اهتمام أمريكي بقضايا الشرق الأوسط خلال قمتى العشرين والمناخ

أزمات الإقليم:

اهتمام أمريكي بقضايا الشرق الأوسط خلال قمتى العشرين والمناخ



على الرغم من تركيز قمة مجموعة العشرين (٣٠-٣١ أكتوبر الفائت) في روما، وقمة جلاسكو للمناخ (كوب ٢٦) والتي بدأت في ٣١ من الشهر نفسه وستستمر لمدة أسبوعين حتى ١٢ نوفمبر الجاري، على قضايا تغير المناخ ومكافحة جائحة كوفيد -١٩، والانتعاش الاقتصادي، فإن قضايا منطقة الشرق الأوسط وأزماتها كانت حاضرة على هامش اجتماعاتهما في وقت تشهد المنطقة جملة من التغيرات والتحولات التي تفرض نفسها على أجندة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، رغم اهتمامها الملحوظ بالتحولات التي تشهدها منطقة التقاء المحيطين الهادئ والهندي “إندو- باسيفيك”.

رسائل عديدة

حملت اللقاءات التي أجراها الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير الخارجية انتوني بلينكن على هامش اجتماعات روما وجلاسكو مع العديد من مسئولي دول منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن قادة ومسئولي بعض القوى الدولية التي تبدي اهتماماً خاصاً بمتابعة ملفات المنطقة، العديد من الرسائل الأمريكية في سياق مساعي الإدارة الأمريكية للتعامل مع التحديات الطارئة في المنطقة، ويتمثل أبرزها في:

1- تعزيز التوافق مع الحلفاء الدوليين: كان لافتاً أن الرئيس جو بايدن حرص خلال اجتماعاته مع قادة الدول الأوروبية على تأكيد التزام الولايات المتحدة الأمريكية بعلاقاتها الاستراتيجية مع تلك الدول، مشيراً إلى أن نهجه يختلف إلى حد كبير عن النهج الذي اتبعه الرئيس السابق دونالد ترامب، وبدا ذلك جلياً في توصل الجانبين إلى اتفاق تجاري لإلغاء رسوم جمركية، كان قد فرضها الأخير في يونيو 2018. وهنا، فإن واشنطن استدعت هذا التغيير الملحوظ في سياستها إزاء حلفائها لتأكيد أن هناك توافقاً عالى المستوى حول مواجهة التحديات التي تتصاعد حدتها على المستويين الإقليمي والدولي، وأنه لا تغيير كبير في السياسة الأمريكية في هذا السياق، خاصة فيما يتعلق بالموقف من إيران، حيث حرص وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن، في 31 أكتوبر الفائت، على تأكيد أن هناك “اتفاقاً تاماً مع الحلفاء على إعادة إيران إلى الاتفاق النووي”، بالتوازي مع عقد قمة رباعية ضمت كلاً من الرئيس الأمريكي جو بايدن والفرنسي ايمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وجّهت دعوة لإيران بضرورة الإسراع في استئناف المفاوضات، وحذرت من تداعيات استمرار إيران في تطوير أنشطتها النووية. وربما يكون ذلك أحد الأسباب التي دفعت الأخيرة إلى إعلان استئناف المفاوضات في 29 نوفمبر الجاري.

2- التنسيق مع الصين حول أفغانستان: رغم تصاعد حدة الخلافات بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، لاسيما فيما يتعلق بملفات مثل تايوان وحقوق الإنسان وغيرها، إلا أنه كان لافتاً أن واشنطن بدت حريصة على تأكيد أن ذلك لا يمنع استمرار التنسيق حول ملفات تحظى باهتمام مشترك، وفي مقدمتها الملف الأفغاني. وربما يكون هذا الملف أحد محاور المباحثات التي أجراها وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن مع نظيره الصيني وانغ يي في روما في 31 أكتوبر الفائت، حيث كشف أحد المسئولين الأمريكيين أن الطرفين أدركا مدى أهمية تأسيس قنوات تواصل بينهما للتباحث حول بعض تلك الملفات، لاسيما أن هناك مجالات مشتركة يمكن لواشنطن وبكين العمل معاً فيها، وعلى رأسها الملف الأفغاني، وذلك رغم أن اتجاهات عديدة اعتبرت أن أحد أهداف الانسحاب الأمريكي من أفغانستان يتمثل في تصدير الأزمة الأفغانية إلى دول الجوار، لاسيما الصين وإيران، وممارسة ضغوط قوية عبر ذلك على الدولتين.

3- مراقبة تطورات الملف السوداني: طالبت الولايات المتحدة الأمريكية بضرورة استعادة الحكومة الانتقالية بقيادة مدنية في السودان بشكل فوري، وذلك بعد الإجراءات التي اتخذها القائد العام للجيش السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر الفائت. وفي إطار تحقيق ذلك، طلبت الإدارة الأمريكية خلال لقاءات عقدها وزير الخارجية انتوني بلينكن مع عدد من مسئولي الدول الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية على هامش اجتماعات روما وجلاسكو الضغط من أجل العودة إلى الحوار في السودان، والالتزام باتفاق جوبا للسلام والإعلان الدستوري.

4- إدارة الخلافات المتعددة مع تركيا: حرص الرئيس جو بايدن خلال مباحثاته مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في روما في 31 أكتوبر الفائت، على الإشارة إلى أن الخلافات بين الطرفين ليست ثانوية ولا يمكن تسويتها بسهولة. إذ لم تقتصر المباحثات على الخلاف الأبرز الخاص بشراء تركيا أنظمة صواريخ “إس 400” من روسيا، وإنما امتدت إلى ملف حقوق الإنسان وسيادة القانون في تركيا، فضلاً عن التطورات في سوريا، حيث ما زالت أنقرة تبدي تحفظات عديدة على الدعم الذي تقدمه واشنطن لمليشيا “قوات سوريا الديمقراطية”. وربما يمكن القول إن إدارة بايدن تسعى من خلال ذلك إلى تعزيز قدرتها على ممارسة ضغوط على أنقرة من أجل إجراء تغيير في سياستها باتجاه إبداء قدر أكبر من المرونة إزاء هذه الملفات الخلافية.

5- دعم الإصلاحات الاقتصادية في لبنان: أكد وزير الخارجية الأمريكي انتونى بلينكن خلال لقائه رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي على هامش مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي، استمرار الإدارة الأمريكية في دعم الشعب اللبناني في ظل معاناة البلاد من آثار أزمة اقتصادية تاريخية، مع تشجيع ميقاتي على تنفيذ إصلاحات لإنقاذ البلاد واستعادة الثقة الدولية، بالتوازي مع الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل مع لبنان من أجل السلام والازدهار في المنطقة. وقد انعكس اهتمام واشنطن بالإصلاحات التي يجب على الحكومة اللبنانية القيام بها في إعلان وزارة الخزانة الأمريكية، في 29 أكتوبر الفائت، عن فرض عقوبات على ثلاثة شخصيات لبنانية، هم النائب جميل السيد، ورجلى الأعمال جهاد العرب وداني خوري، حيث قامت بضمهما إلى قائمتها الخاصة بالأسماء والمواقع المحددة في “مكتب مراقبة الأصول الأجنبية”، واتهمتهم بـ”القيام بأنشطة مستفيدين من علاقاتهم السياسية لتمرير صفقات غير مشروعة، وفساد، على حساب مصلحة الشعب اللبناني والدولة”.

6- الاهتمام بمستقبل حكومة بينيت: حظى التجاذب الداخلي في إسرائيل حول طرح الموازنة العامة لعامى 2020 و2021، باهتمام خاص من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، ويبدو أن ذلك كان أحد محاور اللقاء بين الرئيس بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، على هامش قمة المناخ، قبل أن تصادق الهيئة العامة للكنيست على الموازنتين. وفي الواقع، فإن ذلك يوحي بأن واشنطن تسعى إلى توجيه رسائل إلى تل أبيب بأنها معنية بالملفات الملحة التي تواجه الأخيرة، لاسيما فيما يتعلق بتطورات أزمة الاتفاق النووي مع إيران، فضلاً عن الترتيبات السياسية والأمنية التي يجري العمل على صياغتها في سوريا في مرحلة ما بعد تغير توازنات القوى لصالح النظام السوري.  

استمرار الدور

رغم العديد من الخطوات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية خلال الأشهر الماضية منذ أداء الرئيس جو بايدن اليمين الدستورية في ٢٠ يناير الماضي، والتي كشفت عن تراجع أهمية منطقة الشرق الأوسط بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن الإدارة الأمريكية حاولت عبر المشاركة في الاجتماعات الدولية الأخيرة فضلاً عن بعض الإجراءات التي اتخذتها على الأرض، توجيه العديد من الرسائل التي تفيد أن ذلك لا يعني أنها سوف تتراجع عن دورها كقوة معنية بالاستقرار في المنطقة، وطرف رئيسي في معظم الملفات الإقليمية إن لم يكن مجملها. وقد كشفت اللقاءات التي أجراها الرئيس الأمريكي ووزير الخارجية على هامش اجتماعات روما وجلاسكو، أن هناك اهتماماً أمريكياً بالتحديات التي تشهدها المنطقة في الوقت الحالي، مع تركيز أكثر على دور الحلفاء والشركاء في التعامل معها، ولاسيما في الملفات والصراعات التي يكون لديهم أدوات للتأثير قد لا تملكها واشنطن.