عقبات التوصل إلى اتفاق نهائي لتسوية الأزمة السياسية في السودان

القضايا الخمس:

عقبات التوصل إلى اتفاق نهائي لتسوية الأزمة السياسية في السودان



تواصل قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي، بالتنسيق مع المكون العسكري، جهود تسوية الأزمة السياسية القائمة في السودان. فعقب التوقيع على الاتفاق الإطاري، تم الإعلان عن انطلاق مشاورات المرحلة النهائية بغرض التوصل إلى اتفاق نهائي بين كافة الأطراف السودانية لإخراج البلاد من أزمتها الراهنة، إلا أن تلك الجهود يقف أمامها بعض القضايا العالقة التي قد يؤدي عدم حلها إلى عرقلة التوصل لاتفاق نهائي، وهي: قضية العدالة الانتقالية، وإصلاح المؤسسات الأمنية والعسكرية، وتفكيك نظام الإنقاذ، وتنفيذ اتفاق جوبا النهائي للسلام، وأزمة شرق السودان.

فقد أعلنت الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة – الاتحاد الأفريقي – الهيئة الحكومية “إيجاد”)، في 7 يناير 2023، أن المرحلة النهائية من العملية السياسية في السودان تنطلق بدءاً من 8 يناير الجاري بحضور المدنيين والعسكريين الموقّعين على الاتفاق السياسي الإطاري، وممثلين عن المجتمع المدني والأكاديميين والقطاع الخاص والزعماء التقليديين والدينيين وصناع الرأي العام ومجموعات حقوق الشباب والمرأة، وذلك لإجراء مشاورات مكثفة بين كافة الأطراف السودانية، وخاصة من قبل المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير وغيرها من القوى السياسية والحركات المسلحة التي لم توقع على الاتفاق الإطاري في 5 ديسمبر الماضي مع الجيش بغرض تسوية الأزمة السياسية الممتدة منذ الانقلاب العسكري على السلطة في أكتوبر 2021.

سياق مضطرب

يتزامن الحديث عن الاستعداد لإجراء المشاورات الخاصة بالتوصل إلى اتفاق نهائي بين القوى السياسية المدنية والجيش السوداني، في سياق عدد من المتغيرات السياسية الهامة، والتي ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بالجهود الداخلية المشار إليها في هذا الخصوص، ومن ذلك ما يلي:

1- وساطة عسكرية بين القوى المدنية: حيث تشير المصادر السودانية إلى قيادة الفريق أول ركن “عبد الفتاح البرهان” قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي ونائبه الفريق “محمد حمدان دقلو”، وساطة لتقريب وجهات النظر وتجاوز الخلافات بين المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير والقوى المنشقة عنها “قوى الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية” و”القوى الوطنية”؛ حيث تم عقد 4 لقاءات تحت رعاية الفريق “البرهان”، ولقاءين آخرين برعاية “دقلو” حيث تمت مناقشة الاتفاق الإطاري واستعراض وجهة نظر كل طرف، وفي ذلك مؤشر على إدراك الجيش لأهمية تحقيق التوافق بين القوى السياسية المدنية لتسهيل عملية التوصل لاتفاق نهائي في الأجل القريب.

2- تحييد قدرات حزب المؤتمر الوطني المنحل: حيث أعلن أحد قيادات حزب المؤتمر الشعبي قيامه بالتوسط لعقد لقاء بين أحد ممثلي المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير وحزب المؤتمر الوطني “المنحل” وذلك بغرض ضمان تحييد دور حزب المؤتمر الوطني المعرقل للاتفاق الإطاري، ومحاولة الحصول منه على ضمانات بعدم عرقلة المشاورات واللقاءات الجارية للتوصل إلى اتفاق نهائي يتم معه تسوية الأزمة الراهنة في البلاد، خاصة وأن الحزب لا يزال يؤكد على رفضه للاتفاق الإطاري، مبرراً ذلك بأنه اتفاق مفروض من القوى الدولية المتدخلة في الشؤون الداخلية للبلاد، وهو ما يرفضه الحزب، ويطالب بعدم تدخل الأطراف الدولية في الشأن الداخلي للبلاد.

3- التوصل لتفاهمات مع معارضي الاتفاق الإطاري: وفي هذه الأثناء أعلن المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير عن التوصل لتفاهمات مع قيادات كانت رافضة لفكرة التوقيع على الاتفاق الإطاري بين المكون العسكري وقوى مدنية، ومن هؤلاء قيادات في الكتلة الديمقراطية، وهما “جبريل إبراهيم” رئيس “حركة العدل والمساواة”، و”مني أركو مناوي” رئيس “حركة تحرير السودان”، وهو الأمر الذي يعد تطوراً إيجابياً يمكن التعويل عليه لتسهيل عملية التوصل لاتفاق نهائي والتوقيع على إعلان سياسي جديد يضم الرافضين السابقين.

قضايا عالقة

وفي ضوء المشاورات التي تستعد الأطراف السودانية المختلفة بما فيها المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير والجيش وباقي الأحزاب والقوى السياسية الأخرى، فإنه لكي يتم التوصل إلى الاتفاق النهائي المنشود، فإن هناك خمس قضايا عالقة والتي لم يتم حسمها حتى الآن، وقد تمثل عائقاً أمام التوصل لتسوية نهائية وشاملة للأزمة السياسية المتفاقمة في السودان، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

1- إنفاذ العدالة الانتقالية: تعد قضية العدالة الانتقالية من أبرز القضايا العالقة والتي قد تمثل عائقاً أمام توصل الأطراف السودانية المختلفة إلى اتفاق نهائي لإخراج البلاد من أزمتها السياسية الراهنة، وتكمن الإشكالية في رفض بعض الأطراف وخاصة لجان المقاومة الثورية وتجمع المهنيين السودانيين توقيع أي اتفاق مع المكون العسكري إلا بعد أن يتم تقديم قادة الجيش المتورطين في مقتل المتظاهرين السلميين إلى القضاء للتحقيق معهم ومحاسبة المسؤولين منهم في هذه القضية، كما أنهم يستندون إلى غياب الثقة في المكون العسكري الذي أطاح بالحكومة الانتقالية السابقة، وانفرد بالسلطة الانتقالية.

2- الإصلاح الأمني والعسكري: إذ تمثل مسألة إصلاح المؤسسات الأمنية والعسكرية (الجيش – المخابرات – الشرطة – الدعم السريع) أبرز الإشكاليات التي تمثل عقبة أمام التوصل لاتفاق نهائي أيضاً. ومرجع هذه الإشكالية إلى عدم التزام الفريق “عبد الفتاح البرهان” قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي بالوفاء بتعهداته الخاصة بإعادة هيكلة وإصلاح المؤسسات الأمنية والعسكرية، هذا بالإضافة إلى إشاعة أنصار النظام السابق من حزب المؤتمر الوطني “المنحل” والحركة الإسلامية بأن قوى الحرية والتغيير ترغب في تفكيك المؤسسة العسكرية، وهو ما دفع المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير لإصدار بيان (في 8 يناير الجاري) نفت فيه الاتهامات الموجهة إليها بالتخطيط لتفكيك الجيش السوداني، وأكدت أن ذلك الأمر لا يتوافق مع رؤيتها الخاصة بإصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية والعمل على تشكيل جيش نظامي موحد بعقيدة وهوية موحدة بدلاً من تعدد القوات المسلحة والمليشيات والحركات المسلحة في البلاد، كما تؤكد الحرية والتغيير على ضرورة إبعاد الجيش عن الحياة السياسية وتسليم السلطة للقوى السياسية المدنية.

3- مراجعة وتقييم اتفاق جوبا للسلام: حيث نص الاتفاق الإطاري، الموقّع في 5 ديسمبر الماضي، على ضرورة تنفيذ اتفاق جوبا النهائي للسلام الموقع بين الحكومة الانتقالية السابقة والجبهة الثورية في أكتوبر 2020، خاصة وأنه لم يتم تنفيذه حتى الآن بسبب ما شهدته البلاد من تطورات سياسية وأمنية في مرحلة ما بعد الانقلاب العسكري على السلطة في أكتوبر 2021، وما ترتب على ذلك من تداعيات ارتبطت بانتشار حالة من السيولة الأمنية ازدادت معها حدة الاشتباكات العرقية والقبلية المسلحة في عدد من الولايات السودانية مثل دارفور وجنوب كردفان، وكذلك في شرق السودان. وإلى جانب ذلك يأتي موقف بعض الأطراف المطالبة بتغيير اتفاق جوبا للسلام، ومن ذلك ممثلو مسار الشرق والشمال، وهو ما يفرض على قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري التنسيق المشترك لحل هذه الإشكالية تمهيداً للتوصل إلى اتفاق سياسي نهائي، بما في ذلك مناقشة البند الخاص بالترتيبات الأمنية المرتبط تحديداً بنزع سلاح الحركات والجماعات المسلحة ومناقشة كيفية دمجهم في الجيش النظامي.

4- تفكيك نظام 30 يونيو 1989: لا تزال قضية إزالة تمكين نظام الإنقاذ وتفكيكه من أبرز العقبات التي تسعى قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري لحسمها، حيث تم إعلان خريطة طريق لتجديد عملية تفكيك نظام ٣٠ يونيو، وسيتم عقد المؤتمر الخاص بتطبيق هذه الخريطة في الفترة من 9 إلى 12 يناير الجاري، إلا أن تنفيذ هذه الخريطة تواجهها عدة عقبات رئيسية تكمن في القرارات الصادرة عن الفريق “البرهان” عقب الإطاحة بالحكومة الانتقالية السابقة، والتي كانت لها آثار سلبية على عملية تفكيك نظام الإنقاذ السابق وإزالة التمكين، وخاصة قرار تجميد لجنة إزالة التمكين، وما تبعها من أحكام قضائية عاد وفقاً لها العديد من أنصار النظام السابق إلى وظائفهم في مؤسسات الدولة السودانية، هذا بالإضافة إلى إصدار الفريق “البرهان” توجيهاً للنائب العام بتجميد عمل نيابة إزالة التمكين، وطالب القرار الصادر بتاريخ 28 ديسمبر الماضي، من الأمين العام لمجلس السيادة النائب العام “خليفة أحمد خليفة” بتجميد أعمال النيابة الخاصة بمراجعة أعمال لجنة إزالة التمكين، ومن المتوقع أن يُصدر النائب العام قراراً بإلغاء تخصيص نيابة للجنة إزالة التمكين، على أن يتم نقل البلاغات إلى نيابات أخرى وتسريح العاملين بالنيابة، وهو ما دفع قوى الحرية والتغيير لصياغة خريطة طريق لاستكمال إجراءات تفكيك النظام السابق بعد أن توقفت في مرحلة ما بعد أكتوبر 2021 وحتى الآن، وهو ما سمح لأنصار نظام الإنقاذ بالعودة ومحاولة التأثير على المرحلة الانتقالية الراهنة.

5- قضية شرق السودان: تمثل هذه القضية إحدى أبرز القضايا العالقة والعقبات القائمة التي من شأنها عرقلة تحقيق الاستقرار السياسي في السودان خلال الفترة القادمة، خاصة وأنها مرتبطة بقضية تنفيذ اتفاق جوبا النهائي للسلام، كما أن حلها يتطلب تنسيقاً بين كافة الأطراف السودانية بما فيها جميع القوى السياسية المدنية والمؤسسة العسكرية، خاصة وأن ممثلي إقليم الشرق (كسلا – القضارف – البحر الأحمر) ممثلاً في مجلس نظارات البجا يتهم قوى الحرية والتغيير والجيش على حد سواء بعدم الاكتراث بحل مشاكل إقليم الشرق، سواء تلك المتعلقة بالتهميش السياسي والاقتصادي، وأيضاً المتعلقة بمسار الشرق الذي تم النص عليه في اتفاق جوبا النهائي للسلام، ووصل الأمر إلى حد تهديد “الأمين ترك” رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا بتشكيل حكومة لإدارة شؤون الإقليم وإعلان حق تقرير المصير، وهو ما يمثل تهديداً حقيقياً لوحدة الدولة السودانية، وهو ما دفع الجيش وقوى الحرية والتغيير لوضع هذه القضية على قائمة أولوياتهم في محاولة لحلها ومن ثم تمهيد الطريق أمام الوصول لاتفاق نهائي لتسوية الأزمة السياسية الراهنة.

فرص متاحة

وفي ظل الحديث عن القضايا الخمس المشار إليها باعتبارها من أهم العقبات التي يجب تخطيها أولاً قبل تحويل الاتفاق الإطاري إلى اتفاق نهائي، إلا أن هناك بعض الفرص التي يمكن أن يستند إليها الأطراف الداخلية الساعية لتسوية الأزمة الحالية، ومن أبرزها ما يلي:

1- توافق سياسي محتمل: تكشف المتغيرات السياسية الحاصلة في المجتمع السوداني، عن قرب تحقيق توافق سياسي محتمل الحدوث بين كافة الفاعلين السياسيين داخل البلاد، خاصة بعد أن تحقق نوع من التقارب في وجهات النظر بين المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير والمكون العسكري، إضافة إلى نجاح جهود هذين الطرفين في خلخلة مواقف بعض القوى السياسية الأخرى المعارضة وتغيير مواقفها وقبول المشاركة في لقاءات ومشاورات تحت رعاية المكون العسكري، وهو ما يمكن التعويل عليه لصياغة إعلان سياسي جديد، ومن ثم التوصل لاتفاق نهائي في المدى القريب.

2- توسيع قاعدة المشاركة: تشير اللقاءات التي تم عقدها بين المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير وممثلي الكتلة الديمقراطية والكتلة الوطنية برعاية المكون العسكري، إلى إدراك قوى الحرية والتغيير ضرورة توسيع قاعدة المشاركة في المشاورات الخاصة بالتسوية السياسية، وعدم اقتصارها على طرف أو اثنين، ورغم ذلك هناك اتفاق على استثناء حزب المؤتمر الوطني المنحل والحركة الإسلامية من هذه المشاركة، وذلك رفضاً لعودتهما إلى المشهد السياسي والسلطة مرة أخرى.

3- الدعم الإقليمي والدولي: يمثل الدعم الذي تقدمه الأطراف الإقليمية الدولية المنخرطة في الشأن السوداني، فرصة كبيرة لدعم جهود الأطراف السودانية الداخلية لتجاوز خلافاتهم، وهو ما يمثله جهود الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة – الاتحاد الأفريقي – الإيجاد) والآلية الرباعية (الولايات المتحدة – الإمارات – السعودية – بريطانيا)، ومن ذلك إعلان وزير الخارجية الأمريكي في الأول من يناير الجاري ترحيبه بالجهود السودانية الساعية لتحويل الاتفاق الإطاري إلى اتفاق نهائي لا بديل عنه لحل الأزمة السياسية الراهنة.

خلاصة القول، قد تُرجِّح المعطيات الراهنة نجاح الجهود التي تبذلها قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري بدعم إقليمي ودولي في تجاوز الخلافات القائمة، ومن ثم التوصل إلى اتفاق نهائي لتسوية الأزمة السياسية المتفاقمة في البلاد، وقد يحدث ذلك على المدى القريب أو المتوسط، مع عدم استبعاد التأثير السلبي لحزب المؤتمر الوطني المنحل والحركة الإسلامية اللذين يسعيان لعرقلة جهود التسوية.