لماذا أجرى «العليمي» إصلاحات في السلطة القضائية اليمنية؟

إعادة هيكلة:

لماذا أجرى «العليمي» إصلاحات في السلطة القضائية اليمنية؟



أجرى رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني “رشاد العليمي”، في الرابع من أغسطس 2022، في إطار مساعيه لإعادة هيكلة مؤسسات الدولة في العاصمة المؤقتة عدن وتصحيح مسار الشرعية اليمنية، حزمة من التغييرات في السلطة القضائية، ومجلس القضاء الأعلى، والمحكمة العليا، وهيئة التفتيش القضائي، وهذا استناداً لجملة من الأسباب، منها: اجتثاث جذور حزب الإصلاح الإخواني من المؤسسات القضائية، وتعزيز استقلالية المؤسسات القضائية، وتوحيد الجبهة القضائية لمواجهة التنظيمات الإرهابية، والاستجابة لمطالب القوى الشعبية والقضائية، وحشد الدعم الإقليمي والدولي للمجلس الرئاسي، وتعزيز مكانة المرأة اليمنية في المؤسسات القضائية.   

تأتي تغييرات السلطة القضائية التي أجراها رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني “رشاد العليمي” بعد حزمة من التعديلات أجراها “العليمي” في 28 يوليو 2022 على مستوى الوزراء والمحافظين ومديري الأمن، كما أنها تأتي بعد إعلان منظمة الأمم المتحدة عن موافقة أطراف النزاع في اليمن على تمديد الهدنة الأممية لمدة شهرين إضافيين بحيث تنتهي في 2 أكتوبر 2022، وهو ما يؤكد إصرار الرئيس اليمني على أن نجاح مهام المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد، لن يتم إلا بإعادة هيكلة جميع مؤسسات الدولة، آملاً في إخراج البلاد من الأزمات المتفاقمة التي تشهدها جراء الحرب المستمرة منذ أكثر من سبع سنوات، وتكثيف الجهود الهادفة لمواجهة جميع التنظيمات الإرهابية التي تريد العبث بأمن واستقرار الدولة اليمنية لتنفيذ أجندات خارجية ساهمت في إغراق البلاد في مستنقع الفوضى والفساد، وأعاقت عمليات الجيش الوطني اليمني لتحرير المحافظات اليمنية من قبضة مليشيا الحوثي الانقلابية.

وشملت تعديلات القضاء التي تم إصدارها وفقاً للقرار رقم 21 و22 لسنة 2022، وبعد الحصول على توافق مختلف القوى والتيارات السياسية المعنية؛ تعيين “محسن يحيى طالب أبو بكر” رئيساً لمجلس القضاء الأعلى، و”علي عطبوش عوض” أميناً عاماً لمجلس القضاء الأعلى، و”ناظم حسين سالم” رئيساً لهيئة التفتيش القضائي، و”سهل محمد حمزة” نائباً رئيس المحكمة العليا، و”فوزي علي سيف” في منصب المحامي العام الأول، بجانب تغييرات شملت عدداً من القضاة كأعضاء، سواء في المحكمة العليا، أو مجلس القضاء الأعلى، أو هيئة التفتيش القضائي.

وفي ظل هذه التطورات، يمكن القول إن هناك مجموعة من الأسباب وراء إجراء الرئيس اليمني تغييرات في السلطة القضائية، من أبرزها ما يلي:

إقصاء الإخوان

1- اجتثاث جذور حزب الإصلاح الإخواني من المؤسسات القضائية: قام القضاة الموالون لحزب الإصلاح الإخواني منذ هيمنتهم على عملية صنع القرار داخل مؤسسات الدولة إبان حكم الرئيس اليمني السابق “عبدربه منصور هادي”، بالعمل على تعطيل عمل المحاكم والأجهزة القضائية المختلفة، خاصة في محافظة تعز الواقعة تحت سيطرتهم للتغطية على جرائمهم وجرائم الموالين لهم، بل وقمع موجة الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها تعز جراء رفض المواطنين لفساد الإخوان، وهو ما دفع تلك الجماعة في مارس 2022 لاستبدال بعض رؤساء المحاكم والنيابات بآخرين موالين لهم يحافظون عليهم من الغضب الشعبي، لأن وجود قضاء هش يعني قيام الإخوان بمزيد من الفساد المالي والإداري.

ولهذا توجه “العليمي” في هذا التوقيت لتطهير مؤسسات القضاء من الإخوان، للقضاء على أشكال الفساد كافة التي قام بها عناصر هذه الجماعة خلال السنوات الماضية، ومساعيهم الحالية لعرقلة جهود المجلس وتشويه صورته. ويبدو أن هذا التوجه أزعج قيادات الإخوان خاصة بعد خسارتهم أعلى مناصب السلطة القضائية، وعلى رأسهم رئيس المحكمة العليا “حمود الهتار” المعروف بـ”الممثل الرئيسي للإخوان والتنظيمات المتطرفة في السلطات القضائية”، الذي انتقد قرار إقالته، بل وطالب بعدم انتهاك استقلالية القضاء، كما أصدر حزب الإصلاح الإخواني بياناً في 7 أغسطس 2022، للإعراب عن استنكاره لقرارات “العليمي” معتبراً أن تلك التغييرات هي “إقصاء متعمد لكوادره”. وجاء في بيان الحزب: “نتمسك بحقنا في الشراكة في العملية السياسية، ونستنكر الإقصاء المتعمد للحزب وكوادره من المناصب والتعيينات، وتجاهل تضحياته الوطنية ودوره في مقاومة مليشيا الحوثي”.

تصحيح الأوضاع

2- التأكيد على استقلالية السلطة القضائية: تهدف تلك التغييرات إلى تصحيح مسار عمل السلطة القضائية بما يتلاءم مع الدستور وبما يعزز استقلالية القضاء، وهذا ما أكده “العليمي” خلال اجتماعه مع أعضاء السلطة القضائية وعدد من نوابه بالمحافظة المؤقتة عدن في 8 أغسطس 2022، قائلاً: “استقلال القضاء هو السياج الحصين لسيادة القانون، وإحدى الضمانات الهامة للشرعية الدستورية، وتعزيز هيبة الدولة، ومكافحة الفساد، وردع أي محاولة لإساءة استخدام السلطة”، وهو ما سبق وأكده رئيس الوزراء اليمني “معين عبدالملك” خلال زيارته لمحكمة الاستئناف بعدن، في مايو 2022، من أن حكومته تكثف جهودها لضمان استقلال القضاء ومنع الأطراف الخارجية من المساس بحيادية القضاء، وإزالة جميع العقبات التي تعطل عمل المحاكم والنيابات بما يؤهلها للبت في قضايا الموطنين بحيادية.

والدافع وراء ذلك هو أن سيطرة الإخوان على المؤسسات القضائية ساهم في ممارسة بعض القضاة المحسوبين على الجماعة للعمل السياسي أكثر من العمل القضائي، إذ قام عناصر الإخوان في الحكومة الشرعية اليمنية إبان فترة حكم “هادي” في اتباع نظام “المحسوبيات” في تعيين بعض القضاة، وهذا بدوره أدى إلى إفساد السلك القضائي وعرقلة تنفيذ بعض أحكام القضاء، وعدم البت قضائياً حتى الآن في العديد من الجرائم خاصة في المحاكم الواقعة تحت سيطرة الإخوان، وتعطيل عمل المحاكم وتحديداً في محافظات تعز، ومأرب، وشبوة، وهو ما نجم عنه ارتفاع معدلات الجرائم والانتهاكات بحق المواطنين في هذه المحافظات، ولذلك شهدت مدينة تعز الخاضعة للإخوان في مارس 2022 موجة من التظاهرات، لمطالبة السلطات الأمنية والعسكرية بالقبض على بعض الجناة الموالين للإخوان والذين ارتكبوا انتهاكات جسيمة بحق المواطنين في تعز وتقديمهم للسلطات القضائية.

مواجهة الإرهاب

3- توحيد الجبهة القضائية لمواجهة التنظيمات الإرهابية: أبرزت تعيينات القضاة أن الرئيس اليمني ركز في اختياراته على قضاة يكون ولاؤهم الأول والأخير للدولة اليمنية، من أجل توحيد الصف الجمهوري والقضاء على أية انقسامات أو خلافات في صفوف المؤسسة القضائية، والقضاء على الجماعات الإرهابية التي تعمل لصالح أجندات خارجية تعرقل مسار العملية الانتقالية التي تمر بها البلاد، ومحاكمة جميع العناصر المتطرفة دون استثناء. فرغم أن تنظيمي القاعدة والحوثي نفذا خلال السنوات الماضية عمليات إرهابية وانتهاكات بحق المدنيين في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الإخوان، إلا أنه لم يتم محاسبة تلك التنظيمات، وهو ما جعلها تتمادى في جرائمها المتطرفة، ويرجع ذلك للعلاقة التي تجمع تلك التنظيمات بحزب الإصلاح الإخواني المتهم أيضاً بإخفاء أو قتل أو قمع القضاة الذين يفكرون في محاكمة بعض المحسوبين على الجماعة.

ويأتي هذا التغيير في محاولة من قبل “العليمي” لإعادة تصحيح الفقرة التي تعمد رئيس المحكمة العليا القاضي الإخواني السابق “حمود الهتار” وضعها في مسودة القواعد المنظمة لأعمال المجلس، والتي تنص على اعتماد آلية الحوار مع العناصر الإرهابية، ويرجع هذا لاستغلال “الهتار” خلال السنوات الماضية عمله في مختلف المناصب القضائية لتوطيد علاقات التعاون بين الإخوان والجماعات المتطرفة وعلى رأسهم تنظيم القاعدة، ولذلك فإن توحيد الجبهة القضائية سيُسهم في إعادة تفعيل عمل جميع المحاكم وهيئات التفتيش، وتسوية أي نزاعات مستقبلية، والعمل على تكريس مبدأ “المواطنة المتساوية” من خلال البت في جميع قضايا المواطنين دون أي تمييز أو استثناء، وعدم منح الفرصة للجماعات المتطرفة للتغلغل داخل المؤسسات القضائية.

تعزيز الثقة

4- احتواء غضب القوى الشعبية والقضائية: تهدف تلك التعيينات إلى تعزيز الثقة الشعبية في مؤسسات الدولة، خاصة أنها جاءت استجابة لمطالب القوى الشعبية والقضائية التي حثت “العليمي” مؤخراً على ضرورة إبعاد الإخوان عن الأجهزة القضائية، كما طالب المواطنون في احتجاجات شعبية بالمحافظات الواقعة تحت سيطرة الإخوان، المجلس الرئاسي بإصلاح السلطة القضائية وتطهيرها من الفاسدين الذين يعرقلون تنفيذ أسس العدالة في البلاد لصالح أجندتهم الخارجية، ودعا “اتحاد قضاة اليمن” في 3 أغسطس 2022، المجلس الرئاسي باستبعاد جميع القضاة الذي يعطلون عمل المحاكم والنيابات وباقي المؤسسات القضائية، والعمل من أجل حصول المواطنين على جميع حقوقهم. وعقب إعلان الرئيس اليمني عن التغييرات الجديدة، رحب بها نادي القضاة الجنوبي، وطالب على لسان متحدثه الرسمي القاضي “شاكر محفوظ بنش” باستكمال هذه التعديلات بما يلبي المتطلبات المعيشية لأعضاء السلطة القضائية من خلال تحسين رواتبهم وتصحيح أوضاع السلطة القضائية.

توجه خارجي

5- حشد الدعم الإقليمي والدولي للمجلس الرئاسي اليمني: أراد “العليمي” من خلال تغييرات السلطة القضائية إيصال رسالة إلى مختلف القوى الإقليمية والدولية مفادها أن اليمن في الوقت الحالي تحكمه مؤسسات شرعية هدفها الأساسي العمل على استعادة الدولة من جميع التنظيمات الإرهابية، وإحلال جهود السلام وتعزيز الأمن والاستقرار بالأراضي اليمنية، وهو ما سبق وأكده خلال قمة جدة التي عُقدت في المملكة العربية السعودية منتصف يوليو 2022 وحضرها الرئيس الأمريكي “جو بايدن” الذي دعا وقتها لضرورة التوصل لحل سياسي ينهي الأزمة اليمنية من خلال الهدنة الأممية، وهو ما دفع الرئيس اليمني لاستغلال فرصة الاتفاق على تمديد الهدنة الأممية في 2 أغسطس 2022 لمدة شهرين إضافيين بحيث تنتهي في 2 أكتوبر 2022، لإعادة ترتيب وتصحيح أوضاع مؤسسات الدولة التي تعاني من اختلالات وانقسامات وعلى رأسها المؤسسة القضائية، مستخدماً الصلاحيات التي تمنحه الحق في تعيين القضاة بمختلف المؤسسات القضائية، لدحض مزاعم الإخوان بأن هذه التغييرات غير قانونية ومخالفة للدستور.

صعود نسائي

6- تعزيز مكانة المرأة اليمنية في المؤسسات القضائية: شملت تغييرات السلطة القضائية، تعيين القاضية “صباح أحمد صالح العلواني” في عضوية المجلس الأعلى للقضاء (أعلى هيئة إدارية)، لتكون بذلك أول امرأة تتولى هذا المنصب في تاريخ اليمن منذ تعيين القاضية “سامية عبدالله مهدي” في 2006 كعضو في المحكمة العليا كأول امرأة تتقلد هذا المنصب، ويعكس هذا توجه “العليمي” لإعادة تمكين المرأة وتعزيز دورها في جميع مؤسسات الدولة ومراكز صنع القرار، وهو ما رحب به كثير من الحقوقيين ونشطاء المجتمع المدني الذي أكدوا على وسائل التواصل الاجتماعي أن تعيين “العلواني” في هذا المنصب يعد “مكسباً كبيراً للمرأة اليمنية”، بل وسيسهم في توجيه ضربة للتنظيمات التي لطالما عملت على تهميش المرأة، فضلاً عن أن اختيار “صباح العلواني” تحديداً يرجع لدورها خلال السنوات الماضية في تفنيد جميع الشائعات التي كان يروج لها باستمرار الإخوان والحوثيون لعرقلة عمل أجهزة الدولة.

خلاصة القول، إن التغييرات الهيكلية التي يقوم بها رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني “رشاد العليمي” خلال الفترة الحالية تكشف عن إصراره على اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية التي تُسهم في محاربة كافة أشكال الفساد داخل مؤسسات الدولة، وتضييق الخناق على حزب الإصلاح الإخواني لإقصائه من الساحة السياسية اليمنية، ولهذا من المتوقع أن يقوم “العليمي” خلال الأيام القليلة المقبلة بالعديد من الإصلاحات، وهذه المرة ستشمل الأجهزة الأمنية والعسكرية بعد الحصول على توافق جميع المكونات السياسية، لإعادة هيكلتها من جديد، وتوحيدها تحت قيادة واحدة يكون هدفها الأساسي توحيد الجهود لإنهاء الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة اليمنية.