ما دلالات زيارة الرئيس السوري إلى الصين؟

تقاطع المصالح:

ما دلالات زيارة الرئيس السوري إلى الصين؟



تعد زيارة الأسد إلى الصين ذات أبعاد سياسية، حيث تستهدف تثبيت شرعية الحكومة السورية على المستوى الدولي، وتأكيد التقارب السياسي والاقتصادي مع بكين، وطلب المساعدة في إعادة إعمار سوريا، وتفعيل الانضمام لمبادرة “الحزام والطريق”. وفي الوقت نفسه، تُعبر الزيارة عن مؤشر جديد في التحول الحاصل في سياسات الصين الخاصة بالشرق الأوسط، وأبرزها الرهان على الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية لسوريا، وتوسيع النفوذ الصيني في الداخل السوري، واستخدام سوريا كـ”ورقة ضغط” على الغرب، والاهتمام الصيني بتحركات متطرفي الإيغور المنتشرين في إدلب.

ففي أول زيارة له إلى الصين، منذ عام 2004، وفي خطوة جديدة لمحاولة إنهاء عُزلة دمشق الدولية، التي استمرت أكثر من عقد في ظل العقوبات الغربية، وصل الرئيس السوري بشار الأسد إلى مدينة هانغتشو، في شرق الصين، بتاريخ 21 سبتمبر، في زيارة تتضمن عدة دلالات حول هذه الخطوة، التي لم تتكرر منذ 19 عاماً، هذا فضلاً عن مؤشرات المنافع المتبادلة التي تحملها الزيارة بخصوص كل من سوريا والصين.

أهداف دمشق

ثمة أكثر من دافع تستند إليه زيارة الرئيس السوري إلى الصين، خاصة في هذا التوقيت، لعل أهمها:

1- تخفيف العُزلة السياسية عن سوريا: ضمن برنامج الزيارة، يأتي حضور الرئيس السوري، ضمن أكثر من 12 من كبار الشخصيات الأجنبية، حفل افتتاح دورة الألعاب الآسيوية، ليدعم عودة سوريا -وإن ببطء- إلى الساحة العالمية، وذلك بعد عودتها إلى الساحة العربية، بمشاركة الأسد في قمة جدة، التي استضافتها المملكة العربية السعودية في 19 مايو الماضي.

وفي الوقت الذي يعني محاولة الصين “تثبيت شرعية” الرئيس السوري على المستوى الدولي، فإنه في الوقت نفسه يؤشر إلى الاستمرار الصيني في دعم سوريا سياسياً، فإضافة إلى القمة التي يعقدها الرئيس الأسد مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، فقد كان النهج الصيني -دولياً- هو دعم سوريا ومساندتها على المستوى الدولي، حيث استخدمت بكين حق النقض “الفيتو”، في 10 مرات ضد قرارات من الأمم المتحدة، بخصوص إدانة النظام السوري.

2- تأكيد التقارب السياسي والاقتصادي مع بكين: رغم أن الصين تُعد من أبرز الدول التي حافظت على علاقتها مع الحكومة السورية، عبر دعمها سياسياً واقتصادياً، منذ انطلاق الانتفاضة السورية قبل 12 عاماً، إلا أن هذا الدعم كان على نحو أقل وغير مُعلن، كما هو الحال بالنسبة للدور الخاص بكل من روسيا وإيران.

وبالتالي، تأتي زيارة الأسد إلى الصين كنوع من تأكيد هذا التقارب السياسي والاقتصادي، ونقله إلى الظهور والإعلان الرسمي على المستوى الدولي، إذ تُعد هذه الزيارة إلى الصين الأولى لرئيس سوري من 19 عاماً، كما تُعد الصين هي ثالث دولة غير عربية يزورها الأسد خلال 12 عاماً مضت.

3- طلب المساعدة في إعادة إعمار سوريا: حيث يسعى الرئيس السوري إلى طلب المساعدة في إعادة بناء البنية التحتية، خاصة أن الصين كانت قد قدمت إنجازات ناجحة في مشاريع البنى التحتية في العديد من دول العالم، وتحديداً في أفريقيا، بما يؤهلها لكي يكون لها دور مميز في إعادة إعمار سوريا. إلا أن المؤكد في هذه الحال أن دخول الصين على خط إعادة الإعمار في سوريا ستكون له نتائج عكسية على القوى الفاعلة هناك.

إذ إن القوتين الفاعلتين في الداخل السوري، أي روسيا وإيران، سوف يتولد لديهما التوجس من دخول الصين على خط المصالح الخاصة بكل منهما في الداخل السوري، وهو ما يمكن أن يدفع الصين إلى التردد في المغامرة بمليارات الدولارات في بلد غير مستقر، فالصين يمكن أن تمتنع عن المغامرة، خاصة بعد خسارة مصالحها في ليبيا.

4- تفعيل الانضمام لمبادرة “الحزام والطريق”: حيث وقعت الحكومة السورية، في يناير 2022، على اتفاقية الانضمام إلى مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، والتي تعمل بكين من خلالها على توسيع نفوذها، عبر مشروعات البنية التحتية في المناطق النامية. ومن ثم يأتي تفعيل هذه الاتفاقية، كأحد أهداف زيارة الرئيس السوري إلى الصين، من منظور الاستثمارات الصينية في مشروعات البنية التحتية الخاصة بالمشروع الصيني، والذي يمر جزء منه عبر الأراضي السورية.

واللافت أن الصين لا تُخفي تطلعها إلى الوصول إلى شواطئ البحر المتوسط، بهدف ترسيخ مشروعها الاقتصادي، في محاولة من جانبها لإيصال منتجاتها إلى العالم، خصوصاً في أوروبا. إلا أن الصين ستكون أمامها مشكلة الاصطدام بالهيمنة الروسية الإيرانية في الداخل السوري، نتيجة استحواذ كل منهما على مشاريع وعقود ضخمة، مما قد يضطر الشركات الصينية إلى الدخول في “لعبة توازن”، مع أذرع موسكو وطهران الاقتصادية في سوريا.

دوافع بكين

كما تستند زيارة الرئيس السوري إلى الصين، إلى أكثر من دافع، وتأتي الدعوة الصينية إلى الرئيس السوري لزيارة الصين لتحمل أكثر من عامل مستهدف لهذه الدعوة، لعل أهمها:

1- الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية لسوريا: إذ تتمتع سوريا بأهمية استراتيجية وجيوسياسية بالنسبة إلى الصين، فهي تقع بين العراق، حيث يأتي حوالي 10 بالمائة من النفط الذي تستهلكه الصين، وبين تركيا التي تُمثل نهاية ممرات اقتصادية ممتدة عبر آسيا إلى أوروبا.

وبالتالي، فإن الرهان على سوريا بالنسبة إلى الصين هو رهان جيوسياسي، لا يُمثل الاقتصاد والثروات إلا أحد أبعاده. وكما يبدو، تبدو المحاولة الصينية في الانتقال من التعاون الاقتصادي المحدود مع سوريا، إلى نوع من الشراكة، من خلال الربط الطُرقي والسككي، وربط خطوط الطاقة بين كل من الصين وإيران والعراق وسوريا، وهو المشروع الذي كان الرئيس السوري قد طرحه في عام 2002 كـ”استراتيجية” لتحويل سوريا إلى قاعدة لنقل الغاز، ومنطقة تجارة حرة تصل الشرق بالغرب، عبر ربط “البحار الخمسة”، وهو ما ترى فيه الصين مشروعاً يتوافق مع مبادرة “الحزام والطريق”.

2- توسيع النفوذ الصيني في الداخل السوري: فإذا كانت محددات السياسة الصينية قد فرضت عدم الانخراط المباشر في المسألة السورية، إلا أنها ظلت على حال من التناغم مع الموقف الروسي الداعم للنظام السوري، خاصة في مجلس الأمن الدولي، انطلاقاً من اعتمادها على مبدأ سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

والملاحظ أن الزيارة تؤكد على الرغبة الصينية في توسيع دورها وحضورها في منطقة الشرق الأوسط، عبر أكثر من بوابة، من بينها البوابة السورية. أضف إلى ذلك المحاولة الصينية في تفعيل خطط مبادرة “الحزام والطريق” الذي سوف تعقد مؤتمراً حوله خلال شهر أكتوبر المُقبل، بمناسبة مرور 10 سنوات على إعلانه، لا سيما أن الأراضي السورية تشكل أحد الخطوط المحتملة لهذا المشروع.

3- استخدام سوريا كـ”ورقة ضغط” على الغرب: ففي الوقت الذي تؤشر فيه زيارة الرئيس الأسد إلى الصين على أنها ذات مغزى سياسي، وأن الصين تحاول لعب دور سياسي أكبر في المنطقة، عبر البوابة السورية؛ يبدو أنها -أي الصين- تستهدف أيضاً أن تكون البوابة السورية بمثابة ورقة ضغط في مواجهة الغرب الذي يستخدم تايوان كورقة ضغط على بكين.

فمن الملاحظ أن بكين تحاول لعب دور أكبر في محاولات حلحلة الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، كنوع من إسقاط التعامل الأمريكي مع هذه الأزمات على أنها ليست قابلة للحل، ومن ثم تحاول بكين الضغط على الولايات المتحدة، وإن بشكل غير مباشر، من خلال محاولتها أن يكون لها دور فعلي أكبر بالمفاوضات المتعلقة بمواضيع ذات حساسية كبرى في المنطقة.

4- الاهتمام الصيني بتحركات متطرفي الإيغور: حيث من الواضح أن أنشطة الجماعات الإسلامية المتطرفة من الصينيين كان لها دور في تزايد الاهتمام الصيني بالملف السوري عموماً، وملف الحزب التركستاني بوجه خاص. إذ إن عدد مقاتلي هذا الحزب وعائلاتهم في إدلب كان يزيد على 14 ألف شخص، حسب تقديرات أجهزة الأمن السورية، في عام 2021، وأنهم ينتشرون بكثافة في مناطق غربي إدلب، وفي المناطق القريبة من الحدود القريبة مع تركيا في ريف اللاذقية الشمالي.

واللافت أن التواصل الصيني مع الأسد، في هذا التوقيت، إنما يتعلق بالتعاون معه في منع المتطرفين من الإيغور، من الانتقال إلى أفغانستان ومنها إلى الصين، خاصة أن هؤلاء المتطرفين قد اكتسبوا تدريباً وخبرة قتالية في سوريا، حيث تتخوف الصين من تزايد تطرف الإيغور في إقليم شينجيانغ ذي الأغلبية المسلمة والنزعات الانفصالية في تركستان الشرقية. وهو التخوف الذي تزايد بعد أن قامت الولايات المتحدة بإزالة “الحزب الإسلامي التركستاني” من قائمة الإرهاب، في أواخر عام 2020، في خطوة اعتبرتها الصين رسالة للضغط عليها.

منافع متبادلة

في هذا السياق، يمكن القول إن نهجاً دبلوماسياً جديداً تنتهجه الصين، قائماً على الإصرار في مقاومة الإملاءات الأمريكية، خاصة في تطوير علاقاتها مع الدول التي تريد لها الولايات المتحدة أن تكون معزولة عن التفاعلات على الساحة الدولية. إذ إن دخول الصين، في هذا التوقيت، على خط الأزمة السورية، يُشكل دعماً سياسياً قوياً لسوريا، في الوقت الذي يُعبر عن “تقاطع المصالح” بينهما من المنظور الجيوسياسي والاستراتيجي، سواء على المستوى السياسي، أو الاقتصادي، وخصوصاً الشق المتعلق بمبادرة الحزام والطريق الصينية.

هذا بالإضافة إلى أهمية سوريا في منع متطرفي الإيغور من الحزب التركستاني، من الانتقال إلى أفغانستان ومنها إلى الداخل الصيني، حيث تتزايد النزعات الانفصالية في إقليم شينجيانغ ذي الأغلبية المسلمة.