دلالات استهداف أمريكا لزعيم فرع “داعش” في سوريا

أبعاد خمسة:

دلالات استهداف أمريكا لزعيم فرع “داعش” في سوريا



أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية، مقتل زعيم فرع تنظيم “داعش” في سوريا، ويدعى ماهر العقال، 12 يوليو 2022، في غارة جوية باستخدام طائرة من دون طيار، في جنديرس بمنطقة عفرين بمحافظة حلب، بالقرب من الحدود مع تركيا. ووفقاً لبيان الوزارة، فإن العقال قُتل بعد استهداف دراجة نارية كان يستقلها، كما أسفرت الضربة الجوية عن إصابة أحد كبار مساعديه بجروح خطيرة، ولم يصدر عن تنظيم “داعش” تأكيد أو نفي رسمي حيال مقتل العقال.

وتشير المعلومات المتاحة حول العقال، إلى أنه واحد ضمن أكبر أربع قيادات للتنظيم في سوريا، في حين أشارت تقارير إعلامية إلى أن القيادي في “داعش” متهم بالاشتراك مع آخرين في أعمال إرهابية في تركيا، وخلال العام الماضي أعلنت وزارة الدفاع التركية القبض على “عزو خلف سليمان العقال”، المتورط في أعمال إرهابية مع “العقال”، ومنها تفجيرا السلطان أحمد وسوروج عامي 2015 و2016.

ويمكن الوقوف على دلالات استهداف القيادي في تنظيم “داعش” ماهر العقال، ويأتي أبرزها كالتالي:

نشاط عملياتي 

1- إعادة تكثيف ملاحقة قيادات “داعش”: منذ استهداف القوات الأمريكية المشاركة ضمن التحالف الدولي لمواجهة تنظيم “داعش”، لزعيم التنظيم أبو إبراهيم الهاشمي القرشي في فبراير الماضي، شمالي غرب سوريا، لم تُعلن الولايات المتحدة عن تحييد قيادات للتنظيم، قبل أن تُعلن منتصف يونيو الماضي تنفيذ عملية إنزال جوي شمال غرب سوريا، وتحديداً في مدينة جرابلس، لاعتقال قيادي بارز في التنظيم يدعى “هاني الكردي”، لتأتي عملية استهداف زعيم التنظيم في سوريا، وفقاً للرواية الأمريكية، لتعكس إعادة تكثيف القوات الأمريكية عملياتها لاستهداف قيادات التنظيم، خاصة بعد زيادة النشاط العملياتي خلال الأشهر القليلة الماضية، بعد تراجعها منذ استهداف الهاشمي. وربما يتصل ذلك بتولي مايكل كوريلا القيادة الوسطى الأمريكية، واتجاه الولايات المتحدة إلى مواجهة الاختراقات الأمنية لتنظيم “داعش” في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، ولكن اللافت أن القوات الأمريكية لم تلجأ إلى نمط الإنزال الجوي لاعتقال زعيم التنظيم في سوريا، مقارنة بتنفيذ هذا النمط غير الشائع في اعتقال الكردي.

استنفار استخباراتي

2- مواصلة الجهد الاستخباراتي والمعلوماتي: تعكس عمليات استهداف قيادات تنظيم “داعش” وآخرهم “العقال” استنفار القوات الأمريكية على مستوى الجهد الاستخباراتي وجمع المعلومات، وهنا فإن الولايات المتحدة ربما تكون قد لجأت إلى تعزيز وتكثيف التنسيق مع أطراف متعددة، سواء قوات سوريا الديمقراطية، التي تشير تقارير محلية، إلى أنها حصلت على معلومات حول “الكردي” الذي تم اعتقاله منتصف الشهر الماضي، أو مع أطراف أخرى تنشط في مناطق شمال غرب سوريا سواء محلية أو ربما التنسيق مع الطرف التركي، بعد القبض على عدد من عناصر موالية لتنظيم “داعش” في عدة مدن تركية خلال الأشهر القليلة الماضية، إذ كثفت الأجهزة الأمنية في تركيا ملاحقة العناصر المشتبه بتورطها مع “داعش”. وبعيداً عن أي عمليات تنسيق فإن تراجع عمليات الاستهداف الأمريكي لقيادات “داعش”، ربما يرتبط بعمليات تحديث معلوماتي وتحديد “بنك أهداف”، بعد القبض على عدد من القيادات والعناصر المنخرطين في خلايا للتنظيم في شمال شرق سوريا خلال الأشهر القليلة، وقادت اعترافاتهم إلى تتبع تلك القيادات وملاحقتها.

طمأنة الحلفاء 

3- تداخل الأبعاد السياسية في مقتل “العقال”: البعد السياسي في مقتل العقال ليس مرتبطاً بعملية الاستهداف في ذاتها، ولكن اللافت أن الرئيس الأمريكي جو بايدن علق على مقتله، إذ أكد أن مقتل زعيم “داعش” في سوريا يُخرج إرهابياً رئيسياً من الميدان، بما قد ينعكس على الحد من القدرات، في حين كانت تعليقات الرؤساء على عمليات استهداف تقتصر فقط على زعماء التنظيمات الإرهابية، في حين أن “العقال” لم يكن على نفس مستوى زعيم التنظيم السابق أبو إبراهيم الهاشمي، الذي أعلن بايدن مقتله، وربما كان الهدف من تعليق بايدن هو رسالة بأن الإدارة الأمريكية الحالية لا زالت تهتم بمسألة مكافحة الإرهاب، وتمنحها أولوية، وهي موجهة لأطراف إقليمية في الشرق الأوسط، لطمأنة الجانب العراقي، إضافة لقوات سوريا الديمقراطية، بعدم تخلي الولايات المتحدة عن مسؤولياتها، ويأتي هذا قبل زيارة مهمة للرئيس الأمريكي إلى المنطقة.

ضربات موسكو

4- احتواء انعكاسات عمليات روسيا ضد “داعش”: تعكس الغارة الجوية الأخيرة ومقتل “العقال”، وقبلها اعتقال “الكردي”، وهي ضربات نوعية للقوات الأمريكية ضد قيادات “داعش”، محاولات الولايات المتحدة احتواء وتحجيم انعكاسات العمليات الروسية ضد عناصر التنظيم في منطقة البادية السورية، وتحديداً على مستوى النقاط التي تخضع لسيطرة قوات الجيش السوري والمليشيات الإيرانية، بعد عمليات منسوبة للتنظيم ضد القوات السورية خلال الأشهر القليلة الماضية، على وقع تراجع الضربات الروسية ضد “داعش” خلال فترة تزيد على الشهرين منذ بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ومع تكثيف روسيا عملياتها في سوريا انطلاقاً من إدراك موسكو بضرورة تأمين مصالحها، في ظل طول أمد الحرب في أوكرانيا، وبالتالي تخشى الولايات المتحدة من انسحابات عناصر “داعش” من مواقعها في البادية باتجاه مناطق سيطرة “قسد”، بما قد يشكل تهديداً أمنياً، وإمكانية إحداث اختراق أمني جديد مثلما حدث في محاولة اقتحام سجن غويران.

القيادات الوسطى

5- اتجاه أمريكي لاستهداف الحلقات الوسيطة في “داعش”: يمكن النظر إلى عملية استهداف “العقال” وقبلها اعتقال “الكردي”، في إطار اتجاه أمريكي إلى استهداف القيادات الوسطى في تنظيم “داعش”، لإحداث خلخل في التسلسل القيادي في الحلقة الوسيطة بين قيادات الصف الأول (زعيم التنظيم وأعضاء مجلس الشورى والمتحدث الإعلامي.. وغيرهم) وبين المجموعات والعناصر داخل الفرع الواحد، ولكن هذا الاتجاه يسير جنباً إلى جنب مع مواصلة الجهود لاستهداف زعيم التنظيم، ومن شأن عمليات استهداف القيادات في هذا المستوى أن تسفر عن خطط تصعيد قيادات جديدة، ربما ليست على نفس القدر من مواصلة العمل والحفاظ على النشاط العملياتي، خاصة أن التنظيم تعرض لضربات متتالية لاستهداف القيادات في هذا المستوى، خلال المواجهات في العراق وسوريا التي أسفرت عن طرد عناصره من المناطق التي كانت تحت سيطرته بين 2017 و2019، وبالتالي تركز الولايات المتحدة على تنفيذ عمليات نوعية، من شأنها أن تؤدي إلى إضعاف التنظيم.

تأثيرات محتملة

وأخيراً، فإنه على الرغم من الرواية الأمريكية التي صنفت “العقال” باعتباره زعيماً لفرع “داعش” في سوريا، فإن التأثيرات المحتملة جراء مقتله ربما تتصل بأبعاد تشغيلية ولوجيستية خلال الفترة القليلة المقبلة، ولكن من غير المتوقع تأثيرات كبيرة على النشاط العملياتي على المدى المتوسط والطويل، خاصة أن تكتيكات قطع رأس القيادة في إطار مكافحة التمرد المسلح والإرهاب لا يتوقف تأثير فاعليتها فقط على طبيعة الأهداف، ولكن تتداخل عوامل أخرى متعددة، منها السيطرة على العوامل المحفزة للتطرف والإرهاب، ووضع استراتيجية متكاملة للمكافحة.

وعبر تتبع مسارات تنظيم “داعش” خلال الأعوام القليلة الماضية، فإن التنظيم يتسم بالقدرة على التكيف، في ضوء القدرة التمويلية، إضافة إلى أنه يرتكز على التنظيم وليس على أشخاص بأعينهم، فلم يسفر مقتل زعيمي التنظيم “أبو بكر البغدادي” و”أبو إبراهيم الهاشمي” على التوالي عن القضاء على التنظيم، ولكن استمر النشاط العملياتي وتزايد في بعض المناطق والدول. ويمكن أن تكون عمليات استهداف القيادت الوسطى في تنظيم “داعش” في سوريا مؤثرة، ولكنها مرهونة بتتابع الضربات واستهداف القيادات بشكل متواصل، بصورة تمنع التنظيم من ترتيب صفوفه، ولكن هذا يتوقف على مدى القدرات الاستخباراتية والمعلوماتية لتنفيذ هذا التكتيك في مكافحة الإرهاب.