لماذا تجدّد الجدل حيال إعادة عائلات عناصر “داعش” إلى الدول الأوروبية؟

تباطؤ ملحوظ:

لماذا تجدّد الجدل حيال إعادة عائلات عناصر “داعش” إلى الدول الأوروبية؟



ما زال الجدل مستمراً حيال إعادة عائلات عناصر “داعش” الموجودين في المنطقة إلى الدول الأوروبية خلال الفترة الحالية، في ظل التباطؤ في استعادة العائلات من النساء والأطفال. وإذا كانت بلجيكا قد أعادت، في 21 يونيو الفائت، 16 طفلاً و6 أمهات من سوريا، فإن هناك دولاً أخرى مثل فرنسا تتهم بعدم اتخاذ خطوات جدية في هذا الملف. ويمكن النظر إلى هذا الجدل في ضوء تحذيرات أممية بعد تزايد الانفلات الأمني في المخيمات، إضافة إلى ضغوط “قسد” لاستعادة الدول لمواطنيها، والتخوفات من تحرير عناصر “داعش” وأسرهم وتداعيات ذلك على الحالة الأمنية.

تزايد الاهتمام مرة أخرى بقضية عائلات عناصر تنظيم “داعش”، خلال الفترة الحالية. فمنذ تراجع تنظيم “داعش” في العراق عام 2017، وسوريا عام 2019؛ تثار مسألة استعادة الدول لمواطنيها الذين انخرطوا في الصراعات المسلحة في الدولتين. وفي حين اتجهت بعض الدول إلى إبداء مرونة لاستعادة تلك العناصر وأسرهم من حاملي جنسياتها، فإن دولاً أخرى انقسمت بين الموافقة على عودة الأطفال والنساء، أو قبول عودة الأطفال فقط.

ويبقى أن هذا الملف لا يزال مفتوحاً ومثار جدل بين حين وآخر، في ظل وجود عشرات الآلاف من عناصر “داعش” في السجون، وأسرهم في المخيمات، إضافة إلى عناصر متهمة بالانتماء إلى التنظيم، وهي تحديات تواجه مليشيا قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في شمال شرق سوريا.

مأزق مستمر

تواجه عملية إعادة المقاتلين الأجانب، وتحديداً من الدول الأوروبية، مأزقاً صعباً منذ عام 2019، بعد طرد عناصر “داعش” من آخر معاقله في معركة الباغوز بسوريا، وما تبعها من اعتقال الآلاف مع أسرهم، في ظل رفض بعض الدول الأوروبية استقبال مواطنيها المنخرطين في الصراع المسلح بالعراق وسوريا. إذ أحصت بعض التقديرات الغربية أن تنظيم “داعش” استقبل عناصر بين 4 آلاف و5 آلاف من دول أوروبية، كان في مقدمتهم فرنسا، حيث تراوح عدد الفرنسيين بين 1300 و1700، إضافة إلى عناصر من بريطانيا وألمانيا وبلجيكا.

وفي حين تُشير بعض التقديرات الغربية إلى أن 30% من المقاتلين من دول أوروبية الذين ظلوا على قيد الحياة، عادوا إلى بلدانهم بداية منذ عام 2019؛ فإن دولاً أوروبية، على رأسها فرنسا، أبدت رفضها استقبال المقاتلين، فيما اتجهت بعض الدول مثل ألمانيا وبلجيكا إلى استعادة الأطفال والنساء من أسر عناصر “داعش”.

وعلى الرغم من إعلان فرنسا الاتجاه إلى استعادة الأطفال من أبناء مواطنيها المنخرطين في صفوف “داعش”؛ فإنها واجهت انتقادات على خلفية سياساتها التي اتسمت بالبطء في التحرك على مستوى هذا الملف، واستعادة أطفال عناصر “داعش” على فترات متباعدة. وتشير تقارير عديدة إلى أن فرنسا استعادت 35 طفلاً فقط (17 عام 2017، و11 عام 2020، و7 عام 2021)، ويبقى أن ثمة نحو مائتي من الأطفال لآباء فرنسيين يقبعون في المخيمات التي تخضع لسيطرة مليشيا قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.

أسباب مختلفة

يُمكن الإشارة إلى أسباب عودة الجدل حيال استقبال الدول مواطنيها المنخرطين في “داعش”، أو أسرهم من النساء والأطفال خلال الفترة الحالية، وذلك على النحو التالي:

1- تزايد الانفلات الأمني بمخيم “الهول”: يضم مخيم “الهول” أسر عناصر تنظيم “داعش” من النساء والأطفال بواقع 94% من إجمالي المحتجزين داخله، ويُقدر عددهم بنحو 56 ألف شخص، كما يضم بعض المتهمين بالانتماء للتنظيم. وقد تزايدت معدلات الجريمة داخل المخيم، بعدما أعلن منسق الأمم المتحدة في سوريا عمران رضا، في 29 يونيو الفائت، مقتل نحو 106 أشخاص داخل المخيم منذ يناير 2021 وحتى يونيو 2022، بما يشير إلى تصاعد الانفلات الأمني، بعدما شهد المخيم حوادث متتالية بذبح سيدات، مما استدعى عمليات أمنية لقوات “قسد” داخله لضبط الوضع الأمني. وعلى الرغم من وضع أسر عناصر “داعش” بين مخيمي “الهول” و”الروج”، فإن الأول يشهد حالة انفلات أمني أكثر خطورة، فضلاً عن صعوبة الأوضاع داخل المخيمين وتحديداً على الأطفال، وهو ما دفع الأمم المتحدة إلى تجديد المطالبات لمختلف الدول باستعادة مواطنيها، وتحديداً استعادة الأطفال الذين يعانون بشدة، في ظل بيئة غير صحية، إذ تُشير بعض التقارير الحقوقية إلى مشاهدة بعض الأطفال حوادث لقتل أمهاتهم.

2- ضغوط “قسد” المستمرة لاستعادة الدول مواطنيها: رغم محاولات مليشيا “قسد” لاحتواء الاختلالات الأمنية داخل المخيمين (الهول والروج)، فإن العامين الماضيين، على وجه التحديد، أثبتا ضعف القدرات على احتواء الأوضاع داخلهما، ليس فقط على المستوى الأمني، ولكن أيضاً على مستوى الوفاء بالالتزامات الأساسية للمحتجزين. وفي 23 مارس الماضي، جددت “قسد” دعوتها لمختلف الدول بضرورة استعادة مواطنيها من المخيمات في شمال شرق سوريا، محذرة من أن المخيمات خطرة على الأطفال، في ظل التربية وسط الأفكار المتشددة والمتطرفة، مؤكدة أن البيئة داخل المخيمات ليست مناسبة لعمل منظمات إعادة تأهيل الأطفال في ظل الانفلات الأمني. وتتكرر دعوات “قسد” للمجتمع الدولي بالتدخل لإنهاء الوضع القائم في المخيمات والسجون التي تضم عناصر “داعش” وأسرهم، في إطار محاولات الضغط المتواصل على الدول التي توافدت منها تلك العناصر وأسرهم. وهنا يمكن الإشارة إلى تقديرات بعض المنظمات المحلية في سوريا بأن نحو 36 ألف دون 18 عاماً يعيشون داخل مخيم “الهول”.

3- تخوفات من تحرير عناصر “داعش” وأسرهم: رغم تكرار محاولات عناصر تنظيم “داعش” على مدار العامين الماضيين اقتحام السجون وإحداث اختراق أمني، وتصاعد حالات التمرد داخل تلك السجون، إضافة إلى الهجوم على مخيم “الهول” بغرض تحرير أسر عناصر التنظيم، إلا أن واقعة محاولة اقتحام التنظيم لسجن “غويران” في 23 يناير الماضي، كانت كاشفة عن حجم التهديدات المرتبطة بتنامي قدرات تنظيم “داعش” في سوريا، بما يفرض تحديات كبيرة للتعامل مع ملف السجون والمخيمات على حد سواء، وباتت نظرة التحالف الدولي لمواجهة “داعش” بقيادة الولايات المتحدة، باعتبار التنظيم يمثل تهديداً حرجاً مرة أخرى في سوريا، وما أعقب ذلك من استهداف زعيم التنظيم أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، ومشاركة القوات الأمريكية لقوات “قسد” لملاحقة عناصر وقيادات التنظيم، من خلال عمليات نوعية من أجل تحجيم نشاط التنظيم في مناطق شمال شرق سوريا مؤشرات تؤكد ذلك.

ومن دون شك، فإن نجاح التنظيم في تحرير عناصره والأسر والأطفال في المخيمات، قد يزيد من قدراته، ويساعده على استعادة نفوذه مرة أخرى، خاصة أنه يركز على تحرير عناصره وفقاً لتوجيهات استراتيجية منذ فقدان الأراضي التي كانت تحت سيطرته، وبالتالي هناك رغبة في تصفية تلك السجون والمخيمات ونقل العناصر وأسرهم إلى بلدانهم الأصلية. وقد عبرت السلطات العراقية عن هذه التخوّفات أكثر من مرة خلال الأشهر القليلة الماضية، ولجأت إلى التنسيق مع مليشيا “قسد” لتأمين الحدود واستقبال مواطنيها المحتجزين هناك.

4- انخراط واشنطن في استعادة الأمريكيين: مارست الولايات المتحدة منذ عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ضغوطاً على مختلف الدول، وتحديداً الأوروبية، من أجل استعادة مواطنيها المنخرطين في العمل المسلح مع تنظيم “داعش”، وأقدمت على استلام حاملي الجنسية الأمريكية على دفعات، وشرعت في محاكمة بعضهم مثل الأمريكية أليسون فلوك – إيكرين التي اتهمت بقيادة كتيبة نسائية في التنظيم. وتلعب الولايات المتحدة دوراً كبيراً في مسار استعادة الدول لمواطنيها، وتحديداً من النساء والأطفال. وفي 8 يونيو الفائت، طالبت العراقُ، من خلال مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، الولاياتِ المتحدة بالضغط على الدول لسحب مواطنيها من مخيم “الهول” خلال الفترة المقبلة، وذلك خلال لقاءه مع السفيرة الأمريكية في بغداد ألينا رومانوسكي، التي أكدت بدورها على المطلب العراقي.

5- استمرار المعضلة القانونية حيال عائلات “داعش”: ساهمت الضغوط الأمريكية في تراجع بعض الدول الأوروبية عن موقفها الرافض تماماً لاستقبال عائلات “داعش”، وإبداء مرونة في استقبال الأطفال بشكل أساسي. ولكن اللافت أن السمة الرئيسية في التحركات الأوروبية كان البطء في التعاطي مع هذا الملف، وخاصة من قبل فرنسا، التي تبنت سياسة تتمسك من خلالها بالتعامل مع كل حالة من مواطنيها المحتجزين على حدة، كما أن بعض الدول الأوروبية لجأت إلى إسقاط الجنسية عن بعض مواطنيها المنخرطين في أعمال عنف في سوريا والعراق، مثلما أقدمت بريطانيا على إسقاط الجنسية عن شميمة بيغوم عام 2019، وهو ما يزيد من المعضلة القانونية حيال التعامل مع أسر عناصر “داعش”. وفي حين تتمسك بعض الدول بإجراء محاكمات لتلك العناصر وأسرهم في الدول التي انخرطوا بالعنف فيها، فإن هذا يواجه عقبات قانونية تتعلق بالجهة التي ستتولى هذه المحاكمات بالأساس، إذ إن مليشيا “قسد” ليس معترفاً بها دولياً، كما أنها انتقدت عدم دعم الدول الأصلية للمحتجزين في المخيمات والسجون إجراء مثل هذه المحاكمات.

اختبار صعب

وأخيراً، في ضوء استمرار مأزق عناصر “داعش” وأسرهم في السجون والمخيمات بشمال شرق سوريا، مع غياب رؤية دولية للتعامل مع هذا الملف على مدار ثلاثة أعوام، وتباطؤ الدول الأوروبية في استعادة مواطنيها سواء من النساء والأطفال أو عناصر “داعش”؛ فإن ذلك يمثل تحدياً كبيراً بالنسبة لدول المنطقة، وتحديداً سوريا والعراق، في ظل تخوفات من محاولة تنظيم “داعش” تحرير تلك العناصر وأسرهم، بما يمكنه من تعزيز نفوذه مجدداً.