ماذا يعيق التعاون العربي لردع الجريمة المنظمة؟

فاعلية محدودة:

ماذا يعيق التعاون العربي لردع الجريمة المنظمة؟



تزايدت في السنوات الماضية أنشطة الجريمة المنظمة بالمنطقة العربية بشكل كبير، كما أن مؤسسات العمل العربي المشترك بدأت منذ أمد طويل في محاولات التنسيق، ووضع الأطر القانونية والمؤسساتية المشتركة في المجالين الأمني والقضائي.

الجريمة المنظمة في المنطقة العربية

ساعدت عدة عوامل موضوعية على تزايد نشاط الجريمة المنظمة في المنطقة العربية، ومنها الأزمات السياسية، وتردي الأوضاع الاقتصادية، وتزايد معدلات الفقر، والفراغ أو الهشاشة الأمنية، وكذلك الصراعات المسلحة والحروب الأهلية التي اندلعت خلال السنوات الأخيرة. حيث وسعت شبكات الجريمة المنظمة من نطاق عملها للإيقاع بضحايا جدد، واستكشاف أسواق جديدة لنشاطها. وعملت على استغلال تناقص الإمكانيات المتاحة للهجرة الشرعية أو اللجوء إلى الدول الغربية.

وتعد شبكات الاتجار بالبشر من أبرز أنشطة الجريمة المنظمة في المنطقة العربية، ومنها عمليات الهجرة غير الشرعية أو تجنيد المرتزقة. حيث تنشط في الشمال عبر البحر المتوسط، كما تنشط بين الدول على الحدود الهشة مستغلة الفراغ الأمني.

وترتبط الجريمة المنظمة ارتباطًا وثيقًا بتنامي نشاط جماعات التطرف العنيف في المنطقة، من حيث دعم وتمويل أنشطة التطرف العنيف، وهو ما يعقد من الظاهرة وسبل مواجهتها. كما تتسم المنطقة العربية بعمليات الفساد الإداري وغسيل وتهريب الأموال.

كما تنشط عمليات الاتّجار بالمخدرات وتهريبها خاصة في المناطق الحدودية غير الحضرية والصحراوية التي تستخدم كمنافذ للتهريب، وهي مناطق تنشط بها في بعض الدول جماعات تطرف عنيف، وجماعات اتجار بالبشر، وهو ما يشير إلى مخاطر تحالفات جماعات الجريمة المنظمة ذات الأنشطة المختلفة مع بعضها بعضًا، خاصة في دول الصراع التي نمت بها “اقتصادات الصراعات المسلحة”، خاصةً بين المليشيات المسلحة وجماعات التطرف العنيف وجماعات الاتجار بالبشر وجماعات تهريب السلاح، وغسيل وتهريب الأموال.

وقد عزّز تفكك الدول الوطنية وانهيار النظم السياسية والمؤسسات الأمنية في السنوات الأخيرة بدول الصراع، تعثرَ قيام الأجهزة الأمنية بمهامها في مواجهة الجريمة المنظمة، حتى أضحت هذه الدول بؤرة لتجارة وتهريب السلاح والاتجار بالبشر، وبؤرة لجماعات متطرفة عنيفة. كما ساهمت سيولة الحدود في انتشار نشاط الجريمة المنظمة عبر دول الجوار في حالة دول الصراع والهشاشة الأمنية.

أطر المواجهة

الأطر العالمية: أقرت الأمم المتحدة عددًا من الاتفاقيات التي تمثل مرجعيات دولية في مجال مكافحة الجريمة المنظمة، ومنها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وبروتوكولاتها بشأن الاتجار بالبشر، وتهريب المهاجرين والاتجار بالأسلحة النارية، فضلًا عن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. كما يعد مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، الإطار المؤسسي لهذه الأنشطة ولعمل هذه الاتفاقيات.

وتضمّنت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية عددًا من الوسائل التي يمكن أن تحقق تعاونًا أمنيًا وقانونيًا جادًا بين الدول، وتبادل المعلومات، والتنسيق المشترك. كما أشارت الاتفاقية إلى ضرورة اتخاذ التدابير التي تساعد على التنفيذ الأمثل لهذه الاتفاقية، عبر التعاون الدولي، وجهود التنمية الاقتصادية والمساعدة التقنية.

وتُمثل الاتفاقية الأساس المرجعي للتعاون الإقليمي والثنائي، ودعت إلى إبرام اتفاقيات أو ترتيبات ثنائية ومتعددة الأطراف، على أن تعتبر هذه الاتفاقية أساسًا للتعاون فيما يتعلق بالجرائم المشمولة بها، في حالة عدم وجود اتفاقيات بهذا الخصوص. وذلك فضلًا عن اتفاقيات أخرى متعلقة بمكافحة الاتجار بالمخدرات، ومكافحة الإرهاب، ومكافحة تمويل الإرهاب، وكذلك مكافحة غسل الأموال.

كما تلعب منظمة الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول) وفروعها في دول العالم، ومنها الدول العربية، دورًا في مكافحة الجريمة المنظّمة وتزويد الدول الأعضاء بمعلومات مهمة عن المجرمين المطلوبين للعدالة، والقبض عليهم وتسليمهم.

الأطر الإقليمية: تعمل جامعة الدول العربية على تحقيق الأمن الداخلي للدول العربية، ومكافحة الجريمة المنظمة، عبر مجلس وزراء الداخلية العرب، ومجلس وزراء العدل العرب. وعملت الدول العربية على وضع تشريعات وقوانين تتصدى لأنشطة الجريمة المنظمة. فعلى سبيل المثال، اعتمد وزراء الداخلية العرب عام 1986 أولَ قانون عربي موحّد نموذجي لمكافحة الاتجار بالمخدرات.

ووفقًا لما أعلنته السفيرة هيفاء أبو غزالة، الأمين العام المساعد لدى الجامعة العربية، ورئيس قطاع الشؤون الاجتماعية، في فبراير 2020؛ فإن جامعة الدول العربية تعمل على مستويات عدة لصياغة منظومة عربية لمكافحة الاتجار بالبشر ترسخ حماية حقوق الإنسان في الوطن العربي، وتقوم على تعاون وشراكة بنّاءة بين جميع الفاعلين من حكومات ومجتمع مدني وقطاع خاص. وشددت على ضرورة تعزيز الجهود الإقليمية والدولية لمكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر.

وتعمل حكومات الدول العـربية على زيـادة التعـاون العربي المشترك، وتبـادل الوثائـق والمستنـدات والمجرمين، وإنشاء فرق عمل مشتركة، وآليات مشتركة دورية، ومؤتمرات، ولجان تهدف إلى مكافحة أنشطة الجريمة المنظمة، والتضييق على جماعات الجريمة المنظمة، وتجفيف مصادر تمويلها، وتعزيز التعاون المعلوماتي والأمني والقضائي، وتبادل الخبرات.

وعلى صعيد الاتفاقيات والأطر القانونية، فإن هناك عددًا من الاتفاقيات التي تمثل إطارًا مرجعيًا للعمل العربي المشترك في مكافحة أنشطة الجريمة المنظمة، ومنها: الاتفاقية العربية لمكافحة الإرھاب، والاتفاقية العربية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرھاب، والاتفاقية العربية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية.

كما اعتمد مجلس وزراء الداخلية العرب في دورته الثالثة والثلاثين التي انعقدت بتونس في مارس 2016، “الاستراتيجية العربية لمكافحة الانتشار غير المشروع للسلاح في المنطقة العربية” من أجل منع عمليات تهريب السلاح بمختلف أنواعه عبر الحدود الوطنية وتأمين المنافذ المختلفة (البرية، الجوية، البحرية)، وتعزيز قدرات الدول الأعضاء في مواجهة الآثار الناجمة عن الانتشار غير المشروع للسلاح.

وقد شهد الاجتماع المشترك لوزراء الداخلية والعدل العرب في تونس مارس 2019، التوقيع على “الاتفاقية العربية لتنظيم نقل وزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية، ومنع ومكافحة الاتجار فيها” و”الاتفاقية العربية لمنع ومكافحة الاستنساخ البشري”، بالإضافة إلى التوقيع على “البروتوكول العربي لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر وخاصة النساء والأطفال (الملحق والمكمل للاتفاقية العربية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية)”، و”البروتوكول العربي لمنع ومكافحة القرصنة البحرية والسطو المسلح (الملحق والمكمل للاتفاقية العربية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية)”.

وفي دورته الثامنة والثلاثين التي انعقدت مارس الماضي، أقر مجلس وزراء الداخلية العرب إنشاء فريق خبراء عرب معني برصد وتبادل المعلومات حول التهديدات الإرهابية وتحليلها، وآلية استرشادية للحيلولة دون انتقال المقاتلين الإرهابيين إلى مناطق الصراع وبؤر التوتر في المنطقة العربية وتدابير التعامل مع العائدين منهم، إضافة إلى إنشاء لجنة دائمة للإحصاء الجنائي في نطاق الأمانة العامة للمجلس.

الأطر الثنائية: تَجمع الدولَ العربية ونظيرتها الغربية اتفاقياتٌ للتعاون الأمني ومكافحة الجريمة المنظمة، ومنها اتفاقيات التعاون الأمني بين الجزائر وكل من إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، وهي الاتفاقيات التي تنص على تبادل المعلومات والخبرات والتقنيات المستعملة فيما يتعلق بالجريمة المنظمة.

كما أن هناك اتفاقيات عربية ثنائية تتعلق بمكافحة أنشطة الجريمة المنظمة، مثل الاتفاقية الأمنية الموقّعة بين تونس والجزائر في مارس 2017، للتعاون في مكافحة التهريب بكل أشكاله، والجرائم ذات الطابع الاقتصادي، ومن ذلك الاتجار بالأشخاص والأعضاء، والعبور غير المشروع للحدود وتهريب المهاجرين، والاختطاف والفساد والاتجار بالممتلكات الثقافية. وكذلك التعاون المعلوماتي وتبادل الخبرات والتقنيات ونتائج البحوث والنصوص التشريعية والتنظيمية.

وإلى جانب الاتفاقيات فإن هناك تعاونًا عربيًا مشتركًا واقعًا فيما يتعلق بمكافحة الجريمة المنظمة، خاصة فيما يتعلق بضبط الحدود، وتسليم المجرمين. وقد أشار النائب العام السوداني “تاج السر الحبر” في مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية الذي انعقد أكتوبر الماضي، إلى أن الخرطوم استطاعت القبض على عدد كبير من المجموعات والشبكات الإجرامية وتقديمهم للمحاكم، وصدور أحكام بالسجن في مواجھتھم، وذلك بالتعاون مع دول الجوار والدول الصديقة.

تحديات التعاون والمواجهة

يقف عدد من المعوقات والتحديات أمام تعزيز المواجهة العربية المشتركة للجريمة المنظمة، بعضها يتعلق بواقع المنطقة، ويتعلق بعضها بالسياسات المشتركة. ولا يزال التعاون العربي في مواجهة الجريمة المنظمة دون المستوى المأمول بسبب هذه التحديات.

وفي ظل الهشاشة الأمنية في المنطقة، وانتشار الصراعات المسلحة، وسيولة الحدود؛ فإن مواجهة الجريمة المنظمة هي مواجهة منقوصة ما لم تقترن بتسوية الصراعات المسلحة، وإعادة بناء الدولة الوطنية والمؤسسات في دول الصراع.

كما أن مواجهة الجريمة المنظمة ترتبط بالمواجهة الجماعية لجماعات التطرف العنيف، وهو الأمر الذي تعتريه بعض الصعوبات في التنسيق العربي المشترك لعوامل تتعلق باختلاف التوجهات والسياسات الخارجية؛ بل إن بعض الدول تواجه اتهامات بالمساهمة في تمويل ودعم جماعات تصنفها دول عربية أخرى كجماعات إرهابية.

من جهة أخرى، فإن اختلاف مخاطر الجريمة المنظمة اختلافًا قُطريًا يعد أحد معوقات فعالية التعاون العربي المشترك نظرًا لاختلاف الأولويات القُطرية للدول العربية. ويمكن ملاحظة أن التعاون العربي المشترك في مواجهة الجريمة المنظمة، يغلب عليه التعاون الحدودي بين دول الجوار.

وترتبط محدودية فعالية التعاون العربي في مواجهة الجريمة المنظمة، بإشكالية التعاون العربي المشترك ككل، الذي يتطلب تطوير المؤسسات الإقليمية، ونظمها الأساسية، وثقلها السياسي والتنفيذي. وكذلك بتطوير نظم إقليمية متكاملة وموحدة. كما أنه يرتبط من جهة أخرى بحساسية الملف الأمني في ظل الخلافات السياسية العربية-العربية.