استهداف أمريكا لأسامة المهاجر قيادي “داعش” بسوريا

رسائل مختلفة:

استهداف أمريكا لأسامة المهاجر قيادي “داعش” بسوريا



تواصل القوات الأمريكية في سوريا، عملياتها لاستهداف قيادات تنظيم “داعش” والعناصر البارزة، وكان آخرها استهداف “أسامة المهاجر”، أحد قيادات التنظيم في شرق سوريا، وكان لافتاً الاعتماد على غارة جوية بطائرات من دون طيار، دون تنفيذ عملية إنزال جوي أو عملية ميدانية لاعتقاله. ويمكن النظر إلى الإصرار الأمريكي لاستهداف “المهاجر” رغم الاعتراض الروسي للمسيرات الأمريكية، باعتبارها مواجهة محاولات روسيا تحجيم الوصول الأمريكي للأجواء السورية، كما أن العملية تعكس تصدير ضغوط لتركيا، لعدم السيطرة على المناطق التي تخضع لسيطرة فصائل مسلحة موالية لها، إضافة إلى رغبة أمريكية في مواصلة تفكيك شبكات تنظيم “داعش”، واستمرار قدرة الولايات المتحدة على النفاذ الاستخباراتي في سوريا بصورة تمكنها من النفاذ إلى القيادات المؤثرة في “داعش”.

فقد أعلنت القيادة المركزية الأمريكية عن استهداف قيادي في تنظيم “داعش” بشرق سوريا، يدعى “أسامة المهاجر”، في غارة باستخدام طائرة من دون طيار من نوع MQ-9s (7 يوليو 2023)، مع التعهد باستمرار الجهود لمواجهة التنظيم، باعتباره لا يزال يشكل تهديداً. ورغم أن الغارة الجوية لاستهداف “المهاجر” تعرضت لمضايقات من قبل طائرات روسية استمرت لساعتين، إلا أن البيان الأمريكي يتطرق إلى عدم وجود مؤشرات على مقتل مدنيين في هذه الضربة الجوية.

أبعاد الاستهداف

يُمكن الإشارة إلى أبعاد عملية الاستهداف الأمريكي للقيادي في تنظيم “داعش” أسامة المهاجر، في إطار طبيعة العمليات الأمريكية منذ مطلع عام 2023، لمواجهة التنظيم في سوريا، كالتالي:

1- العملية السادسة للولايات المتحدة خلال 2023: تُعد عمليةاستهداف “المهاجر”، السادسة من نوعها، إذ أعلنت “القيادة المركزية” الأمريكية، عبر موقعها الإلكتروني، منذ شهر يناير الفائت، عن 6 عمليات فقط، لملاحقة القيادات البارزة والعناصر المؤثرة في النشاط العملياتي لفرع التنظيم في سوريا، وكان شهر أبريل الفائت أعلى معدل لعمليات استهداف القيادات والعناصر البارزة، بواقع 3 عمليات، فيما لم تسجل عمليات خلال أشهر (مارس ومايو ويونيو).

اللافت أن القوات الأمريكية لم تنفذ عمليات لاستهداف قيادات “داعش” على مدار ما يزيد على شهرين، إذ جاءت عملية استهداف “المهاجر” بتاريخ 7 يوليو الجاري، في حين كانت آخر عملية بتاريخ 17 أبريل الفائت، وأسفرت عن مقتل قيادي بارز في التنظيم يدعى “عبد الهادي محمود الحاج”.

وبشكل عام، يتضح من خلال مراجعة العمليات التي تنفذها القوات الأمريكية في نطاق القيادة المركزية لتنظيم “داعش” في العراق وسوريا، أن التركيز الأكبر في العمليات على جهود مواجهة التنظيم في العراق، مقارنة بسوريا، وهذا يتضح من إجمالي عدد العمليات في البلدين منذ مطلع عام 2023، وفقاً للإفادة الشهرية للقوات الأمريكية.

وعلى الرغم من إقرار الولايات المتحدة بتراجع النشاط العملياتي لـ”داعش” في العراق وسوريا معاً، فقد استمر التركيز على مواجهة التنظيم في العراق خلال النصف الأول من العام الجاري بواقع 170 عملية (غير محددة التفاصيل) مقارنة بسوريا بواقع 71 عملية (غير محددة التفاصيل).

2- الاعتماد على قصف لطائرات من دون طيار: اعتمدت “القيادة المركزية” الأمريكية في استهداف “المهاجر” على عملية قصف جوي بطائرة من دون طيار نوع ” MQ-9s”،ولكنه بات نمطاً متراجعاً على الساحة السورية، منذ العام الفائت بصورة ملحوظة، وتحديداً عقب هجوم تنظيم “داعش” على سجن غويران في يناير 2022، لمحاولة تحرير عناصره.

وبدا أن ثمة تحولات في الاستراتيجية الأمريكية لمواجهة تنظيم “داعش” بالتركيز على تفكيك شبكات التنظيم في سوريا، ولذلك لجأت القوات الأمريكية إلى الاعتماد على نمط الإنزال الجوي، أو دعم جوي لتحركات ميدانية، بعضها بمشاركة قوات “سوريا الديمقراطية”، لاعتقال القيادات والعناصر البارزة، لاستخلاص المعلومات حول البنية التنظيمية لـ”داعش”.

وبالنظر إلى العمليات الست التي أعلنت عنها “القيادة المركزية” الأمريكية في سوريا، فإن 4 عمليات جاءت بالاعتماد على “غارة بطائرة هيليكوبتر”، بما يشير إلى عملية ميدانية بغرض الاعتقال للعنصر المستهدف، فيما جاءت العملية الأخيرة في شهر يوليو الجاري لاستهداف “المهاجر” بعملية قصف من طائرة من دون طيار، في حين لم يتضح نمط الهجوم المستخدم في العملية المعلن عنها في 4 أبريل الفائت، إذ لم يشر البيان إلى تفاصيل الهجوم، ولكنه اكتفى فقط بالإشارة إلى “غارة”، بما يرجح أنها كانت باستخدام طائرة من دون طيار.

3- ترجيح باستهداف “المهاجر” في حلب: لم يقدم بيان “القيادة المركزية” الأمريكية، تفاصيل النطاق الجغرافي لاستهداف “المهاجر”، ولكنه أشار إلى أنه يعد زعيم “داعش” في شرق سوريا، أي في نطاق نفوذ “قوات سوريا الديمقراطية” شمال شرقي سوريا، وهو ذات نطاق تمركز القوات الأمريكية والتحالف الدولي لمواجهة “داعش” في سوريا.

ومع ذلك، فإن وكالة ” Associated Press”، نقلت عن مسؤول دفاعي أمريكي، أن عملية الاستهداف كانت في منطقة بحلب، حينما كان على متن دراجة نارية، وتم استهدافه بعد تعقبه من قبل ثلاث طائرات مسيرة، قبل أن يشير إلى أن “المهاجر” يعمل بشكل رئيسي في شرق سوريا.

ويبقى أن استهداف “المهاجر” في حلب يحمل العديد من علامات الاستفهام، خاصة مع إمكانية استهدافه في مكان إقامته بنطاق نفوذ القوات الأمريكية بشرق سوريا، خاصة مع إمكانية تنفيذ عملية إنزال، أو عملية ميدانية بدعم جوي لمحاولة اعتقاله.

وأقدمت بعض التقارير المحلية على ربط البيان الأمريكي بالإشارة إلى استهداف طائرة من دون طيار بتاريخ (7 يوليو 2023)، لشخص على متن دراجة نارية، في “الطريق بين مدينة الباب وبلدة بزاعة، وهو نطاق سيطرة القوات التركية والفصائل الموالية لها في ريف حلب الشرقي”.

4- عرقلة روسيا للنشاط الأمريكي جواً: على مدار ثلاثة أيام أقدمت طائرات روسية على عرقلة طيران الطائرات المسيرة الأمريكية في أجواء سوريا، وفقاً للرواية الأمريكية، إذ اعترضت الطائرات الروسية المسيرات الأمريكية بداية من يوم الأربعاء الماضي وحتى يوم الجمعة (7 يوليو 2023)، وهو نفس يوم استهداف “المهاجر”.

وفي حين تُشير روسيا إلى أن طائراتها كانت تحلق في إطار تدريبات مشتركة مع نظيراتها السورية، تطرق بيان أمريكي إلى أن الطائرات الروسية حلقت على مقربة من المسيرات الأمريكية”بشكل غير آمن وغير احترافي”، وخلال يوم الخميس الماضي (6 يوليو) أطلقت الطائرات الروسية “طلقات ضوئية” أمام المسيرات الأمريكية، بما عرقل عملياتها ضد التنظيمات الإرهابية في سوريا.

ويتجاوز اعتراض الطائرات الروسية للمسيرات الأمريكية، في أبعاده عرقلة عمليات القوات الأمريكية ضد “داعش”، إلى ارتدادات التوترات بين الدولتين على الساحة الأوكرانية.

دلالات رئيسية

تُشير عملية استهداف “المهاجر” وأبعادها الرئيسية، إلى جملة من الدلالات، أبرزها المستجد المتعلق بالاحتكاك الروسي الأمريكي “غير المسبوق” في الأجواء السورية، ويمكن التطرق إلى الدلالات كالتالي:

1- مواجهة تحجيم روسيا للوصول الأمريكي جواً: وفقاً للرواية الأمريكية فإن المسيرات التي كانت تتعقب “المهاجر” واستهدفته، تعرضت على مدار ثلاثة أيام للاعتراض من قبل الطائرات الروسية، وهو ما يطرح تساؤلاً مركزياً حول عدم إقدام القوات الأمريكية في سوريا على وقف عملية استهداف القيادي في “داعش” بناء على المستجدات، ولكن يتضح الإصرار الأمريكي على استهداف “المهاجر” في حلب، دون انتظار انتقاله إلى شرق سوريا.

ربما يرتبط الإصرار الأمريكي بمواجهة محاولات روسيا تحجيم الوصول الأمريكي إلى الأجواء السورية، خاصة وأن الطائرات الروسية تعمدت عرقلة حركة طيران المسيرات الأمريكية، ولكن في المقابل لم تُقْدِم القوات الأمريكية على سحب المسيرات ولكن ظلت في عملية مراوغة لمدة ساعة (يوم 6 يوليو)، وساعتين (يوم 7 يوليو).

رغم أن هذا الاحتكاك يرتبط بارتدادات التوترات بين البلدين على مستوى الأزمة الأوكرانية، إلا أنه يرتبط في الوقت ذاته بتنفيذ القوات الأمريكية عام 2022، عمليات خارج نطاق نفوذها التقليدي في شمال شرقي سوريا، في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية”، إذ نفذت عمليات في شمال غرب سوريا، وهي ذاتها مناطق خفض التصعيد، وبعض العمليات كانت في مناطق نفوذ جماعات مسلحة محسوبة على “المعارضة”.

ولكنّ الأبرز تنفيذ عملية لأول مرة في منطقة تخضع لسيطرة النظام السوري (أكتوبر 2022)، وربما الاعتراض الأخير للمسيرات الأمريكية، محاولة من روسيا لتحجيم نطاق الطيران الأمريكي على اختلافه.

2- مواجهة تركيا بشأن شمال سوريا: يمكن النظر إلى عملية استهداف “المهاجر” في أحد جوانبها على أنها محاولة من الولايات المتحدة الأمريكية للضغط على تركيا، بشأن تفاعلاتها بشمال سوريا، خاصة وأن تلك المناطق التي تخضع لفصائل مسلحة موالية لتركيا تشهد حالة من الهشاشة الأمنية، في ظل تقارير محلية بأنها باتت مناطق لاختباء قيادات “داعش” وسط السوريين، ومركزاً للتخطيط للعمليات الإرهابية.

كما أن العملية تأتي في إطار العمليات التي نفذتها القوات الأمريكية سابقاً، وتحديداً خلال العام الفائت في مناطق تخضع لنفوذ وسيطرة فصائل موالية لتركيا، بما يشير إلى قدرة الولايات المتحدة على النفاذ إلى تلك المناطق على المستوى الاستخباراتي، في حين لم تتمكن أنقرة من تكثيف جهودها لمواجهة التنظيم، بما يشكل حرجاً لها، في حين كانت أغلب العمليات لاستهداف قيادات وعناصر “داعش” ترتبط بالتسلل أو الاختباء في الداخل التركي، باستثناء بعض العمليات المحدودة بالشمال السوري، مثل الإعلان عن مقتل زعيم تنظيم “داعش” (مايو 2023)، دون تأكيد أو نفي من التنظيم رغم مرور ما يزيد على شهرين.

3- مواصلة الضغوط على تنظيم “داعش”: على الرغم من تراجع النشاط العلمياتي لـ”داعش” في سوريا، فإن عملية استهداف “المهاجر” تعكس رغبة في مواصلة الضغوط على التنظيم، وتصفية قياداته على مستوى الصف الأول أو الثاني، والعناصر البارزة التي تعمل في توفير الدعم التمويلي واللوجيستي، لمجموعات التنظيم التي تنشط في سوريا، وتحديداً على مستوى شمال شرق سوريا، بغرض إضعاف شبكات التنظيم في تلك الجغرافيا التي تشهد انتشاراً لقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

إذ تواصل القوات الأمريكية تنفيذ العمليات متعددة الأنماط، سواء باستهداف القيادات، أو عمليات تمشيط دورية بالاشتراك مع “قوات سوريا الديمقراطية”، فضلاً عن عمليات مداهمات ميدانية لاعتقال عناصر متورطين مع التنظيم، وتشير الإفادات الشهرية لـ”القيادة المركزية” الأمريكية إلى اعتقال العشرات خلال النصف الأول من العام الجاري، رغم عدم تقديم تفاصيل العمليات التي أسفرت عن عمليات الاعتقال.

4- استمرار الجهد الاستخباراتي للنفاذ للقيادات المؤثرة: لا تزال محاولة اقتحام “داعش” لسجن غويران عام 2022، مؤرقة للولايات المتحدة و”قوات سوريا الديمقراطية” في ظل تخوفات من تداعيات تأثير تحرير عناصر لـ”داعش” في السجون والمخيمات، ولذلك تضغط الولايات المتحدة على الدول لاستقبال مواطنيها من تلك المخيمات والسجون.

وفي هذا السياق، فإن القوات الأمريكية تركز في عملياتها على استهداف القيادات الميدانية المؤثرة على التخطيط لعمليات التنظيم، وإضعاف القدرات القتالية للتنظيم، خاصة وأن “المهاجر” يعد -وفقاً للتصنيف الأمريكي- أحد قيادات التنظيم البارزة في شرق سوريا.

تأثيرات محتملة

تستمر الولايات المتحدة في عملياتها على مستويات متعددة لمواجهة تنظيم “داعش”، باعتباره التزاماً أمام “الحلفاء والشركاء” في الشرق الأوسط، على وجه التحديد، ولكن يبقى السؤال حول حدود تأثيرات المستجد الأبرز على الساحة السورية خلال شهر يوليو الجاري، باعتراض الطائرات الروسية للمسيرات الأمريكية، على جهود القوات الأمريكية لمواجهة “داعش”.

وتتزايد التخوفات من احتمالات تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا عبر الساحة السورية، على خلفية الأزمة الروسية الأوكرانية، خاصة في ظل تأكيد قاعدة حميميم الروسية في سوريا تسجيل 1602 انتهاك من قبل “التحالف الدولي” للأجواء السورية.