كيف نجحت إجراءات الحكومة الجزائرية لمكافحة الإرهاب؟

ضربات استباقية:

كيف نجحت إجراءات الحكومة الجزائرية لمكافحة الإرهاب؟



أعلنت وزارة الداخلية الجزائرية، في 8 ديسمبر 2021، نجاح قوات مكافحة الإرهاب في تفكيك خلية إرهابية واعتقال 9 من عناصرها ينتمون لتنظيم “رشاد” في ولاية “وهران” الواقعة غرب البلاد، وعقب القبض عليهم أصدرت محكمة وهران بإيداع 6 منهم في الحبس المؤقت، وإيداع الثلاثة الباقين تحت الرقابة القضائية.

إجراءات متعددة

جاء الإعلان عن تفكيك الخلية الإرهابية التابعة لتنظيم “رشاد” في إطار مجموعة من الإجراءات التي تتخذها الحكومة الجزائرية الحالية برئاسة “أيمن بن عبدالرحمن” لمكافحة التنظيمات الإرهابية داخل البلاد، ومن أبرز هذه الإجراءات ما يلي:

1- توسيع قائمة التنظيمات الإرهابية: فمع التطورات الأمنية التي أثارت قلق النظام السياسي الجزائري برئاسة “عبدالمجيد تبون”، بادر الرئيس “تبون” بإصدار أوامره للحكومة السابقة برئاسة “عبدالعزيز جراد” بتتبع ورصد أنشطة التنظيمات المسلحة داخل البلاد، وفي هذا الإطار قرر المجلس الأعلى للأمن الجزائري في مايو 2021 قراراً بتصنيف تنظيم “رشاد” تنظيماً إرهابياً إلى جانب تنظيم “ماك” الانفصالي، وذلك بعد توافر معلومات أمنية واستخباراتية بتورط هذين التنظيمين بالتسبب في اشتعال الحرائق بالغابات الجزائرية، وإثارة القلاقل وتوظيف المسيرات الأسبوعية لقوى الحراك الشعبي من أجل زعزعة الاستقرار الأمني داخل البلاد، ومن ثم تم إدراج هذين التنظيمين في قائمة التنظيمات الإرهابية داخل الجزائر والتي تشمل “الجبهة الإرهابية للإنقاذ” وتنظيمي “القاعدة” و”داعش”.

2- توجيه ضربات لمواقع تجمع التنظيمات الإرهابية: تعتمد الجزائر على تطبيق استراتيجية أمنية خاصة لمكافحة مخاطر التنظيمات الإرهابية داخل البلاد، وذلك من خلال توجيه ضربات استباقية لمواقع ومناطق تمركز هذه التنظيمات في الداخل، حيث نجحت هذه السياسة في الكشف عن العديد من الخلايا الإرهابية النائمة التابعة للتنظيمات الإرهابية مثل تنظيم “داعش” و”القاعدة”. وفي نوفمبر الماضي تم تفكيك خلية إرهابية تابعة لتنظيم “رشاد” مكونة من 21 شخصاً بولاية “المدية” الواقعة جنوب البلاد. وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية في بيان صادر لها، في 8 ديسمبر الجاري، أن وحدات الجيش الوطني نجحت خلال الأسبوع الأول من ديسمبر الجاري في تنفيذ عدة عمليات أمنية اتّسمت بالدقة والاحترافية في مجال مواجهة التنظيمات الإرهابية وتفكيك الخلايا النائمة داخل البلاد، وشملت توقيف 27 عنصراً إرهابياً.

3- محاربة الفتاوى الدينية المغلوطة: إذ تقوم وزارة الشؤون الدينية بإيلاء اهتمام خاص لمسألة القضاء على ما يُعرف في الجزائر بـ”فوضى الفتوى” وذلك بعدما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وداخل بعض المساجد والجامعات ما يُعرف بالفتاوى الدينية المحلية التي تتسبب في نشر بعض الأفكار الدينية المغلوطة التي قد تستغلها بعض التنظيمات الإرهابية لجذب عناصر جديدة من الشباب إليها وتوظيفها في نشر الإرهاب والتطرف داخل البلاد، وهو ما دفع وزارة الشؤون الدينية لإصدار تعليمات لأئمة المساجد وموظفي الشؤون الدينية في مختلف الولايات من أجل التصدي للفتاوى الدينية التكفيرية.

4- سحب الجنسية من المتورطين في الأنشطة الإرهابية: وفي إطار التشريعات التي تصدرها الحكومة الجزائرية لمكافحة الإرهاب، تم صياغة قانون قبل تسعة أشهر يُتيح سحب الجنسية الجزائرية (الأصلية والمكتسبة) من المواطنين الجزائريين المقيمين خارج البلاد ممن يتورطون في ارتكاب جرائم تتعلق بالانخراط في أنشطة إرهابية، سواء القيام بعمليات إرهابية أو تمويل تنظيمات إرهابية، وكذلك التعاون مع دول معادية، وذلك في محاولة من القيادة السياسية الجزائرية لمكافحة الإرهاب داخل وخارج البلاد، وقد استشهدت الجزائر في هذا الإجراء بحالات مماثلة في بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا والمملكة العربية السعودية، وترى الجزائر أهمية تطبيق هذا الإجراء في ظل وجود حوالي 6 ملايين جزائري يعيشون في فرنسا.

5- إجراء تعديلات دستورية للسماح بشن عمليات عسكرية خارجية: حيث نصت التعديلات الدستورية الأخيرة التي وافق عليها الشعب الجزائري وتم إقرارها في نوفمبر 2020، على السماح للجيش الجزائري بشن عمليات عسكرية خارج البلاد في إطار عمليات حفظ السلام تحت إشراف الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي أو جامعة الدول العربية، واشترطت للقيام بذلك موافقة البرلمان على ذلك أولاً (وفقاً للمادة 31 من الدستور الحالي)، وهذه التعديلات تُعد مؤشراً هاماً على استعداد الدولة الجزائرية للدفاع وحماية أمنها القومي ضد أية تهديدات أو مخاطر أمنية نابعة من التنظيمات الإرهابية المتربصة بالبلاد على حدودها المشتركة، سواء مع ليبيا أو مع دول منطقة الساحل والصحراء (النيجر، مالي، تشاد، موريتانيا، بوركينافاسو).

6- التنسيق مع فرنسا لمكافحة الإرهاب العابر للحدود: وفي ظل الإجراءات الداخلية التي تتخذها الحكومات الجزائرية المتعاقبة لمكافحة الإرهاب، فإنه يتم التنسيق والتعاون الأمني والعسكري مع بعض القوى الدولية مثل فرنسا لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، وذلك في محاولة جزائرية فرنسية لتحييد قدرات التنظيمات الإرهابية، وخاصة “داعش” و”القاعدة”، على تنفيذ عمليات إرهابية داخل الجزائر أو استهداف المصالح الفرنسية في القارة الإفريقية، ومنع تسلل العناصر الإرهابية من ليبيا ومنطقة الساحل والصحراء إلى الأراضي الجزائرية. ورغم تصاعد التوتر السياسي بين فرنسا والجزائر خلال الفترة الأخيرة؛ إلا أن ذلك لا يمنع من استمرار التعاون الثنائي بينهما على المستوى الأمني في مجال مكافحة الإرهاب، ولعلّ زيارة وزير الخارجية الفرنسي “جان إيف لودريان” الحالية للجزائر ستؤدي لاستئناف هذا التعاون المشترك.

أهداف ثلاثة

تهدف الإجراءات التي تتخذها السلطات الجزائرية إلى تحقيق عددٍ من الأهداف على المستوى الأمني، ومن أبرزها ما يلي:

1- تجفيف منابع الإرهاب: تُشير العمليات الأمنية التي نفذتها الأجهزة الأمنية المعنية بمكافحة الإرهاب إلى تبني الحكومة الجزائرية استراتيجية أمنية تهدف إلى تجفيف منابع الإرهاب داخل البلاد، ومن مؤشرات ذلك الإعلان المتكرر عن تفكيك الخلايا الإرهابية التابعة لتنظيم “رشاد” خلال الشهرين الماضيين في عددٍ من الولايات الجزائرية.

2- تحييد قدرات تنظيم “رشاد”: من شأن إعلان وزارة الداخلية بشكل دوري عن تكفيك بعض الخلايا التابعة لتنظيم “رشاد” الإرهابي، وإلقاء القبض على عناصر موالين لهذا التنظيم؛ أن يؤدي إلى تحييد قدرات هذا التنظيم على التخطيط وإعادة ترتيب صفوفه، وفي الوقت نفسه إيصال رسالة إلى المنتمين لهذا التنظيم بالتنصل من الانتماء له، وأيضاً منع هذا التنظيم من تلقي أي نوع من أنواع الدعم المالي أو العسكري من بعض الجهات الخارجية واستخدام ذلك في تهديد الاستقرار الأمني داخل البلاد.

3- حماية الأمن القومي للبلاد: يأتي الكشف عن الخلايا والتنظيمات الإرهابية داخل البلاد بشكل مستمر ليؤكد على شكوك النظام السياسي والمؤسسة العسكرية بوجود تهديدات ومخاطر أمنية تهدد الأمن القومي للبلاد، حيث دأبت السلطة طوال العامين الماضيين على التأكيد لفكرة وجود مؤامرات ومخططات تعدها بعض الجهات الخارجية بالتعاون مع تنظيمات إرهابية في الداخل تستهدف زعزعة الاستقرار الأمني بالداخل، وهو ما اتضح في اتهام تنظيمي “ماك” و”رشاد” بالتعاون مع بعض الأطراف الخارجية لإحراق الغابات وتهديد الأمن القومي الجزائري، وهو ما استندت إليه الجزائر في قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب في شهر أغسطس الماضي.

خلاصة القول، تشير عملية تفكيك الخلية التابعة لتنظيم “رشاد” الإرهابي إلى نجاح الاستراتيجية الأمنية التي تتبعها السلطات الجزائرية في مواجهة التنظيمات الإرهابية التي تهدد الأمن القومي للبلاد، من خلال تطبيق استراتيجية الضربات الاستباقية للكشف عن مزيد من الخلايا الإرهابية داخل البلاد خلال الفترة المقبلة.