دلالات الظهور المتكرر لزعيم تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري

رسائل متعددة:

دلالات الظهور المتكرر لزعيم تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري



يسعى زعيم تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري لتوظيف عدد من السياقات والمتغيرات لصالح التنظيم خلال الفترة الحالية، عبر الظهور المتكرر من خلال إصدارات مرئية في فترة زمنية متقاربة، على عكس الظهور المتباعد في السنوات الماضية رغم الأزمات التي كانت تواجه التنظيم. فخلال فترة 21 يوماً تقريباً، بثت مؤسسة “السحاب” الإعلامية التابعة لتنظيم “القاعدة”، أربعة إصدارات للظواهري. ويطرح هذا الظهور المتكرر دلالات عديدة، أبرزها أنّ الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وفّر نسبياً حرية حركة لتنظيم “القاعدة” على النحو الذي مكنه من بث إصدارات متكررة. إضافة إلى رغبة الظواهري في تعزيز أهليته للقيادة عقب خلافات في الأوساط الموالية للتنظيم حيال قدرته على القيادة بعد الصراع مع تنظيم “داعش” وفك ارتباط “جبهة النصرة” عن “القاعدة”. كما يمكن تفسير هذا الظهور المتكرر في إطار محاولة دعم أفرع التنظيم خلال الفترة المقبلة، خاصة على مستوى إفريقيا، ومنطقة جنوب آسيا. وأخيراً، ربما يحاول تنظيم “القاعدة” توجيه رسائل إلى عناصر تنظيم “داعش” في ظل فراغ القيادة منذ مقتل زعيم التنظيم أبو إبراهيم الهاشمي القرشي في سوريا في 3 فبراير الجاري.

يثير الظهور المتكرر لزعيم تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري، عبر عدد من الإصدارات المرئية، علامات استفهام عديدة، مقارنة بعدم ظهوره سابقاً لفترات زمنية طويلة، بصورة أدت إلى تزايد الحديث عن وفاته أو مرضه الشديد، وعدم تمكنه من الظهور المرئي. وأعلنت مؤسسة “السحاب” التابعة لتنظيم “القاعدة”، عن أربعة إصدارات مرئية للظواهري منذ بداية العام الجاري، هي كالتالي: (صفقة القرن أم حملات القرون؟ – الحلقة الثانية – في 26 يناير الماضي)، و(صفقة القرن أم حملات القرون؟ – الحلقة الثالثة – في 3 فبراير الجاري)، و(معاً إلى الله – الحلقة الثالثة – في 8 فبراير الحالي)، وأخيراً (صفقة القرن أم حملات القرون؟ – الحلقة الرابعة – في 15 فبراير الجاري).

وبغض النظر عن توقيت تسجيل الظواهري لهذه الإصدارات، إلا أن اللافت هو نشر التنظيم لها خلال فترة زمنية متقاربة؛ إذ إن الإصدارات المرئية الأربعة جاءت في فترة لا تتجاوز 21 يوماً (من 26 يناير إلى 15 فبراير 2022)، مع الإشارة إلى بث إصدار مرئي حمل عنوان (صفقة القرن أم حملات القرون؟ – الحلقة الأولى) في سبتمبر 2021، أي عقب سيطرة حركة “طالبان” على الحكم في أفغانستان، إضافة إلى بث إصدار آخر خلال شهر نوفمبر 2021 بعنوان: (نصيحة الأمة الموحدة بحقيقة الأمم المتحدة) في نوفمبر 2021.

ويمكن تحديد بعض دلالات هذا الظهور المتكرر للظواهري، في ضوء عدد من الظروف والسياقات، وذلك على النحو التالي:

1- حرية الحركة نسبياً عقب الانسحاب الأمريكي: يشير الظهور المتكرر للظواهري إلى أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أوجد قدراً من حرية الحركة نسبياً خلال الأشهر القليلة الماضية، وهذا لا يرتبط بحرية الحركة للظواهري نفسه، خاصة وأنه يتصدر قائمة المطلوبين للولايات المتحدة، وتبلغ قيمة المكافأة التي رصدها برنامج “مكافآت من أجل العدالة” للإدلاء بأي معلومات عنه 25 مليون دولار أمريكي، ولكن ربما وفر حرية الحركة للمقربين منه والجناح الإعلامي للتنظيم بصورة تمكنهم من تسجيل بعض الحلقات مع الظواهري في ظل أجواء أقل تهديداً، أو على الأقل إمكانية تداول هذه الإصدارات بين عناصر الجناح الإعلامي وبثها بصورة أقل تعقيداً عكس السنوات السابقة التي كانت تعمل فيها أجهزة الاستخبارات الأمريكية في أفغانستان ميدانياً للوصول لمعلومات عن الظواهري.

2- مواجهة التشكيك في القدرة على القيادة: يأتي الظهور المتكرر للظواهري ليعكس قدرته على الاستمرار في قيادة تنظيم “القاعدة”، وهي رسالة إلى قواعد التنظيم في مختلف الأفرع بشكل خاص، في ظل الأزمات التي لحقت بـ”القاعدة” خلال السنوات الماضية، وحالة التراجع على مستوى أكثر من منطقة، وتصاعد الانتقادات في الأوساط الجهادية الموالية لـ”القاعدة” بأن الظواهري جزء من هذا التراجع، خاصة بعد اهتزاز صورته ورمزيته، أولاً بالخلاف مع تنظيم “داعش”، وثانياً بفك ارتباط “جبهة النصرة” في سوريا بالتنظيم، وما تكشف لاحقاً عن عدم موافقة الظواهري نفسه على هذه الخطوة، وما يتصل بذلك من حديث عن الوضع الصحي المتدهور للظواهري، وأحياناً ما يتردد في الأوساط الغربية عن وفاته، إضافة إلى السؤال حول قدرته الذهنية على إدارة التنظيم مع تقدمه في السن، وهي جميعها عوامل يمكن أن تدعم محاولة الظواهري إبراز قدرته على القيادة.

3- دفع أفرع التنظيم لاستعادة النشاط: يمكن تفسير الظهور المتكرر للظواهري في إطار مساعي تنظيم “القاعدة” خلال العامين الماضيين -على وجه التحديد- إلى ترتيب الصفوف مجدداً، خاصة مع محاولات بعض المجموعات التابعة له تعزيز نشاطها ولا سيما في إفريقيا، ومبايعة جماعة “أنصار الإسلام والمسلمين في بلاد السودان” في نيجيريا لفرع تنظيم “القاعدة في المغرب الإسلامي”، إضافة إلى محاولات فرع التنظيم في اليمن استعادة النشاط بعد الهزائم التي تعرض لها وتراجع نفوذه على وقع ضربات تحالف دعم الشرعية، ويتزايد التخوف بشكل خاص من تحركات تنظيم “القاعدة” على مستوى جنوب آسيا، بعد سيطرة حركة “طالبان” على الحكم في أفغانستان، بالصورة التي توفّر حرية حركة لـ”القاعدة” لاجتذاب مجموعات مسلحة في تلك الجغرافيا والتواصل معها، خاصة مع إمكانية توظيف بعض القضايا المحلية هناك، ويمكن في هذا السياق الإشارة إلى الظهور العلني لمحمد أمين، الحارس الشخصي لزعيم “القاعدة” السابق أسامة بن لادن، في أفغانستان خلال شهر أغسطس الماضي.

4- محاولة استغلال فراغ القيادة لـدى “داعش“: ربما يسعى الظواهري من خلال تكثيف الظهور خلال فترة زمنية قصيرة، إلى استغلال أزمة فراغ القيادة لدى تنظيم “داعش”، من ناحية توجيه رسائل لعناصره بالتباين بين موقف التنظيمين. ففي الوقت الذي يكرر فيه الظهور، ما زال “داعش” بلا قيادة رسمية منذ مقتل زعيمه أبو إبراهيم الهاشمي القرشي في غارة أمريكية بسوريا في 3 فبراير الجاري، إذ بثت وكالة “السحاب” التابعة لـ”القاعدة” إصدارين للظواهري منذ مقتل القرشي، في 8 و15 فبراير الجاري، كما أن إصدار الظواهري الصادر في 3 فبراير جاء متزامناً مع إعلان مقتل زعيم “داعش”، وبمراجعة توقيت نشر هذا الإصدار على بعض الحسابات التابعة لـ”القاعدة” يمكن القول إنه جاء عقب إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن مقتل القرشي، من دون الجزم بتوقيت الظهور الأول لهذا الإصدار، ولكن على الأقل يمكن القول إن الحسابات الموالية لـ”القاعدة” كثّفت نشره عقب إعلان مقتل زعيم “داعش”.

وهنا، على الرغم من اتجاه بعض الدراسات الغربية إلى تأكيد أن “القاعدة” يتمحور حول القيادة ويستمد قوته من كاريزما زعيم التنظيم، في حين أن “داعش” يتمحور حول التنظيم نفسه بغض النظر عن شخصية زعيمه؛ لكن يبقى أن عناصر التنظيمات الجهادية تتطلع إلى زعيمها، وبالتالي فإن غياب “الزعيم” يؤثر على التماسك التنظيمي على المستوى المتوسط والبعيد.

استعادة الدور

خلاصة القول، يسعى زعيم تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري إلى محاولة استغلال بعض السياقات على أكثر من مستوى، منها سيطرة حركة “طالبان” على الحكم في أفغانستان وما يتصل بذلك من علاقات تاريخية بين الطرفين، لجهة إيجاد مساحة للتحرك على مستوى إعادة ترتيب صفوف التنظيم وتعميق التواصل مع الأفرع، من أجل استعادة دور “القاعدة” في أوساط التنظيمات العنيفة، رغم عدم امتلاك الظواهري نفس الكاريزما التي امتلكها أسامة بن لادن.