لماذا تطالب واشنطن إسرائيل بعدم استئناف التطبيع مع السودان؟

تصعيد متواصل:

لماذا تطالب واشنطن إسرائيل بعدم استئناف التطبيع مع السودان؟



أشار موقع “جويش إنسايدر” الإسرائيلي، في 27 مايو 2022، إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية حثت إسرائيل على الانضمام إلى الموقف الأمريكي والدولي الحاليين الضاغطين على السودان للتنازل عن السلطة الانتقالية وتسليمها لحكومة مدنية ذات مصداقية.

متغيرات هامة

جاء الطلب الأمريكي في سياق عدد من المتغيرات السياسية والاقتصادية والأمنية الهامة والمرتبطة بشكل رئيسي بتداعيات الانقلاب العسكري على السلطة الانتقالية، ومن أبرزها ما يلي:

1- تنظيم تظاهرات شعبية متواصلة، إذ تواصل لجان المقاومة وقوى الحرية والتغيير تنظيم التظاهرات الشعبية على مقربة من القصر الرئاسي بالخرطوم للتعبير عن رفضهم استمرار سيطرة الجيش على السلطة، والمطالبة بعودة مسار الانتقال المدني، وعودة الجيش لثكناته، مما أدى إلى تدخل قوات الشرطة والجيش وأسفر ذلك عن مقتل أحد المتظاهرين وإصابة آخرين من المتظاهرين السلميين.

2- تسريع آلية الحوار الوطني، حيث أعلن مجلس السيادة الانتقالي، عقب اجتماع مع وفد الآلية الثلاثية المشتركة في 26 مايو الجاري، على تسريع الحوار بين أطراف الأزمة السياسية بالسودان من أجل التوصل إلى توافق لإدارة الفترة الانتقالية.

3- تشكيل تحالفات سياسية جديدة، دفعت التطورات الخاصة بالأزمة السياسية الحالية بالسودان ببعض القوى السياسية لإنشاء تحالفات سياسية مناهضة للانقلاب العسكري على السلطة الانتقالية، حيث قام الحزب الشيوعي بإعلان تحالفه مع “حركة تحرير السودان” بقيادة “عبدالواحد نور” و”الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال” بقيادة “عبدالعزيز الحلو”؛ وذلك بهدف إجراء تغيير جذري شامل، عبر تنسيق العمل السلمي لمقاومة ومناهضة وإسقاط الانقلاب وهزيمة قوى الهبوط الناعم.

عوامل متداخلة

يمكن تفسير الطلب الأمريكي لإسرائيل بعدم استئناف عملية التطبيع الكامل لعلاقاتها مع الخرطوم، في إطار عدد من العوامل، من أهمها ما يلي:

1- عدم الاستجابة للمطالب الأمريكية، لم يُبدِ الجيش السوداني خلال الفترة الأخيرة استعداداً للتماشي مع المطالب الأمريكية الخاصة بتسوية الأزمة السياسية الراهنة، إذ ترى واشنطن تعنتاً من قبل قادة المكون العسكري، ورفضاً في تسليم السلطة للقوى السياسية المدنية المناهضة للانقلاب العسكري على السلطة الانتقالية، وذلك رغم إدانة واشنطن لذلك صراحة. وهنا ترى واشنطن أنه رغم الدور المساند الذي أبدته للسودان في مرحلة ما بعد سقوط “البشير”؛ إلا أن الجيش لا يعبأ بذلك، ومن مؤشرات ذلك عدم جدوى تعليق المساعدات الاقتصادية (حوالي 700 مليون دولار) الأمريكية عقب الانقلاب مباشرة في أكتوبر الماضي، في دفع الجيش للتخلي عن فكرة سيطرته على السلطة دون إشراك القوى السياسية المدنية.

2- القلق من عودة الإسلاميين مرة أخرى، من المؤكد أن الضغوط الأمريكية المتزايدة تجاه الجانب السوداني اتخذت منحنى تصعيدياً بشكل أكبر من ذي قبل، بسبب ما شهدته البلاد خلال الفترة الأخيرة من عودة رموز نظام الإنقاذ السابق من قيادات حزب المؤتمر الوطني المنحل، ورموز وقيادات الحركة الإسلامية بعد إصدار قرارات قضائية بالإفراج عنهم وتبرئتهم من الاتهامات المنسوبة إليهم، وما أعقب ذلك من إعلان الإسلاميين تأسيس “تيار الإسلام العريض” وهو ما يثير المخاوف من عودة الإسلاميين مرة أخرى إلى السلطة، خاصة وأن هناك اتهامات لقائد الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق “البرهان” بإجراء اتصالات مع هذه القيادات بغرض مساعدته على مواجهة قوى الحرية والتغيير وما يندرج تحتها من أحزاب وقوى سياسية رافضة لبقاء الجيش على رأس السلطة الانتقالية، كما أن إسرائيل قد عبرت عن حرصها على إتمام علاقات التطبيع مع السودان والمساعدة في تحقيق الاستقرار السياسي بها منعاً لدخول العناصر الإسلامية إلى المنطقة.

3- غياب إجراءات بناء الثقة، فحتى الآن لم يَفِ الجيش السوداني بوعوده التي سبق وأطلقها الفريق أول ركن “عبدالفتاح البرهان” قائد الجيش ورئيس مجلس السياة الانتقالي في 15 أبريل الماضي، والمتمثلة في عزمه إطلاق سراح المعتقلين السياسيين خلال فترة زمنية تتراوح بين يومين وثلاثة أيام على الأكثر (أي بحلول 18 أبريل الماضي وهو ما لم يحدث حتى الآن)، وذلك بغرض تهيئة الأجواء الداخلية في البلاد لإجراء حوار وطني شامل مع كافة القوى السياسية الفاعلة، بهدف تسوية الأزمة السياسية الحالية في البلاد. ورغم إبداء الجيش استعداده لإجراء الحوار الوطني مع القوى السياسية المدنية، إلا أنه لم يترجم ذلك لأفعال حقيقية على الأرض تثبت صدق نواياه في تسوية الأزمة الحالية.

4- تعثر الجيش في تشكيل حكومة وحدة وطنية بقيادة مدنية، إذ تتهم واشنطن الجيش السوداني وتحمله المسؤولية عن تعقد الأزمة السياسية الحالية بسبب عدم قدرته على إدارة شؤون البلاد سياسياً واقتصادياً، ولذلك تتمسك واشنطن بشرط تشكيل حكومة ذات قيادة مدنية كشرط أساسي لاستئناف تقديم المساعدات الاقتصادية والمالية، وكذلك الأمور المتعلقة بتخفيف الديون الخارجية المتأخرة على السودان، بما في ذلك المساعدات التي كانت واشنطن أعلنت سابقاً عن التزامها بتقديمها للسودان خلال الفترة الانتقالية الحالية. وبالتالي، فإن تعليق مفاوضات التطبيع مع السودان من شأنه زيادة الأوضاع الاقتصادية غير المستقرة، ومن ثم إجبار الجيش على الاستجابة لمطالب واشنطن.

5- عدم الاستجابة للمبادرات الدولية لتسوية الأزمة الحالية، وخاصة المبادرة التي طرحتها البعثة الأممية بالسودان “يونيتامس” والتي تحولت فيما بعد لجهود الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة – الاتحاد الأفريقي – الإيجاد)، فحتى الآن لم تنجح هذه الجهود في إيجاد أرضية مشتركة لتقريب وجهات النظر بين المكونات السودانية المختلفة في ظل تمسك كل طرف بوجهة نظره ومطالبه، وقد عبر البيان الصادر عن البعثة الأممية في السودان مؤخراً عن دور الجيش السوداني في عرقلة جهود تسوية الأزمة في ظل مواصلة استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين.

السيناريوهات المحتملة

هناك بعض السيناريوهات المحتملة بشأن استجابة إسرائيل للمطالب الأمريكية بوقف تطبيع علاقاتها مع الخرطوم، وموقف واشنطن إزاء الجيش السوداني، وذلك كما يلي:

السيناريو الأول- انضمام إسرائيل للمطالب الأمريكية: ويرجح هذا السيناريو أن تستجيب الحكومة الإسرائيلية للمطالب الأمريكية بتعليق عملية أو مفاوضات تطبيع علاقاتها مع الجانب السوداني، حتى تستجيب السلطات الانتقالية الحالية في السودان تحت قيادة الجيش للضغوط الأمريكية والدولية، وخاصة فيما يتعلق بتقديم تنازلات جوهرية يمكن من خلالها حلحلة الأزمة السياسية الراهنة في السودان، والتوصل إلى حل توافقي مع باقي المكونات السودانية وخاصة ما يتعلق بتشكيل حكومة بقيادة مدنية تتمتع بالمصداقية لدى الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في الأزمة السودانية، أو بمعنى أدق أن تحظى بقبول وشرعية الإدارة الأمريكية الحالية.

كما أن إسرائيل تدرك جيداً أنه لولا الدور الأمريكي الراعي والمؤيد لاتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية ومنها السودان، لما كان لهذه العملية أن تنجح وما ترتب على ذلك من إعلان الإدارة الأمريكية السابقة في عهد “ترامب” من شطب السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وهنا قد تقوم إسرائيل بتأجيل الاتصالات مع الجيش السوداني لعلمها بصعوبة إتمام التطبيع دون دعم أمريكي كامل لذلك، وأيضاً كنوع من الضغط على الخرطوم لفرض مطالب إسرائيلية في مفاوضات التطبيع تعزز الدور والنفوذ الإسرائيلي في السودان. كما أن هناك حديثاً حول عدم اهتمام إسرائيل باستكمال التطبيع مع السودان في الوقت الحالي حتى تنتهي الأزمة السياسية بها.

السيناريو الثاني- مواصلة الاتصالات والتنسيق مع الخرطوم: ويرجح هذا السيناريو أن تبدي تل أبيب موافقة ظاهرية لمطالب الولايات المتحدة الأمريكية بعدم المضيّ قدماً في علاقات التطبيع مع السودان، أو عدم الاستجابة مطلقاً لمثل هذه المطالب والاستمرار في عملية التطبيع، ومن ذلك تأكيد عضو الكنيست الإسرائيلي “إيلي كوهين” خلال لقائه السفير الأمريكي في إسرائيل “توم نيدز” على الأهمية الاستراتيجية لاستكمال التطبيع مع السودان، وأن واشنطن يجب أن تساعد تل أبيب في التوقيع على اتفاقية التطبيع في أقرب وقت ممكن، وأيضاً إجراء زيارات لمسؤولين إسرائيليين للخرطوم والاتصال مع الجانب السوداني.

ويستند ذلك السيناريو إلى أن إسرائيل لم يصدر عنها تعليق رسمي على مطالب واشنطن في هذا الخصوص، كما أن إسرائيل لم تقم بإدانة الانقلاب العسكري في السودان، خاصة وأن المكون العسكري لا يزال يبدي حرصه على تطبيع العلاقات مع إسرائيل لتأييد بقائه على رأس السلطة الانتقالية، وفي المقابل قد ترى تل أبيب أن بقاء الجيش على رأس السلطة الانتقالية، رغم ما ترتب على ذلك من حالة السيولة والفوضى السياسية التي تشهدها السودان حالياً، هي الفرصة الأنسب لاستكمال اتفاقات تطبيع العلاقات مع الخرطوم، خاصة أن إسرائيل تدرك جيداً صعوبة تحقيق ذلك في ظل تولي القوى السياسية المدنية السلطة في السودان، وذلك لأنها تعارض التطبيع مع إسرائيل باعتبار ذلك أحد أهداف ومطالب الثورة الشعبية التي أسقطت نظام الإنقاذ.

السيناريو الثالث- فرض عقوبات فردية على قادة الجيش: ويرجح هذا السيناريو أن تتجه واشنطن لتنفيذ تهديداتها والبدء الفعلي في فرض عقوبات على بعض قادة الجيش السوداني المتورطين في عرقلة انتقال السلطة إلى القوى السياسية المدنية، ويستند هذا السيناريو إلى أنه بعد إقرار الكونجرس الأمريكي مشروعَ قرار إدانة الانقلاب العسكري على السلطة والتلويح بفرض عقوبات على قادة الجيش السوداني، أصدرت الخارجية الأمريكية تحذيرات لبعض الشركات الأمريكية التي قد تقوم بأعمال تجارية مع الشركات السودانية المملوكة للجيش الذي يتدخل ويسيطر بقوة على الاقتصاد السوداني، وكذلك تصريحات السفير الأمريكي المرشح للسودان “جون جودفري” التي أشار فيها إلى أن العقوبات أداة هامة في يد واشنطن للكشف عن الشخصيات المتورطة في عرقلة التحول الديمقراطي في السودان، وأن تعليق الإعفاء من الديون الخارجية للسودان مسألة هامة في إطار الضغط على الجيش.

ضغط متزايد

خلاصة القول، تكشف المطالب الأمريكية لإسرائيل بتعليق المفاوضات الخاصة بتطبيع العلاقات بالكامل مع السودان، عن تبني واشنطن سياسة خارجية تتسم بالتصعيد والضغط المتزايد على السلطات الانتقالية في السودان، وأيضاً التنسيق مع كافة الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في الأزمة السودانية، كما تعكس حرص الإدارة الأمريكية على حماية الممارسات الديمقراطية ووقف الانتهاكات ضد المتظاهرين السلميين. وترجح هذه المعطيات مواصلة واشنطن ضغوطها على الخرطوم لحين تشكيل حكومة مدنية، مع عدم استبعاد فرض عقوبات فردية على قادة الجيش خلال الفترة المقبلة.