لماذا تأخّر تشكيل الحكومة الجديدة في السودان؟

عوامل ضاغطة:

لماذا تأخّر تشكيل الحكومة الجديدة في السودان؟



أعلن 40 كياناً وكتلة سياسية في السودان، في 18 ديسمبر 2021، عن التوقيع على تدشين ما أطلقوا عليه “مجلس شركاء الإعلان السياسي”، دعماً للاتفاق السياسي الموقّع في 21 نوفمبر الماضي بين رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن “عبدالفتاح البرهان” ورئيس الوزراء “عبدالله حمدوك”، ويكتسب هذا الإعلان أهمية خاصة نظراً لأنه تم الإعلان عنه بعد أيام قليلة من تقديم قوى إعلان الحرية والتغيير (جناح المجلس المركزي) والمكون العسكري وشركاء السلام ولجان المقاومة وحزب الأمة القومي، إعلاناً سياسياً لرئيس الوزراء “عبدالله حمدوك” دعوا فيه إلى إسقاط الانقلاب بواسطة العمل الجماهيري السلمي، وإجراء انتخابات برلمانية بعد تشكيل مفوضية مستقلة وتوافق على قانون انتخابي، وإصلاح المنظومة الأمنية والعدلية، وضمان حرية التعبير والتجمع والإعلام وفقاً لإطار دستوري محكم، وإقامة سلطة مدنية انتقالية تعبر عن قوى الثورة.

فقدان الحاضنة

يمكن تفسير تأخر تشكيل الحكومة السودانية الجديدة برئاسة “عبدالله حمدوك”، وفقاً لما نص عليه الاتفاق السياسي الموقع عليه بين كل من الفريق “عبدالفتاح البرهان” ورئيس الوزراء “عبدالله حمدوك”، في 21 نوفمبر الماضي، بتشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة، من خلال مجموعة من العوامل، من أبرزها ما يلي:

1- غياب التوافق على ميثاقٍ وطني: أرجع رئيس الوزراء “عبدالله حمدوك” سبب تأخير تكوين الحكومة الجديدة إلى أنه يعود إلى المشاورات التي تعكف عليها قوى سياسية للتوافق على ميثاق وطني، فمنذ توقيع الاتفاق السياسي بين قائد الجيش الفريق “عبدالفتاح البرهان” ورئيس الوزراء “عبدالله حمدوك” في 21 نوفمبر الماضي، لم يتم تشكيل الحكومة الانتقالية بسبب انخراط القوى السياسية الداعمة للثورة والانتقال المدني الديمقراطي في حوار جاد بغرض التوافق على ميثاق وطني، وخلق جبهة عريضة لتحقيق الانتقال المدني الديمقراطي وتحصينه، خاصة وأن هذا التوافق الوطني من شأنه أن يمثل إطاراً قومياً لتوحيد الصف وتأسيس آلية لتشكيل حكومة كفاءات وطنية بجانب إكمال هياكل السلطة الانتقالية ومراقبة عملها.

2- فقدان الحاضنة السياسية: من أهمّ الأسباب التي تكمن وراء تأخر تشكيل حكومة جديدة برئاسة “عبدالله حمدوك” هو عدم وجود حاضنة سياسية أو ظهير سياسي لهذه الحكومة، وذلك على غرار الوضع الذي كان سائداً قبل 25 أكتوبر الماضي، حيث كانت قوى الحرية والتغيير هي الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية السابقة برئاسة “عبدالله حمدوك”؛ إلا أن قيام المؤسسة العسكرية بحلّ هذه الحكومة والدعوة لتشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة، أي غير حزبية، وفي ذلك إشارة واضحة إلى تشكيلها بعيداً عن الأحزاب والقوى السياسية التي كانت تمثّلها قوى الحرية والتغيير؛ هو ما دفع الأخيرة إلى مواصلة التظاهر ضد ما أسمته الانقلاب على السلطة المدنية، واتهمت “حمدوك” بالتآمر على السلطة المدنية، الأمر الذي ترتّب عليه فقدان “حمدوك” جزءاً كبيراً من شعبيته على المستوى الداخلي، وخاصة من قبل القوى الثورية التي كانت تدعمه قبل توقيعه على الاتفاق السياسي مع “البرهان”.

3- الانقسام الحاصل داخل قوى الحرية والتغيير: تسبّبت إجراءات 25 أكتوبر، في المساهمة في زيادة حدة الانقسام داخل قوى الحرية والتغيير التي انقسمت قبل ذلك التاريخ إلى مجموعتين؛ المجموعة الأولى وهي المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية وحزب الأمة، والمجموعة الثانية أطلقت على نفسها “مجموعة التوافق” وضمت بعض الحركات المسلحة، وهو ما يدفع “حمدوك” للبحث عن الأحزاب والقوى السياسية والمدنية التي ستمثل الحاضنة السياسية الجديدة للحكومة القادمة.

4- صعوبة توسيع قاعدة المشاركة السياسية: يعترض عملية تشكيل الحكومة الجديدة كذلك صعوبة تحقيق شرط هامٍ وهو رفض العديد من الأحزاب والقوى السياسية المشاركة في صياغة الإعلان السياسي الذي يتم صياغته حالياً لدعم الاتفاق السياسي الموقّع بين “البرهان” و”حمدوك” في نوفمبر الماضي، فمن المهم مشاركة الأحزاب والقوى السياسية بما فيها الأحزاب السياسية والجماعات والحركات المسلحة التي لم توقّع على اتفاق جوبا النهائي للسلام الموقّع في أكتوبر 2020، والتوقيع على هذا الإعلان السياسي الذي تتم صياغته حالياً، وهو الشرط الذي دفع مجموعة الدول الرباعية (الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، الإمارات، السعودية) إلى إصدار بيان قبل عدة أيام دعوا فيه رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق “البرهان” ورئيس الوزراء “حمدوك” إلى الالتزام بإتاحة المجال أمام كافة الأحزاب والقوى السياسية للمشاركة في الحوار الداخلي الراهن بين كافة مكونات الشراكة العسكرية-المدنية بما يتيح الفرصة أمام كافة الفاعلين الداخليين للمشاركة في إدارة المرحلة الانتقالية الحالية وحتى موعد انتهائها بإجراء انتخابات برلمانية في عام 2023.

5- الشراكة العسكرية المدنية في السلطة الانتقالية: يعد استمرار الشراكة بين المكونين المدني والعسكري في السلطة الانتقالية بالسودان من ضمن الأسباب التي ساهمت في تأخر تشكيل حكومة وطنية مستقلة تحظى بدعم شعبي وحزبي، فالمؤسسة العسكرية أكدت عدم تركها السلطة خلال المرحلة الانتقالية الراهنة وحتى إجراء انتخابات برلمانية في 2023، في حين تطالب قوى الحرية والتغيير في إعلانها السياسي الصادر في 14 ديسمبر الجاري والذي قامت بتسليمه لرئيس الوزراء “حمدوك” بإسقاط إجراءات 25 أكتوبر، والمطالبة بتقليص عدد أعضاء مجلس السيادة الانتقالي إلى 6 أعضاء فقط بقيادة مدنية، والمطالبة بدمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي للبلاد، وهي مطالب يرفضها الجيش السوداني. وفي ظل التناقض والتباين في رؤى المكون المدني والمكون العسكري والذي كان سبباً رئيسياً في دفع الجيش السوداني للقيام بالإجراءات التي اتخذها في 25 أكتوبر الماضي بعد اتهامه القوى السياسية والمدنية بعرقلة إنجاز مهام الفترة الانتقالية الحالية، تتأخر عملية تشكيل الحكومة الجديدة؛ إذ يؤثر هذا التباين سلباً على عملية ترشيح أعضاء الحكومة المزمع تشكيلها وأيضاً إثارة مخاوف وقلق من يرغب في الموافقة على الانضمام للحكومة القادمة في ظل المخاوف من الفشل.

فرص متاحة

وفي إطار المعطيات الراهنة فإن هناك بعض الفرص المتاحة لتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة “عبدالله حمدوك”، في أقرب وقت ممكن، وذلك استناداً إلى ما يلي: 

1- الإعلان السياسي الصادر عن قوى الحرية والتغيير: والذي تضمن الإشارة إلى تأييد الحكومة التي سيقوم بتشكيلها رئيس الوزراء “عبدالله حمدوك”، وهو ما يوفر حافزاً للأخير من أجل الإسراع نحو تشكيل حكومة جديدة، خاصة وأن قوى الحرية والتغيير سوف تقدم لها الدعم السياسي اللازم لشرعنتها ومساعدتها على أداء مهامها، إلا أن هذا الدافع يواجهه في المقابل اعتراض مجموعة “الإصلاح” أو “التوافق” المنشقة عن قوى الحرية والتغيير التي أعلنت رفضها للإعلان السياسي الصادر عن قوى الحرية والتغيير، وأنه تم إصداره دون علمها أو موافقتها عليه، الأمر الذي يهدد باستمرار الانقسام الحاصل بين الأحزاب والقوى السياسية والجماعات المسلحة التي يجب أن تدعم جهود “عبدالله حمدوك”.

2- تنامي الضغوط الداخلية والخارجية: من شأن استمرار الضغوط الراهنة على المستويين الداخلي والخارجي على المكون العسكري ورئيس الوزراء “عبدالله حمدوك” أن تدفع في اتجاه الإسراع نحو تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة جديدة، خاصة وأن البلاد تواجهها أزمات داخلية جمة على كافة المستويات، ولا سيما الاقتصادية والاجتماعية والصحية، وهو ما يتطلب وجود حكومة قادرة على مواجهة هذه الأزمات وتقديم حلول فاعلة لها، إلا أن ذلك يتطلب تحقيق الاستقرار السياسي داخل البلاد التي تشهد تظاهرات شعبية متواصلة منذ شهر أكتوبر الماضي تعبيراً عن رفضها إجراءات 25 أكتوبر، ضد السلطة المدنية، ورفضاً للاتفاق السياسي الموقع في نوفمبر الماضي، كما أن المساعدات الاقتصادية والحصول على القروض من الجهات والمؤسسات الدولية المانحة مشروط بتشكيل حكومة مدنية جديدة، وبالتالي فإن الأوضاع الاقتصادية المتردية تمثل دافعاً للتسريع في عملية تشكيل الحكومة الجديدة.

3- الدعم الدولي للاتفاق السياسي: حيث أعرب عدد من القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وروسيا، دعمهم للاتفاق السياسي الذي تم توقيعه في 21 نوفمبر الماضي بين الفريق “البرهان” ورئيس الوزراء “عبدالله حمدوك”، وذلك بهدف إنجاح فترة الانتقال وصولاً لدولة مدنية عبر انتخابات حرة ونزيهة. وفي هذا الإطار، عبّرت موسكو عن دعمها للإجراءات التي تقوم بها المؤسسة العسكرية السودانية في الفترة الأخيرة خلال الاتصال الذي أجراه وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق “البرهان”، وإعراب موسكو عن دعمها لكافة الإجراءات والسياسات التي يتخذها الفريق “البرهان”، والتأكيد على أهمية مواصلة تنفيذ الاتفاقيات الخاصة بتعزيز التعاون الثنائي بين الخرطوم وموسكو، وفي ذلك مؤشر هام على الاهتمام الدولي بتحقيق الاستقرار السياسي داخل السودان، حفاظاً على مصالحها الاستراتيجية بالسودان.

معضلة التوافق

خلاصة القول، تكشف المعطيات الراهنة عن معاناة السودان من غياب واضح للتوافق بين الأطراف السياسية، بما فيها المكونان المدني والعسكري، وما ترتب على ذلك من غياب لرؤية سياسية شاملة بشأن وضع معايير أو آليات محددة لتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة “حمدوك”، وترجح حالة الاحتقان السياسي داخل المجتمع السوداني استمرار التأخر في تشكيل حكومة جديدة، في ظل غياب الدعم السياسي والشعبي، الأمر الذي من شأنه زيادة تعقيد الأزمة السياسية الراهنة في السودان.