لماذا زار رئيس الوزراء الإيطالي الجزائر؟

دبلوماسية الأنابيب:

لماذا زار رئيس الوزراء الإيطالي الجزائر؟



قام رئيس الوزراء الإيطالي “ماريو دراغي” على رأس وفد رفيع المستوى بزيارة رسمية إلى الجزائر، في 11 أبريل 2022، وذلك استجابة للدعوة التي وجهها إليه الرئيس الجزائري “عبدالمجيد تبون” لزيارة بلاده، وعقب وصوله الجزائر استقبله الوزير الأول “أيمن بن عبدالرحمن” ووزير الخارجية “رمطان لعمامرة” وذلك قبل أن يلتقي مع الرئيس “عبدالمجيد تبون” بالقصر الرئاسي، واستعراض القضايا والملفات ذات الاهتمام المشترك بين الدولتين.

أهمية خاصة

اكتسبت هذه الزيارة أهمية خاصة نظراً لعدة اعتبارات رئيسية هامة، من أبرزها ما يلي:

زيارات دبلوماسية مكثفة بين إيطاليا والجزائر: جاءت هذه الزيارة في إطار التقارب السياسي الملحوظ بين الجانبين الجزائري والإيطالي، حيث سبق هذه الزيارة قيام وزير الخارجية الإيطالي “لويجي دي مايو” بزيارة الجزائر في 28 فبراير الماضي لبحث سبل زيادة إمدادات الغاز الجزائري لإيطاليا، ومن بعده قيام “كلاوديو ديسكالزي” الرئيس التنفيذي لمجموعة “إيني” الإيطالية العملاقة للطاقة بزيارة الجزائر في مطلع شهر أبريل الجاري، ولقاؤه الرئيس “تبون” والوزير الأول “أيمن بن عبدالرحمن” واجتماعه مع وزير الطاقة “محمد بن عرقاب” واتفاقه مع رئيس شركة “سوناطراك” الوطنية الجزائرية على استعداد الأخيرة لتزويد روما بمزيد من الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب “ترانسميد” الذي يمر عبر الأراضي التونسية، وكان الغرض من تلك الزيارات المكثفة زيادة إمدادات الغاز لتعويض الانخفاض المحتمل للإمدادات الروسية من الغاز الطبيعي للدول الأوروبية.

احتدام تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية: جاءت زيارة رئيس الوزراء الإيطالي “دراغي” في ظل تبعات الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا في فبراير الماضي، وحتى الآن لم تنجح جهود التسوية السياسية لهذه الأزمة، مع تصاعد المخاوف الدولية من التداعيات المحتملة لهذه الأزمة على اقتصادات الدول على مستوى العالم من جهة، وكذلك فيما يتعلق بإمدادات الغاز الطبيعي الروسي للدول الأوروبية التي تتخوف من أن تقوم موسكو بوقف هذه الإمدادات كرد فعل روسي على العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية ضد روسيا، ومع إطالة أمد الأزمة تتزايد احتمالات تضرر إمدادات الطاقة.

الموقف الجزائري الرافض لفرض عقوبات على روسيا:فمنذ اندلاع الأزمة الأوكرانية تبنت القيادة السياسية الجزائرية موقفاً محايداً تجاه أطراف الأزمة، وخاصة تجاه الطرف الروسي، ومن مؤشرات ذلك امتناع الجزائر عن التصويت داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح القرار الأمريكي الأوروبي بإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا. وقبل يومين عارضت الجزائر قرار تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وفي الوقت نفسه لم تُبدِ الجزائر رفضها لمطالب الدول الأوروبية بالحصول على مزيدٍ من الغاز الطبيعي لتعويض أي نقص محتمل في إمدادات الغاز الطبيعي الروسي لهذه الدول، والحديث عن رغبة الجزائر في لعب دور الوساطة لتسوية هذه الأزمة، وهو ما عكسته زيارة مجموعة الاتصال العربية الأخيرة لموسكو وأوكرانيا لحلحلة هذه الأزمة.

زيادة الإمدادات

أسفرت المباحثات التي قام بها رئيس الوزراء الإيطالي “ماريو دراغي” مع الرئيس “عبدالمجيد تبون” والمدير العام لشركة “سوناطراك” “توفيق حكار” خلال هذه الزيارة، عن الآتي:

التوقيع على اتفاقية لزيادة إمدادات الغاز الجزائري لإيطاليا، مع اتفاق شركتي “سوناطراك” و”إيني” على تحديد أسعار جديدة لمبيعات الغاز الطبيعي خلال الفترة 2022 – 2023، بما يتماشى مع التغيرات المتسارعة في أسعار الغاز الطبيعي على المستوى العالمي كأحد تداعيات الأزمة الأوكرانية، وتنفيذاً لما تم الاتفاق عليه من قبل بخصوص مراجعة الأسعار.

استخدام القدرات المتاحة لخط أنابيب الغاز “إنريكو ماتيي” (ترانسميد) بما يُسهم في زيادة حجم الغاز الطبيعي الجزائري المصدر لإيطاليا خلال الفترة القادمة، ويساعد في ذلك ارتباط شركتي “إيني” و”سوناطراك” بثلاثة عقود لتصدير الغاز حتى عام 2049، بحيث تسمح بتسويق الغاز الطبيعي الجزائري في السوق الإيطالية. وفي عام 2019 وقعت الشركتان عقوداً لتوريد الغاز لإيطاليا تمتد لمدة 10 سنوات، اعتباراً من 2020، وبكميات تتراوح بين 9 – 10 مليارات متر مكعب سنوياً.

تعزيز التعاون والتنسيق بين شركتي “إيني” و”سوناطراك” في مجال الاستكشافات النفطية والغاز الطبيعي وإنتاج المحروقات، وكذلك في مجال الطاقات الجديدة والمتجددة وعلى رأسها الطاقة الشمسية والوقود الحيوي، وهو ما يتزامن مع الحديث عن اتجاه قدرات الجزائر لأن تتضاعف خلال السنوات الأربع القادمة. وأعلنت “سوناطراك” خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الجاري عن ثلاثة اكتشافات نفطية جديدة باستثمارات تُقدر بحوالي 40 مليار دولار في مجال التنقيب والاستكشافات النفطية.

تعظيم المكاسب

تحمل هذه الزيارة في طياتها مجموعة من الدلالات السياسية والاقتصادية الهامة، ومن أبرزها ما يلي:

1- تقارب سياسي متصاعد بين إيطاليا والجزائر: كشفت الزيارة التي قام بها “دراغي” للجزائر عن تطور نمط العلاقات السياسية بين الدولتين، وامتدادها إلى الجوانب الاقتصادية. وفي ظل توتر العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا، تمثل إيطاليا شريكاً استراتيجياً بديلاً لباريس، وهي الفرصة المواتية أمام إيطاليا لتعزيز نفوذها في الجزائر عبر تطوير العلاقات الاستراتيجية بين الجزائر وروما، وفي المقابل يصب ذلك في استراتيجية الجزائر لتوسيع شبكة تحالفاتها الدولية وعدم الاعتماد فقط على الشريك الفرنسي الذي تراجع نفوذه بشكل كبير في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا خلال الفترة الأخيرة، وفشل المحاولات الفرنسية لتجاوز التوترات السياسية القائمة مع الجزائر.

2- زيادة الصادرات الجزائرية من الغاز لإيطاليا: فزيارة رئيس الوزراء الإيطالي “دراغي” للجزائر حققت الهدف الرئيسي منها وهو ضمان زيادة الصادرات الجزائرية من الغاز الطبيعي لإيطاليا، حيث يحرص المسؤولون الإيطاليون عبر زياراتهم المتتالية للجزائر على الحصول على تعهدات جزائرية بزيادة إمداداتها الغازية لروما، وفي الوقت نفسه الحصول على ضمانات جزائرية بتوريد الإمدادات المتفق عليها في حالة لم يتم زيادتها؛ إذ تجدر الإشارة إلى أن الجزائر تأتي في المرتبة الثانية من بين المصادر التي تعتمد عليها إيطاليا للحصول على الغاز الطبيعي عبر خط “إنريكو ماتيي” الذي يضخ حوالي 30 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً.

وفي هذا الإطار، قد تشهد الفترة القادمة إعادة إطلاق مشروع أنبوب الغاز “جالسي” الذي يربط الجزائر بإيطاليا عبر سردينيا، وهي فكرة مقترحة منذ عام 2015 بين الجانبين لتوريد 8 مليارات متر مكعب من الغاز، كما قد تعيد الجزائر اقتراح بعث مشروع “تي إس جي بي” (الأنبوب العابر للصحراء) الذي ينطلق من نيجيريا نحو أوروبا عبر الجزائر بطاقة تقدر بحوالي 33 مليار متر مكعب، بالإضافة إلى مشروع “ديزرتك” بين الجزائر وألمانيا لإنتاج الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية في الصحراء الجزائرية ونقلها إلى الدول الأوروبية، وهذه المقترحات من شأنها ضمان زيادة إمدادات الغاز للدول الأوروبية وليس لإيطاليا فقط.

3- تبني رؤية براغماتية جزائرية لموازنة العلاقة مع موسكو: تتبنى الجزائر سياسة خارجية براغماتية تهدف من خلالها إلى تحقيق نوع من التوازن بين علاقاتها الاستراتيجية مع الجانب الروسي، وفي الوقت نفسه الحفاظ على مصالحها الاقتصادية مع الدول الأوروبية؛ إلا أن حيادية الموقف الرسمي الجزائري تجاه الأزمة الأوكرانية دفع المسؤولين الأوروبيين والأمريكيين إلى تكثيف زياراتهم للجزائر خلال الفترة الأخيرة، والهدف من ذلك هو محاولة استمالة الموقف الجزائري على المستوى السياسي للموقف الأمريكي والأوروبي في مواجهة روسيا التي تتمتع بعلاقات قوية على المستويين السياسي والعسكري مع الجزائر بشكل يدعو لقلق الدول الأوروبية تجاه احتمال توظيف موسكو هذه العلاقات، ورفض المطالب الأوروبية والأمريكية بزيادة إمداداتها من الغاز الطبيعي.

4- تعظيم المكاسب الاقتصادية: فمن شأن الاتفاق بين الجزائر وإيطاليا على زيادة الإمدادات الجزائرية من الغاز مع مراجعة الأسعار وفقاً للمتغيرات الحالية، أن يسهم في تحقيق الجزائر مكاسب اقتصادية هائلة، الأمر الذي سوف يؤدي إلى إنعاش اقتصادها الوطني ومن ثم حل المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، ويساعدها في ذلك تبنيها مقاربة اقتصادية غير مرتبطة بالمتغيرات السياسية الراهنة على المستوى الدولي.

إمدادات الطاقة

خلاصة القول، كشفت زيارة رئيس الوزراء الإيطالي “ماريو دراغي” للجزائر عن حرص روما على ضمان إمدادات الغاز الطبيعي الجزائري، خاصة وأن تعزيز التعاون الإيطالي الجزائري في مجال الطاقة أصبح من أولويات السياسة الخارجية الإيطالية في ظل استمرار الأزمة الأوكرانية، وترجح المعطيات الراهنة أن تشهد الفترة القادمة مزيداً من التعاون الإيطالي الجزائري، وضخ استثمارات إيطالية كبيرة لتطوير المشروعات النفطية الجزائرية بما يسهم في زيادة الإنتاج الجزائري، ومن ثمّ سد احتياجات إيطاليا المتزايدة من الغاز.