أبعاد تطور التوتر في العلاقات المغربية الجزائرية

تصعيد متجدد:

أبعاد تطور التوتر في العلاقات المغربية الجزائرية



أصدرت وزارة الخارجية الجزائرية بياناً، في 12 أبريل 2022، اتهمت فيه المملكة المغربية بارتكاب أعمال إرهابية باستهداف بعض المدنيين في إقليم الصحراء، عبر تعرض قوافل تجارية في 10 أبريل الجاري، لقصف مغربي على الحدود المشتركة بين الجزائر وموريتانيا باستخدام أسلحة حربية متطورة، أسفرت عن مقتل ثلاثة مدنيين. وطالبت الجزائر بإجراء تحقيق دولي من الأمم المتحدة مع المغرب لأنها تقوم بتنفيذ عمليات إعدام خارج القانون والقضاء، وهو ما يستدعي مساءلتها أمام الأجهزة المختصة التابعة للأمم المتحدة.

سياق مضطرب

جاء توجيه الاتهامات الجزائرية لجارتها المغربية باستخدام أسلحة متطورة لاستهداف مدنيين عبر الحدود الجزائرية الموريتانية، في سياق استمرار العلاقات الجزائرية المغربية المقطوعة منذ شهر أغسطس الماضي. ومنذ ذلك الوقت توجد بعض المؤشرات الدالة على استمرار تصاعد التوتر بين الدولتين، ومن ذلك ما يلي: 

1- سعي الجزائر لإدانة المغرب دولياً: بعد هذه الاتهامات صعدت الجزائر على المستوى الدولي بحشد الرأي العام الدولي ضد المغرب، حيث عرض الوفد الجزائري في نيويورك أمام مجلس الأمن في 14 أبريل الجاري ما أطلق عليه الانتهاكات المغربية الفظيعة والمتكررة التي يرتكبها الاحتلال المغربي ضد حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، في محاولة لإثبات أن المغرب لا تزال تحتل إقليم الصحراء الراغب في الحصول على تقرير مصيره، وهو ما دفع الوفد المغربي لنفي هذه الاتهامات وتوجيه اتهامات مضادة للجزائر بتجنيد الأطفال الصحراويين في مخيمات اللاجئين بتندوف.

2- إحباط الجزائر تهريب المخدرات من حدود المغرب: تواصل السلطات الجزائرية الإعلان بين حين وآخر عن نجاح قوات الجيش الوطني الشعبي في ضبط شحنات كبيرة من المخدرات التي يتم تهريبها عبر الحدود المغربية إلى الداخل الجزائري، في إشارة إلى ما تمثله المغرب من تهديدات أمنية تستهدف زعزعة الاستقرار الأمني والسياسي في الجزائر.

3- تبادل الاتهامات بشنّ هجمات إلكترونية: ففي شهر مارس الماضي اتهمت الجزائر المغرب بشن هجمات سيبرانية واختراق وزارة العدل الجزائرية. ومن الجدير بالذكر أن هذه الهجمات السيبرانية ليست الأولى من نوعها، ففي نهاية نوفمبر الماضي، تعرض موقع الاتحاد العام للمؤسسات المغربية (CGEM) للقرصنة، بينما هاجمت مجموعة الهاكرز المغربيين “موروكو هاك تيم” موقع وزارة المالية الجزائرية. وقام قراصنة في 17 ديسمبر 2020 بتعطيل موقع الوكالة الوطنية لتثمين موارد المحروقات. وقالت وزارة الطاقة في بيان لها، في 18 ديسمبر 2020، إن الموقع الإلكتروني للوكالة تعرض لهجوم من طرف الهاكرز، ودعت لتفادي الولوج للموقع إلى حين عودة الأمور إلى نصابها بعد اتخاذ الإجراءات اللازمة لإيقاف الهجوم. وتصاعدت موجة الهجمات حسب عدد من المتابعين والمختصين، واستهدفت بشكل كبير المواقع التابعة لقطاعات حكومية، وبعض المؤسسات الإعلامية.

  4- الخلاف حول أصول بعض الشخصيات التاريخية: امتدت مؤشرات التوتر في العلاقات البينية للجزائر والمغرب إلى تصاعد الخلاف حول بعض الأعمال الفنية التي يتم عرضها على بعض القنوات الفضائية، ومن الأمثلة الدالة على ذلك تصاعد الجدل بين المغرب والجزائر حول أصول الشخصية الإسلامية التاريخية “طارق بن زياد” الذي قاد فتوحات الأندلس خلال الفترة 709م – 715م، ضمن أحداث العمل الدرامي “فتح الأندلس” (إنتاج سوري كويتي) والذي يشير إليه باعتباره شخصية عربية، إلا أن المغرب ترى أن “طارق بن زياد” ذو أصول أمازيغية، في حين ادعت الجزائر أنه جزائري الأصل.

   5- انتقاد الجزائر للتقارب المغربي الإسباني: انتقدت الجزائر التقارب السياسي الملحوظ بين المغرب وإسبانيا، وخاصة بعد التغير النوعي في الموقف الرسمي الإسباني وتأييد المقترح المغربي الخاص بمنح إقليم الصحراء المغربية حكماً ذاتياً تحت السيادة المغربية، في حين تؤيد الجزائر مطالب جبهة البوليساريو بإجراء استفتاء شعبي حول حق تقرير المصير، وهو ما دفع الجزائر في المقابل إلى تعزيز علاقاتها بإيطاليا والإعلان عن زيادة إمداداتها من الغاز الطبيعي بحوالي 9 مليارات متر مكعب إضافية، وهو ما قد تستند إليه الجزائر فيما بعد لتبرير تخفيض إمداداتها من الغاز لإسبانيا.

مبررات جزائرية

يُمكن تفسير التصعيد الجزائري ضد المغرب في الوقت الراهن، واتهامها بارتكاب أعمال عدائية وإرهابية، من خلال وجهة النظر الجزائرية التي ترى في هذه الأعمال إرهاب دولة، وذلك كما يلي:

1- وجود رغبات توسعية للمغرب: بررت الجزائر اتهاماتها المتكررة للمغرب بأن الأخيرة لديها مخططات للتوسع في المنطقة وهو ما يشكل تحدياً لمجلس الأمن الدولي، إذ تؤدي هذه العمليات إلى عرقلة عمل المبعوث الأممي لإقليم الصحراء “ستيفان دي ميستورا”، وبالتالي العمل على تقويض الجهود الأممية لتسوية قضية الصحراء، ومن ثم تهديد الاستقرار والسلم الإقليميين.

2- عدم استقلالية صنع القرار: ترى الجزائر أن ارتكاب المغرب لهذه الأعمال إنما يدل على أن هناك أطرافاً خارجية أصبحت تحدد وترسم توجهات السياسة الخارجية المغربية، وذلك في إشارة إلى تأثير التطبيع الحاصل في العلاقات المغربية الإسرائيلية على عملية صنع واتخاذ القرار السياسي في المغرب، وهو ما جعل الرباط تلعب دور المنفذ لمخططات الصهيونية العالمية.

3- التقارب الاقتصادي الجزائري الموريتاني: إن ارتكاب المغرب لهذه الأعمال العدائية يمثل انعكاساً لحالة القلق التي أصابت الرباط في الوقت الراهن إزاء التقارب الجزائري الموريتاني وخاصة على المستوى الاقتصادي، وهو ما دفع الرباط للعمل على استخدام الحدود الصحراوية الموريتانية مسرحاً لمثل هذه العمليات بغرض قطع أواصر التواصل بين القاطنين فيها.

4- منع الاستقرار وعرقلة التقدم الاقتصادي: إذ تُمثل هذه العمليات العسكرية مصدراً لإضعاف قدرات الدول على تحقيق الاستقرار ومنعها من تحقيق التقدم الاقتصادي، وهو ما يؤدي بدوره إلى جر منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا إلى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي والأمني. وفي هذا الإطار، ترى الجزائر أن المغرب ترغب في استفزاز الجزائر لجرها للدخول في مواجهة عسكرية مباشرة، إلا أن الجزائر تبنت استراتيجية الرد على هذه الأعمال الاستفزازية عبر الطرق القانونية.

5- عدم القدرة على المواجهة المباشرة: ترى الجزائر أيضاً أن القوات المسلحة المغربية ليست لديها القدرة الكافية على الدخول في مواجهات ميدانية مباشرة، وهو ما يدفعها إلى ارتكاب مثل هذه العمليات باستخدام “الطائرات دون طيار” التي تعد مؤشراً على تبني الرباط إرهاب الدولة مثلما تقوم به إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

دلالات هامة

تحمل التوترات المتصاعدة بين الجانبين الجزائري والمغربي مجموعة من الدلالات السياسية الهامة، على النحو التالي:

1- تصعيد متجدد بين الجزائر والمغرب: فهذه ليست المرة الأولى التي توجه فيها الجزائر اتهامات للمغرب بارتكاب أعمال عدائية ضدها، ففي شهر نوفمبر الماضي أعلنت الجزائر ومعها جبهة البوليساريو قيام القوات المسلحة المغربية بتسيير طائرات دون طيار وقصف شاحنات تجارية تتنقل بين الجزائر وموريتانيا مما أدى إلى مقتل ثلاثة جنود جزائريين، وقبلها في شهر أغسطس الماضي اتهمت الرباط كذلك بالوقوف وراء عملية قصف شاحنة بصاروخ في منطقة “الكاعة” قرب “تندوف”؛ إلا أن “منتدى فورساتين” اتهم الجبهة الانفصالية (البوليساريو) بفبركة الحادث بهدف استغلال الصحراويين لتحقيق أغراض محددة بهدف تمرير مغالطاتها المعهودة، وفي ذلك الوقت نفت الرباط القيام باستهداف أي مواطن جزائري، ورفضت ما وصفته الرباط بالمحاولات الجزائرية الاستفزازية لجر المغرب لمواجهات عسكرية مباشرة.

2- نفي موريتاني لاستهداف المغرب القوافل التجارية: في حين اتّهمت الجزائر جارتها المغرب باستهداف قوافل تجارية في الحدود الجزائرية الموريتانية، إلا أن الحكومة الموريتانية أعلنت أن هذا القصف لا يستهدف موريتانيا بالأساس نظراً لأن القصف وقع خارج الأراضي الموريتانية، وذلك رغم مقتل ثلاثة موريتانيين في هذا الحادث، وهو ما يفسر عدم إصدار وزارة الخارجية الموريتانية أي بيانات حول هذا الحادث، وهو ما يدحض الاتهامات الجزائرية الموجهة إلى الرباط التي لم تُصدر أي بيانات في هذا الشأن.

3- ادّعاء الجزائر بتصدير المغرب الأزمات لها: تُشير الاتهامات الجزائرية المتكررة لجارتها المغرب إلى رغبة القيادة السياسية الجزائرية في توظيف الخلافات الجزائرية المغربية للتغطية على بعض المشكلات الداخلية، وخاصة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وتصدير صورة مستمرة بأن المغرب تمثل خطراً مستمراً على الأمن القومي الجزائري، ويعكس ذلك مطالبة رئيس مجلس الأمة الجزائري “صالح قوجيل” الشعب الجزائري بالالتفاف حول الرئيس “تبون”، وكذلك التصريحات الأخيرة لرئيس الأركان الجزائري “السعيد شنقريحة” التي أشار فيها إلى وجود مخاطر أمنية محدقة تُهدد الأمن القومي للبلاد، وهو ما يتطلب وحدة الصف الداخلي والالتفاف حول القيادة السياسية للبلاد، وذلك لمواجهة تآمر بعض الجهات الأجنبية مع المغرب.

   4- تبني الجزائر سياسة الضغط على المغرب: تُشير التوترات المتصاعدة بين الجزائر والمغرب إلى تبني الجزائر سياسة ضاغطة على المغرب بسبب ما تقوم به الأخيرة من تحركات دبلوماسية مكثفة على الصعيدين الإقليمي والدولي، والتي أسفرت -في مجملها- عن تأييد الموقف المغربي المتعلق بتسوية قضية الصحراء المغربية، وكذلك فيما يتعلق بالتطبيع المغربي الإسرائيلي المتسارع في العلاقات الثنائية بينهما، وما ترتب على ذلك من تطوير مغربي لقدراتها العسكرية بشكل أصبح يمثل قلقاً جزائرياً متصاعداً. وفي هذا الإطار، حصلت المغرب على مجموعة من الأنظمة الدفاعية المتطورة من إسرائيل لاعتراض الصواريخ والقذائف المدفعية بعد التقارب السياسي الأخير بين الدولتين.

تصعيد متواصل

خلاصة القول، تعكس الاتهامات الجزائرية للمغرب بشن هجمات عسكرية ضد القوافل التجارية التي استهدفتها على الحدود الجزائرية الموريتانية، استمرار نمط العلاقات المتوترة بين الدولتين. وترجح المعطيات الراهنة استمرار التوتر، واتجاهه نحو مزيد من التصعيد خلال الفترة القادمة، خاصة وأن التصعيد الجزائري يؤكد على دعمها لجبهة البوليساريو، وتأييد محاولات تصعيدها ضد المغرب.