كيف أثرت الحرب الروسية الأوكرانية في قطاع الطاقة بالشرق الأوسط؟

تعظيم الفرص:

كيف أثرت الحرب الروسية الأوكرانية في قطاع الطاقة بالشرق الأوسط؟



يطرح مرور عام على الحرب الروسية/ الأوكرانية ضرورة تقييم أوضاع بعض القطاعات الحيوية التي تأثرت بتلك الحرب خلال المدة الماضية، ويُعد قطاع الطاقة بالشرق الأوسط أحد المحاور الرئيسية التي شهدت تحولات متسارعة في هذا الصدد، على رأسها التنسيق المتزايد بين بعض دول المنطقة في قطاع الطاقة تحت كيانات إقليمية ودولية لتعظيم الاستفادة من تبعات الحرب، والاتجاه لزيادة صادرات النفط والغاز لتحقيق معدلات نمو اقتصادي مستدامة، فضلاً عن تعزيز الشركات المحلية العاملة في مجال الطاقة المتجددة لدورها عبر التوسع خارج الحدود؛ الأمر الذي يشير إلى أن قطاع الطاقة في العديد من دول الشرق الأوسط أصبح محور ارتكاز لدعم اقتصاداتها حاليّاً ومستقبلاً.

انعكست تداعيات الحرب الروسية/ الأوكرانية على جميع مناطق العالم بشكل مباشر وغير مباشر، لا سيما أنها تأتي في خضم جائحة “كوفيد-19” التي أبرزت مَواطن القوة والضعف في الاقتصادات العالمية. وتعد منطقة الشرق الأوسط من أبرز المناطق التي شهدت تحولات جوهرية بسبب الحرب في ضوء أنها مصدر رئيسي للنفط والغاز الطبيعي في الأسواق العالمية، بما يجعلها مساهماً رئيسيّاً في تعويض نقص إمدادات الطاقة الروسية، وأيضاً لكونها مصدراً رئيسيّاً محتملاً للطاقة المتجددة في المستقبل، ما زاد التركيز على المنطقة كمسؤول رئيسي عن إمدادات الطاقة العالمية خلال العقود المقبلة.

تقلبات متسارعة

إن موقع منطقة الشرق الأوسط في قلب العالم، ومواردها المتعددة من مصادر الطاقة، طرحا العديد من الأبعاد والتكهنات حول دور المنطقة المستقبلي في إمدادات الطاقة، ولفهم هذا الدور المرتقب وجبت الإشارة إلى تأثيرات الحرب الروسية/ الأوكرانية على سوق الطاقة العالمي، خاصة النفط والغاز؛ لأنهما يشكلان ما يقرب من 55% من مزيج الطاقة العالمي (وفق بيانات منظمة أوبك لعام 2019)، وهو ما يمكن تناوله على النحو الآتي:

1- النفط: انعكس اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية على سعر النفط وإمداداته عالميّاً (انظر شكل رقم 1)، وذلك في ضوء أن روسيا مورد مهم له، حيث جاءت في المركز الثاني كونها أكبر مُصدر له عالميّاً بعد السعودية في 2021، وذلك بنسبة إمدادات قُدرت بنحو 8.5% من إجمالي صادراته (وفق موقع www.worldstopexports.com)، ومن ثَم فإن التغير في سعر النفط ارتبط بشكل رئيسي بتهديد الإمدادات الروسية في السوق العالمية.

يكشف الشكل السابق وتيرة التذبذب الكبيرة في سعر خام النفط عقب اندلاع الحرب الروسية/ الأوكرانية، فقبل اندلاعها كان سعر برميل خام برنت في مستوى الـ 96 دولاراً للبرميل، ليشهد بعدها ارتفاعاً وصل في أقصى حد له إلى نحو 128 دولاراً للبرميل في 8 مارس 2022، بينما أقصى انخفاض له كان في 8 ديسمبر 2022، إذ وصل إلى نحو 76 دولاراً، ليبدأ في الارتفاع مرة أخرى ليتجاوز الـ80 دولاراً في 23 فبراير 2023، ويمكن إرجاع ذلك التذبذب إلى حالة عدم الاستقرار في الاقتصاد العالمي الناتجة عن التصعيد المتواصل بين روسيا وأوكرانيا، وما ارتبط بها من ضغوط غربية على موسكو، كذا حالة عدم اليقين الاقتصادي، والتي دفعت إلى ارتباكات في مستوى العرض والطلب للنفط، وبشكل عام فقد انخفض سعر النفط خلال عام بنحو 16.6% خلال المدة 23 فبراير 2022/ 23 فبراير 2023.

2- الغاز الطبيعي: شهد سعر الغاز تقلبات شديدة بسبب ضغط الحرب في أوكرانيا على أسواق الطاقة خاصة في قارة أوروبا، وذلك في ضوء قطع موسكو إمدادات الغاز عن دول القارة في إطار الضغط المتبادل بين الطرفين، مما انعكس على سعر الغاز الطبيعي (انظر شكل رقم 2).

يكشف الشكل السابق التطور الحادث في سعر الغاز الطبيعي، حيث ارتفع سعر الغاز من نحو 4.6 دولارات للمليون وحدة حرارية بريطانية في 23 فبراير 2022 ليصل إلى 9.85 دولارات كأقصى سعر له في 22 أغسطس 2022، ثم بدأ في التراجع مرة أخرى ليصل إلى 2.42 دولار في 14 فبراير 2023، وهو ما يمكن إرجاعه إلى استقرار مخزونات الغاز الطبيعي الأوروبية، وتعويض الغاز الطبيعي من مصادر أخرى على رأسها دول الشرق الأوسط.

ملامح التحول

دفعت الحرب الروسية الأوكرانية إلى تطور ممارسات وأداء اللاعبين الفاعلين في سوق الطاقة العالمية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، وتتمثل أهم ملامح التأثير التي شهدتها دول المنطقة جراء الحرب في الآتي:

1- زيادة التنسيق لتحقيق التوازن بين العرض والطلب: خلفت جائحة “كوفيد-19” أثراً سلبيّاً على سوق الطاقة العالمية، مما دفع إلى تفعيل عمل المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بقطاع الطاقة، ولعل النموذج الأبرز في هذ الصدد مجموعة “أوبك+” التي أصبحت فاعلاً في سوق الطاقة العالمية بدءاً من مارس 2020، علماً بأنه تم إرساء أسس التعاون للمجموعة؛ أي بين الدول الأعضاء في منظمة “أوبك” مع 10 دول منتجة للنفط خارجها، في نوفمبر 2016، وبعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية شهدت المجموعة تماسكاً بشكل أكبر بسبب الضغوط الغربية على دور روسيا في المجموعة. ويعد قرار “أوبك+” بتخفيض إنتاج النفط بشكل قياسي، بلغ 2 مليون برميل يوميّاً في أكتوبر 2022، دلالة على ذلك التماسك، كما أن مرونة التعاطي مع الصدمات في سوق الطاقة ازدادت بشكل أكبر مما كانت عليه سابقاً.

من جانبها اتخذت دول المنطقة تدابير مكثفة للاستفادة من مواردها الطبيعية من النفط والغاز، وذلك لمواجهة تهديدات أمن الطاقة، والاستفادة من عائدات تصديرهما، كذا خفض تكلفة استيراد الطاقة، وهو ما تجلى بشكل واضح في توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في أكتوبر 2022 بعد مفاوضات دامت لسنوات، بهدف استخراج النفط والغاز من سواحلهما البحرية، وفي ذات السياق اتفقت السعودية والكويت في مارس 2022 على بدء العمل الفعلي في تطوير حقل “الدرة” المشترك الذي تم اكتشافه في ستينيات القرن الماضي، إلا أن الخلاف بشأنه حال دون استغلاله.

وفي سياق مماثل، وقَّعت مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم في يونيو 2022 لزيادة صادرات الغاز الإسرائيلي إلى الاتحاد الأوروبي بعد تسييله في مصر. كما شهد عاما 2022 و2023 توقيع اتفاقات طويلة الأجل تصل إلى 27 عاماً بين مُصدري الغاز “قطر وسلطنة عُمان” مع بعض المستوردين مثل شركات صينية ويابانية، الأمر الذي يعني محاولة خلق علاقات هيكلية بين مُصدري ومستوردي الغاز الطبيعي لما بعد عام 2050، وهو الذي ينعكس بدوره على العرض والطلب المستقبلي لمصادر الطاقة.

2- تزايد صادرات النفط والغاز وانعكاسها على معدلات النمو: تكشف التقديرات المرتبطة بتطور إنتاج النفط والغاز في دول المنطقة عن العلاقة الطردية بين صادرات الطاقة ونمو الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يوضحه الجدول الآتي:

يكشف الجدول السابق عن تزايد حجم صادرات النفط والغاز الطبيعي من دول المنطقة، وذلك من 20.45 مليون برميل نفط ونفط مكافئ يوميّاً في 2021 إلى 23.36 مليون برميل في عام 2022، أي بزيادة 14.2%، ويُذكر أن تلك الزيادة ليست هي السبب الوحيد في زيادة معدلات نمو الدول المصدرة للنفط والغاز، بل توجد عوامل أخرى أبرزها: ارتفاع أسعارهما في السوق العالمية، وتزايد الطلب على مصادر الطاقة، الأمر الذي يلفت إلى أن صادرات الطاقة في المنطقة كانت أحد أهم الرابحين من الحرب الروسية/ الأوكرانية، مما انعكس بدوره إيجابيّاً على ميزانيات الدول المصدِّرة ومعدلات نموها التي تزايدت بشكل ملموس، كما أن ذلك ينعكس بدوره على تزايد اهتمام بعض الدول (مثل: السعودية، والإمارات، وقطر) بتطوير قطاع الطاقة في محيطها الإقليمي لضمان دور أكبر في صناعة الطاقة العالمية مستقبلاً، وفي نفس الوقت ضمان تحقيق معدلات نمو مستدامة.

3- تعزيز دور الشركات المحلية العاملة في مجال الطاقة المتجددة: رسخت الأزمة الأوكرانية أهمية تسريع خطوات الاعتماد على الطاقة المتجددة، وهو ما شجع بدوره الشركات المحلية العاملة في المنطقة في ذلك المجال للتوسع، ليس داخليّاً فحسب، بل إقليميّاً وعالميّاً، ودلل على ذلك الصفقات التي وُقِّعت في عام 2022، ومنها تطوير شركة “أميا باور” الإماراتية لمحطتي طاقة شمسية في المغرب ومحطة طاقة شمسية في جنوب إفريقيا، بينما وقَّعت شركة “أكوا باور” السعودية اتفاقاً لتطوير مشروع الرياح بمنطقة خليج السويس المصرية، كما وقَّعت شركة الفنار السعودية مذكرة تفاهم بهدف بناء محطة للهيدروجين الأخضر في مصر، وامتد ذلك التوجه لعام 2023، حيث أعلنت شركة أبو ظبي لطاقة المستقبل “مصدر” خلال أسبوع أبو ظبي للاستدامة 2023 عن توقيع اتفاقيات مع أنجولا وأوغندا وزامبيا لتطوير مشاريع طاقة متجددة بقدرة إجمالية تصل إلى 5 جيجاواط.

يُشار إلى أن غالبية دول المنطقة تسعى لشغل دور محوري في إنتاج وتصدير الطاقة الخضراء، وصار هذا الهدف يمثل أولوية على خلفية توجه الدول الأوروبية لاستيراد ذلك النوع من الطاقة بسبب وجود العديد من العقبات التي تحول دون إنتاجها بشكل مكثف داخليّاً، منها على سبيل المثال: الحاجة إلى مساحات أراض شاسعة، وعدم استدامة عوامل المناخ المولِّدة لذلك النوع من الطاقة، وارتفاع تكلفة إنتاجه مقارنة ببعض دول الشرق الأوسط، الأمر الذي فرض نوعاً من أنواع التنافس بين شركات الشرق الأوسط للحصول على حصة لتصدير الطاقة الخضراء في أسواق الدول الأوروبية مستقبلاً، ولتحقيق ذلك اتجهت للمساهمة في إنتاج الطاقة خارج حدودها.

وفي نفس الوقت شهدت المدة الماضية توقيع شركات أوروبية صفقات مع دول المنطقة لإنتاج وتصدير الطاقة الخضراء، وهو ما أبرزه اهتمام العديد من الشركات الألمانية بمجال الهيدرجين الأخضر في دول شمال إفريقيا، وكذا توقيع شركة الطاقة الحكومية في سلطنة عُمان “أوكيو” اتفاقية تطوير وتعاون مشتركة مع “شل” لتطوير مشروع عُمان للطاقة الخضراء، الأمر الذي طرح إمكانية تعزيز التعاون بين الشركات المحلية والشركات الأوروبية لجذب التكنولوجيا والخبرات الفنية في ذلك المجال الحديث نسبيّاً.

فرص سانحة

في الختام، أسهمت الحرب الروسية/ الأوكرانية في بلورة العديد من الفرص في قطاع الطاقة بدول الشرق الأوسط، وحتى في بعض الدول المستوردة الصافية للطاقة مثل لبنان، وقد توزعت الفرص ما بين تطوير الإمكانات الموجودة في دول المنطقة، سواء في قطاع الطاقة التقليدية أو المتجددة، أو تعزيز علاقاتها بالدول المستوردة للطاقة في إطار تدابير تعزيز الشراكة لتوفير الطاقة بشكل مستدام، الأمر الذي يُرى منه أن قطاع الطاقة في الشرق الأوسط سيكون مسؤولاً بشكل رئيسي عن مواجهة تهديدات أمن الطاقة العالمي في العقود المقبلة، ويمكن لدول المنطقة توظيف ذلك الأمر لصالحها من خلال التنسيق والتعاون في هذا القطاع، بحيث لا يقتصر على نوع طاقة بعينه، وبما يجعل المنطقة سوقاً رئيسية شاملة لاستيراد وتصدير الطاقة.