كيف تصاعد الجدل بشأن مشروع “تعدين اليورانيوم” في الأردن؟

أمن الطاقة:

كيف تصاعد الجدل بشأن مشروع “تعدين اليورانيوم” في الأردن؟



رغم الفوائد التي تعود على الاقتصاد الأردني، عبر مشروع تعدين اليورانيوم، على الأقل لجهة حل مشكلات الطاقة وندرة المياه التي يعانيها، فضلاً عن توفير فرص عمل جديدة؛ فإن الأمر لا يخلو من تحديات، تتنوع بين التكلفة العالية والمخاوف البيئية والصحية والمعارضة الداخلية للمشروع، بسبب مخاطر استخدام اليورانيوم كمصدر للطاقة، إضافة إلى الاعتراض الدولي، خاصة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، على “تخصيب اليورانيوم” محلياً في الداخل الأردني.

ضمن محاولاته لتنويع مصادره من الطاقة، يعمل الأردن منذ سنوات، في إطار برنامجه النووي، على تنفيذ مشروع “تعدين اليورانيوم”، في مناطق متعددة من أراضيه؛ حيث يمتلك كميات معتبرة من اليورانيوم، لا تضعه فحسب في المرتبة “الحادية عشرة” بين دول العالم، بل وعبر احتياطاته الوازنة تلك يتمكن من جذب استثمارات عالمية لتعدينه، بشكل يتيح وضع البلاد في مرتبة اقتصادية جيدة.

فأمام واقع اقتصادي يُعاني من مديونية تجاوزت 55 مليار دولار، وفي بلد يعتمد على القروض في ظل نسبة بطالة قاربت 25%؛ تبدو احتياطيات اليورانيوم التي يتمتع بها الأردن، والتي تُعد الأولى عربياً، الملاذ الأهم لإنقاذ البلاد من التعثر الاقتصادي، الذي لازمها سنوات طويلة.

أبعاد متشابكة

ثمة أبعاد متعددة ومتشابكة فيما بينها، يستند إليها المشروع الأردني في تعدين اليورانيوم، لعل أهمها ما يلي:

1- ارتفاع عائدات مشروع تعدين اليورانيوم: حيث يتبدّى الهدف من مشروع تعدين اليورانيوم، بحسب رئيس هيئة الطاقة الذرية الأردنية، خالد طوقان، في تصريح لـ”إندبندنت عربية”، في 30 أغسطس الماضي، في إنتاج 800 طن سنوياً، وسط تقديرات بوجود أكثر من 42 ألف طن من اليورانيوم وسط الأردن، مُشيراً إلى أن “هذه الكميات مُدرجة في الكتاب الأحمر للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتُعتبر كميات ضخمة وتجارية”.

وحول العائدات المُنتظرة من المشروع، يؤكد طوقان أن هيئة الطاقة الذرية الأردنية تُقدر العائدات المتوقعة من تعدين اليورانيوم بنحو 40 مليار دولار، هذا فضلاً عن تشكيل المشروع حلاً جذرياً لأزمة الطاقة والمياه في الأردن، من حيث إن الكميات المتوافرة من اليورانيوم “تكفي لإضاءة المملكة 80 عاماً”.

2- تحوّل الأردن إلى مصدر رئيس للوقود: إذ يُعول الأردن من خلال هذا المشروع على أن يُصبح مصدراً رئيساً للوقود النووي في العالم العربي. فبعد أكثر من 12 عاماً من إطلاق مشروع البرنامج النووي الأردني، أعلن خالد طوقان أن شركة تعدين اليورانيوم قد انتهت من إنشاء أول مصنع لليورانيوم في الأردن لإنتاج “الكعكة الصفراء”، مؤكداً أن “كيلو غراماً واحداً منها يكفي لتوليد طاقة تعادل نحو 60 ألف كيلو واط/ساعة”.

وكما يبدو، يسعى الأردن بالاعتماد على خام اليورانيوم المنتشر في صحرائه الشاسعة، إلى التحول لقوة اقتصادية إقليمية، قادرة على تصدير الطاقة إلى دول الجوار وتحقيق عوائد مالية تُساعده في التغلب على العجز الدائم في الموازنة، إضافة إلى أن يُصبح مركزاً إقليمياً لبنك وقود نووي إقليمي للمنطقة العربية، كما يؤكد رئيس هيئة الطاقة الذرية الأردنية.

3- إمكانية توليد الكهرباء وتحلية المياه: فمنذ أعوام طويلة، ومع تواضع حجم الطاقة المتجددة، والتي لا تزيد على 29% فقط، يسعى الأردن جاهداً لبناء مفاعلات نووية لأجل الاستخدامات السلمية في توليد الكهرباء، إضافةً إلى تحلية المياه بصورة مستدامة، خاصةً مع الأزمة التي تمر بها البلاد في هذا الشأن.

والملاحظ، بما يُعتبر حاجة ماسة في بلد يُصنف ضمن أفقر عشر دول في مصادر المياه، اعتماد الأردن على إطلاق مشروعات جديدة، تتضمن تحلية مياه البحر؛ إلا أنه نتيجة المتطلبات الكبيرة لهذه المشروعات من الطاقة، فقد كان التوجّه إلى الاعتماد على مساهمة الطاقة النووية، وصولاً إلى ما يمكن أن يُعبر عن أمن الطاقة والمياه، وذلك بحسب ما يؤكده وزير الطاقة والثروة المعدنية الأردنية، صالح الخرابشة، الأربعاء 30 أغسطس الماضي، الذي يُشير إلى أن بلاده “تقع ضمن الدرع العربي النوبي، الذي يُعتبر من أغنى مناطق العالم بالثروة المعدنية”.

4- محاولة تقليل تكلفة الحصول على الطاقة: فلأن الأردن يعتمد بشكل كبير على واردات النفط والمنتجات النفطية والغاز الطبيعي، من منظور أنه على عكس محيطه الإقليمي لا يمتلك موارد طاقة كبيرة، لذا يُعتبر مشروع تعدين اليورانيوم حيوياً بالنسبة للبلاد، حيث تعتمد عمان على النفط والغاز المستوردين لإنتاج 95% من حاجاتها من الطاقة، وتبدو هذه الحاجة أكثر وضوحاً مع تزايد احتياج البلاد من الطاقة من 4700 ميجاواط حسب تقديرات عام 2020، إلى 12 ألف ميجاواط حسب التوقعات في عام 2037.

هذا بالإضافة إلى ما يضطر الأردن إلى إنفاقه لاستيراد ما يزيد على 93% من إجمالي إمدادات الطاقة، حيث يصل الإنفاق إلى نحو 3.5 مليارات دولار سنوياً، وهو ما يُمثل حوالي 8% من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد، ضاغطاً بذلك على الاقتصاد بشكل كبير، وذلك بحسب دراسة حديثة لأستاذ الاقتصاد الأردني، محمد طربية، نُشرت على موقع “زاوية” في 16 ديسمبر 2022.

تحديات متنوعة

رغم الفوائد التي تعود على الاقتصاد الأردني، عبر مشروع تعدين اليورانيوم، فإن الأمر لا يخلو من تحديات متنوعة تواجه المشروع، لعلّ أهمها هي التالي:

1- التكلفة العالية والمخاوف البيئية والصحية: بينما تُشير الدراسات الجيولوجية إلى جودة خام اليورانيوم في الأردن، لكن في المقابل ثمة معوقات تواجه استخراجه، مثل التكلفة والمخاوف البيئية والصحية المرتبطة بعمليات التعدين وضعف البنية التحتية.

وبحسب مدير عام الشركة الأردنية لمصادر الطاقة الأسبق، نضال الزعبي، في مقال حديث له، على موقع “جراسا” الإخباري الأردني، فإن الدراسات الأولية لتكلفة تعدين اليورانيوم، من خامات وسط الأردن، بيّنت أن “تكلفة الإنتاج تتراوح بين 145-220 دولاراً/كلغم، وهذا يفوق سعر البيع في السوق العالمية الذي يتراوح بين 110-121 دولاراً/كلغم”.

2- مخاطر استخدام اليورانيوم كمصدر للطاقة: فإضافة إلى تحديات من قبيل تطوير الكوادر البشرية، واختيار تكنولوجيا المفاعلات، ومعالجة الآثار البيئية، ثم التخلص الآمن من النفايات النووية الناجمة عن حرق الوقود النووي.. وغيرها؛ فإن مسألة وجود المصادر المائية لتبريد المفاعلات النووية هو أمر لا يمكن تجاوز إشكالياته بسهولة.

إذ إن أزمة المياه التي تحتاجها المفاعلات النووية لأغراض التبريد أثناء التشغيل، سواء في الأحوال العادية، أو في حال ارتفاع مستوى الخطورة لظرف ما، تقني أو إنساني، تُمثل أزمة كبيرة؛ حيث يحتاج كل مفاعل من الجيل الثالث، بحسب الزعبي، إلى حوالي 60 مليون متر مكعب من المياه سنوياً في التشغيل العادي، وكميات تصل إلى ملايين الأمتار المكعبة في حال حدوث خلل في التشغيل.

3- المعارضة الداخلية لمشروع اليورانيوم: إذ إن الخطاب الذي يقدمه عدد من النشطاء المعارضين للبرنامج النووي الأردني عموماً ولمشروع تعدين اليورانيوم بوجه خاص، يتباين ما بين طرح معلومات وتحفظات تعتمد على هذه المعلومات، وما بين خطاب انفعالي يقع أحياناً في إشكالية التحيزات السياسية.

إلا أنّ الأكثر تأثيراً هم أولئك الذي يعدون من خبراء الطاقة، ممن يؤمنون بضرورة وجود الطاقة النووية في الأردن، وفي مقدمتهم نضال الزعبي، مدير عام الشركة الأردنية لمصادر الطاقة الأسبق؛ حيث يقف في الخط المعارض كنوع من التحذير تجاه بعض القرارات المتسرعة التي تتم من قبل إدارة المشروع.

4- الاعتراض الدولي على تخصيب اليورانيوم: حيث يحاول الأردن التوصل إلى اتفاق تعاون نووي سلمي مع الأطراف الدولية المتنفذة، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، ويعود ذلك إلى الإصرار الأمريكي على وضع قيود لمنع تخصيب اليورانيوم محلياً في الأردن، عبر ضغوط متنوعة، لا سيما أنها تُقدم له بعض المنح الاقتصادية، فضلاً عن الدعم السياسي والعسكري الذي يتلقاه منذ توقيع اتفاقية “وادي عربة”، عام 1994، مع إسرائيل.

واللافت أن الأردن يسعى إلى الاتفاق على “حل وسط”، لا يُغضب واشنطن، ولا يُهدد أُسس تحالفه الاستراتيجي معها، وفي الوقت نفسه لا يُريد أن يتنازل عن الحق في تطوير برامج نووية سلمية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

محور أساسي

في هذا السياق، يمكن القول إن البيانات العالمية تُظهر أن الأردن هو الدولة العربية الوحيدة التي تمتلك مخزوناً من اليورانيوم في العالم العربي، يبلغ 1% من المخزون العالمي، ومن ثم تأتي أهمية تعدين اليورانيوم كمشروع يُمثل “المحور الأساس” لدعم الاقتصاد، فضلاً عن توليد الكهرباء وتحلية المياه.

وبرغم التحديات التي تواجه المشروع، فإن الأردن كغيره من الدول غير المنتجة للنفط في الشرق الأوسط، يسعى لأجل التوصل إلى أمن الطاقة؛ حيث إن التوجّه إلى الطاقة النووية واستغلالها يُعتبر بالنسبة إليه مُنقذاً اقتصادياً بديلاً عن الاعتماد على الطاقة المستوردة، التي تضغط تكاليفها على الموازنة الأردنية ضغطاً كبيراً.