ماذا يعني فتح الحدود البرية بين الجزائر وتونس؟

استراتيجية المعابر:

ماذا يعني فتح الحدود البرية بين الجزائر وتونس؟



قررت الجزائر إعادة فتح الحدود البرية بشكل جزئي مع تونس في 5 يناير 2022، وذلك عبر بوابتي معبري “الطالب العربي” و”أم الطبول” من الجانب التونسي إلى معبري “حزوة” من ولاية “توزر” الجزائرية، و”ملولة” من ولاية “جندوبة” الجزائرية، على أن يكون ذلك للمواطنين التونسيين والجزائريين فقط في الدولتين، مع التأكيد على فتح هذه المعابر الحدودية نهاراً فقط، مع إخضاع المسافرين من الجانبين للتحليلات الطبية واحترام البروتوكول الصحي المطبق لمواجهة جائحة (كوفيد-19)، حيث يشترط على المسافرين الحصول على جواز التلقيح ونتيجة اختبار سلبي عن الإصابة بفيروس كورونا لم يمضِ على استخراجه أكثر من 36 ساعة، فضلاً عن اختبار سريعٍ ثانٍ بالمنفذ البري بين البلدين.

سياقات حاكمة

جاء قرار القيادة السياسية الجزائرية بإعادة فتح الحدود البرية مع تونس بشكل جزئي، في سياق عدد من المتغيرات والتطورات السياسية والاقتصادية والأمنية الهامة، ومن أبرزها ما يلي:

1- أزمات اقتصادية داخلية متفاقمة: حيث تواجه الدولتان مشكلات اقتصادية متفاقمة، وذلك بسبب اعتماد اقتصاد دولة الجزائر على العائدات النفطية في الأساس في ظل غياب البدائل والسياسات التي من خلالها يتم تنويع الاقتصاد الجزائري، وهو ما دفع الرئيس الجزائري “تبون” للإعلان عن رفع بلاده حالة التأهب الاقتصادي للدرجة القصوى في عام 2022 من خلال شن حملة على المضاربين، والعمل على تحقيق نهضة اقتصادية شاملة. وعلى الصعيد التونسي، هناك أزمة اقتصادية لا تَقْدِر الحكومة الحالية برئاسة “نجلاء بودن” حتى الآن على التخفيف من حدتها، ومن المنتظر أن تسفر مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي للحصول على قروض لمساعدة اقتصادها الوطني على النهوض مرة أخرى، في ظل استشراء الفساد بشتى صوره وما ترتب على ذلك من أضرار اقتصادية بالغة.

2- تطورات سياسية متسارعة: حيث تواجه تونس أزمة سياسية غير مسبوقة استلزمت تطبيق الرئيس “قيس سعيد” إجراءات استثنائية منذ يوليو الماضي وحتى الآن، وإعلانه خريطة طريق لإجراء إصلاحات سياسية ودستورية تنتهي بإجراء انتخابات برلمانية قبل نهاية العام 2022. وفي المقابل، تواجه الجزائر أزمة سياسية ترتبط بتشكيك قوى الحراك الشعبي في شرعية الرئيس “تبون”، وتراجع نسبة المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، وإعلان النظام الجزائري حربه ضد التنظيمات الإرهابية بالداخل (ماك – الرشاد)، ومحاولات النظام تكوين جبهة داخلية قوية لتعزيز الوحدة الوطنية والحفاظ على سيادة الدولة ضد ما يصفه الرئيس الجزائري بالمؤامرات الخارجية لزعزعة استقرار أمن البلاد القومي.

3- إنشاء تكتل إقليمي: كما يأتي قرار فتح المعابر مع تونس في ظل تبني الجزائر استراتيجية تهدف إلى إنشاء تكتل إقليمي يضم الجزائر وموريتانيا وتونس، وذلك بهدف تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية بين هذه الدول الثلاث، وفي الوقت نفسه الضغط على المغرب في ظل انقطاع العلاقات الجزائرية المغربية.

أهداف محددة

جاء قرار الجزائر بإعادة فتح حدودها البرية مع تونس بعد قرابة عامين من إغلاقها بسبب جائحة كورونا، ويعبر هذا القرار عن سعي الجزائر لتحقيق مجموعة من الأهداف على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، إلى جانب تطوير إيجابي لنمط العلاقات الجزائرية التونسية، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

1- تعزيز العلاقات السياسية مع دول الجوار: حيث جاء قرار إعادة فتح الحدود البرية بين الدولتين عقب الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الجزائري “عبدالمجيد تبون” إلى تونس في شهر ديسمبر الماضي، في إطار السعي الجزائري لتعزيز علاقاتها الثنائية مع تونس على كافة المستويات ولا سيما السياسية والاقتصادية منها. ومن شأن إعادة فتح الحدود البرية المغلقة منذ مارس 2020، أن تسهم في تعزيز التقارب الجزائري التونسي في الوقت الراهن، في ظل ما تتبناه الجزائر من دبلوماسية نشطة تهدف إلى تعزيز مكانتها وثقلها السياسي في منطقة المغرب العربي.

2- الحفاظ على الأمن القومي: جاء قرار الجزائر بإعادة فتح حدودها البرية مع تونس بهدف الحفاظ على أمنها القومي وذلك من خلال تحسين علاقاتها بدول الجوار وعلى رأسها تونس، حيث تدرك الجزائر أهمية إيجاد جوار آمن لها بعد أن شهدت علاقاتها بدول الجوار طوال السنوات الماضية تباعداً بسبب إهمال النظام السياسي السابق في عهد الرئيس الراحل “عبدالعزيز بوتفليقة” لتعزيز علاقات الجزائر بدول الجوار، وهو ما انعكس سلباً على تراجع دورها في المنطقة على المستويين السياسي والأمني، وهو ما يفسر اتباع الجزائر دبلوماسية نشطة لتحسين وتطوير علاقاتها بدول الجوار خلال الفترة الأخيرة مع ليبيا وتونس وموريتانيا، والتركيز على تأمين حدودها الجنوبية لمنع تسلل التنظيمات الإرهابية من منطقة الساحل والصحراء من دولتي مالي والنيجر.

3- توسيع حركة التجارة الخارجية نحو القارة الإفريقية: حيث تدرك الجزائر في الوقت الراهن أهمية إعادة فتح حدودها البرية المغلقة مع دول الجوار وعلى رأسها تونس وليبيا، وذلك بهدف خلق انتعاش اقتصادي للمناطق الحدودية من جهة، والانطلاق نحو دول الجوار ومنها إلى دول القارة الإفريقية من جهة أخرى، بما يُمكّنها من توسيع النطاق الجغرافي لحركة التجارة الخارجية الجزائرية ومن ثم فتح أسواق جديدة لمنتجاتها، وفي هذا السياق خصصت الحكومة الجزائرية حوالي 2.6 مليار دولار من موازنة الدولة لمشروع “الطريق العابر للصحراء” ليصبح أداة اقتصادية للجزائر لتحقيق الاندماج الإقليمي والتنمية التجارية البينية الإفريقية، وتشترك تونس مع الجزائر في لجنة الاتصال الخاصة بالطريق العابر للصحراء إلى جانب كل من مالي والنيجر ونيجيريا وتشاد، وهو ما قد يساعد الجزائر في تعظيم مكاسبها الاقتصادية وإنعاش اقتصادها الوطني الذي يعتمد بشكل كبير على الإيرادات النفطية فقط.

4- تعزيز المبادلات التجارية مع تونس: يساعد إعادة فتح الحدود البرية بين الجانبين الجزائري والتونسي في تعزيز حركة المبادلات التجارية بينهما، خاصة وأن تونس قد بادرت في شهر ديسمبر الماضي، وقامت بتجهيز معابرها البرية، وخاصة المعبر الرئيسي “ملولة”، وتوفير منطقة تجارة حرة في المعبر لاستقبال المواطنين الجزائريين، وهو ما ساهم في تشجيع السلطات الجزائرية على اتخاذ القرار في الوقت الحالي من أجل تعزيز التعاون التجاري وتنشيط حركة التنقل بين الدولتين، والعمل على إنعاش المناطق الحدودية التونسية التي تأثرت بشكل أكبر بقرار إغلاق الحدود طوال الفترة الماضية، وتجدر الإشارة إلى أن تونس تحتل المرتبة الثانية بالنسبة للشركاء التجاريين مع الجزائر على مستوى القارة الإفريقية، حيث يصل حجم المبادلات التجارية بينهما إلى حوالي 1259 مليون دولار في عام 2020، وتتركز أبرز صور التعاون الاقتصادي بينهما في قطاع الطاقة، حيث تستفيد تونس من إمدادات غازية عبر أنبوب الغاز الجزائري-الإيطالي العابر للمتوسط “ترانسماد” التي تقدر بحوالي 3.8 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي، والذي يؤمن عائدات للخزينة التونسية تقدر بحوالي 173.34 مليون دولار، وقد أثمرت الزيارة الأخيرة للرئيس الجزائري “تبون” لتونس عن تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الدولتين من خلال التوقيع على 27 اتفاقية في مختلف المجالات، وحصول تونس على قروض جزائرية بقيمة 300 مليون دولار لمساعدة تونس على مواجهة أزمتها الاقتصادية الراهنة.

5- تنمية المناطق الحدودية المشتركة: من شأن إعادة فتح الحدود البرية ولو بشكل جزئي بين الجزائر وتونس، أن يسهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين الذين يعيشون في المناطق الحدودية المشتركة بين الدولتين، خاصة وأنهم يعتمدون بشكل رئيسي على التجارة البينية وحركة نقل المسافرين بين الدولتين، وبالتالي فإن هذا القرار سوف يحظى بقبول وتأييد كبيرين من قبل سكان هذه المناطق الذين كانوا يطالبون بإعادة تنشيط حركة انتقال الأفراد والأموال بين الدولتين، خاصة وأن قرار إعادة فتح هذه الحدود تأخر أكثر من مرة وكان مقرراً أن يتم فتحها في شهر أكتوبر الماضي؛ إلا أن السلطات الجزائرية رأت وقتها تأجيل هذا القرار إلى حين التأكد من صحة اتخاذه في الوقت المناسب، ومع إعادة تنشيط حركة التجارة بين قاطني المناطق الحدودية من الجانبين التونسي والجزائري فإن ذلك يوفر للجزائر الحفاظ على أمنها القومي من خلال إقامة مناطق حدودية آمنة.

6- زيادة حركة انتقال الطلاب والمرضى: كما يعني قرار إعادة فتح الحدود البرية بين الجزائر وتونس، السماح للطلبة الجزائريين الذين يدرسون في الجامعات التونسية، وكذلك السماح للمواطنين الجزائريين الذين يرغبون في تلقي العلاج بالمستشفيات الخاصة التونسية بحرية الذهاب والعودة لتلقي العلاج، وهو ما يعني زيادة حركة الأفراد وتنقلاتهم بين الجانبين التونسي والجزائري خلال الفترة القادمة، خاصة وأن الرحلات الجوية التي تم تسييرها بين الدولتين لم تكن كافية لأنها كانت محددة بأربع رحلات جوية فقط أسبوعياً، هذا إلى جانب خفض تكلفة الانتقال، حيث تبلغ تكلفة السفر البري 30 يورو تقريباً، في حين تبلغ تكلفة السفر جواً ما بين 300 – 400 يورو بين الدولتين.

نموذج جديد

خلاصة القول، يكشف قرار الجزائر بفتح المعابر الحدودية مع تونس بصفة جزئية عن التمهيد لفتحها بصفة نهائية، بما يخدم توجهات سياستها الخارجية التي تهدف إلى تعزيز علاقاتها بدول الجوار خارج اتحاد المغرب العربي من خلال توظيف الدبلوماسية الاقتصادية واستراتيجية المعابر التي تتبناها الجزائر كأداة لبناء نموذج اقتصادي جديد تهدف من ورائه إلى تعزيز دورها ونفوذها الإقليمي في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا ومنها إلى باقي القارة الإفريقية.