لماذا يتجه المغرب لتعديل اتفاقية التجارة الحرة مع تونس؟

مراجعة ضرورية:

لماذا يتجه المغرب لتعديل اتفاقية التجارة الحرة مع تونس؟



أعلنت الحكومة المغربية برئاسة “عزيز أخنوش”، في 11 يناير 2022، عزمها مراجعة اتفاقية التجارة الحرة مع تونس، والعمل على إعادة التفاوض مع الجانب التونسي حول هذه الاتفاقية، مع اتخاذ قرار يقضي بزيادة الرسوم الجمركية على السلع والمنتجات التونسية (السجاد، الأدوات المنزلية، الأدوات المكتبية…) بنسبة 17.5%، هذا إلى جانب التفاوض بشأن الضريبة المفروضة على بعض السلع والمنتجات الأخرى، ومنها المنسوجات والسيارات وقضبان التسليح، وقد جاء الإعلان عن هذا الاتجاه بعد أن قام كل من المغرب وتونس خلال العام الماضي بتعديل اتفاقيتي التجارة الحرة مع تركيا.

مشكلات اقتصادية

جاء الحديث عن اتجاه الحكومة المغربية لمراجعة اتفاقية التجارة الحرة الموقّعة مع تونس عام 2004، في سياق ما تواجهه الدولتان من مشكلات اقتصادية متفاقمة، ويرجع سبب ذلك في أحد جوانبه إلى تداعيات جائحة كورونا، وهو ما دفع الرباط وتونس لبذل المزيد من الجهود لمحاولة حل ما يواجههما من مشكلات اقتصادية على المستوى الداخلي، ومن أبرز المؤشرات الدالة على ذلك:

1- عجز تجاري متزايد: تعاني الدولتان من عجز تجاري كبير بصفة عامة، نتيجة تراجع الصادرات وزيادة الواردات من المواد الأولية في تونس، وواردات الطاقة في المغرب، حيث وصل في تونس إلى حوالي 7.8 مليارات دولار خلال عام 2021، بينما وصل في المغرب إلى حوالي 15 مليار دولار خلال عام 2021، الأمر الذي زاد من الضغوط المفروضة على حكومتي الدولتين، وخاصة في تونس التي تعاني من عدم استقرار سياسي واقتصادي على خلفية الأوضاع الاستثنائية المفروضة منذ يوليو الماضي وحتى الآن.

2- زيادة عجز الموازنة: والذي وصل في تونس إلى حوالي 28% في عام 2021، وهو ما يدفع الحكومة التونسية الحالية برئاسة “نجلاء بودن” نحو حل ذلك عبر طلب الحصول على قروض خارجية بقيمة 4 مليارات دولار، في حين وصل العجز في الميزانية المغربية إلى نسبة 7.6% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الماضي، مع توقعات بأن ينخفض ليصل إلى حوالي 6.2% خلال العام الجاري.

3- عدم استقرار سياسي في تونس: وهو ماساهم في زيادة حدة عدم الاستقرار الاقتصادي، بالإضافة إلى تداعيات جائحة كورونا وما أدى إليه ذلك من كساد اقتصادي، وانكماش الاقتصاد بنسبة 8.8%، وارتفاع الدين العام المحلي، وارتفاع نسبة البطالة إلى حوالي 17.4%، وتراجع معدلات الاستثمارات الأجنبية المباشرة في البلاد والتي بلغت حوالي 652 مليون دولار خلال عام 2020. وفي المقابل، هناك استقرار سياسي بالمغرب ساهم في تحقيق طفرة اقتصادية خلال الفترة الأخيرة، وأدى إلى جذب الاستثمارات الأجنبية التي بلغت حوالي 1.8 مليار دولار خلال العام نفسه.

إجراءات متوازية

دفعت المشكلات الاقتصادية بالحكومة المغربية لاتخاذ عددٍ من الإجراءات الاقتصادية في محاولة للتغلب على هذه المشكلات، ومن ذلك ما يلي:

1- مواصلة خطة الإنعاش الاقتصادي: منذ تشكيل الحكومة المغربية الحالية، اتخذت عدداً من الإجراءات، من أبرزها العمل على تفعيل “صندوق محمد السادس للاستثمار” باعتباره من الأولويات الكبرى للحكومة الجديدة لمواصلة خطة الإنعاش الاقتصادي خلال العام الجاري، وذلك في إطار تطبيق النموذج التنموي الجديد الذي أطلقه الملك “محمد السادس” والذي يحدد الأولويات الاجتماعية والاقتصادية للبلاد حتى عام 2035.

2- ارتفاع التوقّعات الاقتصادية: وقد ساهمت السياسات المالية والاقتصادية التي اتخذتها الحكومة الحالية برئاسة “عزيز أخنوش” في تحقيق بعض الانتعاش داخل الاقتصاد الوطني، ومن ذلك استقرار معدل التضخم في حدود 1.3%، كما ارتفعت صادرات الفوسفات ومشتقاته والسيارات والصناعات الغذائية والإلكترونية خلال شهر ديسمبر 2021، مع ارتفاع التوقعات بأن يصل معدل النمو الاقتصادي إلى حوالي 6% مع نهاية العام الجاري 2022.

3- توقيع اتفاقيات اقتصادية مع دول كبرى: حيث قامت الحكومة المغربية برئاسة “عزيز أخنوش” بالتوقيع على مبادرة “الحزام والطريق” مع الصين في مطلع شهر يناير الجاري، وذلك بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي بين الرباط وبكين، وخاصةً في مجالات الطاقة المتجددة والبنية التحتية، وبما يساعد الرباط على تعزيز قدراتها الاقتصادية على المستويين الإفريقي والدولي.

دوافع اقتصادية

في إطار ما سبق، يمكن تفسير قرار الحكومة المغربية بمراجعة اتفاقية التجارة الحرة الموقّعة مع تونس، وذلك كما يلي:

1- تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل: تطبق المغرب سياسة أو مبدأ المعاملة بالمثل بهدف حماية اقتصادها الوطني وتعزيز تنافسيته على صعيد المعاملات التجارية الدولية، وهو ما يسهم في الدفاع عن المصالح الاقتصادية المغربية، كما اتخذت الرباط قراراً يقضي بمراقبة السلع والمنتجات المستوردة في دول المنشأ بنسبة 80%، وذلك لحماية الصناعات الوطنية. وفي هذا السياق، اتخذت الحكومة المغربية قراراً بمراجعة كافة الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية الموقعة مع دول الجوار والشركاء الاقتصاديين على المستويين الإقليمي والدولي، ومن ذلك مراجعة وتعديل اتفاقيات التجارة مع تركيا من قبل، ولاحقاً مع كل من تونس ومصر.

2- حماية الصناعات الوطنية وتوفير الوظائف: حيث تعاني الرباط من إغراق أسواقها الوطنية بالسلع التونسية، وخاصة المنسوجات والسجاد والأدوات المنزلية والمكتبية، وترى الرباط أن مراجعة اتفاقية التجارة الحرة مع الجانب التونسي سيساعدها في توفير الحماية للصناعات الوطنية داخل المجتمع المغربي، بما يؤدي إلى إنعاشها، ومن ثم توفير مزيد من فرص العمل للعاطلين عن العمل، حيث تبلغ نسبة البطالة في البلاد ما بين 11.8% إلى 12.8% خلال عام 2021 (وفقاً لبيانات المندوبية السامية للتخطيط المغربية). وقد ازدادت أزمة البطالة في المغرب بسبب جائحة كورونا التي أدت إلى فقدان الكثير من العاملين لوظائفهم، مما ساهم في زيادة حدة المشكلات الاقتصادية بالبلاد، وهو ما دفع الحكومة الحالية للإعلان عن إطلاق برنامج وطني “أوراش” بهدف توفير 250 ألف وظيفة خلال الفترة 2022 – 2023 لمساعدة الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم بسبب جائحة كورونا.

3- خفض العجز التجاري: تسعى الحكومة المغربية إلى مراجعة اتفاقية التجارة الحرة مع الجانب التونسي من أجل تخفيض العجز التجاري الموجود بين الدولتين، والذي ازداد بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة لصالح الجانب التونسي، حيث تبلغ قيمة الواردات التونسية للمغرب حوالي 236 مليون دولار، في حين لم تتعدَّ الصادرات المغربية لتونس حوالي 89.26 مليون دولار لعام 2019. وخلال عام 2021 زاد العجز التجاري للمغرب بنسبة 26.6% عن العام السابق له (2020)، وهو ما دفع الرباط للتفكير في ضرورة إعادة النظر في هذه الاتفاقيات ومراجعتها.

4- زيادة المكاسب الاقتصادية: كما تهدف الرباط من هذه القرارات إلى تعظيم مكاسبها الاقتصادية، وذلك على غرار ما قامت به في 24 أغسطس 2020 بشأن تعديل اتفاقية التجارة الحرة الموقّعة مع تركيا عام 2006، وأسفرت هذه التعديلات عن زيادة المغرب للرسوم الجمركية على حوالي 1200 سلعة تركية لمدة 5 سنوات لتبلغ هذه الزيادات حوالي 90% من قيمة الرسوم الجمركية المطبقة بالفعل، ودخلت هذه التعديلات حيز التنفيذ في مايو 2021، الأمر الذي ساعد بشكل مباشر في تعديل الميزان التجاري بين المغرب وتركيا الذي كان يميل إلى الجانب التركي، وبالتالي تعظيم المكاسب الاقتصادية للمغرب.

تأثير مزدوج

خلاصة القول، جاء قرار الحكومة المغربية بمراجعة اتفاقية التجارة الحرة مع الجانب التونسي في إطار البحث المغربي عن حلول لإنعاش اقتصادها الوطني، وتعظيم مكاسبها الاقتصادية عبر تعزيز العلاقات التجارية مع دول الجوار وعلى رأسها تونس، خاصة وأن عجز الميزان التجاري بين الدولتين في غير صالح المغرب، غير أنّ تعديل هذه الاتفاقية قد يضر بالمصالح الاقتصادية التونسية التي تعاني أزمة اقتصادية متفاقمة.