كيف توظف التنظيمات الإرهابية الطائرات المسيّرة لصالحها؟

موازنة المعادلة:

كيف توظف التنظيمات الإرهابية الطائرات المسيّرة لصالحها؟



شكلت الضربات الجوية ضد التنظيمات الإرهابية، حالة تفوق كبيرة في المواجهات بين تلك التنظيمات والقوات العسكرية المحلية في الدول التي تشهد نشاطاً إرهابياً أو القوات الأجنبية المنخرطة في العمليات العسكرية مثل عمليات “التحالف الدولي” لمواجهة “داعش” بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما كان سبباً في اتجاه التنظيمات الإرهابية إلى محاولة توظيف الطائرات من دون طيار “المسيرة”، خاصة بعد التوسع في استخدامها لأغراض عسكرية وغير عسكرية عالمياً.

وفي حين تتعدد التنظيمات الإرهابية والمليشيات المسلحة التي امتلكت طائرات مسيرة خلال السنوات القليلة الماضية، في المعارك والعمليات الإرهابية، مثل “الحوثيين” أو “حزب الله” أو مليشيات في العراق؛ فإن امتلاك تلك التنظيمات طائرات مسيرة يبدو مفهوماً في ضوء علاقاتها بإيران، ولكن يمكن التركيز هنا على التنظيمات الإرهابية التي تنتمي للمشروع “الجهادي”، وخاصة تنظيمي “القاعدة” و”داعش” وأفرعهما المختلفة التي استخدمت ذلك النوع من الطائرات.

وكان أحد أبرز الأمثلة على تلك المساعي، إعلان فرع تنظيم “القاعدة” في اليمن المعروف بـ”القاعدة في جزيرة العرب”، تنفيذ عمليات إرهابية باستخدام طائرات مسيرة في اليمن، إذ زعم تنفيذ عمليتين خلال شهر يونيو الجاري، لاستهداف القوات العسكرية في محافظة شبوة، وسبق أن أعلن التنظيم عن أول عملياته باستخدام الطائرات المسيرة في محافظة شبوة، التي تركزت فيها العمليات من هذا النوع خلال شهر مايو الفائت.

سمات رئيسية

رغم تعدد حالات استخدام التنظيمات الإرهابية على تنوعاتها للطائرات المسيرة، إلى عدد من السمات المشتركة، وتحديداً تلك المنتمية للمشروع “الجهادي”، وأبرزها:

1- استخدام طائرات تجارية غير مسلحة: تعتمد التنظيمات الإرهابية على تشغيل طائرات مسيرة تجارية صغيرة، والتي يمكن الحصول عليها من خلال عمليات شراء عبر وسطاء وتهريبها إلى مناطق سيطرة تلك التنظيمات، خاصة أن تلك التنظيمات تتعاون وتتداخل مع شبكات تهريب عابرة للحدود.

ولكن في الوقت ذاته، فإن الطائرات ذات القدرات القتالية لتنفيذ عمليات قصف صاروخي موجه لم تظهر في المعارك أو العمليات التي تنفذها تلك التنظيمات بالطائرات المسيرة، وتحديداً لدى تنظيم “داعش” و”القاعدة”، وفي المقابل فإن التنظيمات المرتبطة بإيران تستخدم طائرات ذات قدرات أكبر.

وخلال نوفمبر 2022، أقدمت وزارة الخزانة الأمريكية على إدراج شبكة بقوائم الإرهاب قدمت الدعم المالي والفني واللوجيستي لفرع “داعش” في موزمبيق. ووفقاً لتقديرات غربية فإن الشبكات ربما قدمت احتياجات لوجيستية، مثل الدراجات النارية والهواتف والطائرات المسيرة، خاصة أن فرع “داعش” بموزمبيق المسمى “ولاية موزمبيق” أعلن أكثر من مرة عن استخدام الطائرات المسيرة في عمليات استطلاع أماكن القوات العسكرية.

2- محدودية الاعتماد على الطائرات المسيرة: رغم امتلاك بعض التنظيمات الإرهابية لطائرات مسيرة، وعدم الإعلان عن أنواع تلك الطائرات أو قدراتها القتالية؛ إلا أنه يتضح محدوديةالاعتماد عليهافي النشاط العملياتي خلال العامين الفائتين تحديداً، خاصة وأنها طائرات من النوع التجاري غير المسلحة، ولا تمتلك قدرات عالية في المناورة أو الطيران على ارتفاعات كبيرة.

وكانت أعلى معدلات الاعتماد على الطائرات المسيرة خلال محاولات تنظيم “داعش” التوسع ميدانياً في العراق وسوريا، بغض النظر عن آليات توظيف تلك الطائرات، قبل أن يتراجع اعتماد التنظيمات الإرهابية عليها، وظهورها بصورة لافتة في عدد من الدول الأفريقية، وتحديداً مع أفرع “داعش” في موزمبيق ونيجيريا.

وكان لافتاً أن تنظيم “القاعدة” كان متأخراً عن تنظيم “داعش” في الاعتماد على الطائرات المسيرة، إذ برز استخدام فرع “القاعدة” في اليمن لهذه الطائرات خلال شهر مايو الفائت لأول مرة في عمليات إرهابية، بينما استخدم فرع التنظيم في منطقة الساحل الأفريقي تلك الطائرات في تصوير مقاطع دعائية للتنظيم.

وبشكل عام، فإنه على الرغم من السعي لامتلاك التنظيمات الإرهابية لطائرات مسيرة، فإن التحركات الدولية دفعت لمنع وصول ذلك النوع من الطائرات وحرمان تلك التنظيمات من هذه الميزة النسبية في بعض البيئات التي تواجه القوات المحلية فيها عقبات في تبني استراتيجيات فاعلة لمكافحة الإرهاب.

3- تصميم نماذج محلية وتعديل بعض الطائرات: ونظراً لأن الطائرات المسيرة المستخدمة من قبل التنظيمات الإرهابية هي من النوع التجاري غير المسلح؛ فإن بعض التنظيمات لجأت إلى إدخال تعديلات عليها، لتسليحها، واستخدامها في العمليات التي تنفذها، خاصة وأنها تمثل عامل مفاجأة خلال المعارك الميدانية والهجمات.

وتمكن تنظيم “داعش” من إدخال تعديلات على تلك الطائرات، وتمكينها من حمل متفجرات لاستخدامها في الهجوم على مواقع حصينة مثل الهجوم على قوات سوريا الديمقراطية في الرقة عام 2017، بعد استعادتها السيطرة على مطار الطبقة، فيما نفذ التنظيم العديد من العمليات بدعم من الطائرات المسيرة.

كما أقدمت هيئة “تحرير الشام” على ذلك، وبرز ذلك خلال هجوم على قاعدة روسية بعدد من الطائرات المسيرة المصنعة محلياً، من خلال تجميع محرك صغير وألواح خشبية وصواريخ صغيرة.

4- امتلاك قدرة تمويلية على شراء “المسيرات”: تُعد أسعار الطائرات المسيرةجاذبة للتنظيمات الإرهابية بصورة تجعلها تتجه إلى شراء تلك الطائرات، خاصة مع بساطة وسهولة التشغيل، وعدم الحاجة إلى تدريبات لعناصرها على استخدامها، وبالتالي اتجاه التنظيمات الإرهابية إلى التوسع في شراء ذلك النوع من الطائرات بأعداد ليست قليلة.

ووصل سعر الطائرات المسيرة في سوريا خلال عام 2016، إلى 2300 دولار للطائرة الواحدة الصغيرة لأغراض التصوير من نوع “فانتوم”، مع سهولة الحصول عليها من خلال وكلاء محليين، بما جعلها متاحة أمام مختلف التنظيمات الإرهابية الناشطة في سوريا، وفقاً لتقارير إعلامية.

توظيف متعدد

رغم الميزة النسبية التي توفرها الطائرات المسيرة للتنظيمات الإرهابية، يمكن الإشارة إلى عدد من وظائف تلك الطائرات لدعم النشاط العملياتي لتلك التنظيمات، في ضوء السمات العامة المشار إليها، وأبرزها:

1- استطلاع متقدم للأهداف والقوات العسكرية: في ضوء القدرات الرئيسية للطائرات المسيرة التي تستخدمها التنظيمات الإرهابية، فإنه يمكن توظيفها في سياق عمليات الاستطلاع للأهداف التي ترغب التنظيمات في استهدافها، من خلال استغلال كاميرات تلك الطائرات.

ومن شأن الاعتماد على الطائرات المسيرة في عمليات الاستطلاع، تجنب المخاطر المحتملة من آليات الرصد الروتينية للعناصر، والتي قد تتعرض للانكشاف خلال عملها، كما أن تلك الطائرات تقدم رصداً دقيقاً للأهداف اعتماداً على عمليات التصوير والتسجيل، بما يتيح المراجعة الدقيقة والتخطيط.

كما أن ثمة ميزة رئيسية لاستخدام الطائرات المسيرة في رصد الأهداف، هي قدرتها على الرصد من أعلى الأهداف، وتفاصيل التحركات وأعداد القوات، وطبيعة وشكل التسليح، خاصة عند التخطيط لاستهداف واقتحام مواقع شديدة التحصين، أو مقرات عسكرية، وهو ما يحتاج إلى تحديد عدد العناصر المشاركة في العملية الإرهابية وحجم التسليح المستخدم.

كما يوفر هذا النوع من الطائرات عمليات استطلاع لخطوط تحرك القوات العسكرية، وتنفيذ عمليات لمواجهتها، أو نصب الكمائن لها.
2- تنفيذ عمليات قصف جوي: تمكن تنظيم “داعش” عقب سيطرته على مساحات واسعة من الأراضي بالعراق وسوريا من استقطاب عناصر أجنبية تتسم بالتنوع في القدرات والكفاءات في أكثر من مجال، مما وفر للتنظيم قدرة على إدخال تعديلات على الطائرات المسيرة واستخدامها في عمليات القصف للأهداف.

وتشير تقديرات غربية إلى أن الجهادي البريطاني جنيد حسين، الذي قتل في غارة أمريكية عام 2015، كان أحد أبرز العناصر في تفعيل برنامج الطائرات المسيرة لـ”داعش” بعد انضمامه للتنظيم قادماً من بريطانيا. وكان “حسين” أحد أكثر المطلوبين للولايات المتحدة والتحالف الدولي، لدوره في قيادة مجموعة تابعة لـ”داعش” للتسلل الإلكتروني.

وهنا، فإن “داعش” حاول توظيف عدد من الأجانب في مجال البرمجيات في إدخال تعديلات على الطائرات المسيرة، لتحويلها إلى مسلحة بإمكانها قصف الأهداف، خاصة تلك التي تتسم بصعوبة اقتحامها من قبل عناصر التنظيم ميدانياً.

3- استخدام “المسيرات” في عمليات انتحارية: لجأت بعض التنظيمات، وبالأخص تنظيم “داعش” في العراق وسوريا، إلى استخدام الطائرات المسيرة في العمليات الانتحارية، لاستهداف مواقع حصينة، من خلال حمل تلك الطائرات مواد متفجرة بدلاً من الاعتماد فقط على عنصر بشري انتحاري فقط، وهو ما يؤدي إلى تراجع استنزاف التنظيم لعناصره.

كما يمكن استخدام الطائرات المسيرة في تكتيكات العمليات، من خلال تنفيذ عملية انتحارية على أهداف معينة، لإشغال القوات المشاركة في مكافحة الإرهاب، قبل تنفيذ عملية انتحارية باستخدام عنصر بشري، خاصة وأن صغر حجم الطائرة لا يمكنها من حمل كميات كبيرة من المتفجرات.

4- تحقيق أهداف دعائية لتعزيز النفوذ: توظف التنظيمات الإرهابية الطائرات المسيرة في أبعاد دعائية،من خلال استخدامها في تصوير الهجمات والمعارك مع القوات العسكرية، وكان تنظيم “داعش” أبرز في عدد من إصداراته عقب السيطرة على مناطق بسوريا والعراق عام 2014 والسنوات المتعاقبة، استخدام الطائرات المسيرة لتصوير عناصره خلال العمليات الإرهابية والاقتحامات، وساهم في ذلك العناصر الأجنبية التي انضمت للتنظيم من خارج المنطقة العربية.

ووفقاً لتقديرات غربية، لجأ تنظيم “داعش” إلى استخدام الطائرات المسيرة في إصدارات إعلامية ترويجية لفرعيه في غرب ووسط أفريقيا خلال يناير وأبريل 2022.

تحجيم الوصول

وأخيراً، توفر الطائرات المسيرة ميزة نسبية للتنظيمات الإرهابية خلال النشاط العملياني، في ضوء تعدد مستويات التوظيف لصالح تلك التنظيمات، وتشكل تهديداً أمنياً في البيئات المختلفة، خاصة مع أسعار تلك الطائرات الرخيصة، والإقلاع العمودي لبعض تلك الأنواع، وبالتالي عدم الحاجة إلى منصات إقلاع يمكن رصدها من قبل قوات مكافحة الإرهاب.

ولكن ينطوي استخدام تلك الطائرات على معوقات، في ظل تراجع المصادر التمويلية لبعض التنظيمات وخاصة “داعش”، فضلاً عن إجراءات تشديد الأطراف الدولية القيود على وصول تلك الطائرات إلى التنظيمات الإرهابية، وملاحقة شبكات التهريب التي يمكن أن تساعد في توفير الطائرات المسيرة للتنظيمات الإرهابية، إضافة إلى عدم القدرة حالياً على الحصول على طائرات هجومية كالتي تمتلكها تنظيمات موالية لإيران، ناهيك عن افتقار التنظيمات إلى قدرات لتصنيع طائرات مسيرة هجومية.