستة أشهر، والإبقاء على بعض البنود الخاصة بحالة الاقتصاد وغيره مما يساعد على تهوية المناخ السياسي في البلاد، وذلك في إطار ما تتعرض له السلطات الانتقالية الحالية من انتقادات داخلية وخارجية باستخدام مقاربة أمنية صارمة ضد المتظاهرين السلميين والمعارضين لتولي الجيش السلطة الانتقالية تحت مسمى فرض حالة الطوارئ.

أهداف مترابطة

تهدف الإجراءات التي اتخذتها السلطات الانتقالية السودانية خلال الفترة الأخيرة، إلى:

1- بناء الثقة بين المكونين العسكري والمدني: تسعى السلطات الانتقالية الحالية لاستعادة الثقة بين الأطراف السودانية، ولا سيما بين المكونين العسكري والمدني، وبالتالي رأى الجيش السوداني أن الإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين أو كلهم يُسهم في بناء الثقة المفقودة، ومن ثمّ تهدئة الأوضاع السياسية غير المستقرة منذ أكتوبر الماضي.

2- تجاوز الخلافات المتصاعدة بين الأطراف: ترفض العديد من القوى السياسية المعارضة التفاوض أو الحوار مع الجيش السوداني، واتهامه بالانقلاب على السلطة الانتقالية من أجل الانفراد بالسلطة، وإبعاد المكون المدني عنها. وفي المقابل، يتهم المكون العسكري المكون المدني بالعمالة والتآمر ضد استقرار الدولة، وهو ما ظهر في التصريحات الأخيرة للجنرال “حميدتي” التي اتهم فيها قوى سياسية -لم يسمها تحديداً- بمحاولة تمرير أجندتها عبر الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وتمديد الفترة الانتقالية لأطول مدة ممكنة، لافتاً إلى أن ذلك لن يتم، وأن السبيل الوحيد للحكم هو الانتخابات.

3- تجنب الضغوط الداخلية والخارجية: جاءت دعوة “البرهان” لإجراء حوار وطني والنظر في حالة الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين في ظاهرها استجابة لمطالب الأحزاب والقوى السياسية داخل البلاد في هذا الصدد؛ إلا أنه في حقيقة الأمر تجنباً لما تمثله من ضغوط متصاعدة. فمن جانبها طالبت لجان المقاومة الثورية وقوى الحرية والتغيير ومبادرة الجبهة الثورية بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وإجراء حوار وطني، وهو ما تماشى مع المطالب الأمريكية والأوروبية السابقة التي طالبت الجيش السوداني بوقف العنف ضد المتظاهرين السلميين، والإفراج عن المعتقلين السياسيين الذين تم اعتقالهم ضمن إجراءات 25 أكتوبر الماضي، وكذلك مطالب الآلية الثلاثية برفع حالة الطوارئ المفروضة منذ أكتوبر الماضي. ومع زيادة حدة الأزمة السياسية رأى الجيش ضرورة الاستجابة لتلك المطالب.

4- تحسين صورة الجيش السوداني: تأتي الإجراءات الأخيرة المشار إليها في ظل إدراك الجيش السوداني أهمية تحسين صورته أمام الرأي العام الداخلي والمجتمع الدولي، بأنه ليست له مطامع في السلطة، وأن الإجراءات التي اتخذها منذ أكتوبر الماضي كانت بهدف تصحيح مسار الثورة وإنجاح تجربة الحكم الانتقالي، وذلك للرد على الاتهامات الموجهة إليه بالانقلاب على السلطة الانتقالية، وظهر هذا التوجه في التصريحات الأخيرة للفريق “البرهان” التي أشار فيها إلى استعداده للتخلي عن السلطة ولكن شريطة أن يتحقق التوافق بين القوى السياسية وإجراء انتخابات لتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة.

فرص متاحة

تُشير ردود أفعال بعض الأحزاب والقوى السياسية السودانية تجاه الإجراءات المشار إليها، إلى وجود بعض الفرص المتاحة أمام نجاح هذه الإجراءات في حلحلة الأزمة السياسية الراهنة، ومن ذلك ما يلي:

1- دعم داخلي: أيّدت الجبهة الثورية الإجراءات التي أعلن عنها الفريق “عبدالفتاح البرهان” باعتبارها إجراءات لازمة لبناء حالة الثقة التي طالبت بها الجبهة في المبادرة التي طرحتها خلال الآونة الأخيرة بغرض تسوية الأزمة السياسية في البلاد، واعتبار هذه الإجراءات خطوة إيجابية نحو فتح المجال لإجراء حوار وطني موسع يشمل كافة القوى الوطنية.

2- موافقة مشروطة: مع الإعلان عن هذه الإجراءات يمكن أن يحدث تغير نوعي في موقف قوى الحرية والتغيير تجاه التفاوض والحوار مع الجيش السوداني، خاصة وأن إعلان الفريق “البرهان” عن إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين جاء استجابة لما اشترطته قوى الحرية والتغيير في هذا الخصوص حتى يتسنى لها المشاركة في أية عملية سياسية، وبالتالي فإنه في حالة تنفيذ الوعود الخاصة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، فسوف يسهم ذلك في دفع قوى الحرية والتغيير للمشاركة في الحوار الوطني الذي دعا إليه الفريق “البرهان”.

3- تأييد حزبي: كما يؤيد إجراءات السلطات الانتقالية التي أعلن عنها الفريق “البرهان” عدد من الأحزاب والقوى السياسية المؤيدة لبقاء الجيش على رأس السلطة الانتقالية، وعلى رأسها قوى الحرية والتغيير (جناح التوافق الوطني) التي وصفت إجراءات الإفراج عن المعتقلين والدعوة لإجراء حوار وطني بأنها خطوة ضرورية لبناء الثقة، وتهيئة المناخ للحوار الذي يُفضي إلى بناء توافق وطني وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية. وكذلك بعض الحركات والجماعات المسلحة التي أعلنت تأييدها لإجراءات الجيش في أكتوبر الماضي. وأيضاً إعلان “مجلس حكماء السودان” توحيد وتنسيق الجهود الوطنية لـ(35) مبادرة لحل الأزمة الراهنة في وثيقة السودان الدستورية 2022 التي يقوم المجلس بصياغتها، ويشير أبرز بنودها إلى توافق مع إجراءات “البرهان”، وخاصة فيما يتعلق بإجراء حوار وطني مع كافة القوى السياسية دون إقصاء لأي منها.

4- دعم دولي للحوار: حيث عبّرت الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة – الاتحاد الإفريقي – الإيجاد) عن دعمها لاستكمال مسار التسوية لحل الأزمة السياسية الراهنة في السودان، وطالبت بتوفير مناخ داخلي ملائم لإنجاح الحوار الوطني، وحددت أربع قضايا أساسية للحوار بين مختلف المكونات السودانية وهي: الترتيبات الدستورية، والاتفاق على معايير محددة لاختيار رئيس الوزراء، إضافة إلى بلورة برنامج للتصدي للاحتياجات العاجلة، وإلى جدول زمني محدد بدقة لإجراء الانتخابات، الأمر الذي يمثل دعماً لإجراءات الفريق “البرهان” التي أعلن عنها.

عقبات قائمة

ومع تأييد بعض الأحزاب والقوى السياسية لدعوات الفريق “البرهان” بتهيئة الأجواء الداخلية لإجراء حوار وطني موسع، هناك بعض العقبات من أهمها ما يلي:

1- فقدان الثقة تجاه الجيش: عبرت بعض القوى السياسية، مثل حزب الأمة القومي المعارض، عن وجود حالة من فقدان الثقة تجاه الجيش بعد الإجراءات التي قام بها في 25 أكتوبر الماضي وما تبعها من توسيع لحملات الاعتقال ضد الناشطين السياسيين والمعارضين واستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين، وبالتالي يجب على الفريق “البرهان” أن يقدم إجراءات ومقترحات في حزمة متكاملة تشمل الإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين، وإلغاء الطوارئ، وإجراء حوار وطني موسع، وتشكيل لجنة للتحقيق في انتهاكات السلطات الأمنية ضد المصابين وقتلى التظاهرات الشعبية.

2- رفض وصاية البرهان: رأت بعض اللجان الثورية أن الوعود التي أطلقها الفريق “البرهان” ليست محل ثقة، وترفض وصايته على أفراد الشعب السوداني، والدليل على ذلك استمرار حملات اعتقال الناشطين والمعارضين، وعدم التزام السلطات الانتقالية بتحقيق مطالب الثورة الشعبية التي أسقطت نظام الإنقاذ.

3- غياب الإجراءات العملية على أرض الواقع: يوجد اتجاه كذلك لدى بعض القوى السياسية وداخل المجتمع السوداني يُشكك في جدية الوعود والإجراءات التي أعلن عنها الفريق “البرهان”، فمنذ إعلان الفريق “البرهان” الإفراج عن المعتقلين السياسيين خلال يومين أو ثلاثة أيام في 15 أبريل الجاري، لم يحدث شيء من ذلك حتى الآن، وفي المقابل تم الإفراج عن عشرات من قادة حزب المؤتمر الوطني المنحل والجماعة الإسلامية، وهو ما يثير الجدل حول مصداقية الإجراءات المعلن عنها، وفي المقابل سيدفع ذلك الشارع لاستمرار التظاهر والاحتجاج حتى إسقاط الحكم العسكري عن السلطة.

4- تصاعد الانقسام والخلافات بين القوى السياسية: فمن أبرز العقبات التي تقف أمام جهود تسوية الأزمة السياسية الراهنة استمرار الخلافات بين الأحزاب والقوى السياسية في ظل انقسام موقفها، بشكل يؤدي إلى تراجع إمكانية حل هذه الأزمة المتصاعدة في ظل حالة الارتباك التي أصبح يتسم بها المشهد السياسي بالسودان حالياً.

خلاصة القول، تُشير الإجراءات التي أعلن عنها الفريق “عبدالفتاح البرهان” بإطلاق سراح المعتقلين، والنظر في حالة الطوارئ من أجل تهيئة الأجواء الداخلية لإجراء حوار وطني شامل؛ إلى إدراك السلطات الانتقالية ضرورة حلحلة الأزمة، خاصة وأن المشهد السياسي أصبح أكثر تعقيداً، بالتزامن مع زيادة حدة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية بشكل يدفع في اتجاه تسوية الأزمة. وتُرجّح المعطيات الراهنة استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي إلى حين تنفيذ الإجراءات المعلنة بشكل عملي يُسهم في تهدئة الشارع السوداني.