تداعيات تجدد المواجهات في إثيوبيا على السودان

أزمات جانبية:

تداعيات تجدد المواجهات في إثيوبيا على السودان



أعلنت السلطات السودانية في ولاية القضارف، في 3 أغسطس الجاري، عن إغلاق معبر “القلابات” الحدودي مع إثيوبيا، وذلك على خلفية استمرار المواجهات المسلحة في منطقة بحر دار المحاذية بين مليشيا “فانو” الأمهرية وقوات “ليوهايلي” الخاصة من جهة والجيش الإثيوبي من جهة أخرى. ويشير هذا القرار إلى مخاوف الخرطوم من اتساع نطاق المواجهات المسلحة على الحدود مع إثيوبيا، في الوقت الذي ينخرط فيه الجيش السوداني في مواجهات مسلحة مع قوات الدعم السريع.

كما تخشى السلطات السودانية من محاولات المليشيات الأمهرية السيطرة على منطقة الفشقة مجدداً واستغلال انخراط الجيش السوداني في الصراع مع قوات الدعم السريع لتحقيق ذلك. ووفقاً لتقارير عديدة، فإن مليشيا “فانو” وقوات “ليوهايلي” تمكنت من السيطرة على منطقة مراوي الأمهرية، فيما لا زالت المواجهات المسلحة مستمرة مع قوات الجيش الإثيوبي في منطقة أزوزو التي تقع بين إقليم بحر دار ومدينة قندر.

ويبدو أن هذه المواجهات سوف تتواصل خلال المرحلة القادمة، خاصة بعد أن وجهت إثيوبيا، في 7 أغسطس الجاري، اتهاماً لمليشيا “فانو” بالعمل على الإطاحة بالحكومة المحلية في أمهرة والحكومة المركزية في أديس أبابا.

دوافع عديدة

يمكن تفسير مسارعة السلطات السودانية إلى اتخاذ قرار بإغلاق معبر “القلابات” الحدودي مع إثيوبيا في ضوء عوامل عديدة يتمثل أبرزها في:

1- ارتدادات الصراع بين الحكومة الإثيوبية والمليشيات: اتسع نطاق الاشتباكات العنيفة بالأسلحة الثقيلة بين مليشيا “فانو” الأمهرية المسلحة وقوات “ليوهايلي” الخاصة من جانب والجيش الإثيوبي من جانب آخر، وخاصة في منطقة بحر دار الواقعة في إقليم أمهرة الإثيوبي. وكان لافتاً أن مليشيا “فانو” أعلنت حالة التعبئة والاستنفار للاستمرار في القتال وإغلاق كل الطرق التي تؤدي إلى العاصمة أديس أبابا، بما يعني أنها تستعد، على ما يبدو، إلى مرحلة طويلة من الصراع مع الحكومة المركزية.

وقد تصاعدت هذه المواجهات بعد أن اتخذت الحكومة الإثيوبية قراراً بدمج جميع القوات الإقليمية الخاصة في الجيش الإثيوبي، بالتوازي مع اعتبار “فانو” “مليشيا متمردة تزعزع السلام في المنطقة”. ومن هنا، فإن السلطات السودانية في ولاية القضارف أبدت قلقاً من أن يؤدي استمرار فتح المعبر إلى تسلل عناصر مسلحة إلى داخل الأراضي السودانية، بما يعني فتح جبهة جديدة للقتال على الحدود السودانية، في الوقت الذي تتصاعد فيه المواجهات المسلحة بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. وفي هذا السياق، قال مدير شرطة ولاية القضارف اللواء مدثر حسب الرسول أن “توقف عمل إجراءات السفر عبر البر بمعبر القلابات، قد جاء حفاظاً على سلامة أرواح المواطنين والأجانب العابرين إلى إثيوبيا”، مضيفاً أنه “تم إخطار القنصلية الإثيوبية والسلطات بهذا القرار حتى تتم إتاحة الفرصة للسلطات هناك في احتواء حالة الاضطراب التي يشهدها إقليم بحر دار المجاور لولاية القضارف”.

2- محاولات “فانو” السيطرة على منطقة الفشقة: تشير تقارير عديدة إلى تحركات مليشيا “فانو” في منطقة الفشقة بدون علم السلطات الإثيوبية. وربما تحاول المليشيا استغلال استمرار المواجهات المسلحة في الداخل السوداني بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع لتجد لها موطئ قدم في هذه المنطقة.

وفي الوقت الذي اتجه فيه الجيش السوداني إلى سحب بعض قواته من الحدود للمشاركة في القتال حول العاصمة مع قوات الدعم السريع، فإن ذلك، وفقاً لاتجاهات عديدة، قد يدفع مليشيا “فانو” إلى اختراق الحدود والسيطرة على المنطقة مجدداً والاستمرار في القتال ضد القوات الإثيوبية انطلاقاً منها.

ويمكن القول إن الخلافات بين الحكومة والمليشيا حول وضع الأراضي الإثيوبية المتاخمة لمنطقة الفشقة كانت أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تجدد الصراع باستمرار، حيث كانت حكومة رئيس الوزراء الأسبق مليس زيناوي قد قررت ضم تلك الأراضي إلى إقليم تيغراي، وهو ما رفضته مليشيا “فانو” في أمهرة التي ما زالت تعتبر أن هذه الأراضي جزء من هذا الإقليم.

3- الموقف الإثيوبي من الصراع السوداني: تبدي قيادة الجيش السوداني، وفقاً لتقارير عديدة، قلقاً ملحوظاً من السياسة التي تتبناها إثيوبيا تجاه الصراع المسلح في السودان الذي قارب على افتتاح شهره الخامس، في منتصف أغسطس الجاري، لا سيما في ظل التقارب بين رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، الذي قام بزيارة إثيوبيا في 22 يناير 2022. ووفقاً لذلك، فإن هذا التقارب يمكن أن يساهم في تعزيز موقع قوات الدعم السريع في سياق المواجهات العسكرية المتصاعدة داخل السودان خلال المرحلة القادمة، على نحو أضاف دافعاً آخر لإغلاق المعبر الحدودي على الأقل خلال الفترة الحالية.

مساران رئيسيان

يطرح تجدد المواجهات بين قوات الجيش الإثيوبي من جانب ومليشيا “فانو” وقوات “ليوهايلي” الخاصة من جانب آخر في هذا التوقيت مسارين رئيسيين يرتبطان بالاتجاهات المحتملة للعلاقات بين إثيوبيا والسودان خلال المرحلة القادمة، وهما:

1- دخول مليشيات إثيوبية الأراضي السودانية: لا يمكن استبعاد أن تحاول المليشيات الأمهرية استغلال التطورات الحالية من أجل السيطرة على منطقة الفشقة مجدداً، لا سيما بعد سحب جزء من قوات الجيش السوداني من المنطقة، في ظل الترتيبات الجديدة التي فرضها تصاعد المواجهات المسلحة مع قوات الدعم السريع، خاصة في ولاية الخرطوم. وهنا، فإن قوات الجيش السوداني قد تجد نفسها مضطرة للانخراط في مواجهات على أكثر من جبهة في وقت واحد.

2- تصاعد التوتر على الحدود الإثيوبية-السودانية: رغم أن الجيشين الإثيوبي والسوداني يتجنبان الانخراط في مواجهات مباشرة بشكل أساسي، إلا أن ذلك لا ينفي أن اختراق عناصر إثيوبية، خاصة من مليشيا “فانو”، للحدود السودانية، سوف يؤدي، في الغالب، إلى تصاعد حدة التوتر على الحدود بين البلدين. لكن هذا التوتر سوف تكون له حدود تفرضها الضغوط التي تتعرض لها قوات الجيشين، إذ أن إثيوبيا ليست في وضع يسمح لها بالانخراط في اشتباكات حدودية مع السودان في الوقت الذي تواجه تحديات داخلية متنامية جراء تصاعد تمرد المليشيات العرقية مثل مليشيا “فانو” التي تواجه اتهامات بأنها تسعى إلى إسقاط حكومة آبي أحمد. فضلاً عن أن قوات الجيش السوداني منشغلة بدورها في إدارة المواجهات المسلحة مع قوات الدعم السريع.

ضغوط  مزدوجة

في المجمل، ورغم المخاوف السودانية من تداعيات تصاعد حدة الاشتباكات بين الجيش الإثيوبي من جانب ومليشيا “فانو” وقوات “ليوهايلي” الخاصة من جانب آخر في إقليم أمهرة الإثيوبي، وتزايد المخاطر التي يمكن أن تنجم عن هذه الاشتباكات على أمن المناطق السودانية المتاخمة، لا سيما استقرار الأوضاع في منطقة الفشقة، فإن إثيوبيا، على ما يبدو، سوف تتجه إلى ضبط مساحة التصعيد مع السودان في هذا التوقيت، وذلك في ضوء التحديات التي تواجه الاستقرار السياسي في الداخل، بسبب تجدد التوترات بين بعض المكونات العرقية.