إجراءات الحكومة المغربية لتعزيز قدراتها العسكرية

مداخل ستة:

إجراءات الحكومة المغربية لتعزيز قدراتها العسكرية



تبنت المملكة المغربية في الآونة الأخيرة استراتيجية خاصة بتحديث وتطوير قواتها المسلحة لمواجهة التحديات والمخاطر الأمنية والعسكرية التي تهدد أمنها القومي. وفي هذا الإطار، اتخذت الحكومة المغربية مجموعة من الإجراءات لتحقيق هذا الغرض، ومن أبرزها ما يلي:

مخصصات متوافرة

1- زيادة الميزانية العسكرية، رصدت المملكة المغربية خلال السنوات الأخيرة زيادات مطردة في الميزانية المخصصة للقوات المسلحة، فقد خصص مشروع الموازنة المغربي لعام 2022 مبلغ 12.74 مليار دولار لهذا الغرض، بزيادة قدرها 510 ملايين دولار مقارنة بالميزانية السابقة لعام 2021. وفي عام 2016 كانت موازنة القوات المسلحة 6.24 مليارات دولار فقط، وهو ما يشير إلى الزيادات المطردة في الميزانية العسكرية. وفي عام 2022 تخطط الرباط لاستثمار حوالي 5 مليارات دولار بغرض تحديث وتقوية قواتها المسلحة، وتمثل هذه الاستثمارات 4% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، كما وضعت الحكومة المغربية مخططاً لتخصيص حوالي 4.8 مليارات دولار للحصول على أسلحة ومعدات عسكرية أكثر تطوراً خلال العام الجاري، وقد زادت هذه الميزانية بنسبة 54% مقارنة بعام 2011، وهو ما يعكس الاهتمام المغربي بتعزيز قدراتها العسكرية على نحو غير مسبوق مقارنة بما كانت عليه خلال السنوات العشر الأخيرة.

صفقات ضخمة

2- إبرام صفقات السلاح، تقوم المغرب بعقد صفقات تحصل من خلالها على أحدث الأسلحة والمعدات العسكرية المتطورة تكنولوجياً من أكثر من مصدر للتسليح، ومن ذلك ما يلي:

أسلحة إسرائيلية، حيث تم توقيع اتفاق بين الرباط وتل أبيب خلال زيارة رئيس الأركان الإسرائيلي “أفيف كوخافي” للرباط، حيث تم التفاوض للحصول على بعض الأسلحة الإسرائيلية ومن أبرزها طائرة “هيرون” المسيرة التي يتم استخدامها لأغراض استخباراتية من حيث الاستطلاع وجمع المعلومات واستهداف المواقع بدقة كبيرة. وفي شهر فبراير الماضي، اتفق الجانبان على تزويد الشركة الإسرائيلية للطيران IAI”” بـالنظام الجوي “باراك ماكس” (Barak MX)، وهو نظام متكامل لمواجهة مجموعة واسعة من التهديدات الجوية التي تتراوح من طائرات الهليكوبتر والطائرات إلى الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز والذي تم استخدامه مؤخراً لإسقاط صواريخ حزب الله اللبناني التي كانت تستهدف منصة “كاريش” للغاز الطبيعي في البحر المتوسط، وكذلك حصول المغرب على طائرات بدون طيار من إنتاج شركة “سكاي لوك”، كما تم الاتفاق على تحديث طائرات “إف 5” المقاتلة في سلاح الجو الملكي المغربي.

طائرات أمريكية، تقدمت المغرب خلال الفترة الأخيرة بطلب إلى الولايات المتحدة الأمريكية للحصول على طائرات الهليكوبتر من طراز “”H135، وهي طائرة متعددة المهام تنتجها شركة “إيرباص” الأمريكية لمهام التدريب على أداء مجموعة واسعة من المهام الصعبة، بما في ذلك الخدمات والبحث والإنقاذ.

شاحنات هندية، طلبت القوات المسلحة المغربية الحصول على شاحنات نقل تكتيكية TATA LPTA 2038 من الهند، تنسجم مع الطبيعة المناخية للمناطق الصحراوية المغربية، وذلك في إطار استراتيجية المغرب للحصول على أسلحة متطورة تكنولوجياً من الهند، وذلك عبر الاتفاق المغربي مع شركة بهارال للإلكترونيات المحدودة “BEL” الهندية، وذلك لتقديم تقنيات وتركيب رادارت للمراقبة والتحكم عالية الأداء في جميع المطارات المغربية.

طائرات بيرقدار التركية، كما أبرمت المغرب خلال الفترة الأخيرة صفقات مع تركيا للحصول على طائرات “بيرقدار” دون طيار التي تقوم تركيا بصناعتها بقدرات تكنولوجية فائقة، والتي حسمت بها بعض الدول التي حصلت عليها حروباً ومعارك عسكرية لصالحها، وذلك على غرار استخدام الحكومة الأثيوبية لها في صراعها المسلح ضد الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي في إقليم التيجراي، وكذلك استخدامها في أزمة “ناجورنو كاراباخ”. ووفقاً لذلك فقد تسلمت الرباط الشحنة الأولى من طائرات “بيرقدار TB2″، في أبريل 2021، وفقاً للعقد الموقع مع شركة “بايكار” التركية بقيمة 70 مليون دولار، من أجل التزود بـ13 طائرة من هذا الطراز. وفي شهر أغسطس الماضي، تم الإعلان عن تفاوض المغرب مع الجانب التركي لشراء 22 مروحية هجومية من طراز “أتاك تي 129” من إنتاج شركة “توساش” التركية بقيمة 1.3 مليار دولار”، في صفقة تشمل أيضاً أنظمة تسليح وصواريخ وإلكترونيات الطيران الحديثة. كما تم التوقيع على عقد مع شركة “أسيلسان” التركية بقيمة 50.7 مليون دولار للحصول على منظومة الحرب الإلكترونية من طراز “كورال” خلال العامين 2023 و2024. وفي شهر يناير الماضي، تم التفاوض للحصول على قاذفات للصواريخ من طراز “كيليش 2” وفرقاطة خفيفة، وسفن حربية تصنعها شركة “جلوكوك” التركية.

علاقات تل أبيب

3- تنسيق مغربي إسرائيلي، منذ التوقيع على اتفاق لتطبيع العلاقات الثنائية بين المغرب وإسرائيل على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية في ديسمبر 2020، أبرمت المغرب وإسرائيل عدداً من مذكرات التفاهم الدفاعية في 21 نوفمبر 2021، وذلك عند زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي “بيني جانتس”، وشملت الاتفاق على التعاون في المجالات الأمنية والاستخباراتية، وعقد صفقات أمنية، وبيع معدات عسكرية، وإجراء تدريبات مشتركة. وفي هذا الإطار، جاءت الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الأركان الإسرائيلي “أفيف كوخافي” للرباط في 20 يوليو الجاري، في زيارة هي الأولى من نوعها للمغرب بغرض تعزيز التعاون والتنسيق المشترك في المجال العسكري عبر وضع خطة عمل مشتركة تعبر عن الإمكانيات الهائلة للأنشطة المشتركة بين الدولتين، وهو ما يخدم الأغراض المغربية لتطوير قدراتها العسكرية عبر الاستفادة من الخبرات العسكرية الإسرائيلية في هذا المجال.

ملاحق عسكرية

4- استحداث مناصب دبلوماسية، وافقت الحكومة المغربية على مشروع قرار يقضي باستحداث منصب ملحق عسكري في السفارتين المغربيتين في كل من الهند وتركيا، ويرجع ذلك إلى أن هاتين الدولتين من الأسواق الناشئة في صناعة وإنتاج الأسلحة والمعدات العسكرية المتطورة، والتي تتميز بقدرات تكنولوجية متقدمة وأسعار أقل تكلفة من الأسلحة والمعدات العسكرية التي تصنعها المصادر التقليدية التي كانت تعتمد عليها المغرب للحصول على أسلحتها ومعداتها العسكرية، ومن شأن استحداث منصب ملحق عسكري أن يساعد في عقد صفقات أسلحة بشكل أسرع من الطرق التقليدية التي تعتمد على سفر وفد حكومي لهذه الدول لعقد مثل هذه الصفقات، وبالتالي توفير الوقت والجهد للحصول على هذه الأسلحة.

“الأسد الأفريقي”

5- إجراء المناورات العسكرية المشتركة، استضافت المغرب مناورات “الأسد الأفريقي” العسكرية في شهر يونيو الماضي بمشاركة 13 دولة، من بينها: الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وإيطاليا، وبريطانيا، وهولندا، والبرازيل، وتونس، والسنغال، وتشاد، وغانا، كما شاركت إسرائيل لأول مرة في هذه المناورات، بالإضافة إلى مراقبين من 28 دولة، وذلك بغرض تطوير التعاون العسكري بين المغرب ودول العالم، مع الاستفادة المغربية من خبرات التدريب المشترك مع مختلف دول العالم، بما يرفع من قدرات القوات المسلحة المغربية وتأهيلها لمواجهة التحديات الأمنية على المستويين الداخلي والخارجي.

مصادر متعددة

6- تنويع مصادر التسليح، وضعت المملكة المغربية استراتيجية لتنويع مصادر الحصول على الأسلحة والمعدات العسكرية، وذلك بعد أن اعتمدت لسنوات طويلة على المصادر التقليدية لتسليح قواتها المسلحة، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإسبانيا والصين. إلا أن الفترة الأخيرة شهدت اتجاه المغرب للحصول على بعض الأسلحة المتطورة تكنولوجياً من تركيا وخاصة طائرات “بيرقدار” دون طيار. وفي الآونة الأخيرة ظهرت الهند أيضاً كمصدر جديد لتسليح القوات المسلحة المغربية، ويرجع ذلك إلى التسهيلات المالية التي تقدمها هذه الدول في عقد الصفقات الخاصة بالحصول على أسلحة جديدة، إضافةً إلى بعض القيود التي تقف حائلاً دون إتمام بعض صفقات السلاح المبرمة مع بعض المصادر التقليدية، وذلك على غرار الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن اعترض الكونجرس الأمريكي على تزويد المغرب بصفقة أسلحة بقيمة 240 مليون دولار تشمل طائرات “إف 35″، منها أربع طائرات بدون طيار من نوع MQ-9B Skyguardian. كما اتّجهت المغرب نحو الحصول على بعض الأنظمة المضادة للطيران التي يتفوق بعضها على بعض الأنظمة الأمريكية، وفي ذلك مؤشر هام على التغير الطارئ في أسواق السلاح العالمية.

دلالات محددة

تحمل هذه الأهداف بعض الدلالات السياسية والعسكرية الهامة، ومن أبرزها ما يلي:

1- تعزيز الدور الإقليمي، من شأن قيام المغرب بتطوير وتحسين قواتها المسلحة للحصول على أحدث المعدات المتطورة تكنولوجياً، أن يدعم الثقل العسكري المغربي، ومن ثم تعزيز المساعي المغربية للعب دور أكثر فاعلية تجاه الأزمات والقضايا المثارة في منطقة المغرب العربي وشمال أفريقيا، وكذلك على مستوى القارة الأفريقية.

2- تغيير موازين القوى، يسهم تطوير القدرات العسكرية للقوات المسلحة المغربية في تغيير موازين القوى السياسية والعسكرية في منطقة المغرب العربي، وأيضاً على المستوى القاري، حيث يحتل الجيش المغربي المركز 55 على مستوى العالم (وفقاً لتصنيف موقع جلوبال فاير باور لعام 2022)، متراجعاً مرتبتين عن الترتيب في العام السابق، كما حلّت بعد الجزائر التي حلت في المركز 31 عالمياً، وهو ما دفع المغرب نحو مزيد من التحديث والتطوير لقواتها المسلحة والحصول على المزيد من الأسلحة والمعدات العسكرية.

  3- تزايد المخاطر الأمنية، تعكس الإجراءات المتبعة لتطوير القدرات الخاصة بالقوات المسلحة المغربية، حجم التحديات والتهديدات الأمنية المتزايدة داخل المغرب وخاصة فيما يتعلق بالمواجهات المسلحة المتقطعة مع العناصر المسلحة لجبهة البوليساريو، وأيضاً على المستوى الخارجي فيما يتعلق بالتهديدات المحتملة من قبل الجزائر، وكذلك تصاعد أنشطة التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء.

4- دعم مغربية الصحراء، حيث تعكس المساعي المغربية لتعزيز قدراتها العسكرية أيضاً رغبة الرباط في أن يستند موقفها السياسي الخاص بقضية الصحراء المغربية إلى قوات مسلحة قوية يمكن أن تعتمد عليها في تعزيز المواقف التفاوضية للرباط مع جبهة البوليساريو التي تدعمها الجزائر، لتسوية وحسم قضية الصحراء وحسم أية مواجهات مسلحة ضد جبهة البوليساريو على غرار أحداث معبر الكركرات الحدودي مع موريتانيا، وزادت التحركات المغربية خلال الفترة الأخيرة وخاصة عقب قطع الجزائر علاقاتها مع المغرب بعد اتهامها بممارسة أعمال عدائية ضدها، وانعكست هذه التوجهات في موقف الجزائر تجاه زيارة رئيس الأركان الإسرائيلي الأخيرة للمغرب، حيث تم اتهام المغرب بخيانة القضية الفلسطينية وخدمة الأجندة الأمنية لإسرائيل في منطقة شمال أفريقيا والمغرب العربي.

ثقل عسكري

خلاصة القول، تُشير الإجراءات المغربية الخاصة بتطوير قدراتها العسكرية إلى حرص المغرب على تطوير وتحديث قواتها المسلحة، وزيادة ما تمتلكه من أسلحة ومعدات عسكرية كي تمنحها ثقلاً عسكرياً في منطقة شمال أفريقيا على وجه الخصوص، ولا سيما في ظل قطع العلاقات المغربية الجزائرية.