هل تؤدي المظاهرات المليونية إلى إعادة حكومة حمدوك بالسودان؟

مهمة صعبة:

هل تؤدي المظاهرات المليونية إلى إعادة حكومة حمدوك بالسودان؟



دعت القوى السياسية والمدنية والعديد من الناشطين المؤيدين لعودة الحكومة في السودان إلى تنظيم مليونيات يوم السبت 30 أكتوبر 2021، وذلك في محاولة من قبل القوى السياسية والمدنية للعودة لمسار الشراكة في الحكم بناء على وثيقة المرحلة الانتقالية، وحدد الداعون لهذه التظاهرات ثلاثة أماكن رئيسية للتجمع بها داخل العاصمة الخرطوم وهي: “شارع المطار”، و”الخرطوم بحري” عند “السوق الرئيسي”، و”أم درمان” أمام “مبنى المجلس الوطني”، مع التأكيد على سلمية هذه التظاهرات.

متغيران رئيسيان

طالب المتظاهرون بعودة الحكومة المدنية، وفي هذا الإطار اكتسبت التظاهرات المليونية التي شهدتها العاصمة الخرطوم أهمية خاصة نظراً لارتباطها بجملة من المتغيرات السياسية الهامة، ومن أهمها ما يلي:

1- مواصلة الاحتجاجات الشعبية: جاءت الدعوة لتنظيم هذه التظاهرات السلمية لليوم الخامس على التوالي منذ إعلان القائد العام للجيش السوداني الفريق أول “عبدالفتاح البرهان” اتخاذ مجموعة من القرارات والإجراءات التي شملت: حل الحكومة، وحل مجلسي الوزراء والسيادة الوطني، وحل كافة النقابات، وما ترتب على ذلك من الإعلان عن العصيان المدني في العديد من مؤسسات الدولة، وخروج الآلاف من المواطنين الرافضين لتلك الإجراءات، والمطالبة بالرجوع إلى مرحلة ما قبل 25 أكتوبر، وما شهدته التظاهرات السلمية خلال الأيام السابقة من اشتباكات بين قوات الشرطة وقوات الدعم السريع والمواطنين.

2- تطبيق عقوبات إقليمية: فقد علق الاتحاد الإفريقي عضوية السودان فيه وكافة أنشطته داخل المؤسسات التابعة للاتحاد حتى عودة السلطة المدنية مرة أخرى، منتقداً حل الحكومة وطالب بالعودة لوثيقة الشراكة في الحكم، ورفض تغيير الحكومة بشكل غير دستوري، هذا الموقف من قبل الاتحاد الافريقي يعتبر إجراء روتيني يقوم به الاتحاد الإفريقي عادةً مع الدول التي تشهد انقسام في مراحل التحول الديمقراطي في اعقاب الثورات وهو ما حدث مع حالات مشابهة لحالة السودان، على غرار تجربتي مالي وتشاد خلال الفترة الأخيرة، ثم يعيد الاتحاد عضوية الدولة بمجرد تشكيل حكومة أو مجلس حكم انتقالي يشرف عليه العسكريون وتشترك فيه بعض القوى السياسية المؤيدة للمؤسسة العسكرية في تلك الدول.

فرص متاحة

تلوح في الأفق بعض الفرص المتاحة التي قد تسهم في تحقيق الهدف من مليونيات السبت في إعادة الحكومة المدنية، ومن أبرزها ما يلي:

1- مبادرة لوساطات داخلية: شهدت الأيام القليلة الماضية قيام بعض الشخصيات السودانية بتكوين ما أطلقوا عليه “لجنة حكماء” طرحت مبادرة للعب دور الوساطة بين الجيش ورئيس الوزراء المقال “عبدالله حمدوك”، وشملت المبادرة مقترحات محددة تمثلت في عقد اجتماعات مع كل من الفريق “عبدالفتاح البرهان” ورئيس الحكومة المقالة “عبدالله حمدوك” لتقريب وجهات النظر. وطرحت المبادرة على الطرفين مقترحاتها، ممثلة في تشكيل حكومة برئاسة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، والاستغناء عن مجلس السيادة الوطني، وتشكيل مجلس شيوخ بدلاً منه مكون من 100 شخصية وطنية، وتشكيل مجلس تشريعي يمثل الشباب 40% من عضويته.

2- تزايد الضغوط الأمريكية: تزامن مع انطلاق مليونيات السبت الداعية لإعادة الحكومة المدنية، إطلاق الإدارة الأمريكية تحذيرات بعدم استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين، والتحذير -كذلك- من التهديدات التي تتعرض لها المكاسب الإيجابية التي تحققت منذ عام 2019. وظهر ذلك بوضوح في تصريحات الرئيس الأمريكي “جو بايدن” الذي طالب إدارته بتمديد قانون الطوارئ الوطنية المفروض منذ 3 نوفمبر 1997، وهو ما يعني تمديده بعد 3 نوفمبر القادم. كما دعا وزير خارجيته “أنتوني بلينكن” السلطات الأمنية لعدم استخدام العنف ضد المدنيين، واحترام حق المواطنين في التظاهر السلمي. كما تدعم واشنطن قرارات مجلس الأمن بشأن الأوضاع الحالية في السودان، وقد تنجح التحذيرات الأمريكية وما سبقها من إعلان بوقف مساعدات اقتصادية بقيمة 700 مليون دولار، كورقة ضغط للاستجابة لمطالب التظاهرات والضغوط الأمريكية بإعادة الحكومة المدنية.

3- الدعم الأوروبي للحكم المدني: تُمثل المواقف الأوروبية الداعمة للحكومة المدنية المقالة برئاسة “حمدوك” نوعاً من أنواع الضغوط للعدول عن الإجراءات الاخيرة التي تم اتخاذها، كما تُمثل دعماً لدعوات الناشطين والقوى السياسية والمدنية الداعمة للحكم المدني الانتقالي، وقد ظهر ذلك في البيان المشترك عن الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا وألمانيا التي أعلنت اعترافها بشرعية الحكومة الانتقالية التي تم حلها، ورفض ما حدث من إجراءات تتنافي مع وثيقة الشراكة في الحكم التي تم تشكيلها في اعقاب الإطاحة بحكم الرئيس السابق عمر البشير. وكذلك تصريحات “جوزيب بوريل” مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي بشأن دعمه لعملية تحول ديمقراطي يقوده المدنيون باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق تقدم إيجابي في الحياة السياسية السودانية خلال الفترة المقبلة، وبالتالي يمثل الموقف الأوروبي إلى جانب الموقف الأمريكي عامل ضغط للعودة لمسار الشراكة في الحكم خلال المرحلة الانتقالية بالسودان.

عقبات قائمة

وفي ظل الحديث عن بعض الفرص المتاحة التي قد تُسهم في تحقيق الهدف من التظاهرات المليونية التي تم تنظيمها في 30 أكتوبر المنقضي؛ إلا أن هناك العديد من العقبات التي تَحدّ من فرص تحقيق ذلك، ومن أهمها ما يلي:

1- محدودية تأثير المظاهرات المليونية: فبرغم مئات الآلاف الذين شاركوا في مليونيات السبت للدفع لإعادة الحكومة المدنية مرة أخرى؛ إلا أن ما تمتلكه السلطة الحالية من قدرات تُمكّنها من فرض سيطرتها على مؤسسات الدولة (الأجهزة الأمنية والعسكرية وقوات الدعم السريع)، وتعديل مسار التسوية السياسية وفقاً لتوجهات قادته ورؤيتهم لتصحيح الأوضاع السياسية في البلاد، وفقاً لتصريحات الفريق “عبدالفتاح البرهان”، وفي ظل ضعف القوى السياسية والمدنية بشكل لا يُمكّنهم من تحقيق مطالبهم الخاصة بالرجوع إلى فترة ما قبل 21 أكتوبر.

2- غياب الثقة بين المكون المدني والعسكري: في ظل إصرار المكون العسكري على فرض رؤيته لحل الأزمة السياسية الراهنة، والاقتناع الكامل بأن الإجراءات التي تم اتخاذها هي تصحيح لمسار الثورة والانتقال الديمقراطي في البلاد؛ فإن ثقة المكوِّن المدني في التصريحات الاخيرة تتراجع، وذلك رغم إعلان الفريق “عبدالفتاح البرهان” أنه سيتم تشكيل حكومة مدنية جديدة في غضون أسبوع بعد أن توافق عليه كافة قطاعات الشعب، ولن يتم التدخل في اختياراتها لتشكيل الحكومة الجديدة، ولذلك يواصل قادة المكون العسكري مباحثاتهم مع عدد من السياسيين لتولي منصب رئاسة الحكومة الجديدة، غير أن ذلك لم يَلْقَ قبولاً من أحد، خاصة في ظل البحث عن تطمينات أو ضمانات قبل الموافقة على القبول بهذا الطرح.

3- شروط “حمدوك” لتولي الحكومة الانتقالية: يُصر “عبدالله حمدوك” على تشكيل حكومة مدنية يتولى رئاستها شريطة الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين من الوزراء والشخصيات السياسية الداعمة لحكمة، وأن يُترك له الخيار لتكوين حكومته بدون تدخلات من أي جهة، وهي شروط من الصعوبة بمكان أن تقبل بها حيث يشترط الفريق برهان تشكيل حكومة جديدة تشمل كافة القوى السياسية والجماعات المسلحة دون الاقتصار فقط على قوى الحرية والتغيير.

4- الرجوع إلى ما قبل 21 أكتوبر: طالب تحالف قوى الحرية والتغيير بضرورة الرجوع بالأوضاع السياسية في البلاد إلى ما قبل 21 أكتوبر الجاري (عندما تم تنظيم مواكب الردع لدعم الحكومة الانتقالية المدنية)، وذلك قبل أن يتم الحديث عن أية مبادرات داخلية للوساطة، كما طالب تجمع المهنيين السودانيين بالعودة إلى الوثيقة الدستورية، وعودة الحكومة المدنية لممارسة مهام عملها، وذلك في إطار الالتزام بالمسار الديمقراطي المدني، وإكمال هياكل السلطة الانتقالية.

إطالة الأزمة

خلاصة القول، تشير المعطيات الراهنة إلى صعوبة عودة الحكومة الانتقالية المقالة وفقاً لما يُطالب به المتظاهرون، مع صعوبة تشكيل حكومة مدنية جديدة في ظل غياب الثقة بين المكون المدني والمكون العسكري.