لماذا تزايدت الهجمات على منشآت وعلماء البرنامج النووي الإيراني؟

إضعاف طهران:

لماذا تزايدت الهجمات على منشآت وعلماء البرنامج النووي الإيراني؟



شهدت السنوات الأخيرة عددًا كبيرًا من العمليات التي استهدفت البرنامج النووي الإيراني، سواء عبر استهداف المنشآت النووية بعمليات تخريبية، أو الضغط على العلماء والمسؤولين النوويين الإيرانيين والتخلص منهم بعمليات اغتيال. وكان الهدف الرئيسي لهذه العمليات مضاعفة الخسائر المادية والبشرية والمعرفية التي تتحملها طهران نتيجة إصرارها على الاستمرار في برنامجها النووي، ومن ثم إيقاف مسار تطور البرنامج النووي. وبقدر ما كانت تُشكّل هذه العمليات معضلة للبرنامج النووي الإيراني، فإنها عكست أيضًا خللًا أمنيًا داخل المنظومة الإيرانية، وتراجع القدرة على مواجهة التهديدات، وخصوصًا أن بعض هذه التهديدات تعتمد على قدرات تكنولوجية متطورة، ناهيك عن ارتباط هذه الهجمات بمحاولة إضعاف إيران، وإرغامها على التفاوض بشأن سياساتها الإقليمية وطموحاتها النووية.

الهجوم على المنشآت:

تعرض عددٌ من المنشآت النووية الإيرانية، على رأسها منشأة نطنز الهامة، خلال السنوات الماضية، لهجمات متنوعة عبر وسائل مختلفة منها الهجمات السيبرانية والطائرات المسيرة. ومن أهم هذه الهجمات ما يلي:

1- هجوم ستاكسنت Stuxnet: تعرضت إيران في 2010 لسلسلة أعطال في أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم، نتيجة هجوم عبر فيروس “ستاكسنت”. واتهمت إيران حينها الولايات المتحدة وإسرائيل بالوقوف وراء الهجوم الفيروسي. وأشارت تقارير صحفية إلى معاونة ألمانية وفرنسية وهولندية في الهجوم الرقمي، وأن الفيروس تم إدخاله إلى الأنظمة الرقمية للمفاعلات عبر مهندس إيراني تم تجنيده، حيث تم هذا الهجوم عبر إدخال البرنامج الفيروسي إلى أجهزة الكمبيوتر التي تتحكم في أجهزة الطرد المركزي الإيرانية لتخصيب اليورانيوم في منشأة نطنز، مما تسبب في إحداث فوضى والتسبب في خروج قرابة 1000 من أجهزة الطرد المركزي عن الخدمة ونطاق السيطرة. ويعد فيروس “ستاكسنت” أول فيروس يستهدف منظومات التحكم بالمنشآت النووية الإيرانية.

2- هجوم “فلام”Flame : وقع هجوم فيروسي آخر ضد البرنامج النووي الإيراني أواخر عام 2012، عبر فيروس “فلام” الذي عطّل عددًا من المنظومات المتحكمة في عدد من المنشآت النووية. ووفقًا لشركة “Kaspersky labs” الروسية- التي أشارت تقارير عديدة إلى أنها هى التي اكتشفت الفيروس- فإن هذا الفيروس يمتلك إمكانيات خطيرة تتمثل في جمع المعلومات وتصوير الشاشة بهدف نقل محتوياتها وتسجيل الأصوات. لكن اللافت في هذا السياق، هو أن إيران كانت حريصة على الإشارة إلى أن خبراءها هم من اكتشفوا الفيروس وليس الشركة الروسية، وأنها اتجهت سريعًا إلى تطوير منظومة مضادة للحد من خطورته.

3- هجمات الدرونز: أعلنت السلطات الإيرانية عام 2014 عن إسقاطها طائرةً إسرائيلية مسيرة كانت تحلق فوق مفاعل “نطنز” بهدف تنفيذ هجوم عليه. كما أعلنت وكالة الطاقة الذرية الإيرانية، في 23 يوليو 2021، عن إحباط هجوم على إحدى منشآتها. وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن المنشأة المستهدفة هي أحد مراكز التصنيع الرئيسية لإنتاج أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في منشأتي فوردو ونطنز النوويتين، وأن الهجوم تم تنفيذه عبر طائرة مسيّرة.

4- العمليات التخريبية ضد نطنز: على مدار العامين الماضيين، تكررت العمليات التخريبية ضد منشأة نطنز. ففي يوليو 2020، تعرضت المنشأة لحريق كبير خلّف أضرارًا جسيمة ودمر مختبرًا فوق الأرض يتم استخدامه لإعداد أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، حيث نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” آنذاك عن مسؤول استخباراتي في الشرق الأوسط، أن إسرائيل زرعت قنبلة في مبنى شهد استئناف العمل في أجهزة الطرد المركزي بمنشأة نطنز النووية. ثم تعرضت المنشأة لهجوم آخر في أبريل 2021 أدى إلى انقطاع كهربائي، وألحق أضرارًا بأجهزة الطرد المركزي بمصنع تخصيب اليورانيوم. ونشرت صحيفة “نيويورك تايمز”، نقلًا عن مصادر استخباراتية، أن الهجوم على منشأة نطنز الإيرانية نجم عن انفجار دمّر بشكل كامل نظام الطاقة الداخلي الذي يزود أجهزة الطرد المركزي تحت الأرض التي تخصب اليورانيوم.

استهداف العلماء الإيرانيين:

شكّل استهداف العلماء الإيرانيين المسار الآخر للضغط على البرنامج النووي الإيراني. فعلى سبيل المثال، قُتل “مسعود علي محمدي”، أستاذ فيزياء الجسيمات بجامعة طهران، في يناير 2010، إثر انفجار دراجة نارية مفخخة خارج منزله في العاصمة. وفي 29 نوفمبر من العام نفسه استُهدف “مجيد شهرياري” بقنبلة مغناطيسية ألصقت بسيارته. وحمّلت إيران مسؤوليتهما لإسرائيل والولايات المتحدة. وهو اليوم نفسه الذي تمت فيه محاولة اغتيال “فريدون عباسي”، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية. واتهمت طهران حينها أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية بتنفيذ العملية.

ثم لقي العالم النووي الإيراني “داريوش رضائي نجاد” مصرعه في يوليو 2011 في حادث إطلاق نار من مسلحين مجهولين كانوا يستقلون دراجات نارية. كما وقع انفجار في مخزن للأسلحة تابع للحرس الثوري الإيراني في نوفمبر 2011 نتج عنه 36 قتيلًا، بينهم الجنرال “حسن مقدم”، المسؤول عن برامج التسلّح في الحرس الثوري. واتهمت طهران أيضًا واشنطن وتل أبيب بالوقوف وراء الحادثين.

واغتيل “مصطفى أحمدي روشن”، الأستاذ المختص بالفيزياء النووية، في يناير 2012 في انفجار قنبلة مغناطيسية ألصقت على سيارته في طهران. كما أعلن مساعد عمليات القيادة لجهاز الأمن في الحرس الثوري الإيراني، في يناير 2015، عن إحباط الجهاز محاولة إسرائيلية لاغتيال عالم نووي إيراني.

وفي سياق متصل، قُتل العالم النووي الإيراني البارز “محسن فخري زاده”، رئيس إدارة منظمة الأبحاث والتطوير في وزارة الدفاع، والملقب بـ”أبو القنبلة النووية الإيرانية” و”الأب الروحي للبرنامج النووي الإيراني” في نوفمبر 2020، في هجوم استهدف موكبه. ويُعد هذا الحادث من أبرز حوادث اغتيالات العلماء النوويين الإيرانيين نظرًا لاطّلاعه الكبير على البرنامج النووي الإيراني، وصعوبة تعويض معارفه وقدراته ومهاراته القيادية.

دلالات متعددة:

انطوت الهجمات المشار إليها على عدد من الدلالات الرئيسية المتمثلة فيما يلي:

1- دور سيبراني: لسنوات استبعد البعض إمكانية تكرار السيناريو العراقي والسوري في إيران نظرًا لعوامل جغرافية واستراتيجية. إلا أن الهجمات الأخيرة تشير إلى تنامي استخدام الهجمات السيبرانية في الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية. إذ يشير حادث استهداف منشأة نطنز النووية في يوليو 2020 وأبريل 2021 إلى دور سيبراني في الحادثين. فضلًا عن استخدام فيروسي “ستاكسنت” و”فليم” خلال عامي 2010 و2012، على الترتيب، وهو ما يكشف عن تنامي أهمية الجانب السيبراني في الصراع بين إيران وخصومها، وكذلك تكرار اختراق المنظومة السيبرانية الإيرانية.

2- خلل أمني: سلّطت حادثة اغتيال العالم النووي الإيراني “فخري زاده” في نوفمبر 2020 الضوء على الخلل الأمني داخل طهران، مما تسبب في نجاح استهداف عدد من العلماء النوويين الإيرانيين في السنوات الأخيرة. فقد نقل التلفزيون الرسمي الإيراني حينها عن وزير الدفاع الإيراني السابق “حسين دهقان” قوله إن “فخري زادة قُتل بسبب اختراق منظومة إيران الأمنية”. كما تشير تلك الحوادث إلى نقاط ضعف بالمنظومة التأمينية للعلماء النوويين الإيرانيين، وهي المهمة الموكولة لقوة الأمن التابعة للحرس الثوري الإيراني التي تخصص حراسة خاصة لحماية كبار المسؤولين العسكريين والمدنيين. وتكشف العديد من التقارير أيضاً عن مخاطر وجود اختراق أمني معلوماتي أو جواسيس داخل المنظومة الأمنية الإيرانية.

3- أصابع الاتهام: تشير أصابع الاتهام في تلك الحوادث المتكررة إلى ضلوع إسرائيل بشكل أساسي في التخطيط لها وتنفيذها، ولا سيما مع بعض المؤشرات التي تتعلق بتزامن تصريحات إسرائيلية مع عمليات الهجوم على المنشآت أو الاغتيالات، لعل آخرها تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ووسائل إعلام إسرائيلية حول “فخري زاده”. كما أن طهران تشير أحيانًا إلى مشاركة دول أوروبية، فضلًا عن الدور الأمريكي، في معاونة تل أبيب في تنفيذ مثل هذه الهجمات. إلا أن معظم الهجمات حمّلت طهران مسؤوليتها لتلّ أبيب بشكل مباشر، وهو ما يتفق مع معظم التحليلات التي أشارت إلى دور إسرائيلي في الهجمات والاغتيالات، سواء بشكل منفرد أو بمعاونة إيرانيين من الداخل، كما أورد تقرير سابق نشرته شبكة “إن بي سي” الأمريكية عام 2012.