رسائل الرباعي الغربي لإيران في قمة روما

تعزيز التوافق:

رسائل الرباعي الغربي لإيران في قمة روما



لا يبدو أن انفراجة قريبة قد تحدث في أزمة الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران ومجموعة “5+1” في 14 يوليو 2015. فرغم أن إيران أعلنت أنها سوف تستأنف المفاوضات مع القوى الدولية في فيينا قبل نهاية نوفمبر الجاري، فإن ذلك لم يقلص من القلق الذي ينتاب تلك القوى، لاسيما الدول الغربية، إزاء المسارات المحتملة التي قد يتجه إليها البرنامج النووي الإيراني خلال المرحلة القادمة. من هنا، بدا لافتاً أن الدول الغربية الأربع المعنية بالمفاوضات مع إيران والمنخرطة فيها بشكل مباشر وغير مباشر كانت حريصة على توجيه رسائل أكثر حزماً تجاه الأخيرة في الاجتماع الرباعي الذي عقد على هامش قمة مجموعة العشرين في روما في 30 أكتوبر الفائت، والذي خصص للنقاش حول مخاطر التصعيد النووي الإيراني وآليات التعامل معه.

ويبدو أن الدول الغربية حرصت على عقد هذا الاجتماع وتوجيه هذه الرسائل لتحقيق أهداف عديدة، تتجاوز مجرد التعبير عن القلق من التطور المستمر في الأنشطة النووية الإيرانية، لتمتد إلى تأكيد وجود موقف غربي متقارب جداً إزاء منع إيران من الوصول إلى ما يسمى بـ”وقت الاختراق” أو “breakout time” اللازم لامتلاك القدرات الخاصة بإنتاج سلاح نووي، وأن الخلافات التي تصاعدت حدتها بين فرنسا وكل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لن تحول دون الاستمرار في التعبير عن هذا الموقف وربما اتخاذ خطوات إجرائية على الأرض لتنفيذه، في حالة ما إذا لم تعقد الجولة السابعة من مفاوضات فيينا، أو لم تصل المفاوضات التي قد تستأنف في نهاية الشهر الحالي إلى نتائج إيجابية.

عقد كل من الرئيس الأمريكي جو بايدن والفرنسي ايمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والمستشار الألمانية انجيلا ميركل اجتماعاً رباعياً خاص بالتباحث حول “المخاطر على الأمن الدولي الناجمة عن مواصلة إيران تطوير برنامجها النووي” على هامش قمة مجموعة العشرين التي عقدت في العاصمة الإيطالية روما في 30 أكتوبر الفائت. وقد حرص القادة الأربعة على توجيه رسائل مباشرة إلى إيران في هذا الاجتماع، يتمثل أبرزها في:

1- احتواء تأثير الخلافات الثنائية على التعامل مع إيران: كان لافتاً أن قمة مجموعة العشرين شهدت لقاءاً بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن والفرنسي ايمانويل ماكرون، في 29 أكتوبر الفائت، في السفارة الفرنسية لدى الفاتيكان، وهو أول لقاء بين الرئيسين منذ اندلاع أزمة الغواصات الاسترالية التي دفعت باريس إلى سحب سفيرها لدى واشنطن للتشاور قبل أن تعيده مجدداً. وقد بدا من تصريحات الرئيسين أن الدولتين تسعيان إلى احتواء تداعيات تلك الأزمة، حيث قال ماكرون أنه “من الضروري النظر إلى المستقبل”، فيما قال بايدن أن “الولايات المتحدة ليس لها حليف أقدم ولا أكثر ولاءً من فرنسا”.

وهنا، فإن الرسالة تبدو واضحة لأطراف كثيرة من بينهم إيران، ومفادها أن الخلافات التي فرضتها تلك الأزمة لن تمنع الدولتين من تنسيق مواقفهما حول التعامل مع التصعيد الإيراني على المستوى النووي. وقد بدا أن إيران سعت بالفعل خلال المرحلة الماضية إلى استثمار تلك الخلافات من أجل توسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها ومحاولة إحداث انقسام في المواقف الأمريكية والأوروبية بشكل يمكن أن يعزز موقفها في المفاوضات.

2- رفض المقاربة الإيرانية الجديدة بشأن العقوبات: كانت الدول الغربية الأربع حريصة على تأكيد رفضها المقاربة الجديدة التي بدأت إيران في الكشف عنها، والخاصة بضرورة رفع العقوبات الأمريكية قبل أن يتم الانخراط في المفاوضات، وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبد اللهيان في حوار مع صحيفة “إيران” الحكومية، في 31 أكتوبر الفائت، حيث قال أن “العودة إلى الأوضاع التي كانت قبل انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق في مايو 2018 هى الطريقة الأسهل لعملية تفاوض منطقية”. ويعني ذلك في المقال الأول أن إيران تحاول عبر رفع مستوى أنشطتها النووية ممارسة ضغوط على القوى الدولية من أجل رفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها أولاً قبل أن يتم استئناف المفاوضات مجدداً والتي ستنحصر في هذه الحالة في مناقشة آليات عودة إيران إلى الالتزام بتعهداتها في الاتفاق. وهنا، أكدت الدول الأربع على أنه “لا يمكن العودة للاتفاق النووي إلا في حال تغيير طهران سلوكها”، بما يعني أنه لا مجال لتخفيف العقوبات بشكل كبير قبل أن تلتزم إيران بتعهداتها في الاتفاق، وأن المقاربة التي تحظى بتوافق بين معظم القوى المعنية بالمفاوضات هى “العودة مقابل العودة”، أى عودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاتفاق مقابل عودة إيران إلى الالتزام بتعهداتها فيه.

3- الربط بين استئناف الاتفاق النووي والاستقرار الإقليمي: وهى مقاربة سبق أن اتبعتها إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما خلال المفاوضات التي أجريت من أجل الوصول إلى الاتفاق النووي مع إيران، في عام 2015، حيث كانت تدعي آنذاك أن الاتفاق النووي سوف يفرض تداعيات إيجابية على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما لم يتسامح مع المعطيات الموجودة على الأرض، التي تشير إلى أن الاتفاق لم يعزز الاستقرار في المنطقة، في ظل عدم تغير اتجاهات السياسة الخارجية الإيرانية بعد الوصول للاتفاق، والذي أكد عليه المسئولون الإيرانيون وعلى رأسهم المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي الذي حرص باستمرار على الفصل بين الصفقة النووية والقضايا الأخرى. ومن دون شك، فإن استمرار ذلك يقلص من احتمالات أن تكون هناك علاقة طردية بين الوصول إلى صفقة جديدة في فيينا تدعم من استمرار العمل بالاتفاق النووي وبين تعزيز الاستقرار في المنطقة.

4- ضعف الاهتمام بمخاطر التدخلات الإيرانية في أزمات المنطقة: يبدو أن المقاربة السابقة أدت إلى تراجع الاهتمام، على الأقل مؤقتاً، بمعالجة التداعيات التي تفرضها التدخلات الإيرانية المستمرة في أزمات المنطقة. وبمعنى أدق، دفعت هذه المقاربة الدول الغربية إلى منح الأولوية في المرحلة الحالية للوصول إلى صفقة جديدة تقلص من مخاطر استمرار إيران في رفع مستوى أنشطتها النووية، على الانخراط في محادثات مع طهران حول القضايا الخلافية الأخرى، على غرار تدخلاتها في الأزمات الإقليمية المختلفة، لاسيما في سوريا والعراق ولبنان واليمن.

وقد انعكس ذلك بوضوح في تأكيد القادة الأربع حرصهم على التعامل مع “مباعث قلق أمنية أوسع” متعلقة بأنشطة إيران الإقليمية، معربين عن “نيتهم” مواصلة العمل بشكل وثيق مع روسيا والصين ومسئول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل من أجل حل هذه “المسألة ذات الأهمية القصوى”، وهى صياغة فضفاضة لا تتضمن أية إجراءات تنفيذية أو تشمل ملامح لأى توجه قد تتبناه تلك الدول في التعامل مع تلك القضايا خلال المرحلة القادمة.

5- المشاركة في فرض عقوبات غربية على إيران: رغم أن الدول الأوروبية كانت حريصة في الفترة الماضية على عدم المشاركة في فرض عقوبات اقتصادية ذات تأثير قوي على إيران، خاصة في ظل خلافاتها مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، إلا أن هذه السياسة قد تتغير في المرحلة القادمة، ليس فقط على ضوء التقارب الملحوظ مع الولايات المتحدة الأمريكية في عهد إدارة الرئيس بايدن، ولكن أيضاً في ظل المخاوف المتزايدة من التطور المستمر في الأنشطة النووية الإيرانية، والذي قد يضع إيران على بعد فترة زمنية قصيرة للوصول إلى مرحلة امتلاك القدرة على إنتاج القنبلة النووية.

وهنا، فإن ذلك يعني أن الدول الأوروبية لم تعد تستبعد فشل المفاوضات أو عدم استئنافها من الأساس، وبالتالي فإنها ترى أن العقوبات هى الآلية المناسبة للتعامل مع هذا الاحتمال، لاسيما أن الاحتمال الآخر، وهو الخيار العسكري، الذي بدأت تلوح به الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، قد ينتج عواقب وخيمة على أمنها ومصالحها.

على ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن الولايات المتحدة الأمريكية تمكنت، نسبياً، من بناء موقف غربي متقارب إزاء التعامل مع إيران، وربما تتجه في الفترة القادمة إلى محاولة استقطاب دعم روسيا والصين، رغم العقبات التي يمكن أن تحول دون ذلك، لكنها قد تستغل المخاطر التي يمكن أن يفرضها وصول إيران إلى مرحلة امتلاك القدرة على إنتاج القنبلة النووية في هذا الصدد، خاصة أن ذلك قد يكون محل تحفظ إن لم يكن رفض من جانب موسكو تحديداً.